الخبير في حقوق الإنسان علي البياتي: ضعف أجهزة إنفاذ القانون وراء تكرار حوادث اغتيال مشاهير التواصل الاجتماعي في العراق

مشرق ريسان
حجم الخط
0

غالباً ما ترتبط الفتيات «البلوغرز» بعلاقات وثيقة مع مسؤولين أمنيين وضباط في المؤسسة الأمنية العراقية، حسب ما ينشرن في مدوّناتهم في كثير من الحالات.

بغداد ـ «القدس العربي»: ينتظر الشارع العراقي نتائج التحقيق بحادثة مقتل «أم فهد» إحدى مشاهير منصّات التواصل الاجتماعي في العراق، التي لقيت مصرعها على يد «قاتل مجهول» أواخر نيسان/أبريل الماضي، على غرار حوادث سابقة تحمل البصمات ذاتها، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام تكرار هذه العمليات مستقبلاً، خصوصاً أن السلطات لم تتمكّن من التوصل إلى الجناة.
ووقعت الجريمة ليلة 27 نيسان/أبريل الماضي، في حيّ زيونة الراقي شرقي العاصمة بغداد، عندما كانت «البلوغر» أم فهد (غفران مهدي 30 عاماً) تركن سيارتها، قبل أن يتربص بها قاتل مجهول ويستهدفها برصاصتين استقرتا في منطقة الرأس، ليلوذ بهدها بالفرار.
وتنشط العشرات من الشخصيات العراقية على منصّات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً في «تيك توك» و«سناب شات» و«انستغرام» وتحظى بمئات الآلاف أو الملايين من المتابعين الحريصين على مشاهدة صور ولقطات مصورة لهؤلاء المشاهير وهم ينشرون يومياتهم، التي غالباً ما تكون في المنزل أو عند قيادة سيارة فارهة.
وغالباً ما ترتبط الفتيات «البلوغرز» بعلاقات وثيقة مع مسؤولين أمنيين وضباط في المؤسسة الأمنية العراقية، حسب ما ينشرن في مدوّناتهم في كثير من الحالات.
وفي آذار/مارس الماضي، أعلنت السلطات العراقية الكشف عن شبكة تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لابتزاز المؤسسة الأمنية والضباط والمنتسبين ومساومتهم.
وقال يحيى رسول المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بيان حينها، إن «التحقيقات توصلت إلى تحديد عناصر شبكة داخل المؤسسة تعمل على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (صفحات بأسماء مستعارة) لابتزاز المؤسسة الأمنية والإساءة لرموزها».
وأضاف رسول أن «لجنة تحقيقية برئاسة وزير الداخلية وعضوية رئيس جهاز الأمن الوطني والمفتش العسكري لوزارة الدفاع قررت إحالة الضباط المتورطين بهذا الفعل غير القانوني إلى الإمرة، واستمرار الإجراءات القانونية اللازمة وإكمال التحقيقات بحقهم».
وفي العام الماضي، أصدر القضاء العراقي حكماً مدّة 6 أشهر بحق «أم فهد» بتهمة نشر «المحتوى الهابط» وهو إجراء حديث اتبعته الأجهزة القضائية والأمنية في العراق، لملاحقة مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، ممن تعتقد بأنهم ينشرون محتوى غير لائق.
الخبير في مجال حقوق الإنسان، علي البياتي، يرى أن إجراءات مؤسسات الدولة العراقية في «مكافحة المحتوى الهابط» عزّزت خطاب الكراهية في البلاد، الأمر الذي يعدّ أحد أسباب اغتيال مشاهير منصات التواصل الاجتماعي.
البياتي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مفوضية حقوق الإنسان في العراق، يقول لـ«القدس العربي» معلّقاً على تزايد تلك الجرائم والإفلات من العقاب، إن «هذا الملف ليس ببعيد عن الفوضى في العراق في جميع الجوانب (اقتصادية، سياسية، إعلامية) والمؤسساتي بشكل عام. هو ملف متداخل مع قضايا الفساد والابتزاز واستغلال موارد الدولة وغسيل الأموال».
وعبّر البياتي عن استغرابه من «وجود واجهات وشخصيات في الإعلام مهما كانت محتوياتها وعناوينها، لها التأثير الكبير داخل الدولة والعلاقات الواسعة والأموال الطائلة، وهو أمر عليه الكثير من علامات الاستفهام».
وتساءل: «أين المؤسسات الرقابية للدولة، خصوصاً الأمن الوطني والاستخبارات والنزاهة، من صعود هكذا شخصيات من العدم إلى الواجهة، وامتلاكها هذا التأثير الكبير والعلاقات الواسعة؟» مبيناً أن «استهداف هكذا شخصيات مرّ تحت عنوان مكافحة المحتوى الهابط، الذي يعدّ خطوة غير موفقة وليس لها أساس قانوني واضح، وأساساً في توريط مؤسسات الدولة في خلق خطاب كراهية كان مقدمة لهكذا نتائج (في إشارة إلى استهداف المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي) واستهدافهم من خلال مجاميع مجهولة وعصابات، وإنهاء حياتهم بهذه الطريقة».
واعتبر أن عمليات قتل هذه الشخصيات والعناوين «ليست جديدة وتكررت، وهي دليل على ضعف أجهزة انفاذ القانون سواء في حماية المواطن أيّاً كان أو في متابعة هذا الملف الجنائي- إن لم يكن متعلقاً بملفات سياسية أو فساد وربما مرتبط إقليمياً ودوليا» مبيناً أن هذه الحوادث «سرعان ما تتحول لقضية رأي عام، خصوصاً لتعلقها بالملف الأمني، الأمر الذي يترك آثاراً واضحة في العراق على المستوى السياسي والاقتصادي ووجود المؤسسات الدولية».
ورأى أن «مقتل هذه الشخصيات وانعكاسه سيترك أثراً كبيراً» لافتاً إلى أن «الخلل الأساسي هو إهمال هذا الملف منذ البداية وعدم متابعته، فضلاً عن عدم متابعة طريقة نمو هذه الأسماء وانتهائها بهذه الطريقة. المواطن والمراقب لا يعلم كيف بدأت وكيف نمت وتطورت وأصبحت لديها هذه الامكانات ولا كيف تمت تصفيتها والجهات التي تقف وراء ذلك وغايتها».
وأكد البياتي أن «الجانب الأخطر في هذا الملف يتعلق بمكافحة المحتوى الهابط، الذي يمثّل خطوة غير موفقة لمؤسسات الدولة، التي أشركت المجتمع في خلق خطاب كراهية ضد هؤلاء، واليوم نرى أثر ذلك بشكل واضح. هناك رأي داعم لقتل هؤلاء في الشارع» منوهاً بأن «المجتمع بدأ يحمل نوعاً من الرضا والرغبة بالانتقام في مسألة تصفية الحسابات حسب قانون الغاب وعدم الاعتماد على القانون ومؤسسات الدولة في التقاضي والقصاص، وهذا أخطر ما في الأمر، ودليل آخر على فقدان الثقة بمؤسسات الدولة المساهمة أيضاً في خلق هذه الفجوة الاجتماعية».
وأكد أن هؤلاء الضحايا «قد يمتلكون صفات بعيدة عن أصالة التقاليد وأعراف المجتمع العراقي، وقد يكونون قد قاموا بأفعال لا تليق بهذه القيم المجتمعية، ولكنهم نموا بعلم الدولة، وتمكنوا بمساعدة شخصيات داخل الدولة وبإمكاناتها».
ورجّح البياتي تكرار هذه الجرائم وإنها لن تقف عند هذا الحدّ، معلّلاً ذلك لـ«عدم وجود إجراءات حقيقية لمنع تكرار حدوثها، أو لتدارك ومعالجة نتائج ما يحدث من فوضى وانتهاكات وتجاوزات وأعمال خارج نطاق القانون».
وبينما انتشر خبر قتل «أم فهد» حتى بدأ الناشطون والمتابعون لمنصّات التواصل الاجتماعي، بنشر معلومات عن الجريمة، فهناك من تحدث عن «تصفية مباشرة» لها بسبب امتلاكها أدلة تثبت علاقتها بشخصيات مهمة وضباط، وأن القاتل نفّذ جريمته وسرق هواتفها لإخفاء تلك الأدلة.
غير أن الناطق باسم الداخلية العميد مقداد ميري قال في مقابل تلفزيونية، إن «حادثة اغتيال أم فهد لم ينفذها (سائق دليفري) إنما كان قاتلاً متمرساً، ونفذ جريمته باحترافية عالية وبدم بارد» مؤكداً أن «الأجهزة الأمنية تعمل على مدار 24 ساعة بالبحث عن هذا الموضوع».
وأضاف: «ما يتم تداوله بخصوص اتهام ضابط (معروف) بقضية الحادثة، عبارة عن كلام إنشائي ويثار على مواقع التواصل الاجتماعي» مشيراً إلى أن «هذا الموضوع غير صحيح إطلاقا، حسب التحقيقات».
وحادثة «أم فهد» لم تكن الأولى من نوعها، ففي نهاية أيلول/سبتمبر 2023 لقي «بلوغر وموديل ميك اب ارتست» المعروف بـ«نور بي أم» 23 عاماً، ثلاث رصاصات في وضح النهار بمنطقة المنصور ببغداد.
وفي منتصف شباط/فبراير الماضي، قتل «البلوغر» العراقي المعروف باسم «سمسم» والبالغ من العمر (28 عاماً) بعد تعرضه للطعن بالسكين في البطن على يد مجهولين في محافظة الديوانية الجنوبية.
وفي صيف العام الماضي، ألزمت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية وسائل الإعلام باستبدال مصطلح «المثلية الجنسية» بـ«الشذوذ الجنسي» في محتواها المنشور والمُذاع، قبل أن يُجري البرلمان العراقي تعديلاً على قانون «مكافحة البغاء» الذي تنص أحكامه الجديدة على عقوبة «السجن لمدة تراوح بين 10 و15 عاما بالنسبة للعلاقات المثلية، فضلا عن تبادل الزوجات» كما يحظر القانون «نشاط أي منظمة تروج للبغاء والمثلية الجنسية في العراق» ويعاقب عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة «الترويج» للعلاقات المثلية.
ويمنع «تغيير الجنس البيولوجي للشخص بناء على الرغبات والميول الشخصية» تحت طائلة تعريض كل من غير جنسه وأي طبيب أجرى العملية لعقوبة السجن لمدة تراوح بين سنة وثلاث سنوات، وتطبق عقوبة مماثلة على أي «رجل يمارس التخنث بشكل مقصود أو يروج له».
وأثار التعديل الجديد في القانون قلق المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، بعكس موجة الترحيب السياسي في الداخل العراقي.
وحسب تعليق المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، فإنها ترى «أدلّة كثيرة على أن مثل هذه القوانين تشرعن التحيز وتعرّض الناس لجرائم الكراهية وتجاوزات الشرطة والتحرش والترهيب والابتزاز والتعذيب. كما أنها تكرس التمييز والحرمان من الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والسكن».
فيما قالت منظمة «العفو الدولية» إن إقرار السلطات العراقية لقانون يعاقب على «العلاقات المثلية» بالسجن لمدة تصل إلى 15 عامًا يمثل «صفعة أخرى لمجتمع الميم في البلاد».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية