الانتخابات الرئاسية المبكرة هل تمثل حلا للأزمة في مصر؟

حجم الخط
0

مع استمرار حالة الانسداد السياسي التي تعيشها مصر وفشل الحكم والمعارضة في الاتفاق على كلمة سواء للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية التي طالت تداعياتها كل شرايين الوطن، عادت الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة لتقفز مرة أخرى لصدارة المشهد السياسي، كأحد الحلول المطروحة لتجاوز المأزق الراهن. الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة كانت قد طرحت من جانب شخصيات وقوى سياسية من المعارضة المدنية عقب قيام الرئيس محمد مرسي بإصدار الاعلان الدستوري المثير للجدل في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الذي أدخل البلاد في أزمة سياسية طاحنة لاتزال تمسي وتصبح على وقعها.
لكن هذه الدعوة أخذت بعدا وزخما جديدين خلال الأيام الماضية بانضمام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق والقيادي السابق في جماعة الاخوان المسلمين إلى المؤيدين لهذه الانتخابات بوصفها حلا سياسيا مقبولا لا يتنافى مع شروط وقواعد الديمقراطية، ولا يمكن اعتباره انقلابا على الشرعية، كما يقولو يرى مناصرو الرئيس.

أهمية انضمام أبو الفتوح للمؤيدين لانتخابات مبكرة ترجع لسببين أساسيين، أولهما أن أحدا من مؤيدي ومشايعي الرئيس مرسي من جماعات الاسلام السياسي لا يمكنه اتهام الرجل بالتآمر على الرئيس أو الطمع في مقعد الرئاسة، كما اتهمت بذلك شخصيات سياسية اخرى من قوى المعارضة، فالرجل كان من المساندين بقوة للرئيس مرسي في جولة الاعادة من الانتخابات الرئاسية، بل إنه كان في كثير من المواقف مدافعا شرسا عن مرسي وسياساته في الأشهر الاولى من توليه السلطة، في مواجهة كل سهام ومواقف المعارضة لدرجة اتهامه من قبل المعارضة بأنه عاد مجددا لصفوف الجماعة. وحتى بعد انضمامه بشكل واضح لصفوف المعارضة وتبنيه موقفا منتقدا لمرسي وسياساته، فإن أبو الفتوح ظل حريصا على تأكيد شرعية الرئيس، رافضا لكل الدعوات التي أطلقتها بعض قوى المعارضة مطالبة باسقاط مرسي وبأنه فقد شرعيته أو جزءا منها بسبب الإعلان الدستوري الأخير.
أما السبب الثاني والأهم في اعتقادي للتدليل على أهمية موقف أبو الفتوح الأخير فهو أن مواقف الرجل الأخيرة، سواء لجهة تبني الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ولو على طريقته، أو تنديده بتدخلات جماعة الاخوان والمرشد العام للجماعة وتأثيرها في قرارات الرئيس، عكست بجلاء إدراكا متزايدا لدى قطاعات كبيرة من الشارع السياسي، بما فيها من كانت تقف في خندق الرئيس قبل شهور قليلة، لخطورة الأزمة التي تعيشها مصر حاليا، وباستحالة استمرار الأوضاع السياسية الراهنة من انسداد كامل في شرايين العلاقة بين الحكم والمعارضة، وتخبط وسوء إدارة وضعف كفاءة الجهاز الحكومي المعاون وبؤس الاختيارات في المناصب العليا للدولة ناهيك عن تردي أوضاع المصريين اقتصاديا وأمنيا.
الداعون لانتخابات رئاسية مبكرة من قوى المعارضة يرون أنها تشكل حلا للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية وحالة الشلل التي تعيشها منذ عدة أشهر، ولانقاذ مصر من المضي على طريق الدولة الفاشلة أو الانزلاق للفوضى، كما أنهم يعتقدون أن مثل هذه الانتخابات ستجنب البلاد شبح عودة الجيش مرة أخرى إلى ساحة السياسة، ولاسيما إذا سارت الأوضاع نحو الأسوأ وأنزلقت البلاد إلى الفوضى فعندها لن يكون هناك خيار آخر سوى استدعاء الجيش للنزول للشوارع بما يعيد البلاد مرة أخرى الى سيناريوهات مجهولة.
ربما تكون نقطة الضعف في موقف بعض القوى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، أن هذه الدعوة تبدو بلا شروط وبلا ضوابط محددة، بينما حين يأتي الحديث عن الانتخابات البرلمانية تظهر الشروط التي تبدأ باقالة الحكومة ولا تنتهي بعزل النائب العام، ولعل هذا ما يستغله الاخوان بذكاء للتشكيك في مواقف المعارضة وللتدليل على رغبتها وتخطيطها للاطاحة بالرئيس مرسي ووضع العقبات في طريق إكمال فترته الرئاسية.
ومن هنا فإن الاخوان ومؤيديهم يرون في الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة محاولة للانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب. لكن خصوم الاخوان لا يرون الأمر على هذا النحو، بل يرون في هذه الانتخابات مخرجا للجميع من المأزق السياسي الحالي، لأنها إما ستؤكد شرعية الرئيس مجددا وتغلق الباب في وجه كل المشككين في شرعيته عبر إجراء ديمقراطي مقبول ومتعارف عليه وتلجأ اليه الكثير من الدول الديمقراطية في حال وصول الاوضاع السياسية لدرجة من الانسداد، وإما أن يذهب الرئيس الذي جاءت به صناديق الانتخابات عبر صناديق اقتراع جديدة ويأتي رئيس آخر ربما يكون أقدر على تحقيق المصالحة الوطنية ولملمة شتات وطن يتمزق.
وبعيدا عن مواقف الطرفين فإن سيناريو الانتخابات المبكرة من الناحية النظرية يبدو حلا سياسيا مقبولا، وهناك أسباب مشروعة يستند اليها الدعوان لهذه الانتخابات لاسيما إذا ما استمرت الأزمة واستحكمت وفشل طرفا الحكم والمعارضة بالخروج بالبلاد من هذ الوضع غير القابل للاستمرار، الذي بات يهدد ثوابت ومقومات الدولة المصرية.. لكن السؤال المهم هنا هو ما إذا كانت هذه الانتخابات في حال اجرائها ستخرج البلاد بالفعل من ازمتها؟ وهل ثمة ضمانة ألا تؤدي إلى عكس ما يرجو وينشد الداعون اليها؟ من هنا تبدو الحاجة ملحة لوصول الأطراف جميعا أولا لقناعة بأن الانتخابات المبكرة هي السبيل الوحيد لتجاوز حالة الانسداد السياسي وللحفاظ على ما بقي من الدولة المصرية . أما الدفع والضغط لإجرائها دونما توافق وفي ظل أجواء الاستقطاب وأزمة الثقة العميقة بين أطراف المشهد، فان ذلك سيكون سببا اضافيا لتعقيد الوضع المعقد أصلا أيا كانت النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات والتي لن ترضي أحدا. فإذا فاز مرسي بمنصب الرئاسة مجددا لن ترضى المعارضة ولن تتوقف احتجاجاتها في الشارع وإن جاءت الصناديق برئيس آخر من معسكر المعارضة، فان ذلك لن يمنع جماعة الاخوان وتيارات الاسلام السياسي المتحالفة معها من النزول للشوارع لاسقاطه، كما جرى مع مرسي، وهذا من شأنه أن يدخل البلاد حلقة مفرغة من عدم الاستقرار ولأمد غير معلوم.
قد يقول قائل إن الحديث عن توافق بين القوى السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية المبكرة يبدو نوعا من الهذيان السياسي وهذا صحيح، فإذا كانت هذه القوى قد فشلت في التوافق حول استحقاقات أقل شأنا من ذلك بكثير فهل يمكن أن تنجح في الاتفاق على ما هو أهم وأخطر وهو الانتخابات الرئاسية؟ لعل هذا يكشف أن الوضع السياسي في مصر أكثر تعقيدا مما يظن الكثيرون وأن الامر يتطلب قوة قاهرة أكبر من كل الاطراف المتصارعة لإقناعها وربما لإجبارها على الجلوس الى طاولة الحوار والتخلي عن لغة العناد والمكايدة.. ويبقى السؤال عن هوية هذه القوة التي ستجبر الجميع على ذلك.. هل هو الخطر الداهم الذي يتهدد مصير الوطن برمته؟ أم هي المؤسسة العسكرية التي لاتزال لاعبا مهما ومؤثرا من خلف الستار في كل تفاصيل المشهد السياسي، والتي ربما ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على الوطن دونما تدخل خشن ربما لم يعد مقبولا داخليا او خارجيا؟ ويبقى سؤال أخير طالما نتحدث عن الانتخابات الرئاسية.. هل تضمن المعارضة أن يفوز مرشحها في الانتخابات الرئاسية المبكرة في حال إجرائها، وهل هي بالفعل قادرة على الوقوف صفا واحدا خلف مرشح واحد أم أنها ستكرر الخطيئة ذاتها ولن تستفيد من أخطاء الماضي؟

‘ كاتب وصحافي مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية