الجزائر تؤكد سعيها لمحاربة الهجرة غير النظامية في إطار ثلاثي مع تونس وليبيا

حجم الخط
0

الجزائر- «القدس العربي»: بدأت نتائج الاجتماع الثلاثي الذي انعقد بين رؤساء الجزائر وتونس وليبيا في قصر قرطاج، تعطي ثمارها الأولى بالاتفاق على مواجهة مشتركة لظاهرة الهجرة غير النظامية التي تجتاح المنطقة من دول الساحل وجنوب الصحراء، وذلك بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين وفي مقدمتهم إيطاليا التي تجمع الدول الثلاث بها علاقات متميزة.
وظهرت الرغبة في التعاون في هذا الملف، خلال أعمال الاجتماع التنسيقي رفيع المستوى حول قضايا الهجرة غير النظامية، الذي يجمع بروما وزراء داخلية الجزائر، إيطاليا، تونس وليبيا.
وأكد إبراهيم مراد، وزير الداخلية الجزائري، في هذا السياق، على ضرورة “تجاوز المقاربة التقليدية التي تقتصر على الإجراءات العملياتية والأمنية والإدارية لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، للانتقال بمساعينا المشتركة إلى التركيز على معالجة عميقة للأسباب الفعلية والجذرية لتنامي الهجرة غير الشرعية، من خلال تبني مقاربات شاملة ومنصفة وحلول ناجعة وفعالة وإنسانية”.
وأوضح أن هذا الطرح الذي وصفه بـ”الرصين” قد شكّل محور المناقشات التي أجراها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مع نظيريه رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد يونس المنفي، حيث اتفقوا على “وضع مقاربة تشاركية تهدف إلى تنمية المناطق الحدودية وتوحيد الرؤى والمواقف بخصوص مسألة الهجرة في المنطقة”. وفي التصور الجزائري، شدّد مراد على أن الجزائر “اعتمدت مقاربة شاملة ورؤية مندمجة لمواجهة الهجرة غير النظامية، قائمة على المحاور القانونية والتنموية والإنسانية والعملياتية”، وذلك ما يسمح -مثلما قال- بتكفل عادل وإنساني، يحمي كل الأطراف، مهما كان موطنهم أو وجهتهم، مع التركيز بشكل رئيسي على الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.
وأبرز أن الجزائر “تساهم بشكل ملحوظ في دعم الجهود التنموية لدول الجوار”، وذلك من خلال “استغلال جميع الأطر والآليات المتاحة، بما فيها الآليات المخصصة لتنمية المناطق الحدودية، فضلاً عن المرافعة عن قضية التنمية في كل المحافل الدولية، وتخصيص موارد هامة للدعم الإنساني وتجسيد المشاريع التنموية في بلدان الجوار، مع التركيز على المشاريع ذات الطابع الاندماجي التي من شأنها تحريك عجلة التنمية في هذه الدول وتمكينها من خلق فرص التنمية والشغل الكفيلة باستقطاب الفئات المرشحة للهجرة غير النظامية”.
وأشار إلى أن الجزائر تراعي في إطار جهودها لمعالجة ظاهرة الهجرة “جميع الجوانب الإنسانية، وذلك من خلال الاحترام التام لجميع التزاماتها المنبثقة عن الصكوك الدولية التي صادقت عليها، لا سيما تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان وكرامة المهاجرين”.
ولفت الوزير إلى أن الجزائر “بوفائها الثابت لسياستها التضامنية تجاه الدول الشقيقة، تبذل جهوداً تتعدى هذه الالتزامات من تعبئة موارد بشرية ومالية ومادية معتبرة، قصد التكفل ضمن أحسن الظروف الإنسانية بالمهاجرين غير النظاميين الذين يصلون في كثير من الأحيان إلى التراب الوطني، في ظروف صحية متدهورة، وبالأخص من خلال تقديم خدمات صحية لفائدتهم، لا سيما الفئات الهشة منهم على غرار الأطفال والنساء”.
وأضاف أن الخطة المعتمدة مكنت من تحقيق “نتائج جداً إيجابية، حيث تم تقليل محاولات الهجرة عبر البحر إلى أدنى مستوياتها، حيث تكاد تنعدم حالات الهجرة عبر البحر انطلاقاً من السواحل الجزائرية نحو إيطاليا، باعتبار أنها لم تتعد خلال سنة 2023 نسبة 0.4% من إجمالي المهاجرين غير النظاميين الوافدين إليها عبر مختلف المسارات”. واعتبر الوزير أن هذه “المنظومة المعقدة من الترتيبات اللوجستية والإمكانيات المادية الضخمة الضرورية لمعالجة مسألة الهجرة غير النظامية، تستوجب دعماً متواصلاً من مختلف الفاعلين المستفيدين من نتائجها لضمان ديمومتها ونجاعتها”. وكانت الجزائر قد واجهت مؤخراً أزمة مع دول النيجر على حدودها الجنوبية الشرقية، بعد ترحيل عدد من المهاجرين من هذا البلد، وهو ما احتجت بشأنه سلطات النيجر بقوة وقامت باستدعاء السفير الجزائري لديها إثر ذلك، وأبلغته أن عملية الترحيل تمت في ظروف عدم احترام للقواعد وبما يمسّ بكرامة وسلامة الرعايا النيجريين وممتلكاتهم”. وطالبته بإيصال رسالة إلى سلطات بلاده، تدعو لضرورة أن تتم مثل هذه العمليات في كنف الاحترام، والأخذ بعين الاعتبار العلاقات الودية بين الشعبين.
واستدعى ذلك ردّاً مماثلاً من الجزائر التي استدعت سفير النيجر لديها، وذكّرته بـ”وجود إطار ثنائي مخصص لهذه المسألة يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما لفتت انتباهه إلى أن هذا الإطار يجب أن يبقى الفضاء المفضل لمناقشة ومعالجة كافة المعطيات وكل التطورات المرتبطة بهذه القضية”.
وكانت السلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري في النيجر قد أقدمت في الفترة الأخيرة على تعليق العمل بأحكام القانون المصادق عليه من قبل الحكومة الشرعية في نيامي سنة 2015، والقاضي بملاحقة وتجريم شبكات الاتجار وتهريب المهاجرين، وهو ما بات يشجّع وفق خبراء على “تنامي نشاط هذه الشبكات الإجرامية عبر الحدود الجزائرية، ويفتح الطريق أمام موجات جديدة لتدفق المهاجرين الأفارقة بالآلاف إلى منطقة شمال إفريقيا وتحديداً الجزائر”.
وفي تصريحات له، ذكر حسان قاسيمي مسؤول دائرة الهجرة في وزارة الداخلية الجزائرية سابقاً، أن “الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية المتابعة لنشاط هذه الشبكات الإجرامية المختصة في تهريب المهاجرين بالقارة الإفريقية، تفيد بأنّ عائدات عمليات التهريب تفوق المليار دولار سنوياً، وهو ما يجعلها تفوق أحياناً الأرباح الناجمة عن تجارة وتهريب المخدرات”. ومن المحتمل حسب ما قاله الخبير للإذاعة الجزائرية، أن تكون هذه “الشبكات الإجرامية مرتبطة بدوائر قوية وذات نفوذ ضمن السلطات المنبثقة عن الانقلاب العسكري في النيجر، وهو ما يفسّر قرار تعليق العمل بقانون مكافحة العصابات الإجرامية الناشطة في مجال تهريب المهاجرين”.
وتعتبر قضية تهريب المهاجرين ومشاكل الأمن والجريمة المنظمة المستفحلة في منطقة الساحل، أبرز التحديات الأمنية التي تواجه الجزائر. وزاد الوضع استفحالاً مع الانقلابات التي حدثت في منطقة الساحل خاصة في مالي والنيجر، والتي جاءت بأنظمة تتعامل بشكل غير ودي مع الجزائر في الفترة الأخيرة. ومؤخراً، جدّدت الجزائر على لسان رئيسها عبد المجيد تبون دعوة الدول الغنية للمساهمة في تنمية إفريقيا وسدّ فجوة التنمية بين الشمال والجنوب وتخفيف وطأة الديون على البلدان الفقيرة خلال قمة المؤسسة الدولية للتنمية لتعبئة الموارد لإفريقيا، فيما تحدث وزير الخارجية أحمد عطاف عن أهمية الاستثمار في قطاع الطاقة بعد الاكتشافات الجديدة المحققة في موريتانيا والسينغال والنيجر، لتقوية منطقة الساحل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية