الخيار لا يطبخ والسلطة رفاهية.. حكومة الأردن تستهدف المحاشي.. والشيف بايدن يطهو «كويك ميناء»

كيف يمكن إقناع الوزير الميداني النشط للتجارة والصناعة في الأردن يوسف الشمالي أن سلعة «الخيار» تطبخ فعلا في بيوت مئات الأردنيين وفي الوقت نفسه إقناع زميله وزميلنا وزير الاتصال بأن السلطة ليست طبقا للرفاهية؟
شخصيا تناولت مرات عدة – وقبل ظهور المذيع عمرو أديب مع «حلة كوسا محشي» على الهواء – طبقا لذيذا مكونه الأساسي «الخيار المحشي».
ما تخطط له الحكومة تقليص مساحة «المحاشي» في وجدان الشعب لتصبح مقتصرة على ما عدده الوزير، حيث الكوسا والباذنجان – مع أن بيوت بغداد مثلا تحشي كل الخضراوات، في ما يسمى «الدولمه» – وصغرى بناتي، التي تتعلم «فن الطهي» الآن قدمت لنا مؤخرا طبقا منزليا يشمل حشي كل ما في المنزل من خضار.
قالها الوزيران ونقلتها كاميرات تلفزيون الحكومة الرسمي وبقية الفضائيات بدون تردد: «الخيار لا يطبخ وليس سلعة أساسية، ويوجد بدائل عنه في طبق السلطة، الذي يصنف الآن بأنه رفاهية».
أبرز برنامج تلفزيوني لفنون الطبخ ذلك الذي يبثه الزملاء في «تلفزيون رؤيا».
ولو كنت في موقع معدي مطبخ «رؤيا» لاتجهت فورا للرد بذكاء على الحكومة وتصنيفاتها المستجدة التقشفية في ما يفرم أو يحشى لاستضافة «السيدة الأنيقة»، التي تطهو على الهواء وطلبت منها تعليم الطاقم الوزاري كيفية «طبخ الخيار».
أغلب التقدير أن معالي الوزير ليس لديه تفسير لسبب ارتفاع سعر الخيار في الأسواق فجأة عشية شهر رمضان، فقرر فورا إبلاغ الأردنيين أن الخيار لا يطبخ، وعليهم العودة لمطبخ زمان بتاع العدس والجريش.

سلطة الحراثين

طلب أحدهم مني نقل السؤال التالي لوزير الاتصال: ما هو تصنيفكم لطبق سلطة «الحراثين»؟
الشعب، الذي يحشي ويطهو رجل الدجاجة، تريد الحكومة أن تقنعه أن ارتفاع سعر الخيار مبرر، وما شعرت به كمراقب أن الطاقم الوزاري في طريقة للتحول إلى برنامج «مسابقات الطهي»، الذي تبثه سنويا قناة «أم بي سي»، ونشاهد خلاله سكاكين ودموعا ومحكما بربطة شعر.
حسنا، إذ كان طبق السلطة «رفاهية» هل نتوقع قرارا لمجلس الوزراء يحظر «طبق المنسف» قريبا، نظرا لأنه الأكثر كلفة على الإطلاق؟
بالمناسبة غرق الوزراء في تصنيفات «الطهي»، وموقع حبة الخيار من سلاسل التزويد وطبق السلطة في هرم أزمة الشحن، والبحر الأحمر دليل إضافي على حاجتنا الملحة وطنيا لـ»مطبخ سياسي» حقيقي وعميق يتولى «تشخيص مصلحة البلاد والعباد».
لا أعرف سببا يدفع الحكومة للامتناع عن «تقليد» المصارحة والشفافية المرجعية، التي ظهرت بين أهلنا في معان.
والحكومة حتى «لا تفتي» بمسائل الخضار والطبخات، يمكنها مصارحة الشعب بعبارة واحدة سيتقبل فكرتها «عزيزي المواطن الأسعار سترتفع في رمضان وعليك التقشف قليلا، والأيام المقبلة صعبة للغاية»!

الشيف بايدن

وما دمنا في عالم الطبخ والجوع والطعام، لا بد من الوقوف عند المواطن، الذي يتوقف مع كاميرا «الجزيرة» على شاطئ غزة نهاية الأسبوع، وكان يعرض عبوة «وجبة جاهزة» ألقتها طائرات أمريكية وتلقفها الرجل.
مراسل «الجزيرة» نفسه ظهر بوجه شاحب من قلة الطعام، سأل متلقف الوجبة الأمريكية عن محتوياتها فقال: لا أعرف ما في داخلها، لكنها واضح لا تكفي لابن جارتنا.
تقول المعلومات إن الجيش الأمريكي يلقي وجبات «صحية وخفيفة» على النمط الغربي، والكمية أقل من 200 غرام، ومع شعب التهم حشائش الأرض المخلوطة بالبارود الإسرائيلي، يمكن القول إن تلك الوجبة أقرب إلى صيغة «ضحك على الذقون»!
لا مجال للاختيار الآن، وما تفرضه الإنزالات الجوية هو وجبة قسرية لا تسمن ولا تغني من جوع، مع أن «الإنسانية» تقتضي بأن ترسل كميات من المواد الأساسية، بدلا من وجبات العطاءات والمقاولات إياها، ويترك للجائع الحق في طريقة الطهي والاستخدام.
حتى «سي أن أن» حاولت تتبع هيكل 2 مليون وجبة، قرر الرئيس بايدن إرسالها للشعب الجائع شمالي القطاع يوميا.
ولإنجاز هذه المهمة الإنسانية النبيلة سيتفرغ، حسب شاشة «سكاي نيوز»، التي توسعت فجأة بالتفاصيل 4 آلاف جندي مارينز لبناء «ميناء جديد».
الفيلم برمته مش راكب وينطوي على رسائل للسذج والبسطاء: بايدن يرسل للجيش الإسرائيلي المجرم الذخيرة، التي تفتك بالنساء والأطفال في غزة، ثم يذرف دموع التماسيح على الضحايا، ولا يستطيع ارغامها على وقف القتل والدمار للمدنيين؟!
ويقرر مع مفوضة الإتحاد الأوروبي، إرسال أسطول عسكري لإقامة ميناء حصلت معركة 7 أكتوبر أصلا من أجله، وفي نيته تقديم أطنان وجبات جاهزة على طريقة «كويك ميل» في ظل القتل والدمار واستمرار الحرب.
أين الحلقة المفقودة في مطبخ بايدن الجديد؟! الجواب واضح ويمكن افتراضه من مداخلة استفسارية، أغضبت مصطفى بكري، على قناة «النيل» المصرية لخبير فلسطيني سأل: يا جماعة الخير هو معبر رفح مفتوح ولا مغلق؟!
في تقديري – وأمري إلى ألله – أن «الشيف بايدن» يتواطأ مجددا مع بعض العرب والعجم للإقامة الدائمة عسكريا ولوجستيا على شواطئ غزة، بذريعة «معبر قبرص» وتقديم وجباته السريعة للجوعى في غزة.
تلك خلاصة لا تحتاج لعبقرية، لكن السؤال: لماذا؟ ما هي الخطوة التالية للميناء المريب؟

٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية