الرئيس الجزائري في ذكرى أكبر الجرائم الاستعمارية الفرنسية: ملف الذاكرة لا يسقط بالتقادم ولا يقبل التنازل والمساومة

حجم الخط
0

الجزائر- “القدس العربي”:

أكّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن ملف الذاكرة الوطنية في فترة الاستعمار، سيبقى في صميم انشغالات السلطات الجزائرية، حتى تتحقق معالجته “معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية”. يأتي ذلك في وقت تعرف العلاقات مع فرنسا تحسنا نسبيا وخطوات لحلحلة قضايا عالقة بين البلدين.

وأوضح تبون في رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة المخلد للذكرى الـ79 لمجازر الثامن مايو 1945، أن “عناية الدولة بمسألة الذاكرة، ترتكز على تقدير المسؤولية الوطنية في حفظ إرث الأجيال من أمجاد أسلافهم، وتنبع من اعتزاز الأمة بماضيها المشرف، ومن جسامة تضحيات الشعب في تاريخ الجزائر القديم والحديث لدحر الأطماع، وإبطال كيد الحاقدين الذين ما انفكوا يتوارثون نوايا النيل من وحدتها وقوتها، ومازالت سلالاتهم إلى اليوم تتلطخ في وحل استهداف بلادنا”.

وأبرز أن “ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية”. وأضاف قائلا “إنني في الوقت الذي أؤكد الاستعداد للتوجه نحو المستقبل في أجواء الثقة، أعتبر أن المصداقية والجدية مطلبًا أساسيًا لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس وما يمثله لدى الشعب الجزائري الفخور بنضاله الوطني الطويل، وكفاحه المسلح المرير.. والوفي للشهداء ولرسالة نوفمبر الخالدة”.

واعتبر تبون أن “مجازر 8 مايو 1945، التي أقدم عليها الاستعمار بأقصى درجات الحقد والوحشية لإخماد سيرورة مد نضالي وطني متصاعد أدى إلى مظاهرات غاضبة عارمة انتفض خلالها الشعب الجزائري آنذاك معبرًا عن تطلعه إلى الحرية والاستقلال، كانت إعلانًا مدويًا عن قرب اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر 1954.”

وذكر أن الشعب الجزائري في هذه الانتفاضة التاريخية الخالدة “صنع مشهدًا ملحميًا في سطيف وقالمة وخراطة وعين تموشنت وغيرها من المدن الجزائرية، أصاب الاستعمار بالذهول والجنون، ودفعه إلى ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، وهو مشهد رهيب ومروع، جسد لحظة تاريخية مفصلية انعطفت بنضالات الحركة الوطنية ورصيدها عبر عقود من الزمن نحو المواجهة المسلحة التي قادها – فيما بعد – رجال ترعرعوا في صلب النضال الوطني ففجروا ثورة التحرير، وألقوا بها إلى الشعب ليعتنقها وينخرط في مسارها البطولي العظيم”.

وتابع يقول: “لقد جعلنا من ذكرى مجازر 8 مايو 1945، التي دفع فيها الشعب من دماء أبنائه خمسة وأربعين ألف (45000) شهيدًا، يومًا وطنيًا للذاكرة، اعتزازًا بفصول المسيرة الوطنية الحافلة بالنضالات جيلًا بعد جيل، منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرضنا الطاهرة”، لافتا إلى أن “مظاهرات 8 مايو، إحدى المحطات الدامية التي سجلها التاريخ الحديث في مصاف النماذج المعبرة عن مناهضة الاستعمار والتعلق بالحرية والكرامة، وواحدة من أعظم الأمثلة في العالم على حجم وعمق التضحيات والدماء والمآسي التي تكبدتها الشعوب المستعمرة ثمنًا للتخلص من الظلم والهيمنة، واستعادة السيادة الوطنية”.

وبقدر ما كان يوم 8 أيار/مايو 1945 سعيدا في فرنسا التي تخلصت من الاحتلال النازي الألماني، كان في الجزائر عنوانا وشاهدا على مأساة الاستعمار وحقيقته، حيث قوبل الجزائريون بالرصاص الحي، فقط لأنهم خرجوا مطالبين فرنسا بتنفيذ وعودها في منحهم الاستقلال بعد أن ساعدوها في التحرر من النازية.

وسعت التقارير الفرنسية للتقليل من عدد القتلى نتيجة أحداث الثامن أيار/ماي، فوزير الداخلية الفرنسي في ذلك الوقت، ذكر في تقريره أن عدد القتلى من الجانب الجزائري يتراوح ما بين 1200 إلى 1500 قتيل.  أما التقديرات الجزائرية، فقد حددت العدد بين 45 ألف إلى 100 ألف قتيل، في حين ذكر أجانب أن عدد الضحايا ما بين 50 ألف إلى 70 ألف، تضاف إلى حوالي 200 ألف بين قتيل و جريح، جندتهم فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية.

وتحاول الجزائر وفرنسا من خلال إنشائهما لجنة المؤرخين المشتركة إلى إزالة الاحتقان الذي طبع ملف الذاكرة، حيث يقوم الجانبان بالعمل منذ نحو سنة على القضايا المتعلقة بفتح وإعادة الارشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين، وكذلك التجارب النووية والمفقودين. كما يسعى المؤرخون من الجانبين، إلى إلقاء الضوء على بدايات الغزو الفرنسي للجزائر منذ سنة 1830 والتي تعد من أكثر الفترات ظلاما في التاريخ الاستعماري، حيث يتحدث المؤرخون عن ارتكاب الغزاة جرائم إبادة جماعية في حق الجزائريين وعمليات تهجير إلى دول بعيدة واتخاذهم إجراءات جائرة لنزع ملكية الجزائريين لأخصب أراضيهم فضلا عن تطبيق سياسة الأرض المحروقة لتجويع الجزائريين الذين قاوموا بضراوة الاستعمار فيما عرف تاريخيا بالثورات الشعبية.

وتؤكد الجزائر وفق تدخلات مسؤوليها، أن معالجة القضايا التاريخية مع فرنسا لا يعني تجاوزها أو القفز عليها، كما يرفض الجانب الجزائري أي محاولة لمساواة الضحية بالجلاد في النظر إلى التاريخ الاستعماري، وهي النظرة التي لا تزال تطبع اليمين الفرنسي الذي يحاول في كل مرة استخدام ملف الذاكرة كمادة للجدل السياسي لمحاولة استقطاب أصوات المعمرين السابقين في الجزائر ونسلهم. ورغم الهدوء الذي يطبع محور الجزائر باريس والنوايا الإيجابية في إتمام زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لباريس خريف هذا العام، تبقى العلاقات بين البلدين بحكم الماضي التاريخي الأليم متأرجحة سياسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية