الحراك الإسرائيلي والرد الفلسطيني والجمود العربي

حجم الخط
0

تتراوح تقديرات المراقبين والمحللين السياسيين، بين تنفيذ نتنياهو لوعده بضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، إلى دولة الكيان الصهيوني في الأول من يوليو المقبل، وتأجيل هذه الخطوة، انطلاقاً من قضايا داخلية منها: عدم ميل حليف الليكود، حزب «أزرق أبيض» إلى هذه الخطوة حاليا، وما يستلزمه الضم من إجراءات أمنية داخلية، تعبئة الاحتياط وانتهاج سياسة أمنية فاعلة، تكون قادرة على استيعاب سكان المنطقة المراد ضمها، أسباب خارجية من نمط، توتير العلاقة مع الأردن، وإمكانية التأثير في معاهدة وادي عربه المعقودة معه منذ عام 1994، كذلك شبه التغير في الموقف الأمريكي، الذي أصبح يدعو نتنياهو إلى التمهل في مسألة الضم، في الوقت الذي يعلن فيه بعض المسؤولين الأمريكيين «أن إسرائيل حرّة في التصرف بأرضها كما تشاء، ومن حقها القيام بضم المنطقة، التي تريد كما تشاء». كذلك بسبب الموقف الدولي المعارض للضم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الأسباب.
أما وجهة النظر الأولى حول الضّم في وقته، فكاتب هذه السطور مع هذا الرأي للأسباب التالية: في تاريخها منذ إنشائها القسري، لم يتراجع قادة الكيان عن وعود أطلقوها للمستوطنين المغتصبين الإسرائيليين، ونذكر هنا تصريحا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (القيادي السابق في منظمة ليحي الإرهابية الصهيونية) إسحق شامير عام 1984، قال فيه «لو أن أن كلّ العالم اتخذ قرارا في الأمم المتحدة، أو غيرها، وإسرائيل كان لها قرار مخالف، لتم تنفيذ القرار الإسرائيلي»، بدورها قالت «صحيفة «إسرائيل هيوم» الصادرة الاثنين الماضي، خيّر نتنياهو بيني غانتس بين الموافقة على قبول ضم أراض بالضفة الغربية، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة. وأضافت، أن الأخير يدرك أن غانتس لن يوافق على خطة الضم، لكن نتنياهو مصمم على تنفيذها. وأضافت «لقد أصبحت قضية السيادة (الضم) مهمة حياته، لقد أصبح أطول رئيس للوزراء في إسرائيل، وهو الآن يقاتل من أجل الإرث الذي سيتركه خلفه. وأضافت «أن نتنياهو يتمتع بأغلبية مضمونة في الحكومة، حتى بدون تصويت حزب «أزرق أبيض». وأشارت إلى أنه «في الأيام الأخيرة، التقى نتنياهو مع غانتس عدة مرات لحل المشكلة»، وقالت «ربط غانتس. الذي يحاول تحقيق إنجاز سياسي، قضية السيادة بالميزانية الوطنية.وواصلت «في تلك المحادثات وفي الرسائل التي تم تبادلها أوضح نتنياهو لشريكه في الائتلاف أنه بدون سيادة، لا يمكن أن تكون هناك حكومة وحدة، إما السيادة أو الانتخابات، لا يوجد حل وسط. حاليا يعمل نتنياهو على الاستجابة لشرط غانتس حول المالية، بإقرار ميزانية لمدة عامين، هو يستطيع بعد 18 شهرا الدعوة إلى انتخابات مبكرة بدون الاضطرار إلى تسليم القيادة في حكومة التناوب، بموجب اتفاق حزبي «الليكود» و»أزرق أبيض».
على صعيد الساحة الفلسطينية، في البداية من المهم التأكيد على أنه لا يمكن فهم بقاء الانقسام الفلسطيني على حاله، ولا يمكن فهم عدم عقد اجتماعات متتالية لكافة الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، لترسيم استراتيجية تتواءم مع الوضع الجديد. منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية، وضمها يعني بالمعنى الفعلي، ضم كامل أراضي الضفة الغربية، وإسقاطا نهائيا لشعار الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، وتكريسا للحل الإسرائيلي وتطبيقا لـ»صفقة القرن». وتقع معظم أراضي غور الأردن في المنطقة المصنفة (ج) في الضفة الغربية المحتلة، التي تسيطر إسرائيل على 60% منها فعليا. وهي من أخصب الأراضي الزراعية، ويطلق عليها «سلة الغذاء». ولأن مناخ الغور دافئ شتاءً وحار جداً صيفاً، فهو مناسب لزراعة الكثير من الخضر والفاكهة والأشجار الأخرى الكثيرة، كما أن المناخ الحار يناسب نبات الموز، حيث توجد في الغور مساحات شاسعة من مزارعه. وبحسب المصادر الصهيونية، فإنّ 56% من مساحة السهل تقتصر على الاستخدام العسكري، ولا يمكن للفلسطينيين الوصول إلى 85% من أراضيه، وبحسب أرقام الاتحاد الأوروبي، فإنّ غالبية عمليات الهدم، التي قامت بها إسرائيل منذ 2009 كانت في غور الأردن، فقد تم هدم 2403 مباني سكنية للفلسطينيين، ومنذ عام 1967 والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تعتبر الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الصهيوني، وقد انتهجت هذه الحكومات خططاً لتهويد الأغوار، وتمثلت بمجموعة من الإجراءات، أهمها عزل الشريط الحدودي مع الأردن، وبالتالي ترحيل وتشريد آلاف السكان الفلسطينيين من منطقة الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر. كما قامت إسرائيل بعزل ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، وما يعرف بالخط الأخضر، بحجج أمنية، حيث كانت هذه الأراضي تشكل الملكية الوحيدة لآلاف العائلات من المزارعين الفلسطينيين، وأقامت المستوطنات الزراعية والأمنية، كما منعت البناء والتطور العمراني في جميع قرى الأغوار، والأهم أن إسرائيل ومنذ بداية الاحتلال قامت بالسيطرة على مصادر المياه، ممثلة في نهر الأردن، إضافة بالطبع للمياه الجوفية.
من ناحية أخرى، أعلن السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان، استعداد الولايات المتحدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في منطقة غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، خلال الأسابيع المقبلة. وفي حوار مع صحيفة «إسرائيل اليوم» (20 مايو 2020) بمناسبة الذكرى الثانية لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، ذكر فيه إن واشنطن لن تفرض أي شروط على تل أبيب من أجل هذا الاعتراف، مشددا على أن العنصر الأهم هو إعلان الحكومة الإسرائيلية عن السيادة. وأضاف أن واشنطن ستعترف بسيادة إسرائيل على المناطق المنصوص عليها ضمن خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام، عند اكتمال ترسيم الخرائط، وموافقة حكومة تل أبيب على تجميد الاستيطان في مناطق «ج»، (واستمرارا لمزيدٍ من ذرّ الرماد في العيون) استأنف القول: وبعد موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي على التفاوض مع الفلسطينيين، على أساس خطة السلام الأمريكي،. وبشأن ما إذا كانت إدارة ترامب ستضغط على إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية، أكد الدبلوماسي الأمريكي أن الشرط الوحيد في ما يتعلق بهذه القضية هو أن يوافق رئيس الوزراء الإسرائيلي – بغض النظر عمن قد يكون- على التفاوض مع الفلسطينيين، بحسن نية لمدة أربع سنوات، وبالتزامن مع تصريحات فريدمان، أُعلن عن تصديق وزير الدفاع الإسرائيلي نقتالي بينيت على بناء 1100 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة إفرات، جنوب بيت لحم بالضفة الغربية.

اللحظة السياسية الراهنة تستدعي وحدة المواقف الوطنية والقومية والأممية، لإفشال المشاريع الأمريكية والصهيونية التصفوية

كانت تظاهرة أريحا التي جرت مساء الاثنين الماضي بحضور ممثلي 48 دولة، مثالا لما يتوجب أن يكون عليه الرّد الفلسطيني بشكل متواصل، وفيها أعلن صائب عريقات أن حوالي 195 دولة (وفقا لإحصائية الخارجية الفلسطينية) ترفض الضّم الإسرائيلي. لقد قامت السلطة الفلسطينية بحرق وثائق مهمة تحسبا لاحتمال إعادة احتلال رام الله، أسوة بما اقترفه شارون عام 2002 عندما أعاد اجتياح الضفة الغربية، كما أعلنت السلطة الفلسطينية، بدء تحللها من اتفاقيات أوسلو وتداعياتها، كما الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، والذي نأمل أن يتم تنفيذها بالسرعة الممكنة، وأن لا تكون وعوداً فقط. وقامت أيضا بسحب قوات الأمن من المنطق
( (C ورفض استلام أموال الضرائب الفلسطينية، التي تجنيها سلطات الكيان الصهيوني بعد خصم مخصصات أسر الشهداء والمعتقلين، والتي تقدر بـ20 مليون دينار شهريا، الأمر الذي أدّى بالسلطة لعدم دفع رواتب كافة الموظفين لشهر مايو الماضي، وربما لهذا الشهر أيضا، وللأسف لم تقم الدول العربية بإسناد السلطة ماديا. لأن عائلات الموظفين أصبحت محرومة من الاحتياجات الحياتية الرئيسية. أما بيان حركة «فتح»، فقد قام بتحريض أنصارها والجماهير الفلسطينية كافة على التظاهر الدائم في الشوارع، احتجاجا على خطوة الضّم الصهيونية المنوي اتخاذها قريبا، وقال البيان الذي وزع على نطاق واسع «يا أبناء شعبنا العظيم.. هبّوا لنصرة ترابكم الوطني، وشاركوا معنا في مسيرات الغضب المنددّة بسياسات الإجرام الصهيوني، ولنقف تحت الشمس، وأمام العالم بأسره ونرفع الصوت عاليا بكل العنفوان والتحدّي.. نعم للدولة الفِلسطينية المستقلّة.. نعم للقُدس عاصمة فِلسطين ودرّة الحلم». كما دعت الجبهة الشعبية، والعديد من الفصائل الوطنية الأخرى جماهير شعبنا في الوطن، إلى المشاركة الواسعة في الأنشطة والفعاليات الرافضة لمخططات الضم الصهيونية، مؤكدة أن اللحظة السياسية الخطيرة الراهنة تستدعي وحدة المواقف الوطنية والقومية والأممية، من أجل إفشال المشاريع الأمريكية والصهيونية التصفوية.
أما بالنسبة للنظام الرسمي العربي، فمعظمه لا يكترث بضياع الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وحصار غزة، بل العكس يساهم في هذا الحصار، ناسيا أن الدور الإسرائيلي المقبل سينصّب على احتلال أراضٍ عربية جديدة، وبدلاً من مساندة الفلسطينيين في معركتهم، يجري مزيدٌ من التطبيع مع العدو. يبدو أن هذا النظام لا يدرك حقيقة إسرائيل، أو بالأحرى لم ولا ولن يقرأها، تأتيه الأوامر الأمريكية، ينفذها بدون نقاش، وكأنها قَدَرْ.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية