«الإثراء غير المشروع» يثير الجدل في المغرب ومقترح قانون بمنعه واحتجاجات لمكافحته

حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: عقب الجدل الذي أثاره قانون “الإثراء غير المشروع” في المغرب، بعد ما قام وزير العدل عبد اللطيف وهبي بسحب القانون الجنائي من البرلمان والذي كان يتضمن عقوبات تهم هذه الجريمة؛ أعاد حزب “العدالة والتنمية” المعارض الموضوع إلى واجهة النقاش من جديد.
وتقدمت المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” بـ “مقترح قانون حول منع الإثراء غير المشروع” أُودِع بداية شهر شباط/فبراير الجاري في مكتب مجلس النواب، ويهدف إلى “مكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام، كما يحدد آليات مكافحته”.
وقالت المجموعة النيابية للحزب الإسلامي المعارض إن الإثراء غير المشروع “مشكلة كبيرة، تنعكس على مستوى محاربة الفساد، وتضر بصورة وسمعة الدول، لذلك تتم محاصرتها من خلال آليات تشريعية وتنظيمية ومؤسساتية”.
وأفادت مذكرة تقديم مقترح القانون المثير للجدل أن المغرب انخرط في هذه الدينامية مبكرا من خلال آلية التصريح بالممتلكات، بالنسبة للمسؤولين العموميين، وذلك لرصد أي زيادة محتملة وغير مبررة في ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح.
وأضافت “غير أنه ومن خلال الممارسة، تبين أن هذه الآلية لا تحيط بموضوع الإثراء غير المشروع من كل الجوانب، ولم تستطع محاصرة هذه الظاهرة بما يكفي، وبما يجعلها استثناء بين عموم الذين يتولّون مهام ومسؤوليات عمومية، انتدابية كانت أو إدارية”.
وذكرت الوثيقة أن المُشرّع حاول تحيين الآليات القانونية المرتبطة بمكافحة الإثراء غير المشروع، من خلال تعديل مجموعة القانون الجنائي، “غير أن الحكومة قامت بسحبه سنة 2022 بدون مبرر موضوعي، ما أوقف مسار التأهيل التشريعي في هذا المجال، وأعطى إشارات سلبية على المستوى السياسي، وأظهر الحكومة غير آبهة بمكافحة الإثراء غير المشروع، وبمحاربة الفساد بشكل عام، عبر المدخل القانوني.”
وأشارت المجموعة النيابية في مقترحها إلى أن هذا الأخير يأتي استجابة للالتزامات الدولية للمغرب في مجال مكافحة الفساد، وخاصة بعد التوقيع على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، وضرورة تأهيل وتحيين المنظومة القانونية الوطنية وملاءمتها مع هذه الالتزامات، بالإضافة إلى تراكم مظاهر الاستغلال السيء للوظيفة العمومية من طرف المسؤولين السياسيين، وكذا الموظفين العموميين ذوي المسؤوليات الملزمين بالتصريح بالممتلكات، وبروز مظاهر الإثراء غير المبرر لهؤلاء المسؤولين، منتخبين وإداريين، وفق ما ترصده الصحافة الوطنية، وتقارير جمعيات المجتمع المدني المشتغلة في مجال حماية المال العام.
وتقترح المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” أن تُسند مهام البحث والتحري في الإثراء غير المشروع لـ “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة” وتقترح عقوبات لكل مَن يثبت في حقهم، من المعنيين به وهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري للممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، وكلّ شخص ذاتي، سواء كان معيّنًا أو منتخبا بصفة دائمة أو مؤقتة، تُعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصالح الدولة أو المجالس المحلية، أو المؤسسات أو المقاولات العمومية، سواء كان ذلك بمقابل أو دون مقابل، وكل مَن له صفة موظف عمومي أو من يعيّنه القضاء للقيام بمهام قضائية، إلى جانب الجمعيات والأحزاب السياسية والأشخاص المعنوية المتعاقدة مع الدولة بأي وجه كان. كما يتضمن المقترح عقوبات لجريمة الإثراء غير المشروع، وآليات لتتبعها والتحري بشأنها.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد شدد في خطاب العرش تموز/يوليو المنصرم على أن “الجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحَوكَمة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص، من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة”.

مكافحة الفساد مسؤولية مشتركة

إلى ذلك، دعت “الجمعية المغربية لحماية المال العام” إلى وقفة احتجاجية أمام مبنى البرلمان، وقالت ضمن نداء لها إن هذه الخطوة تأتي “نظرا لاستمرار الفساد والرشوة ونهب المال العام في كافة مناحي الحياة العامة وتنصل الحكومة من التزاماتها الدستورية والقانونية للتصدي لهذه الآفة الخطيرة”.
محمد الغلوسي، رئيس “الجمعية المغربية لحماية المال العام” أكد أن الوقفة الاحتجاجية تأتي استحضارا للمواقف المُحذرة من خطورة ترشيح وتزكية بعض الأحزاب لأشخاص تحوم حولهم شُبُهات فساد وإثراء غير مشروع قبل انتخابات 8 أيلول/سبتمبر 2021 ومع انطلاق تفكيك شبكات الفساد ولصوص المال العام”.
وقال الغلوسي متحدثا لـ “القدس العربي” إن مكافحة الفساد مسؤولية مشتركة، مطالبا بتجريم الإثراء غير المشروع، وبمراجعة قانون التصريح بالممتلكات ووضع منظومة تشريعية لمكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة.
واعتبر الحقوقي المغربي أن “لصوص المال العام أكبر خطر يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي” لافتا إلى أن “على الدولة أن تستوعب دقة المرحلة وصعوباتها على كافة الأصعدة، ذلك أن كلفة الفساد باهظة يؤديها المجتمع وخاصة الشرائح المتوسطة والفقيرة”.
وأبرز الغلوسي تطلُّعه إلى أن تستمر “كل الإجراءات والمتابعات القضائية التي تم تحريكها لحدود الآن ضد المفسدين بدون أي تمييز وحجز ممتلكاتهم ومصادرتها لفائدة الدولة”.
وبالعودة إلى الوقفة الاحتجاجية، أفاد الغلوسي أن الخطوة تهم كل المغاربة باعتبار “معركة مكافحة الفساد والرشوة معركة مجتمعية تهم كافة شرائح المجتمع وكافة المؤسسات والهيئات” وفق تعبيره، لافتا إلى كونها “مجرد نقطة نظام لتبليغ الرسائل لكل من يهمه الأمر، والتشديد على أن المسؤولية العمومية يجب ألا تكون وسيلة للاغتناء لأن ذلك يضر بالمصلحة العامة ويُقوِّض الثقة في المؤسسات ويخلق تفاوتا اجتماعيا مصطنعا”.
وخلص الحقوقي المغربي إلى أن “تجريم الإثراء غير المشروع من شأنه أن يساهم في حوكمة المؤسسات وشفافية العلاقة بين المواطنين والمرفق العمومي”.
وكانت “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” في المغرب قد أصدرت دراسة في الموضوع، استمرارا وتعميقا للرأي الذي قدمته بخصوص مشروع القانون الجنائي في شقه المتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، لتؤسس منظورا تأصيليا لتجريم هذا السلوك ورصد الآليات الناجعة لمكافحته، اقتناعا منها بحتمية هذا التجريم وراهنيته باعتباره ضمانة أساسية لإعادة بناء الثقة في المرفق العام وفي قيم خدمة الصالح العام وآلية احترازية وزجرية لتطويق ومحاصرة الانفلاتات والتجاوزات المحتملة التي قد تُفرزها ممارسة الوظائف العمومية، ومطلبا حيويا للتجاوب مع التزامات بلادنا في إطار الملاءمة مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي صادق عليها المغرب في هذا المجال.
واعتبرت الدراسة أن تأصيل منظور ملائم وناجع لمكافحة الإثراء غير المشروع يمر بالضرورة عبر التوفيق بين حق المجتمع في وضع الضمانات الكفيلة بالحفاظ على المصلحة العامة والنظام العام، بما في ذلك معاقبة مرتكبي الجرائم وإعادة الحقوق إلى أصحابها وإلى نصابها الحقيقي، من جهة، وتثبيت قواعد المحاكمة العادلة في احترام الحقوق وصون الحريات وتحصين مبدأ قرينة براءة الأشخاص، من جهة ثانية.
وفق هذا المنظور، تبيّن للهيئة أن تجريم الإثراء غير المشروع ينبغي أن يأخذ في الاعتبار استحضار ثلاثة معطيات أساسية: أولها أنه في ظل الطابع غير المشروع والخفي والمعقد لجرائم الفساد، لا بد من الإقرار بمحدودية الآليات المتعارف عليها في البحث والتحري عن الوصول إلى الحقائق المتعلقة بهذه الجرائم، وبالتالي إمكانية تحجيمها وردع مرتكبيها، وفي المقابل من الجدير الانفتاح على الآليات المتجددة للتحري والكشف عن هذا النوع من الجرائم، لما تكتسيه من وجاهة وفي مقدمتها الآلية المعتمدة لمكافحة الزيادة الكبيرة وغير المبررة في موجودات الموظف العمومي.
ويتمثل المعطى الثاني في إدراج مكافحة الإثراء غير المشروع ضمن مفهوم الصالح العام الذي يصبح بمقتضاه الموظف العمومي مؤتمنا على تدبير المرفق العام بما يستدعي تمتيعه بأنواع من الحمايات والحقوق والامتيازات مقابل إلزامه، دون غيره بمجموعة من الالتزامات والواجبات والمسؤوليات والتي تشمل إلزامه بتبرير المصدر المشروع للزيادات الكبيرة التي تثبت على ثرواته خلال مزاولته للوظائف أو اكتسابه للصفة.
في حين يتجلى المعطى الثالث في اعتبار مبدأ تحويل الإثبات في هذه الجريمة من النيابة العامة كسلطة ادعاء إلى المتهم كمدعى عليه إجراء جرى ويجري به العمل وطنيا ودوليا على المستوى التجريمي والمسطري في مجموعة من الجرائم التي لا يمكن إثباتها والتحقق منها إلا عبر هذا الإجراء المسطري.
وتؤكد الهيئة على أن أي مجهود تشريعي في هذا المجال ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات جرائم الفساد وتعقيدها وحتمية النهوض بآليات متجددة، وأن يتأسس على الفهم العميق لمقاصد وأبعاد مقتضيات الوثيقة الدستورية ذات الصلة بالحوكمة الجيدة، وأن يتفاعل إيجابيا مع منظور الاتفاقيات الدولية والإقليمية لمكافحة الفساد بهذا الخصوص، ومع اختيارات التشريعات المعتمدة في هذا الشأن من طرف مجموعة من الدول، وأن يعتمد رؤية موضوعية تستجلي حقيقة وواقع اعتماد مبدأ قلب عبء الإثبات في هذه الجريمة قبل الوصول إلى طرح توجهات تشريعية ملائمة لها مشروعيتها ووجاهتها في تجريم الإثراء غير المشروع.

تحصين ممارسة المسؤوليات العمومية

وتعتبر الهيئة، في هذا الإطار، أن الوعاء القانوني الأنسب لتوطين هذه الجريمة هو إفرادها بقانون خاص يضبط مقتضياتها الموضوعية والإجرائية؛ بما ينسجم مع انفراد هذه الجريمة بخصائص تميزها عن باقي جرائم الفساد الأخرى، وبما يضمن النجاعة والانسجام القانوني في هذا المجال، وبما يحقق أكبر قدر من المصلحة المبتغاة من هذا التجريم والمتمثلة بشكل خاص، في حماية قيم المرفق العام القائمة أساسا على النزاهة والحياد وعدم إساءة استغلال الوظائف، وفي تحصين ممارسة المسؤوليات العمومية وضمان نظافتها من كل الشوائب المحتملة.
على هذا الأساس، تؤكد الهيئة على أهمية توسيع قنوات وروافد رصد هذه الجريمة، بالتنصيص الصريح على رصدها من خلال تتبع التصاريح بالممتلكات من قبل “المجلس الأعلى للحسابات” أو من خلال صلاحيات البحث والتحري عن جرائم وأفعال الفساد التي تضطلع بها “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” أو عبر تلقي التنبيهات أو المعلومات عن حالات الاشتباه بها من المؤسسات المؤهلة، بحكم صلاحياتها وتوفرها على المعطيات، لاكتشاف تطور الثروات.
وتقترح الهيئة مد جسور العلاقات عبر التوظيف الأمثل للعتاد الإلكتروني بين مجموعة من المؤسسات المغربية، كإدارة الضرائب وإدارة تسجيل المركبات والمحافظة العقارية (الشهر العقاري) والخزينة العامة ومكتب الصرف، وغيرها من الهيئات المماثلة لتسهيل التبادل المعلوماتي في هذا الشأن، والرصد الآني لكل تطور مشبوه في الثروات، والتحقق الموضوعي من مصداقيته.
وتوخيا للإحاطة والتثبت من الثروات التي يمكن إخفاؤها عبر اقتناء ممتلكات بالخارج، توصي الهيئة بأهمية التنصيص على التنسيق مع “مكتب الصرف” للاستفادة من الإمكانيات القانونية والعملية المتوفرة لديه في هذا الشأن للإحاطة علما بالممتلكات المسجلة بالخارج والعائدة للأشخاص المعنيين، وكذا التنسيق مع إدارة الضرائب في إطار الآلية الجديدة الخاصة بتبادل المعلومات الشخصية لأغراض جبائية.
ويشكل القضاء حلقة أساسية ضمن حلقات القواعد المسطرية لمكافحة جريمة الإثراء غير المشروع؛ حيث يعتبر هو الضامن لاقتياد مرتكبي هذه الجريمة نحو ساحة الإدانة والزجر وإعطاء مفعول عقابي لهذه الجريمة والمؤهل لمنح مقتضياتها الجرمية والعقابية بعدها التفسيري وقدرتها على الاشتغال والتطبيق؛ وفق ما جاء في دراسة “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”.
واعتمادا على هذه الصلاحية، ستكون النيابة العامة مدعوة لتحريك الدعوى العمومية في جريمة الإثراء غير المشروع بشكل تلقائي، بناء على تلقيها الإحالات والمحاضر، خاصة من “المجلس الأعلى للحسابات” ومن “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها” وبشكل عام من قبل السلطات التي يمكن أن ترصد أجهزتها الرقابية شبهات بالإثراء غير المشروع، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 42 من قانون المسطرة الجنائية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية