الباحث والأكاديمي اللبناني حارث سليمان: غزة تنتصر بـ«محور عربي» لحماية الشعب الفلسطيني وقيام دولته

حاورته: رلى موفق
حجم الخط
0

يرى الباحث والأكاديمي اللبناني د. حارث سليمان أن صورة إسرائيل كهراوة إقليمية تحمي مصالح الغرب وتدير توازنات المنطقة قد انتهت إلى الأبد بعد عملية “طوفان الأقصى” وأنها رجعت لتكون دولة عادية. ويعتبر أن إحدى الخسائر الكبرى التي ألحقتها حركة “حماس” بمحور طهران كَشْفُها عن أن “وحدة الساحات” ليست من أجل فلسطين، وإنما من أجل حماية طهران، وهذه من الأسباب التي أدت إلى تراجع دور إيران في المنطقة.
يتحدث عن أن الانكفاء الإسرائيلي والإيراني على السواء يفتح المجال لدور عربي ما زلنا ننتظره. ويعتقد أن نهاية حرب غزة باتفاق مقبول، وإعادة الإعمار، ومنع تهجير أهل القطاع، وإقرار مجلس الأمن دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بالترافق مع مشروع عربي موحدّ، سينعكس إيجاباً على الفلسطينيين وعلى المنطقة، كما سينعكس على لبنان، بحيث أن تنفيذ القرار 1701 سيرسي الاستقرار على جبهة جنوب لبنان.
ويقول سليمان إن “حزب الله” لا يمكنه الذهاب إلى خيارات تُظهره وكأنه تخلّى عن غزة، إلاَّ أنه يلفت إلى أسئلة صعبة في لبنان، ومنها ما إذا كان الحزب سيرهن الحل في الجنوب بمكتسبات له في الداخل اللبناني، ناقلاً بعض الاجتهادات عن إمكانية أن يقايض “حزب الله” بين التهدئة و”زيادة ما” في نفوذه وفي الحصة الشيعية في السلطة.
لا يرى أن هناك شيئاً مستعجلاً حول العودة الدائمة لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى بيروت، وليس هناك من نضوج في شأن التسويات، معرباً عن اعتقاده أن لدى الحريري إمكانية للعودة إلى العمل السياسي، ولكن يجب تأمين ظروف وموازين قوى أخرى لذلك.
وهنا نص الحوار:

■ ما هي برأيك احتمالات اتساع الحرب على جبهة جنوب لبنان؟
■ من الواضح أن الحرب في الجنوب توسّعت، وأصبحت صدامات حقيقية مع أداء إسرائيل باستهدافها مدنيين، وهذا سيجعل “حزب الله” يستهدف مدنيين في المقابل. طلعنا درجة أو اثنتين في نسبة التصعيد. طبعاً لم نصل بعد إلى حرب مفتوحة، إنما احتمال أن ننزلق ونتدحرج إليها قائم، ولا سيما أن وضع غزة مفتوح على احتمالات شتى، وهذا سيرفع من منسوب التصعيد في لبنان. المنطقة كلها مربوطة بمفتاح واحد وهو غزة.
■ وهل هناك إمكانية لفصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة؟
■ هذا أمر صعب طالما أن “حزب الله” هو مَن يأخذ القرار. هو يشعر بأن ما يفعله تجاه غزة أقل من المطلوب مقارنة بما ادعاه عن “وحدة الساحات” وتحرير القدس خلال السنوات الماضية، وبالتالي من الصعب عليه أن يذهب إلى خيارات تُظهره وكأنه تخلّى عن غزة. هو يعتبر نفسه بأنه يُقدّم الحد الأدنى من الواجب، وليس الحد الأقصى. في مجمل خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كان يحاول أن يُبرر أن ما يفعله يتناسب مع قدراته، وأنه كان يتمنى أن يفعل أكثر. إذن لا يمكن لحزب الله أن يذهب إلى خيار يُعطي رسالة بأنه يتراجع الآن، أو يتخلّى عن غزة، خاصة أن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ومعركة غزة أعادتا الزخم إلى مفهوم المقاومة ومفهوم العداء لإسرائيل وإلى مفهوم الفعل العسكري ضدها. وبالتالي هو لا يريد أن يكون أقل التزاماً بما ادعى، وأقل التزاماً بما تفعله “حماس” في غزة.
■ القول بأن “وحدة الساحات” سقطت، إلى أي مدى ينطبق ذلك على المشهد الحالي، انطلاقاً مما يجري في جنوب لبنان وغزة، وأيضاً في البحر الأحمر، وإلى حد ما في شرق سوريا والعراق؟
■ “وحدة الساحات” سقطت بالمعنى الفعلي، ولكنهم ما زالوا يحافظون على نوع ما من “وحدة الساحات” بالمعنى الشكلي. عملياً من المفترض، وحسب تراتبية المحور بالنسبة إلى منْ هي قيادته وقلبه وقواه الأساسية، كان يجب أن يكون فعل “حماس” أقل من فعل “حزب الله” وفعل “حزب الله” أقل من فعل سوريا، وفعل سوريا أقل من فعل العراق، بمعنى أن فعل إيران يجب أن يكون الفعل الأكبر، يليه فعل سوريا ثمَّ فعل العراق ثمَّ فعل “حزب الله” ثمَّ فعل حماس. هذه هي التراتبية من حيث الأهمية والقيادة وتقسيم الأدوار بين أطراف “المحور” لكن ما جرى هو أن فعل حماس كان الأرقى والأقوى، والأفعال الأخرى كادت أن تكون إما هامشية أو أنها تحصيل حاصل، أو تبرئة للذمة.
■ لأن الهدف الأساسي من بناء أذرع إيران هو خدمة إيران وليس خدمة فلسطين؟
■ كان الزعم بـ”وحدة الساحات” أنها من أجل فلسطين، ولكن في الحقيقة تبيّن أنها من أجل حماية طهران، بمعنى أنها تتحقق حين تكون طهران مهددة، وليس حين تكون فلسطين هي قلب الأزمة أو قلب المعركة. هذه إحدى الخسائر الكبرى التي ألحقتها “حماس” بمحور طهران، لأنها كشفت عن أن هذا المحور و”وحدة الساحات” ليسا من أجل فلسطين، وإنما من أجل طهران.
■ صورة إسرائيل بأنها القوة التي لا تُقهر قد ضُربت، لكن ماذا ننتظر في نهائيات هذه الحرب؟
■ هناك إعادة رسم للمنطقة، وإعادة رسم للتوازنات الاستراتيجية في المنطقة بعدة اتجاهات، الأول أنه في لحظة ما، قبل حرب غزة، كان العرب يتدافعون للذهاب إلى التطبيع مع إسرائيل من أجل حمايتهم من إيران. إسرائيل تشكّل القطب العسكري والسياسي والاستراتيجي الأساسي الذي حدّد جدول أعمال دول المنطقة، وكانت هي العصا الغليظة التي يمكن أن يلجأ إليها كل خائف أو مذعور.
أما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر أصبحت إسرائيل بحاجة إلى مَن يحميها، ولم تعد كياناً يستعرض قوته ويمنح الحماية لمن يستجير به، هذه نقطة أساسية وانتهت إلى الأبد، بمعزل عما إذا اقتحمت إسرائيل رفح أو لم تقتحمها، أو ذبحت مزيداً من الفلسطينيين أو اكتفت بما فعلته. صورة إسرائيل كهراوة إقليمية تحمي مصالح الغرب ومصالحها وتدير توازنات المنطقة قد انتهت.
■ لصالح مَن؟
■ لصالح توازنات كثيرة. هناك فرصة حقيقية لأن يكون هناك عرب. المنطقة كانت مفروزة بين إيران ونفوذها وأدواتها ومعسكرها من جهة، وبين الوكيل الأمريكي ووكيل الغرب الذي هو إسرائيل من جهة ثانية. إسرائيل مقبلة على تعليب وتقليص دورها، شاءت أم أبت، ولم تعد دولة تحدّد التوازنات في المنطقة وتتدخل بالأزمات فيها وتضع حداً لظاهرة ما، أو تطلق ظاهرة أخرى مناقضة. ولم تعد تُدير المنطقة بعد عملية “طوفان الأقصى”. إسرائيل رجعت لتكون دولة عادية.
■ وماذا عن إيران؟
■ تراجع دور إيران. ظهرت وكأنها دولة تُكثر من الكلام وتقلّل من الأفعال. طبعاً ما زالت إيران دولة قوية لأنها على حافة صناعة قنبلة ذرية، ولأنها دولة كبيرة بالمعنى الديموغرافي والاقتصادي ولديها ثروات، ليست دولة قزم، ولكن ظهر أيضاً أن ما ادعته من عظمة ونفوذ وقوة لم يكن على قدر المستوى المطلوب.
هذا الانكفاء الإسرائيلي والإيراني على السواء، يفتح المجال لدور عربي ما زلنا ننتظره. دور يقوم على نوع من التفاهم أو التنسيق أو “المحور” الذي يمكن أن يتشكّل من مصر والسعودية والأردن وبقية الدول العربية، ويمكن أن يتناغم مع تركيا، من أجل قيام محور يدافع عن المصلحة العربية بوجه العدوانية الإسرائيلية وبوجه الأطماع الإيرانية. هذا الأمر يمكن أن يتأسس لكنه يحتاج إلى جهد وقيادة وعمل دؤوب من أجل وضع أجندة سياسية واستراتيجية وجيوسياسية في المنطقة من أجل استنهاض دور عربي فاعل يحفظ المصلحة العربية.
■ السؤال الذي يمكن للمراقب أن يقف عنده هو: لماذا ضعف الدور الإيراني، وما هي الأسباب التي كشفت هذا الدور؟ هل هناك أسباب داخلية إيرانية أم الرهان أن أمريكا لن تأتي إلى المنطقة وبالتالي هناك انسحاب أمريكي سيملأ الإيرانيون وأذرعهم الفراغ. ما العناصر التي أضعفت الدور الإيراني، وإن كنا نقول إنه لم يُسحق، بمعنى أنه ضعف ولم يتزايد؟
■ هناك سببان، الأول هو أن محمد الضيف (القائد العام لكتائب القسام- الجناح العسكري لحماس) صدّق مقولة “وحدة الساحات”، وبالتالي قال أنتم تقولون بـ”وحدة الساحات” وحماية المسجد الأقصى، وأننا في معسكر واحد يمتد من رفح إلى خراسان أو كرمان، وبأنكم تريدون أن تحرروا فلسطين، فهذا هو الميدان. فتح المعركة وقال لهم: التحقوا بي. هذا المحور لديه ادعاءات، ولكنه لم يكن جاداً في ادعاءاته. هذا هو السبب الأول للتراجع الإيراني. أنا لا أعتقد أن “طوفان الأقصى” كان عملية إيرانية، إنما عملية فلسطينية، وهي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الفلسطينيون بتوريط حلفائهم في معارك. هكذا فعلت حركة “فتح”. كان يحكي هاني الحسن (القيادي الفتحاوي من الرعيل الأول) عن “التوريط الواعي”. هذا ما حصل في الـ67 والـ65 والـ56، الفلسطينيون عندما يرون انسداد الأفق لقضيتهم الفلسطينية وأنها أصبحت في خلفيات اهتمام العالم، كانوا يلجأون إلى هذا “التوريط الواعي”، أي فتح معركة يستطيعون من خلالها استدراج القوى العربية والإسلامية والحلفاء إلى أن يُغيّروا أولوياتهم، ويتجهوا نحو مواجهة في فلسطين بديلة للمواجهات الأخرى التي كان يمكن أن يخوضوها، وبالتالي محمد الضيف فعل هنا ما فعله ياسر عرفات في الـ65 أو قبلها. لجأ إلى نظرية “التوريط الواعي”.
النقطة الثانية التي كشفت الفارق بين أقوال إيران وأفعالها، أن إيران قد عززت نفوذها في المنطقة، وأنه أصبح لديها ما تخسره، وبالتالي في هذه المرحلة لم تعد إيران راغبة في خوض المزيد من الصراعات، ولا سيما أن الأمر كان يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مع أمريكا، وإيران تعرف أنها ستكون الخاسرة في أي مواجهة مع أمريكا، وأنها سترجع مائة سنة إلى الوراء. لديها نفوذ في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، ولديها أيضاً برنامجها النووي الذي وصل إلى عتبة امتلاك القنبلة الذرية. آخر التقارير الجادة في الغرب تُشير إلى أن إيران تستطيع صناعة قنبلة ذرية خلال شهر، وتستطيع تحميل 12 قنبلة ذرية على رؤوس صواريخ باليستية خلال 6 أشهر، وبالتالي لديها مع تخسره. المواجهة الحربية المفتوحة مع الجيش الأمريكي سينتج عنها تدمير البرنامج النووي والمنشآت النووية وضرب كل الإمكانات الإيرانية في المجال النووي، لذلك لا تريد أن تنخرط في معركة مباشرة مع الولايات المتحدة حتى لو كان ثمن ذلك انفضاح أمرها في غزة، أو تخلّيها عن غزة.
■ برأيك، هل أمريكا والغرب سيسلمون بواقع أن إيران ستصبح دولة نووية؟
■ هناك نوع من الاتفاق جرى بوساطة عُمانية. إيران لديها كل ما يلزم لصناعة قنبلة نووية، لكنها تمتنع عن تركيبها، بمعنى أن لديها كل مكونات “الطبخة” لكنها لم تخلطها بعد. وبالتالي الوضع الذي وصلت إليه إيران هو أنها قادرة على صناعة القنبلة النووية وعلى عتبة صناعتها، ويفصلها عن ذلك أسابيع أو عدة أشهر، لكنها تمتنع عن صناعتها باتفاق مع الأمريكيين.
■ النفوذ الإيراني تمدّد بفعل الأذرع في المنطقة، فهل سنبقى أمام دول فاشلة كما هي الحال من اليمن إلى العراق إلى سوريا وإلى لبنان؟
■ هل سنبقى أم لا؟ هذا يتعلق بقيام مشروع عربي حقيقي كنت أتكلم عنه. المنطقة لا تقبل الفراغ، وعندما يكون هناك فراغ عربي استراتيجي وأدوار مُغيّبة للدول العربية، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، وحتى مصر، فمن المنتظر والطبيعي أن يأتي الآخرون ليملأوا الفراغ، وهذا ما فعلته إيران وأنا لا أبرر ذلك.
■ برأيك هل هناك اليوم وقف لعملية التخادم الأمريكي الإيراني؟ هل نحن نشهد تدهوراً فعلياً في العلاقة الأمريكية الإيرانية، أم أن هناك مَن خرج عن قواعد التفاهمات المرسومة؟
■ هذا ليس مجرد رأي، الواقع يشي بذلك. هناك قصف وتقاتل أمريكي إيراني على أرض العراق، وهناك قصف وتقاتل أمريكي إيراني في اليمن. نتذكر أنه منذ نحو سنتين كان هناك نوع من التواطؤ الغربي الأمريكي والبريطاني مع الحوثيين، الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما وصل إلى السلطة في أمريكا أزال الحوثيين عن لائحة الإرهاب، والبريطانيون في مؤتمر ستوكهولم وبتواطؤ أمريكي – إنكليزي منعوا القوات السعودية وحلفاء السعودية في اليمن من السيطرة على الحُديدة وأنقذوا الحوثيين هناك. اليوم الأمر مختلف، فالحُديدة وباقي المحافظات اليمنية الحوثية المشاطئة للبحر الأحمر في حالة اشتباك شبه يومي مع الأساطيل الأمريكية والبريطانية، والشيء نفسه في العراق.
لست مع نظرية أن أمريكا وإيران على اتفاق، إنما هناك تقاطع مصالح، هم كانوا يديرون خلافاتهم باتفاقات موضِعية. اليوم نحن أمام مرحلة من تضارب في المصالح. هناك اشتباك أمريكي إيراني في العراق، ويمكن أن يتفاقم، وهناك اشتباك إيراني أمريكي عند الحوثيين، وهناك اشتباك أيضاً شرق سوريا، حيث سقط قتلى أمريكيون في ضربات أذرع إيران، ويسقط عراقيون وميليشيات أفغانية وباكستانية نتيجة الضربات الأمريكية. عندما نرى المسيّرات الأمريكية تضرب في قلب بغداد قيادات عراقية تابعة لإيران، فإن هذا لا يشي بأن هناك تواطؤاً إنما تقاتل. بركات حرب غزة أنها فككت التواطؤ الأمريكي- الإيراني في العراق.
■ ما الذي تبدّل، هل حرب غزة هي التي أنهت هذه التقاطعات؟
■ لا أقول أنهت التقاطعات، بل إنها أعادت خلط الأوراق بشكل أن الكثير من التفاهمات تحولت إلى صدامات. بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، اعتبرت إسرائيل نفسها مهددة، وأمريكا التي كانت تعد العدة للانسحاب من المنطقة على قاعدة أن المنطقة بأيدٍ إسرائيلية أمينة، وأن أصدقاء أمريكا في المنطقة يستطيعون أن يتدبروا أمورهم ويديروا المنطقة، وأن عليها أن تذهب إلى الصين لكي تواجه هناك أولوياتها الاستراتيجية، لكن جاءت حرب غزة لكي تعيد أمريكا ترتيب أولوياتها من جديد، لم تتخل عن مواجهة الصين إنما أصبح من ضمن أولوياتها حماية إسرائيل.
■ أمريكا عادت بقوة إلى المنطقة التي تتشكل من جديد، ما هي معالم هذا التشكل الجديد، لنبدأ من غزة، ما الذي ننتظره من المشروع العربي؟
■ لا تستطيع أن تنتصر غزة بحركة “حماس”. يمكن أن تنتصر غزة بأن يكون هناك محور عربي يحمي الشعب الفلسطيني ويصيغ مشروعه. ملامح هذا المشروع العربي بدأت تتشكل: دولة فلسطينية عند حدود الـ67 وحماية الشعب الفلسطيني. كل النظام العربي الرسمي تأزم لأنه لم يستطع أن يقدم طريقة لمواجهة إسرائيل ولا طريقة لتحقيق تسوية معها.
■ “طوفان الأقصى” وحرب غزة، هل ممكن فعلياً أن يفتحا الباب أمام حل الدولتين، وتالياً حل القضية الفلسطينية؟
■ ما نسمعه من تصريحات الغرب تعكس قناعات تشكلت لديه، مع واجب الحذر من أن تكون نوعاً من الخديعة، تؤشر إلى أن محاولة جعل إسرائيل حاكمة للمنطقة وتلعب بتوازناتها وتُدير دولها هو خيار غير واقعي، وبالتالي الخيار الذي يُحكى عنه اليوم – ونستطيع أن نشكك بأنه سيحدث أو لا يحدث – هو خيار أن إسرائيل لن تكون مديرة للمنطقة وإنما ستتحول إلى دولة طبيعية، عبر حل الدولتين، وأن المنطقة تدار من قبل دولها جميعاً وليس من قبل إسرائيل. هذا يفترض أن يقوم دور بديل يدير المنطقة فعلاً، وتكون عناصر هذه الإدارة الأساسية مؤلفة من مصر والسعودية وبقية الدول العربية وتركيا، وقد تكون إيران ضمنه مع إسرائيل، وبالتالي تصبح المنطقة مدارة من قبل دول متعددة ولا تكون إسرائيل في مقعد القيادة.
■ كيف يمكن أن تكون عليه نهائيات حرب غزة؟
■ إذا أتت نهائيات حرب غزة باتفاق ما معقول، والنجاح بأن يكون هناك نوع من إعادة الإعمار تتولاه على المستوى اللوجستي مصر، وعلى المستوى المالي السعودية وقطر، ومنع ترحيل سكان غزة وإعادتهم إلى بيوتهم وجعل غزة قابلة للحياة، وبالذهاب قُدماً باستصدار قرار من مجلس الأمن بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أي تحويل التصريحات الأمريكية والأوروبية والبريطانية إلى قرارات دولية، لقطع الطريق على عدم الرجوع إلى الوراء وإلى صفقة القرن إنْ عاد دونالد ترامب، وإذا ترافق ذلك مع تبلور الموقف العربي حول الدولة الفلسطينية حيث أن رد وزير الخارجية السعودي على الأمريكيين حول التطبيع كان واضحاً وجلياً وحاسماً بأن لا تطبيع من دون دولة فلسطينية ومن دون حل مشكلة غزة، فإنه سينعكس بشكل إيجابي على الفلسطينيين والمنطقة. توجّه العرب نحو التوحّد بالنسبة لدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران مقابل التطبيع، وهو موقف عاقل ومعتدل ولكنه حازم وحاسم، وقبول إيران وحماس وهذا أمر مهم، من شأنه أن يُعيد للعرب اعتبارهم على المستوى الدولي والرسمي ويقلّص حجم الأطماع الإسرائيلية.
■ إيران تقبل بحل الدولتين؟
■ الإيرانيون وافقوا على نص قرار القمة الإسلامية ـ العربية في الرياض من دون تحفظ. نجاح التوجّه العربي نحو قيام دولة فلسطينية على الضفة وقطاع غزة، وإدانة الاستيطان واعتباره غير شرعي وفق قرار لمجلس الأمن في زمن باراك أوباما، واتجاه الإنكليز والأمريكيين والأوروبيين إلى تأييد دولة فلسطينية وحتى الاعتراف بها قبل قيامها بشكل قانوني وشرعي وجغرافي، سيسحب من إيران ذريعة القضية الفلسطينية التي اجتاحت المنطقة تحت رايتها.
■ كيف يمكن أن ينعكس ذلك على المشهد اللبناني؟
■ قيام دولة فلسطينية أو السير بحل مقبول للقضية الفلسطينية سينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني كما على كل المنطقة. سيترافق إنهاء الحرب في غزة بالعودة إلى تطبيق القرار الدولي 1701. الترسيم البري على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية كان يسير بشكل جدي قبل حرب غزة. تنفيذ الـ1701 على الجبهة اللبنانية حتى لو كان معدلاً أو ناقصاً أو زائداً في بعض البنود سيرسي استقراراً على تلك الجبهة، وسيجعل “حزب الله” يهتم بالداخل اللبناني. وهنا الأسئلة الصعبة: ماذا سيفعل “حزب الله” الذي يمكن أن يبرد صدامه مع إسرائيل نتيجة الدولة الفلسطينية أو إنهاء الحرب في غزة أو تطبيق الـ1701؟ هل سيرهن الحل في الجنوب مقابل مكتسبات في الداخل اللبناني. بعض الأطراف الشيعية تقول بأن الشيعة لا يمتلكون موقعاً تنفيذياً في السلطة، وأن رئاسة مجلس النواب ليست موقعاً تنفيذياً بل موقع تشريعي ليس حاسماً في الحياة السياسية ويمكن تجاوزه إذا تمَّ تطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب. وإذا كان هناك من دور لزيادة حصة الشيعة في السلطة فيجب أن يكون تنفيذياً. هناك بعض الاجتهادات بأن “حزب الله” يمكن أن يقايض بين تهدئة في الجنوب وبين زيادة ما في نفوذه وفي الحصة الشيعية في الداخل اللبناني.
■ هذا يفتح الباب على تعديل “اتفاق الطائف”…
■ “حزب الله” ليس لديه مشكلة في أن يكون قائد الجيش ماروني أو مدير عام قوى الأمن الداخلي سني إنما هو يختارهما. ليس مصراً على أن يزيد حصة الشيعة كشيعة بل يزيد حصته عبر عناصر من خارج الطائفة الشيعية.
■ مشهد مجيء زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الى بيروت طبيعي لإحياء ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن هل هناك تحضير لدور ما لسعد الحريري ضمن تسوية ما؟
■ لا معلومات لدي عما يريده الحريري. أعتقد انه يستعرض قوته، وهو نجح بذلك إلى حد كبير. هو لديه رصيد في الطائفة السنية. ولكن مسألة عودة الحريري كرئيس للحكومة ليست مرتبطة بعدد أنصاره في لبنان أو نسبة المؤيدين له في الطائفة السنية. رصيده كما كان من قبله رصيد والده هو في علاقاتهما العربية والدولية، وبالتالي لا أتصور أن الحريري يمكن أن ينجح بالوصول إلى رئاسة الحكومة إلا عبر طريقين: إما أن يمر عبر دعم سعودي كبير، أو أن ينقلب على تاريخ عائلته ويتحول إلى رئيس حكومة لقوى الممانعة – قوى 8 آذار، والبعض حاول أن يستدرجه لذلك. وإذا كان هناك بين مستشاريه أو ممن يستمع إليهم أشخاص ينصحونه بالسعي إلى رئاسة الحكومة بمعزل عن أي دعم سعودي، فهم يعطونه نصيحة مسمومة. فالتصور أن يأتي الحريري إلى رئاسة الحكومة في لبنان متخطياً السياسة السعودية وأي دعم سعودي هو انتحار سياسي. لا أرى أن هناك شيئاً مستعجلاً في البلد، ولا أرى أن هناك شيئاً ناضجاً في شأن التسويات. طبعاً لدى الحريري إمكانية للعودة إلى العمل السياسي، ولكن أعتقد أنه يجب لذلك تأمين ظروف وموازين قوى أخرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية