الاحتلال الإسرائيلي يجعل من قطاع غزة المكان الأكثر خطرا في العالم على حياة مليون طفل

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: في فيديو من قطاع غزة يظهر فيه طفل فلسطيني يُسأل من أحد الأشخاص السؤال التقليدي الذي يطرح على أطفال العالم أجمع: «ماذا تريد أن تكون عندما تكبر في المستقبل؟ فيكون رد الطفل الصغير: «نحن أطفال غزة لا نكبر».

يبدو الجواب السابق تكثيفا لحال أطفال فلسطين عموما، وفي قطاع غزة خصوصا، وهو جواب فيه من البلاغة ما يجعله حمال أوجه، فهو من ناحية يعني أن الأطفال يقتلون وبالتالي يتجمد معهم الزمن في لحظة القصف الوحشي القاتل، ومن ناحية أخرى يشير إلى ثقل الحرب على الأطفال وطفولتهم، وهو الأمر الذي يجعل من حياتهم متوقفة في هذه اللحظة الأكثر ثقلا ووحشية، ومن ناحية ثالثة يعني نظرة سوداوية نحو المستقبل مع انعدام الأمل بالحياة والمستقبل.
وحسب دعاء صالح، مديرة إدارة المشاريع في منظمة انقاذ الطفل في فلسطين/ فرع غزة فإن هذه الحرب ستترك أثرها على الجميع في «متلازمة» ترتبط بهذا العدوان تحديدا، والأطفال الأساس في هذه المتلازمة.
وتقول صالح أنه «رغم أن هذه الحرب ليست الأولى، لكن المؤكد أنه من الصعب أن يعودوا الصغار لأطفال عاديين».
تكمل «لقد عاصرت كل الحروب على غزة، هذه حرب لا يمكن مقارنتها مع الحروب السابقة، إنها حرب إبادة، نحن أمام أرقام كبيرة لا مثيل لها، لم نر سابقا ما يعيشه القطاع خلال العدوان الحالي بتاتا».
وتصيف: «رميت غزة بما يعادل 2 قنبلة نووية، لنا أن نتخيل ذلك، هناك كم هائل من القتل والتدمير الشديد، كما أن الأكثر صعوبة أننا لا نستطيع الآن أن نتعامل مع الأطفال وتحديدا في مراكز الإيواء».
وتضيف: «الوضع صعب جدا، ما يقوم الإعلام بتصويره ونقله لا يعادل غلا القليل مما يحدث على أرض الواقع، لقد ودعنا ما يقرب من 5 آلاف طفل، وهناك أكثر من ألفي طفل تحت الأنقاض، إنها حصيلة كبيرة جدا، للأسف يتم ذبح الأطفال وقلتهم على مرأى ومسمع العالم، والكل هنا يساءل: أين المنظمات الحقوقية الدولية، أين المؤسسات المتخصصة بالأطفال؟».
وتتابع سردها في حديث صحافي: «الكل يعاني، والأطفال بلا مأوى أو كساء أو علاجات، وهناك أمراض وأوبئة تنتشر في صفوفهم، الجميع يعاني من نزلات معوية في مراكز الإيواء وغيرها».
وتضيف صالح في حديث صحافي: «صعب التعامل مع الأطفال في هذه الأجواء. ليست هناك مراكز لتقديم دعم نفسي للأطفال الذين تذبح عائلاتهم أمام أعينهم، أو يقتل أقاربهم، إنها ظروف غاية في الصعوبة».
وتشدد أن الأرقام الدولية تتحدث عن مليون و700 ألف نازح ذهبوا إلى جنوب غزة «وهذا يعني أن أكثر من ثلث هؤلاء من الأطفال».

أرقام صادمة

قبل أيام قليلة مر اليوم العالمي للطفل ثقيلا للغاية على قطاع غزة، وبدل أن يكون يوما احتفاليا يحمل شعار «الحق لكل طفل» تنتهك حقوق الأطفال في قطاع غزة بدءا من الحق في الحياة وصولا إلى الحق في اللعب.
فالصور القادمة من قطاع غزة وبفعل القصف الوحشي الإسرائيلي تتجاوز قدرة البشر على استيعابها، وتحديدا تلك التي تحمل جانبا من معاناة الأطفال الذين تقر مؤسسات حقوقية ومتخصصة بالطفولة أنهم الضحايا الأكثر تأثرا بالحرب.
ويبدو أن الصور التي يتمدد حضورها على مدى 50 يوما تحمل سؤالا جوهريا في ظل قناعة كبيرة مفادها أنها أكبر من قدرة البشر على التحمل، فكيف هو الحال مع الأطفال الذين وقعت عليهم الأفعال الوحشية، وعاشوا الجريمة بكل تفاصيلها؟
كما أن الأرقام القديمة، التي كانت تشير إلى أن مجموع من قتل في قطاع غزة من الأطفال 5 آلاف طفل دفعت بالأمم المتحدة إلى التصريح إلى أن الضحايا الأطفال في غزة هم أكثر من العدد الإجمالي للأطفال الذين قتلوا في جميع النزاعات المسلحة في العالم منذ عام 2019.
وحسب المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وفي إحصائية محدثة لعدد الضحايا بمن فيهم من هم تحت الأنقاض، بلغ عدد من ارتقى إلى العلياء 20031 شهيداً، بينهم 8176 طفلاً.
وجاء في بيان المركز أن الاحتلال يواصل تدفيع الأطفال في قطاع غزة ثمن فشله الاستخباراتي والعسكري منذ السابع من أكتوبر، حيث يقتل مزيد من الأطفال من خلال غاراته على منازل المواطنين.
وحسب مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية «شمس» فإن ما يتعرض له قطاع غزة منذ السابع من الشهر الماضي من عمليات قصف واستهداف عشوائي من جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجو والبر والبحر واستهداف مباشر للمدنيين والممتلكات الخاصة والعامة والمستشفيات والمراكز الطبية والمؤسسات الخاصة والبنية التحتية بشكل مباشر فإنه أدى إلى سقوط الآلاف من الضحايا من المدنيين خاصة من الأطفال.
ويرى مركز «شمس» ومقره في رام الله أن القتل والقصف يترافق مع منع إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، وقطع المياه والكهرباء والمحروقات..الخ وكلها أمور تنذر بكارثة إنسانية حقيقية بكل معانيها وتجلياتها.
وشددت «شمس» أن كبار السن والمرضى والأطفال كفئات ضعيفة هم الأكثر تضرراً من تلك الأعمال العدوانية والعقوبات الجماعية، وهو أمر يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب يجب ملاحقة ومحاكمة المتورطين فيها، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
ورأي البيان في أعمال الاستهداف العشوائي للمدنيين وخاصة الأطفال هي أعمال موصوفة في القانون الدولي بأنها انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف الرابعة وللبرتوكول الاختياري الثاني الملحق باتفاقيات جنيف، والتي توفر حماية خاصة للأطفال في النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي وغير الدولي كونهم من المدنيين أولا، ومن الفئات التي لا تشارك في الأعمال الحربية ثانيا، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ونصت المادة رقم (14) من اتفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز الأطراف السامية المتعاقدة في وقت السلم، ولأطراف النزاع بعد نشوب الأعمال العدائية أن تنشئ في أراضيها، أو في الأراضي المحتلة إذا دعت الحاجة، مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة.
ونصت المادة رقم (17) على أنه يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء من المناطق المحاصرة والمطوقة.
ونصت المادة رقم (24) أنه على أطراف النزاع أن تتخذ كافة التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشر الذين تيتموا أو تفرقت عائلاتهم وأن تضمن رعايتهم وإعالتهم وتعليمهم.

انتهاكات جسيمة ضد الأطفال

وإلى جانب ذلك حدد مجلس الأمن الدولي ستة انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في أوقات الحرب منها: قتل الأطفال وتشويههم، والهجمات على المدارس أو المستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال.
وينظر لما تقوم به دولة الاحتلال بانتهاكات صارخة للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة1989 التي تضمن حماية الأطفال وعدم تعرضهم للمخاطر وتوفير سبل العيش الكريم والأمان والرعاية لهم.
ونصت المادة رقم (38) من الاتفاقية «تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد، وتتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكاً مباشراً في الحرب، وتمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة، وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً، وتتخذ الدول الأطراف، وفقاً لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح».

الاستهداف الواسع للأطفال

كما يرى مركز «شمس» في الاستهداف الواسع للأطفال في الأعمال العدائية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة انتهاكاً جسيماً لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ومن هنا يرى المركز بناءً على عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية أن المجال أصبح مفتوحاً لتقديم شكاوى فردية من أسر الضحايا لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتحريك دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وكما تستطيع دولة فلسطين تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي نتيجة ما تقوم به من جرائم بحق أطفال فلسطين وانتهاكها للقانون الدولي.
وشدد المركز على أن استهداف الأطفال في قطاع غزة هو جريمة حرب مركبة ومكتملة الأركان تحدث أمام عيون العالم، الذي يرقب عن كثب الأوضاع الإنسانية والميدانية في قطاع غزة، دون أن يحرك ساكناً.
ورأى المركز أن الاحتلال الإسرائيلي يمعن في استهداف الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، من المدنيين ومن الأطفال والنساء والطواقم الطبية والمستشفيات والسيارات والمباني السكنية، والدعوة إلى إخلاء المستشفيات من المرضى والأطفال الخدَج تمثل دعوة واضحة وصريحة للإعدام الجماعي للمرضى والأطفال والمصابين بأمراض مزمنة الموجودين في تلك المستشفيات.

غزة المكان الأخطر

وفي ذات السياق، اعتبرت مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن قطاع غزة بات «المكان الأخطر في العالم بالنسبة إلى الأطفال».
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل أمام مجلس الأمن الدولي بعد زيارتها جنوب القطاع «إن 115 طفلاً يقتلوا يومياً خلال أسابيع وأسابيع».
وأضافت: «أن الأطفال يشكلوا 40 في المئة من القتلى في غزة، إنه أمر غير مسبوق. بكلام آخر، إن قطاع غزة هو المكان الأخطر في العالم بالنسبة للأطفال».
كما وأبدت راسل قلقها حيال الأخطار الوبائية، مع شبه غياب لمياه نظيفة، وخصوصاً بالنسبة إلى الأطفال الرضع، وتأثيرات سوء التغذية على حياتهم.
ونبهت إلى أن «أطفال غزة يعيشون حالاً من الخطورة القصوى بسبب ظروف الحياة الكارثية. مليون طفل، هم جميع أطفال القطاع، يواجهون انعدام أمن غذائياً يمكن أن يتحول قريباً أزمة كارثية مرتبطة بسوء التغذية».
وأضافت أنه كي «ينجو الأطفال، وكي تتمكن الطواقم الانسانية من البقاء والتحرك، فان هدنات انسانية ليست كافية بكل بساطة».
وطالبت اليونيسف في أكثر من مرة إلى ضرورة وقف إنساني عاجل لإطلاق النار بهدف وضع حد فوري للمجزرة.
ولا يطال الخطر الشديد حياة الأطفال في مختلف الفئات العمرية بل إنه يتمدد ليصل إلى النساء الحوامل، فبحسب مديرة صندوق الأمم المتحدة للسكان ناتاليا كانيم فأن هناك قلقا حيال مصير الحوامل في قطاع غزة ومواليدهن الجدد.
وقالت: «وسط المعارك والدمار، هناك في غزة حاليا 5500 حامل يتوقع أن يلدن خلال الشهر المقبل».
وتابعت: «يومياً، تضع نحو 180 امرأة مواليد في ظروف مروعة، ومستقبل أطفالهن الرضع غير مؤكد».

استهداف مقصود

ومما تقدمه المؤشرات المحلية والدولية هو أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد استهداف الفلسطينيين الأطفال، فالجميع يقر أن الشريط الساحلي الضيق الذي يعيش فيه أكثر من 2 مليون فلسطيني نصفهم الأطفال في المنطقة الأكثر اكتظاظا في السكان في العالم يعني أن أي عملية قصف عشوائية ستعني استهداف الأطفال.
ورغم تلك الحقيقة التي يقرها خبراء عسكريون وحقوقيون يضعنا أمام ما كشفه موقع «بوليتيكو» الأمريكي من أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت قد زودت إسرائيل بمواقع المنظمات الإنسانية في غزة منذ أسابيع لمنع توجيه ضربات ضد منشآتها. لكن إسرائيل واصلت ضرب مثل هذه المواقع والتي كانت مليئة بالأطفال والنساء.
وحسب ما ورد في الموقع، فقد تضمنت المعلومات الأمريكية إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» لعدد من المرافق الطبية، ومع ذلك، شنت إسرائيل عمليات مزعومة ضد حماس في مواقع المساعدات أو بالقرب منها، بما في ذلك المستشفيات، ما أدى إلى تدمير المباني ومنع الوقود وغيره من الإمدادات الحيوية.

هدنة مؤقتة
وتنفس الصعداء

يعيش الأطفال في غزة في هدنة مؤقتة، مدتها أربعة أيام، وتعكس الصور القادمة من مدن وبلدات القطاع خروج الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة خائفين مذعورين، يخرجون من بيوت الإيواء ومنازل الأقارب والأصدقاء صوب منازلهم التي تدمرت، يتفقدون عائلاتهم وأنفسهم، ومن نجا من الموت بإعجوبة فأمامه مهمة قادمة هي الأصعب، فالهجوم الوحشي على غزة لم يتوقف، وقادة دولة الاحتلال ما زالوا يهددون بالاستمرار حتى سحق المقاومة الفلسطينية، وهي المهمة المستحيلة فيما يبدو إلا في حال سحقت كل سكان القطاع.
وأمام من عاش من أطفال غزة مهمة أصعب في تجاوز ويلات الحرب ونتائجها، فالحياة هناك لم تعد على حافة الهاوية، إنما أصبحت حياة في قلب الهاوية ذاتها، فلا مدارس يذهبون إليها ولا مستشفيات يتعالجون فيها، والأهم لا منازل يسكنها نصف سكان القطاع.
الواقع السابق يضاعف المهمة أمام العالم كله، فهذا العالم بمنظماته ومؤسساته الدولية والحقوقية والتي فشلت في حماية أطفال القطاع من الموت، على هذا العالم مسؤولية مضاعفة لإنقاذ من بقي منهم على قيد الحياة، إنه سؤال العمل من أجل حماية الطفولة الفلسطينية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية