الإعلام المرئي بين النظرية والهدف والأيديولوجيا فلويد مثالاً

حجم الخط
1

قالوا عن الإعلام إنه «السلطة الرابعة»، وبالفعل يستحق هذا اللقب. لم يبق أي شخص في العالم لم يعرف الطريقة العنصرية، التي قتل بها الأمريكي الأسود جورج فلويد، وردود الفعل الكبيرة على قتله، سواء في الانتفاضة التي ظهرت في معظم الولايات الأمريكية منذ أسبوعين، وهي مرشحة للاستمرار، وهزّت أركان الإدارة الأمريكية، وامتدت إلى مختلف القارات، فسارت المظاهرات الكبيرة في لندن وباريس وبون وفينا، وباقي الدول الأوروبية، وامتدت إلى مدن آسيوية وافريقية وأمريكية لاتينية وإلى كندا، حيث شارك رئيس وزرائها في المظاهرات، وانحنى على الأرض ليمثّل الطريقة التي قتل بها فلويد.
كل العالم وقف ضد العنصرية الأمريكية المطبقة ضد السود، وعموم الأجانب في أمريكا، والفضل يعود بالطبع إلى الحملة الإعلامية المكثفة التي خاضتها أجهزة الإعلام العالمية، بما فيها الأمريكية، التي جعلت هدفها التركيز على العنصرية في الولايات المتحدة، واستعرضت حوادث مماثلة قُتلَ فيها سودٌ كثيرون. قتلوا لأنهم ليسوا بيضا. ترامب مرتعب، وهو بات متيقناً من صعوبة فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد تبين أنه عنصري حاقد على السود والمسلمين، وكل الأجانب والأمريكيين اللاتينيين، فبنى جداراً مع المكسيك. الإعلام تحديدا، وحول هذه الحادثة، وقف موقفا وطنيا بامتياز، وحقق هدفه في الرسالة التي أراد تأديتها. لذا، فإن الإعلام ليس نظرية فقط وإنما هو قضية، هدف ورسالة.

الإعلام العربي الفضائي مقصّرٌ في نقل عدالة القضية الفلسطينية، وفي كشف الجرائم الصهيو إسرائيلية للمجتمع الدولي

تختلف الأهداف بالطبع وفقا لطبيعة منطلقات الوسيلة الإعلامية، ولكن من أنبل الأهداف، أن تكون الرسالة والهدف ممزوجين في تعبير بسيط، اسمه «الوطنية»، والدفاع عن قضايا الشعب ومصالحه، وأنبلها قضية التحرر الوطني، وتحرير الأرض المحتلة، ونعني الفضائيات. لقد قال الرئيس الراحل عبدالناصر يوما «المقاومة الفلسطينية هي أنبل ظاهرة عربية، ووجدت لتبقى»، ومن النبل بمكان نقل دقائق صورة مقاومة شعبنا للسوبر فاشيين الجدد، الإعلام الذي اتخذ ويتخذ هذا الموقف، يستحق شرف الدخول في المعركة الكفاحية ضد عدو الفلسطينيين والأمة العربية والإنسانية جمعاء، خاصة أن قضيتنا عادلة، وصانت حقوق شعبنا الأمم المتحدة في 15 قراراً بين عامي 1947 و2017، عندما اتخذت قرارا ينص على أن «الجمعية العامة للأمم المتحدة ترفض أي إجراءات لتغيير الوضع في القدس»، وهو ما يعني رفض القرار الأمريكي، اعتبار المدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل.
ما نقوله ونسأله، إن صورة مقتل جورج فلويد والشرطي الأمريكي يضغط على رقبته، وهو يقول «أريد التنفس» وظلّ الأبيض يضغط حتى توفي الأسود، الصورة ليست الأولى في واقعنا الحديث، بل صورة مارستها قوات الاحتلال الصهيوني ضد فلسطينيين، بمن فيهم صبية صغار السن، فقد كشف توثيق أعلنته «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين»، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 2070 طفلا فلسطينيا منذ عام 2000، ضمن مسلسل الجرائم المتواصل بحق الشعب الفلسطيني، الذي يشمل أيضا إصابتهم واعتقالهم وحبسهم منزليا، فضلا عن ما يتعرض له الأطفال من ضغوط نفسية. وقالت الحركة العالمية خلال مؤتمر صحافي عقدته بمناسبة مرور 29 عاما على توقيع اتفاقية حقوق الطفل، إن «قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت عام 2018 وحده 52 طفلا فلسطينيا، وإسرائيل، بحسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، هي الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ما بين 500 إلى 700 طفل فلسطيني أمام المحاكم العسكرية، بشكل يفتقر إلى الحقوق الأساسية للمحاكمة العادلة، ويتعرض 78% من هؤلاء الأطفال للتعذيب، وإساءة المعاملة، والعزل الانفرادي، وحرمانهم داخل السجن من أبسط حقوقهم في التعليم والصحة. ألا يشكّل ذلك جريمة تماشل في بشاعتها وعنصريتها الجرائم العنصرية الأمريكية، كما أن القوات الأمريكية، اقترفت جرائم يندى لها جبين الإنسانية في سجن «أبو غريب» في العراق، ولكن للأسف لا تأخذ هذه الموبقات، الضجة ذاتها في العالم التي أخذها مقتل فلويد!
ندرك أن الحركة الصهيونية جعلت السيطرة على الإعلام والمال في كافة أرجاء الأرض هدفا لها، ولكن معظم الإعلام العربي الفضائي مقصّرٌ أيضا في نقل عدالة القضية الفلسطينية أولاً، وفي كشف الجرائم الصهيو إسرائيلية إلى المجتمع الدولي. لقد قالت الكاتبة البريطانية أيتل مانين، مؤلفة رواية «الطريق إلى بئر سبع»، منذ بداية النكبة «العرب أسوأ محامين عن أعدل القضايا».
في ظلّ أكبر الجرائم الصهيونية حاليا التي ترتكب، بشكل شبه يومي ضد شعبنا وأمتنا، يتحول الخبر الفلسطيني إلى خبرٍ رابع أو خامس في معظم الفضائيات العربية، على الرغم من أن قضية فلسطين تظل القضية المركزية للأمة العربية بأسرها، بالطبع بعيدا عن النظام الرسمي العربي، فهو في واد وجماهيره في واد آخر، بالعكس فإن هذا النظام يعمل على التطبيع مع العدو الصهيوني، رغم كل موبقاته التي لا تحصى ضد الفلسطينيين والعرب، ورغم أن الصهاينة وأسيادهم من الإمبرياليين الجدد يعملون حثيثا، لتغييب مظهر الصراع الأساسي والتناقض الرئيسي بين الأمة العربية من جهة، والعدو الصهيوني من جهة أخرى، من خلال افتعال وتسييد أشكال جديدة من الصراع في المنطقة: صراعات إثنية ومذهبية طائفية مقيتة، لإغراق المنطقة بها، تنفيذا لمقولة قديمة صهيونية، أكّد عليها بن غوريون عند إقامة دولة الكيان، كما وزراء خارجيته موشيه شاريت، غولدا مائير، إيغال يلون (الذي أول من اقترح حكما ذاتيا للفلسطينيين عام 1961، وإقامة دويلة صديقة للكيان في جنوب لبنان عام 1958، مرورا بكل رؤساء الحكومة ووزراء خارجية الكيان، والقادة الآخرين من الصهاينة، مفادها: أن لا استقرار لإسرائيل، إلا من خلال الحرص على ابتكار صراعات عربية ـ عربية، وأخرى محلية على مستوى الدولة العربية الواحدة. وهذا ما سيعمل على ضمان أمن إسرائيل واستقرارها في المنطقة. تطور المخطط الصهيو ـ أمريكي- الغربي إلى حلقة جديدة: تفتيت الدول العربية القائمة إلى دويلات عددها 42 دويلة. هذا يضمن للكيان أيضا إزاحة أي قوة عسكرية قد تشكل تهديدا مستقبليا لإسرائيل. (اقرأوا «مذكرات ديان» وكتابه: «أنا وكامب ديفيد»، مذكرات قادة إسرائيل ومنهم إسرائيل شاحاك، كتاب نتنياهو «مكان تحت الشمس»، مخطط برنارد لويس وغيرها).
بالمعنى النظري، فإن الفضائية الإعلامية تتميز بقدرتها، إن أرادت، على كشف الحقائق، وإثارة التساؤلات لدى القارئ، ووضع اليد على المجهول في صراع الأمة/الشعب مع أعدائها/ أعدائه، بهدف الوصول إلى طرق جديدة للبحث العلمي في إمكانيات تحقيق الأهداف. لكن، ربما من الصعب الوصول إلى نظرية إعلامية محددة مستكملة المعالم، فوفقا لباحثين كثيرين: هناك نظريات متعلقة بإشباع رغبات الجمهور، وأخرى متعلقة بالتوعية الثقافية، ونظريات متعلقة بالعلوم البحتة، وأخرى متعلقة بطرق ومدى التأثير على الجمهور، وتفاعله مع القضايا المطروحة في الفضائية. كما أن باحثين آخرين يسلسلون نظريات حول التنمية في البلدان، وإقناع الجماهير بعدالة السلطة، وخدماتها المميزة لجماهيرها، وكيفية التغني بنعمها وعطائها اللامحدود، نظريات تتبنى الحرية الفردية والأخرى المجتمعية، والمسؤوليات الجماهيرية… هناك فرق كبير بين إعلام يكشف حقيقة أعداء الامة، ويتابع أولا بأول صمود ومقاومة أبنائها في مختلف ساحات الصراع، وبالاخص مقاومة الشعب الفلسطيني، وإعلام لا مبال بقضايا أمته، المقاومة الفلسطينية هي رأس جسر كل مقاومة عربية للغزوة الصهيونية. هذه الطليعة العربية التي امتزجت دماؤها بالمقاومة ضد كل غزاة فلسطين (وما أكثرهم) على مدى قرون زمنية، وآخر هذه المقاومات المستمرة عبر التاريخ، مقاومتنا الأخيرة والممتدة عبر قرن زمني للعصابات الإرهابية الصهيونية منذ بداية مشروعه، ومن ثم مقاومة الكيان منذ إنشائه وحتى اللحظة الراهنة والمستمرة أبدا، حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر. أن تغوص في هذه الحقائق يعني: أنك حريص على كشف حقيقة العدو كمقدمة أولى للانتصار عليه. من واجب الإعلام: العمل على ايجاد الوعي المجتمعي، لكن الأيديولوجيا بتحكمها في الفضائيات، توجه هذا الوعي في إطار محدد منسجم مع توجهاتها. لم تعد الأيديولوجيا اعتناقا فكريا ذهنيا فقط ، يعبّر عنه في مسلكية متوائمة مع منطلقاتها. بالتاكيد فإن متغيرات كثيرة طرأت وأثرّت على اضمحلال أو ازدهار هذه الأيديولوجيا، أو تلك كالتقدم التكنولوجي والعولمة الإعلامية وغيرهما.. حتى إن البعض يؤرخ نهاية الحقبة كالمفكر الأمريكي دانيال بيل في كتابه «نهاية عصر الأيديولوجيا». عصر الأيديولوجيات لم ينته، كل الذي حصل هو تهذيبها. كانت سمتها الرئيسية، المثالية. كثيرون يفسرون «شبه التحول» هذه إلى أن حقائق التكنولوجيا أصبحت بديلا للأيديولوجيات. هناك الكثير من المواضيع الإعلامية المتوجّب العمل عليها من الفضائيات، خاصة تعابير مثل: تزييف الوعي الجماهيري، التضليل الإعلامي، الحرب النفسية الإعلامية، الإعلام ودعم الشعور بالمواطنة وغيرها.
وسائل الإعلام المرئية هي المصدر الأهم (ربما) بين مصادر التوجيه والتثقيف في أي مجتمع، وهي ذات تأثير كبير في جماهير المتلقين المختلفين المتباينين في اهتماماتهم وتوجهاتهم ومستوياتهم الفكرية والأكاديمية والاجتماعية. وهذا ما يكسبها أهميتها البنائية الفائقة.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    أن ما تعًرض له جورج فلويد أليوم يتعرض له أطفالنا وأهلنا في ألأرض ألمحتلة بشكل يومي منذ
    سيطرة أليهود ألأشكناز على فلسطين بدعم من ألقوات ألبريطانية. لقد طفح ألكيل بحكايات ألمفاوضات ألتي كانت واضحة منذ بداياتها انها لعبة أشكنازيه صهيونية لمجرد كسب ألوقت للسيطرة على فلسطين بكامل أراضيها. وقد جاء أنتخاب ترامب كدعم كامل للصهاينة للمضي قدماً في ألسيطرة على ما بقي من فلسطين بيد أهلنا. ومن أجل أستعادة فلسطين يتوجب على ألسلطة ألفلسطينية ألعمل على تصوير جرائم ألصهاينة ضد أهلنا ونشرها للعالم لكي يرى ما يقوم به ألصهاينة بأموال دافعي ألضرائب في ألولايات ألمتحدة ألأمريكية.

إشترك في قائمتنا البريدية