الأيام العشرة الأخطر في تاريخ الدولة اليهودية.. الحرب الأهلية فزاعة أم حقيقة؟ كيف ستبدو ملامح الانهيار؟

وديع عواودة
حجم الخط
0

 الناصرة- “القدس العربي”: يستأنف الكنيست الإسرائيلي، اليوم الأحد، عملية التشريعات الإصلاحية، التي تعتبرها المعارضة انقلاباً على الديمقراطية واستبدالها بالدكتاتورية، فيما يتصاعد الاحتجاج الشعبي وسط أفق مسدود وتعمّق حالة التشظي، وانضمام أوساط أمنية لإعلان التمرد، وتحذيرات من اندفاع الدولة اليهودية نحو الهاوية واقترابها من نقطة اللاعودة.

 بدا مقترح هرتسوغ نوعاً من محاولة إطفاء النار بالبنزين، ما دفع نتنياهو للقول إن هرتسوغ فوّت فرصة للتجْسير بين المتخاصمين.

وعلى خلفية دنوّ إسرائيل من خطر الانفجار الداخلي، من غير المستبعد أن يحاول نتنياهو وقفه من خلال حرب خارجية لتصدير الأزمة الإسرائيلية. ويرى بعض المراقبين المحليين أن طريق النجاة  تتم من خلال التوافق على إنشاء دستور، وهو مفقود منذ قيام دولة الاحتلال، عقب نكبة 1948، أو من خلال بناء كتلة ليبرالية تجمع اليسار واليمين الصهيوني تقوم على أساس الوثيقة التاريخية المؤسسة المعروفة بـ “وثيقة الاستقلال”.

 حالياً من المفترض اليوم أن يصادق الكنيست على مشروع قانون “منع التعذر”، الذي يمنع مطالبة المستشار القضائي للحكومة، أو المحكمة العليا، رئيس الحكومة التنحي نتيجة تعذّره القيام بممارسة صلاحياته بعد تقديم لائحة اتهام ضده. وهناك على الطريق مشروعُ قانون يعرف بـ “القانون الفرنسي” الذي يحظر محاكمة رئيس حكومة بكل حال ما دام في منصبه.

 كما يشهد الكنيست، اليوم، المصادقة على مشروع قانون يسمح لرئيس حكومة وعائلته بجمع التبرعات لتمويل كلفة محاكمته، وفعلياً هذه عملية تبييض للفساد. وتعتبر المعارضة مشروعي القانون المذكورين قانونين خاصين تتم حياكتهما على مقاسات نتنياهو.

في المقابل تصاعدت الاحتجاجات العفوية، التي لا تخضع لمركز سيطرة مركزي، في مختلف أنحاء البلاد، أمس، كمّاً وحدّةً، حيث انتشرت في أكثر من 100 موقع، وجرى إغلاق شوارع مركزية، ومحاصرة بعض الوزراء داخل منازلهم، منهم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير. لكن بعض المراقبين الإسرائيليين يعتقدون أن الاحتجاجات مؤدبة ومخففة، وتحتاج للتصعيد أكثر حتى تكون ناجعة وقادرة على فرملة قطار التشريعات.

في المقابل شددّت الشرطة الإسرائيلية قبضتها ضد المتظاهرين، وأصابت عدداً منهم بجراح، علاوة على اعتداءات عليهم من قبل “زعران وبلاطجة اليمين”، كما أكد قادة الاحتجاجات.

وضعتْ إسرائيل قدمها في ما يُعرف بـ “الأزمة الدستورية”، التي تعني صدور أوامر متناقضة من الحكومة، ومن المحكمة العليا.

 وكان رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ قد طرحَ، قبل أيام، مقترحه الثاني للتسوية، وفيما قَبِلَتْه المعارضة رَفَضَه الائتلاف الحاكم، مما زاد من حالة الاستقطاب ومفاقمة خطاب الكراهية، وبدا مقترح هرتسوغ نوعاً من محاولة إطفاء النار بالبنزين، ما دفع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للتعقيب بالقول إن هرتسوغ فوّت فرصة للتجْسير بين المتخاصمين.

وبعد انتقادات واسعة أطلقها رؤساء سابقون لأجهزة أمنية ضد ما أسموه ضرب الجهاز القضائي، وتحويل الديمقراطية لدكتاتورية، وبعد تمرد مئات الطيارين العسكريين في الاحتياط، انضمّ، اليوم الأحد، 450 ضابطاً في وحدات خاصة ضمن جيش الاحتياط، و200 ضابط من وحدات السايبر التابعة للموساد والاستخبارات العسكرية للاحتجاج، وقالوا إنهم يتوقّفون عن القيام بالخدمة التطوعية الجارية في جيش الاحتياط، ومعهم أيضاً رئيس سابق للجنة الطاقة النووية. قبل ذلك حذّرَ نداف أرغمان، رئيس سابق لجهاز المخابرات العامة (الشاباك)، في حديث للقناة العبرية 12، من تفكك المؤسسات الإسرائيلية جراء خطة إضعاف الجهاز القضائي. وعبّر عن قلقه بشأن سلوك نتنياهو، حيث اعتَبرَ أنه “فقد كوابحه” وتغيَّرَ كثيراً، ولم يعد محطّ ثقة، وقال إن “الخوف الأكبر أنه إذا تم تمرير هذه القوانين فإن إسرائيل ستصبح على حافة الديكتاتورية، مما سيقود لحالة تفكك داخلي. وقد سبق أن حذّر رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين (الليكود)، في خطاب الأسباط، خلال مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015، من حالة التشظي الداخلي، نتيجة التباعد والكراهية والفشل في إدارة الاختلاف، وقال إنها أخطر من قنبلة إيران.

المزيد من العصيان

يتزايد عدد المسؤولين، الحاليين والسابقين، والمراقبين والمحلّلين في إسرائيل، الذين يحذّرون من أنها تقف على حافة الهاوية، وأنها تقترب من لحظة الغليان، وبعضهم يقول “الانفجار”، ويتحدث عن حالة احتراب داخلي، أو حرب أهلية، خاصة بعدما

 وضعت قدمها في ما يُعرف بـ “الأزمة الدستورية”، التي تعني صدور أوامر متناقضة من الحكومة، ومن المحكمة العليا للدوائر والمؤسسات الحكومية.

ويستند المحذِّرون من خطورة الانقسام، لكونه يدور على وجه وماهية إسرائيل، ولكونه أعمق وأكبر وأخطر من نقاش على فصل سلطات، وعلى مكانة المحكمة العليا فحسب، بل هو نتيجة انقسام عميق بين يهود غربيين وشرقيين وبين النخب، بين القيادة الرسمية الحالية للدولة وبين قيادات الدولة العميق، بين متديّنين وبين علمانيين، علاوة على الخلاف مع تيارات من المستوطنين ممن يدفعون لضم الضفة الغربية وبناء دولة يهودية من البحر للنهر، وهذا ما تعتبره أوساط إسرائيلية واسعة تهديداً وجودياً، لأن الضمّ يعني الإجهاز على إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية.

ويتساءل البعض؛ هل حقاً إسرائيل توشك على دخول دائرة الاحتراب الداخلي؟ وهل أصلاً إمكانية الحرب الأهلية واردة لدى الإسرائيليين؟ وإن كانت التحذيرات حقيقية، وإن كان هناك احتمال فعلي لنشوب هذه الحرب، التي ينعتها مراقبون إسرائيليون بـ “خراب الهيكل الثالث”، فكيف ستتم؟ وكيف ستبدو؟

الأزمة الدستورية

وتزداد سخونة السجال الداخلي في إسرائيل في ظل مساع محمومة لحكومة الاحتلال لاستكمال دفعة دسمة من التشريعات قبل الثاني من أبريل/ نيسان القادم، وهو موعد خروج الكنيست لعطلة الربيع، ولذا

تعمل المعارضة على المزيد من التصعيد في هذه الفترة المتبقية، بما يشمل مخططاً لـ “شلّ الدولة”، كما نقلت وسائل إعلام عبرية عنهم، ما يعني تسارع قطارين نحو ارتطام وجها لوجه، ومن المتوقع أن يبلغ الغليان درجته القصوى ويحدث الانفجار في حال تَجَاهَلَ الائتلاف الحاكم كل الاحتجاجات الساخنة والتحذيرات الداخلية والخارجية، ومضى نحو استكمال مسيرة التغيير بالمصادقة على القوانين المقترحة بالقراءة الثالثة والأخيرة، ما يعني نقطة اللاعودة، وفقدان فرصة التسوية والحلول الوسط التوافقية.

لن تشهد شوارع تل أبيب مواجهات عسكرية بين كتائب دبابات مقابل كتائب مدفعية، أو قصفاً بالصواريخ، لكن حالة الاحتراب خيار واقعي وحقيقي في إسرائيل، عشية ذكرى تأسيسها الخامسة والسبعين، وهذا يحدث بالتدريج كما تدلل تجارب عالمية.

يكفي، على سبيل المثال، أن يطلق أحد ناشطي اليمين الرصاص على المتظاهرين، أو إلقاء قنبلة نحو جموعهم، كما حصل في مظاهرات احتجاج على حرب لبنان عام 1982، حتى يتعمق الانقسام، وتتكسّر الثقة والمواثيق غير المكتوبة بين الإسرائيليين أنفسهم، وبينهم وبين الدولة.

تعمل المعارضة على المزيد من التصعيد، بما يشمل مخططاً لـ”شلّ الدولة”، ما يعني تسارع القطارين نحو الارتطام.

ربما تؤدي عملية سفك دم في الشارع إلى المزيد من سفك الدماء، ولكن الأكثر واقعية، ولا يقل خطورة، هو تسلل الانقسام لداخل المؤسسة الأمنية (الجيش، الشاباك، والموساد، والشرطة) التي تعلن عندئذ، أو أوساط منها، عدم امتثالها لقرارات غير شرعية من الحكومة، وتحترم قرارات الجهاز القضائي فحسب، وذلك عندما يتلقّون أوامر متناقضة، ويجدون أنفسهم بين قرارات الحكومة وقرارات المحكمة.

حرب الأيام العشرة

مثل هذه المخاوف تدفع الصحافة العبرية لتسمية الفترة المتبقية من مارس/ آذار الجاري الفترة الحاسمة، والأيام العشرة الأخطر في تاريخ الدولة اليهودية، وتصفها بالتاريخية، ومن شأنها أن تفضي لتسوية أو لحالة احتراب وتفكّك.

يذكّر هذا التوصيف بـ “حرب العشرة أيام” (عملية ديكل) التي شهدتْها العشرية الثانية من يوليو/تموز 1948 التي احتلت فيها إسرائيل اللد والرملة وقلب الجليل، وتمكّنت من احتلال مدينة الناصرة من دون رصاصة واحدة. هذا المرة، وبعد 75 سنة تبدو “العشرية الأخيرة من آذار” رمزاً لحرب داخلية خطيرة، ربما تكفي رصاصة واحدة فيها ضد المتظاهرين حتى تشتعل نار واسعة، وتتعرض إسرائيل لمسيرة تدمير ذاتي عَجِزَ أعداؤها طيلة عقود عن بلوغ نتيجتها المحتملة.

انقسام المؤسسة الأمنية

 حالة التفكّك الخطيرة، في مثل هذه الحالة، تتجلى بأخطر صورها، وهي انقسام المؤسسة الأمنية وعصيان قيادات في أهم كتائبها ووحداتها العسكرية، كالطيارين ورجالات السايبر، وغيرهم، ولكن ليس هذا فحسب؛ فلو تمت فعلاً عملية استكمال التشريعات المطروحة بالقراءة الأخيرة، حتى عطلة الربيع البرلمانية، ستكون خسارة إسرائيل أكبر وأعمق بفقدانها ضلعين من أضلاع المناعة الوطنية.

منذ انطلق مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية، عام 2002، سنة تلو الأخرى، كانت المداولات المركزية فيه تدور بمشاركة رهط من الخبراء حول “المناعة القومية”، القائمة بالأساس على القوة العسكرية، الوحدة أو اللحمة الداخلية بين الإسرائيليين، وثقة الإسرائيليين بمؤسساتهم الحاكمة.

تفيد مؤشرات كثيرة أن خطة التشريعات الفاشية الحكومية تضرب مقومات هذه المناعة، ما يعني بدء مسيرة تحلّل أو تفكّك داخلي، مرشحة أن تتفاقم في ظل تراجع حاد في التهديدات الخارجية على إسرائيل، بعدما تحولت دول عربية من العداء للصداقة والتطبيع والتعاون السري والعلني، وبعد تفكّك جيوش ودول عربية مجاورة في “الجبهة الشرقية”، خلال عقد الربيع العربي منذ 2011. يضاف إلى ذلك تراجع حقيقي في دعم يهود الولايات المتحدة والعالم لإسرائيل، التي تمضي لتكون نتيجة التشريعات فيها أكثر فاشية وظلامية بالمفاهيم السياسية والاجتماعية أيضاً. وهناك من يصفها بدولة الشريعة التي لا يبقى مكان فيها للعلمانيين والليبراليين، علاوة على ازدياد مخاطر انفلات المواجهة مع الشعب الفلسطيني جراء الضمّ وتداخل الحابل الإسرائيلي بالنابل الفلسطيني، بين البحر والنهر، في إطار نظام فصل عنصري (أبرتهايد) يكرّس تفوقاً عرقياً يهودياً لن يحتمله الفلسطينيون.

 على خلفية ذلك، لن تشهد إسرائيل هجرة رؤوس أموال واستثمارات، كما يجري اليوم، بل ستشهد هجرة شباب إسرائيلين بحثاً عن أفق جديد في برلين ونيويورك وسدني، وغيرها، وهذا ما تشير له مصادر إسرائيلية أيضاً، خاصة أن الظاهرة موجودة من قَبل، وتزايدت منذ سنوات نتيجة عدة عوامل.

لن تشهد إسرائيل هجرة رؤوس أموال واستثمارات، بل ستشهد هجرة الشباب بحثاً عن أفق جديد في برلين ونيويورك وسدني، وغيرها.

ما هي حقيقة نتنياهو

 ورغم القلق الإسرائيلي البالغ من دخول إسرائيل، نتيجة هذا الانقسام، لـحالة احتراب أهلي ومسار تدمير ذاتي، وربما بسببها، ومحاولة تجاهل الاحتجاجات وعدم الاكتراث بها، وترميم هيبته، يخطط رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للقيام بزيارة دبلوماسية إلى لندن، الخميس القريب، بعد زيارتين في أسبوعين لروما وبرلين، استدعت موجة انتقادات له ولزوجته سارة، التي تحرص على مرافقته والتصرف بشكل عادي، وسط تجاهل مريع للحرائق المنتشرة في إسرائيل. ويكشف بعض المراقبين، ممن عرفوا نتنياهو طيلة سنوات، أنه طالما كان عاجزاً أو متهرباً من اتخاذ قرارات حاسمة منذ اعتلى السلطة للمرة الأولى عام 1996.

ومقابل من يتهم نتنياهو بالرغبة في فرض التشريعات بأي ثمن، هناك من يرى اليوم أن نتنياهو يدرك أن إسرائيل تواجه خطراً وجودياً داخلياً، وأنه يرغب بتخليصها منه، لكنه مقيد وأسير بقية شركائه المتدينين والغيبيين من المستوطنين اليمينيين الطامعين بالضم، وبناء دولة يهودية دينية من البحر للنهر، علاوة على أسر زوجته، الرافضة لأي تسوية مع المعارضة، إضافة لمصالحه الشخصية بإضعاف الجهاز القضائي كي ينجو من محاكمته بتهم فساد. هذه الحالة الدقيقة بدأت تدفع المزيد من الحزب الحاكم “الليكود” للتغريد خارج سرب الحزب، وبما لا يرضي نتنياهو، أمثال يولي ادليشتاين ودافيد بيطان، اللذين يشددان، في تصريحات علنية، على ضرورة الحوار، قبل المضي في التشريع خوفاً من “تمزّق الشعب”.

انقسام الإسرائيليين

 على خلفية ذلك أظهر استطلاعٌ، يوم الجمعة الماضي، أن النسبة الأعلى تؤيد مقترح الخطة القضائية الذي طرحه هرتسوغ، كبديل لخطة الحكومة لإضعاف جهاز القضاء. ووفقاً للاستطلاع أيضاً، فإن قوة أحزاب الائتلاف اليميني في الكنيست ستتراجع إلى أقل من 60 مقعداً في حال إجراء انتخابات الآن. وعبّر 42% عن تأييدهم لمقترح هرتسوغ، حسب الاستطلاع الذي نشرته صحيفة “معاريف”، فيما عارضه 34%، وقال 24% إن لا رأي لديهم حول الموضوع. وأيّد 69% من ناخبي أحزاب المعارضة مقترح هرتسوغ، بينما عارضه 65% من ناخبي أحزاب الائتلاف، وأيد 15% من ناخبي أحزاب الائتلاف المقترح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية