التونسيون ووفود العالم… ينتصرون لفلسطين

حجم الخط
0

المحاولة الخامسة، وفي العهد الجديد فقط، تم السماح لي بالحصول على تأشيرة من السفارة التونسية في عمّان، بدعوة من الهيئة الوطنية للمحامين والرابطــــة التونســـية لحقوق الإنسان، للمشاركة بمحاضرة عن يوم الأرض في الاحتفاء بالذكرى السابعة والثلاثين له، الذي تم في العاصمة التونسية بتنظيم من الطرفين.
من قبل وعلى مدى أربع سنوات متتالية إبّان العهد البائد تم رفض إعطائي (الفيزا) لإلقاء محاضرة عن ‘ثقافة المقاومة’ في مناسبات فلسطينية مختلفة، وبدعوة أيضاً من ذات هيئة المحامين. هذه المرة للأسف لم تجر الزيارة بسلام ففي المطار وعندما دققت موظفة الأمن في جواز سفري والتأشيرة، احمّر وجهها، وارتبكت عندما كبست الاسم على الكمبيوتر، اتصلت من خلال الهاتف بانفعال، ومباشرةً جاء اثنان (طبعاً من الأمن) اقتاداني إلى مقر الأمن وطلب أحدهم مني الانتظار. لسان حالهما كاد ينطق وكأنهما قبضا على أسامة بن لادن! استغربت الأمر وسألت: لماذا تؤخرونني؟ أجاب أحدهم أنه تشابه في الأسماء! فيما بعد وبعد تأخير دام أربع ساعات، طلبت خلالها منهم العودة على نفس الطائرة إلى عمّان، تم إنهاء احتجازي والتقيت بالصديق ممثل المحامين الذي ملّ الانتظار معي، وقد كنت على اتصال مباشر به من خلال الهاتف الخلوي، أبلغني: أن جهات متنفذة في الوضع الجديد ليس لها مصلحة في إدخالي إلى الأرض التونسية، وتود التعكير على نشاط الهيئتين الداعيتين. كنت أتصور: أنه في العهد الجديد ستنتهي محاولات منع البعض من الناشطين والكتّاب من الدخول إلى تونس، للأسف حتى إن تغيّرت الوجوه في تولي زمام الأمن، إلاّ أن مظاهر مشابهة لما كان يحصل في عهد بن علي ما زالت قائمة، نأمل أن تنتهي مثل هذه الممارسات البائسة.
مسيرة تونس في يوم الأرض الفلسطينية الخالد للتضامن مع الشعب الفلسطيني كانت حاشدة وأكثر من رائعة. هي جاءت بعد انتهاء أعمال المنتدى العالمي الذي جرى انعقاده في تونس، والذي دعى إلى القيام بالمسيرة. على امتداد شارع الحبيب بورقيبة وعلى مدى ما يزيد عن أربعة كيلومترات، كنت ترى جماعات مختلفة من كافة البلدان على صعيد القارّات الخمس، يهتفون لفلسطين ويحملون أعلامها وعلى صدورهم شاراتها. كانت فلسطين ذلك اليوم كقبس من نور ظل يرتفع حتى اخترق عنان السماء. ما أجمل أن ترى كل الناس يهتفون لقضية شعبنا الفلسطيني، مؤكدين انتصاره وهزيمة أعدائه من الصهاينة والإمبرياليين وأعوانهم.
على الصعيد التونسي، شاركت غالبية القوى الديمقراطية والوطنية القومية واليسارية في المسيرة: الجبهة الشعبية التونسية بمكوناتها العديدة، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، الجمعية التونسية للمثقفين والفنانين والمبدعين التونسيين، الجمعية العربية للتنمية والتمكين الوطني، حزب البعث، رابطة النضال الشبابي، الطليعة الطلابية وغيرها، الى جانب وفود العالم الى المنتدى الدولي. انطلقت المسيرة من بداية شارع الحبيب بورقيبة وكان التجمع عند ساحة 14 يناير، وجرت المسيرة إلى السفارة الفلسطينية في تونس. حركة النهضة قامت بمسيرة وحدها انطلقت نحو السفارة الفلسطينية مباشرة. حمل المتظاهرون أعلام فلسطين وتونس وحزب الله، وصور حسن نصرالله وجورج حبش وغسان كنفاني ومروان البرغوثي وغيرهم.
الشعارات التي رفعت والهتافات التي قيلت، عبّرت عن تضامن الشعب التونسي وشعوب أمتنا العربية وأصدقاء قضيتنا على مستوى العالم مع النضال الوطني الفلسطيني، والحق الفلسطيني في فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، وبعض هذه الشعارات والهتافات كانت تقول: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين. الشعب يريد تجريم التطبيع، الجهاد في فلسطين يا تجار الدين، مقاومة لا صلح لا مساومة. شعب عربي واحد وطن عربي واحد. ثوار ثوار، بالشعب المسلح حنكمل المشوار. أرض تونس مش للبيع، يا حكومة التطبيع. وهتافات أخرى على هذا الصعيد.
ما جرى في المسيرة وكذلك في الندوة التي نظّمها المحامون والرابطة التونسية لحقوق الأنسان، يؤكد أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وأن كل محاولات تغييب فلسطين عن أجندة الحراكات الشعبية العربية ستبوء بالفشل، وأي حكومة مهما بلغت قوتها لا تستطيع منع جماهير بلدها من الهتاف ورفع شعارات فلسطين في مسيراتها وتظاهراتها، ليس فقط على صعيد دعم النضال الفلسطيني، وإنما في التضحية بدمائها من أجل هذه القضية المركزية للعرب. من قبل كانت الجماهير المصرية قد حاصرت السفارة الصهيونية في القاهرة ورفعت، الأعلام الفلسطينية عليها بعد نزع العلم الإسرائيلي، هو نموذج للشعور العميق لدى كل الجماهير العربية بأهمية تحرير فلسطين، وأن لا حق لإسرائيل بأي قطعة أرض فلسطينية.
ما جرى في تونس هو تجربة حيّة على التلاحم العضوي بين الخاص الوطني والعام القومي، وهو رد عميق على كلِّ المزّورين للصراع العربي- الصهيوني من خلال الادعاء بأنه نزاع عربي- إسرائيلي أو خلاف فلسطيني- إسرائيلي، وكأن لا دخل للأمة العربية بهذا الصراع، وكأن النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل يجري على منطقة حدودية، وكأن إسرائيل لم تغتصب فلسطين اغتصاباً، وكأن إسرائيل ليست خطراً على الأمة العربية، ولا على الدول العربية.
للعلم بنيامين نتنياهو الذي شكّل حديثاً للمرة الثالثة حكومة بزعامته وحزبه وحلفائه، والذي يقود حكومة من أشد المتطرفين الصهانية يقول في كتابه ‘مكان تحت الشمس’، ان حق إسرائيل الطبيعي في أرض إسرائيل الكبرى، وان دولاً عربية كثيرة قامت على أراضٍ تم اقتطاعها من’أرض إسرائيل’، لذلك فإن اليهود قاموا بتضحية كبيرة عندما سمحوا لهذه الدول بالقيام، وعلى هذه الدول احتواء الفلسطينيين واسكانهم على أراضيها. لا يوجد (من وجهة نظره) شعبٌ فلسطيني، لأن العرب هم من أقاموا هذا الشعب بعد حرب عام 1967، وأن أرض إسرائيل كانت خراباً من دون سكان قبل إنشاء إسرائيل التي قامت بتعمير هذه الأراضي. هذا نموذج مما جاء في كتاب نتنياهو، وهو مثال مصغّر عما يؤمن به عتاة المستوطنين الإسرائيليين الذين ما زالوا يحلمون ‘بأرض إسرائيل الكبرى’.
ذكرنا ما سبق لنبين أن إسرائيل ليست خطراً على فلسطين أو الفلسطينيين وحدهم، وإنما على كل العرب والدول العربية وعلى الإنسانية جمعاء، التي أقرّت أن ‘الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري’. ما جرى في تونس في ذكرى يوم الأرض لهذا العام في 30 آذار/مارس/ الماضي هو تأكيد على صحة ما نقول، وهو مطالبة بتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو استفتاء أيضاً من الجماهير العربية على المقاومة باعتبارها الوسيلة الأنجع في النضال الوطني التحرري، وهي مشروعة بقرارات واضحة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك المقاومة المسلحة (القرار رقم 3034 الصادر بتاريخ 18/12/1972 والقرار رقم 3314 الصادر بتاريخ 14/2/1974 ومفهوم إلغاء القرارين في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتسيد عالم القطب الواحد وتفرده في الشأن السياسي العالمي).
على مدى ما يزيد على 64 عاماً على الكيان الصهيوني كل الذي تغيّر فيه ازدياد جرائمه ومذابحه والمزيد من استيلائه على الأرض والتغلغل عميقاً في عنصريته بالمزيد من سنّ القوانين العنصرية فيه، وارتفاع حدة تنكره للحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية، والمزيد من احتقاره للفلسطينيين والعرب، والسبيل الوحيد لمقاومة هذا العدو السرطاني هو المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح، فلا يمكن مقاومة هذا العدو بالمقاومة الشعبية السلمية فقط (مع التقدير لها) وإنما من خلال تحويل مشروع احتلاله إلى مشروع خاسر بكل المعاني الديموغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، خاصة مقاومة التطبيع معه، الذي يتوجب تجريمه وكذلك عقد الاتفاقيات والمعاهدات معه. كما يتوجب إلغاء المعاهدات التي جرى توقيعها معه.
تحية لشعبنا العربي الأبي في تونس ولجماهيرنا العربية من المحيط إلى الخليج.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية