الجبهات التي تحارب اعتراف حكومة إسبانيا بالدولة الفلسطينية

حسين مجدوبي
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: يوم الخميس من الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز احتمال تخليه عن رئاسة الحكومة بسبب التحرش الإعلامي والقضائي ضد عائلته. مفاجأة أربكت اليسار في هذا البلد الأوروبي وامتد تأثيرها إلى المدافعين عن القضية الفلسطينية وسط الفلسطينيين والعرب، لأنه يشكل الصوت الغربي البارز حاليا في الدفاع عن الدولة الفلسطينية ومناهضة حرب الإبادة في قطاع غزة. وكان بيدرو سانشيز قد أعلن عن احتمال استقالته في اليوم نفسه الذي مثل فيه في البرلمان لكي يقدم توضيحات حول العلاقات الخارجية لإسبانيا ومنها الجولة التي قام بها لإقناع عدد من الدول الأوروبية الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية. وبعد خمسة أيام من التشويق السياسي، أعلن في ندوة صحافية يوم الاثنين من الأسبوع الجاري عن استمراره في منصب رئاسة الحكومة وتصميمه على مواجهة اللوبيات التي تتحرش به سياسيا وإعلاميا بعيدا عن المعارضة القانونية الشفافة.

الاعتراف يعزز أمن أوروبا

ومنذ اندلاع حرب قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كان بيدرو سانشيز من القادة الأوروبيين بل والغربيين الذين بحثوا عن توازن سياسي في إدانة حماس، ولكن مع التركيز على أن أصل المشكل هو عدم التزام المنتظم الدولي بمبدأ حل الدولتين، وبالتالي ضرورة العمل على إقامة الدولة الفلسطينية. وكانت إسبانيا قد شهدت انتخابات تشريعية سابقة لأوانها خلال تموز/يوليو الماضي، ومن ضمن ما جاء في برنامج الحزب الاشتراكي الذي يشغل منصب أمينه العام ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في ولايته الجديدة إن فاز في هذه الاستحقاقات. وبالفعل، فاز في الانتخابات وشكل حكومة ائتلاف يساري رفقة حوب سومار وبدعم من أحزاب مثل الحزب الجمهوري الكتالوني. وجاءت أحداث 7 أكتوبر لتسريع عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وعلاقة بهذا، عالج سانشيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع عدد من الدول العربية مثل الأردن والسلطة الفلسطينية، كما زار عواصم أوروبية للتنسيق في هذا الاعتراف، حيث تلقى دعما من دول مثل بلجيكا وسلوفينيا والنرويج والبرتغال وإيرلندا. ويرتكز سانشيز في استراتيجية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على مشروع قانون صادق عليه البرلمان الإسباني سنة 2014 بأغلبية مطلقة تقريبا مع حجب صوت واحد ومعارضة صوتين يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وحدث هذا إبان حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي، حيث صادق اليمين على مشروع القانون. ويضاف إلى هذا، يعتقد سانشيز في ضرورة وضع حد لمعاناة ومأساة الفلسطينيين، وصرح في البرلمان مؤخرا «لا يمكن للمنتظم الدولي مساعدة فلسطين إذا لم تعترف بوجودها كدولة» ولهذا كانت إسبانيا من الدول الأوروبية التي صوتت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة. ويؤمن بضرورة حل هذا النزاع للمساهمة في الأمن القومي الأوروبي. وبروتوكوليا، تتعامل إسبانيا مع رئيس السلطة الفلسطينية عباس أبو مازن كرئيس دولة لأنه عندما يزور مدريد يستقبله رئيس الحكومة وكذلك ملك إسبانيا.
وكانت إسبانيا من الدول التي انتقدت إسرائيل على جرائمها، وطرح سانشيز خلال شباط/فبراير الماضي ضرورة فرض عقوبات على إسرائيل إذا تأكد تورطها في خروقات حقوق الإنسان.

جبهات معادية لسانشيز

في غضون ذلك، يواجه سانشيز ثلاث جبهات متعددة تعمل على عرقلة مساعيه نحو توحيد الصف الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية بل وحتى الاعتراف الإسباني الأحادي وهي:
في المقام الأول، معارضة اليمين الإسباني، حيث تزعم الحزب الشعبي المحافظ الاعتراض على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت الراهن، والتأكيد على ضرورة التنسيق مع باريس وبرلين وخاصة واشنطن، ويعتقد اليمين المحافظ أن إسبانيا دولة أطلسية يجب عليها الانخراط في مبادرات واشنطن أكثر من تبنيها سياسة مستقلة في العلاقات الدولية.
في المقام الثاني، معارضة من داخل الاتحاد الأوروبي ممثلة في موقف باريس وبرلين. ولا ترى باريس بعين الارتياح المبادرة الإسبانية لاسيما وأنها تاريخيا تعتقد في ضرورة بقاء مدريد في مركز ثانوي في السياسة الأوروبية. بينما انخرطت برلين في دعم لا مشروط وغير مرتقب لإسرائيل بشكل أثار معظم خبراء العلاقات الدولية. كما وجد في مسيرته موقف رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فان دين لاير التي ضربت كل مبادئ الاتحاد الأوروبي عرض الحائط وانخرطت في دعم مفضوح لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وكان السند الوحيد لسانشيز وسط الاتحاد الأوروبي هو جوزيف بوريل المفوض المسؤول عن العلاقات الخارجية والدفاع الذي يتبنى موقفا سياسيا مشرفا في معظم المناسبات حول القضية الفلسطينية.
في المقام الثالث، التشويش الكبير التي تمارسه إسرائيل ضد سانشيز على مستويات متعددة. ومن أبرز هذه العمليات، الاتهام التلميحي لسانشيز بمعاداة السامية بسبب مواقفه الرائعة المنددة بجرائم إسرائيل في قطاع غزة، لاسيما تصريحاته عند معبر رفح منذ شهور. في الوقت ذاته، يعتقد اليمين في توفر شركة NSO الإسرائيلية المصنعة لبرنامج بيغاسوس التجسسي على مكالمات حساسة تورط رئيس الحكومة الإسبانية في فرضية الفساد مع أطراف ثالثة، في إشارة إلى المغرب. وتركز المعارضة اليمينية على هذه الفرضية بشكل كبير منذ سنتين حتى الآن، وآخرها خلال الأسبوع الجاري عندما طرح الحزب الشعبي في البرلمان ضرورة تقديم الحكومة لكل المعطيات حول إعادة القضاء فتح التحقيق في ملف بيغاسوس بعدما توصل بمعطيات جديدة من فرنسا. وتعرض المسؤولون الفرنسيون وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون للتجسس بواسطة بيغاسوس. كما تطالب هيئات مثل نقابة «الأيادي النظيفة» من القضاء الاطلاع على هاتف زوجة رئيس الحكومة بيغونيا غوميث لمعرفة هل تورطت مع رجال أعمال ووزراء مغاربة في عمليات مالية مشبوهة؟
ورغم كل هذه التحديات والجبهات المعادية من كل جانب، قرر رئيس الحكومة سانشيز الاستمرار في عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وترى دبلوماسية مدريد أنه إذا تأخر التحاق دول أوروبية بقطار الاعتراف، ستسلك إسبانيا النموذج السويدي، وذلك في إشارة اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية سنة 2014 رغم معارضة واحتجاج إسرائيل وتحفظ دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية