الجزائر وموريتانيا.. نحو تكامل اقتصادي ينتهي بتحرير كلي للتجارة

حجم الخط
0

الجزائر- “القدس العربي”:  تُبدي الجزائر وموريتانيا، الدولتان المغاربيّتان المتجاورتان، رغبةً جامحة في تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي بينهما، مع طموح كبير أعلنه رئيسا البلدين عبد المجيد تبون ومحمد ولد الشيخ الغزواني، أمس، في الوصول إلى مرحلة فتح الحدود بين البلدين في مجال تبادل السلع والبضائع.

وجاء اختيار مكان اللقاء بولاية تندوف لاحتضان قمة الرئيسين الجزائري والموريتاني بدلالات رمزية كبيرة، إذ غالباً ما يستقبل الرؤساء بالجزائر العاصمة، لكن السياق هذه المرة، كان في اتجاه دعم المشاريع المشتركة على الحدود، في منطقة ظلّت لعقود طويلة مهملة.

وأشرف تبون وولد الغزواني، ضمن هذا المسعى، على تدشين المعبرين الحدوديين الثابتين الجزائر- موريتانيا، واللذين يحتويان على كافة المرافق الضرورية، حيث من المنتظر أن يحققا حركية اقتصادية بين البلدين، من شأنها رفع وتيرة التنمية بالمناطق الحدودية.

كما أشرف الرئيسان على إعطاء إشارة انطلاق مشروع إنجاز طريق تندوف- زويرات، الممتد على 840 كيلومتراً، والذي يأتي ليعكس مرحلة جديدة في العلاقات التاريخية بين البلدين.

وسيمكّن هذا المشروع الحيوي من فتح محاور طرق دولية هامة، والسماح للمتعاملين الجزائريين بالولوج إلى الأسواق الأفريقية، مروراً بموريتانيا، كما من شأنه أيضاً تعزيز التعاون الاقتصادي بين المتعاملين الاقتصاديين لكلا البلدين، وتنشيط الحركية الاقتصادية وانسيابية المبادلات التجارية، وفق الشروحات التي قدمت في العرض الذي استمع له الرئيسان باهتمام.

وينتظر أن يتم إنجاز هذا الطريق الإستراتيجي من قبل عشر مؤسسات جزائرية، ما يسمح للجزائر، ولأول مرة منذ استقلالها، بإنجاز منشأة ذات أهمية كبرى خارج حدودها.

ووفق اتفاقية الإنجاز، ستعكف الجزائر على استغلال الطريق في شكل امتياز لمدة 10 سنوات مع تجديد ضمني، بينما سيدخل عقد إنجاز هذه المنشأة القاعدية، التي لطالما شكّلت حلماً بالنسبة لسكان المناطق التي تعبرها، حيّز التنفيذ بمجرد استكمال الأشغال. أما محطات الوقود العديدة المتواجدة، على طول مسار الطريق، فسيتم إنجازها واستغلالها من قبل شركة نفطال الجزائرية.

وفي هذا السياق، شدّد الرئيس تبون على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في إنجاز المشروع، من خلال اعتماد نظام العمل دون انقطاع، مشيراً إلى الآفاق الجديدة للتعاون الثنائي التي سيفتحها هذا المشروع. بدوره، أعرب الرئيس الموريتاني عن شكره لرئيس الجمهورية على التزامه بتجسيد هذا المشروع الحيوي، مباركاً للبلدين هذا الإنجاز الهام.

أما المشروع الأبرز في لقاء الرئيسين، فكان وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين، والتي ستشكّل همزة وصل بين الجزائر وبلدان غرب أفريقيا.

وتقع هذه المنطقة الحرة بمحاذاة المعبر الحدودي “مصطفى بن بولعيد”، وهو ما سيمنح، وفق متابعين، دفعاً قوياً للتبادلات التجارية بين الجزائر وموريتانيا، ومنها إلى كافة دول المنطقة التي تشهد حجماً كبيراً لنشاطات الاستيراد والتصدير.

وأبرز الرئيس الجزائري، في تعليقه على عرض وزير التجارة، أن “السلع والبضائع الموريتانية واضحة الأصل مرحب بها دون ضريبة”، وهو الأمر نفسه -كما قال- بالنسبة للمنتجات الجزائرية.

ودعا تبون المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين إلى الاستثمار في منطقة التبادل الحر والاستفادة من الإعفاء الضريبي والجمركي، وهو نفس ما أكده الرئيس الموريتاني، الذي قال إن منطقة التبادل الحر ”ستكون منطقة تلاقٍ وجسر تبادل”.

وبحسب الرئيس الجزائري، ستتولى بنوك جزائرية وموريتانية ترسيم التبادلات التجارية بمنطقة التبادل الحر بتندوف”، وسيتم فتح المجال مستقبلاً، حتى لسلع تمنع الجزائر تصديرها لأنها مدعمة.

وأضاف في هذا الشأن أنّ “الجزائر ستنتج عن قريب السكر والزيت، ولن تكون أي عراقيل لتبادل هذه المنتوجات.” ووردَ في كلام الرئيس تبون إشارة لافتة، عندما قال: “هذه ما هي إلّا بداية، ونتمنى تبادل الخيرات لنصل إلى فتح الحدود نهائيًا بالنسبة المنتوجات الأصلية”.

وتتخذ العلاقة بين الجزائر وموريتانيا طابعاً إستراتيجياً في السنوات الماضية، يعكسها حجم الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى، إذ هذه ثاني زيارة يؤديها الرئيس ولد الغزواني للجزائر، في ظرف 3 سنوات.

وكان وزير الشؤون الجزائري أحمد عطاف، قد اختار العاصمة الموريتانية نواكشوط كأول وجهة خارجية له، فور توليه الوزارة، في آذار/مارس الماضي، في خطوة تعكس أيضاً حجم التقارب بين البلدين في الفترة الأخيرة.

وفي إطار التنسيق السياسي بين البلدين، يبحث البلدان باستمرار “تعزيز التوافق في مواقف البلدين في مجابهة مختلف التهديدات المشتركة والسعي لتقديم مساهمة فعلية لترقية أهداف السلم والأمن والتنمية جهوياً وقارياً ودولياً”.

وشهدت السنة الماضية عدة نشاطات مشتركة رفيعة التمثيل بين البلدين، على غرار الدورة الأولى للجنة الأمنية المشتركة الجزائرية-الموريتانية، التي انتهت باتفاق بين البلدين على حماية الحدود وتأمين طريق تندوف الزويرات، وتكثيف المعابر.

وسبق ذلك استضافة الجيش الموريتاني للدورة الرابعة عشرة للجنة المشتركة الجزائرية الموريتانية للتعاون العسكري، والتي كان الهدف منها تعزيز الشراكة العسكرية بين البلدين، وبحث سبل تطويرها، لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية