الأسيرات الفلسطينيات المفرج عنهن في «صفقة المقاومة»: طعم الحرية غير وستمتد على الكل الفلسطيني

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: عاش الفلسطينيون، خلال الأسبوع الماضي، ما يمكن وصفه بإنه «بروفا للفرح» هذا الفرح الذي ظل وما زال منقوصا لأسباب كثيرة، دوما ما كانت هناك قضية ما لا تجعل من الفرح فعلا مكتملا، وهذه المرة كانت غزة التي منحت مئات العائلات فرحا حقيقيا سببا كبيرا لعدم اكتمال الفرح والبهجة.

إلى جانب القطاع وما يتعرض له من قتل وحشي وتدمير ممنهج ومخاطر التهجير، تعاملت الأسيرات مع فرحة انعتاقهن للحرية الأسير بطريقة حذرة، ومن ضمن أسباب ذلك تلك النظرة للموضوع الشخصي المرتبط بالعام، فلا تكتمل فرحة أسير من دون الإفراج عن بقية الأسرى الذين بقوا في سجون الاحتلال.

وجع وألم غزة

في أحداث الأسبوع الماضي وتنسم عشرات الأسيرات الفلسطينيات هواء الحرية ضمن صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كان الفرح واضحا، رغم أن الجميع كان يحاول كتمه في ظل ما تعيشه غزة من وجع وألم، إلا رمزية الخروج من السجن «خاوة» كما يصف الأسرى تحمل معنى لا يمكن أن يلتبس على أحد، فالخروج من السجن وبطريقة يجبر فيها الاحتلال على تنفيذ ذلك هو الممر الذي يتوق له الجميع.
ورغم خروج عشرات الأسيرات حسب نادي الأسير الفلسطيني فقد تبقى منهن داخل سجون الاحتلال وتحديدا من فئة اللواتي اعتقلن قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم 3 أسيرات وهنّ: الأسيرة شاتيلا أبو عيادة من الأراضي المحتلة عام 1948 اعتقلت في عام 2016 وهي محكومة بالسجن لمدة 16 عاماً. والأسيرة نوال فتيحة من القدس، اعتقلت في عام 2020 وهي محكومة بالسجن لمدة 8 سنوات. والأسيرة آية الخطيب، من الأراضي المحتلة عام 1948 وكان الاحتلال قد أعاد اعتقالها في شهر ايلول/سبتمبر عام 2023 بعد أن أمضت فترة بالسجن الفعلي نحو عامين، ومن ثم حبس منزلي، وحكم عليها الاحتلال بالسجن لمدة أربع سنوات.
وإلى جانب الأسيرات الثلاث هناك على الأقل 30 أسيرة ممن تم اعتقالهن بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، وبينهم 10 أسيرات من قطاع غزة حسب ما تخبرنا به الباحثة أماني سراحنة المدير الإعلامي لنادي الأسير الفلسطيني.
وتحميل تجربة الأسيرات الشاقة خصوصية حقيقية، وحسب ما تسرده الأسيرة المحررة أماني حشيم، من بلدة بيت حنينا، من مدينة القدس فإن تجربة الأسر للمرأة لا تخلو من المرار، فكيف هو الحال عندما تكون الأسيرة أما؟
تكمل وابتسامة تبدو على وجهها: «الأم تقلق على ابنها عندما يكون يلعب بالشارع، فكيف هو الحال مع أم داخل السجن، ولا تعلم أين هم أطفالها ولا بماذا يفكرون؟ لقد كان الوجع والقلق مضاعفين.
كنت أقلق على أطفالي، كل ثانية كنت أفكر بهم» تقول حشيم.
وتعتبر المحررة بعد قضاء 8 سنوات داخل الأسر، يوم الإفراج عنها وتنسمها الحرية بإنه «اليوم الحلم، كلنا حلمنا بهذا اليوم طوال كل تلك السنوات، حلمنا بالحرية في كل لحظة وكل ثانية، والحلم تحقق فعلا».
وتتحدث عن معاناتها قائلة: «الحاجز الزجاجي بيني وبين أطفالي كان حاجزا لمنع المشاعر، لقد حرمنا السجان من لمس أطفالي لسنوات، في حين أن الطفل يكون بأمس الحاجة لحضن أمه بالذات، وظلت الزيارة المفتوحة ممنوعة لسنوات طويلة، لقد تمكنت لسنتين من حضن أطفالي عبر نظام الزيارة المفتوح، وأتذكر في آخر زيارة كان ابني أحمد يريد أن يضع رأسه على صدري ويستمر على هذا الوضع».

الاحتلال يقوم بمصادرة أي أمل بالخروج

عندما وصلت منزلها، ظل طفلا أماني أحمد (12 عاما) وآدم (11 عاما) ينظران إليها مصدومين، تقول عن ذلك: «رح ياخذوا وقت حتى يتعرفوا علي، كما أنا احتاج للوقت كي أتعرف عليهم وأعلم ما يحبون وما يكرهون».
وخرجت أماني حشيم مع الدفعة الأولى من الأسرى الذين أفرج عنهم، حيث قالت: «الأسيرات بحاجة للحرية وليس لشيء آخر».
وطوال سنوات قضتها في السجن لم يكن لدى أماني أي أمل بتخفيف الحكم أو الإفراج عنها، تقول» «بقي لي 3 سنوات، والاحتلال وبفعل السجن يقوم بمصادرة أي أمل بالخروج، أما صفقة التبادل فكانت أملنا الوحيد، ورجال المقاومة أوفوا بالوعد».
وتتحدث أم أحمد (أماني): «ابني آدم في زيارة للسجن لم يتمكن من تمييزي، الاحتلال يهدف إلى تفسيخ النسيج الأسري، وكان يسعى إلى استغلال كل شيء لتحقيق ذلك ومثال ذلك فترة كورونا، وبعد فترة سمحوا لأحد أبنائي بزيارتي وعندها سألني آدم: ماما شو اسمك؟ كان صغيرا، كان عاجزا عن حفظ صورة وجهي، فالاحتلال كان يمنعنا حتى عن لمس أطفالنا».
وتتحدث عن فترة السجن قائلة: «حكم الاحتلال علي 10 سنوات، لقد سرق من عمري وعمر عائلتي، اليوم أجد أن طريقة حضني لأطفالي تغيرت، كنت أحضنهما بطريقة والآن كبروا وأصبحت احضنهم بطريقة مختلفة.. هنا أدركت وتحديدا بعد أن رأيتهم لماذا تعمد الاحتلال سرقة لحظات عمري».
وتتابع: «لسه رح أتعرف عليهم من جديد، أنا كإنسانية غريبة عليهم، رح أتعرف على أشخاص غرباء. لا أعرف كل تفاصيلهم، لكن الحقيقة أن رجال المقاومة رجعولي ولادي».
تقول والدة الأسيرة أماني أم هيثم أن أكثر لحظة أثرت فيها عندما أصبحت ابنتها في البيت وتحديدا في ظل أنها أم لطفلين لم تتمكن من احتضانهم لمدة 7 سنوات، ومن ثم قامت باحتضانهم.
وتضيف: «مشهد احتضان طفليها كان مؤثرا للغاية. لقد نظر لها الطفلان بطريقة غريبة ثم ما لبثا أن تفاعلا معها».
وتشير إلى أن أول فعل قامت به أماني في اليوم الثاني على الإفراج عنها هو أن رافقت طفليها إلى المدرسة، حيث دخلت بهم بين الطلبة وهناك شعر طفلاها بانبساط كبير وفخر لا مثيل له.
وتشدد المحررة حشيم: «الأسرى يبحثون على أمل بالتحرير، وهذه مسؤولية كل شريف وحر في هذا البلد. كل أسيرة تريد ان تكون في هذا الموقف الذي أنا فيه، أن تكون حرة».

التنكيل وعدم احترام الخصوصية

وتعاني الأسيرات من ظروف اعتقال صعبة للغاية، يبدأ ذلك من لحظة الاعتقال حيث يعانين من التنكيل وعدم احترام الخصوصية، وهو أمر تضاعف في فترة الحرب على قطاع غزة، حيث ممارسات رش الغاز والقمع اليومي وسحب الأغذية والتفتيش طوال الوقت.
وحسب شهادات الأسيرات المفرج عنهم فإن حتى الطعام كان يقدم من طرف السجانين بكميات قليلة وهو ما ترافق مع زيادة في عدد الأسيرات بفعل حملات الاعتقال الأخيرة.
أما الأسيرة الشابة والمحررة، ربى عاصي، فتركز في حديثها على إيمان الأسرى والأسيرات بالحرية، وتؤكد ان الأسرى يؤمنون بإن حريتهم ستمتد لحرية الشعب الفلسطيني بشكل كامل.
وتضيف: «الظروف من فترة طويلة صعبة للغاية، هناك القمع والاعتداء في كل السجون. وقاع السجون لا يحتمل حتى ليوم واحد، لكن كان هناك صبر وصمود على أمل التحرير».
وتتابع: «هناك إيمان بحتمية النصر، إيمان يتضاعف كل يوم وهو لن يتوقف على حرية الأسيرات والأسرى الأشبال إنما سيمتد إلى كل الشعب الفلسطيني».
وترى عاصي، وهي طالبة في جامعة بيرزيت، «اليوم نجدد عهدنا وإيماننا بالمقاومة الفلسطينية في كل أماكن تواجدها بإن كل التضحيات لن تذهب سدى، فالاحتلال هو الذي سيزول، أما الشعب الفلسطيني الذي يبحث عن الحرية فسيجدها، وستستمر الحياة بها».
وعلقت عاصي: «كل الألم الذي عشناه وحجم التعذيب والوجع بفعل سياسات الاحتلال يزول عندما نرى الشعب الفلسطيني البطل كيف يفرح بخروجنا، هذا مشهد يجعلنا نرى الإيمان الكامل بالحرية وبالنصر».
وتصف واقع الأسيرات: «كنا في «سجن هشارون» بدون فرشات، كنا ننام على الحديد، والأرض. كان الاعتداء علينا في كل يوم وتحديدا في فترة الصباح، كان يتم تعرية الفتيات ويتم ضربهن في أصعب المناطق بطريقة متوحشة».
ووصفت العلاقة بين الأسيرات والسجان: «كنا في مواجهة مع الاحتلال 24 ساعة يوميا، ولم نكن ننظر إلى أنفسنا إلا بصفتنا ندا لهذا الاحتلال، إما نحن أو هم. حياتنا معهم مستحيلة».
وأضافت: «بكل الأحوال لم نكن نسعى في الفترات الماضية إلى تحسين الظروف داخل الأسر بل كنا نسعى ونطالب بالحرية، لا نريد تحسين ظروف الاعتقال، لم نكن نريد إلا الحرية التي يجب أن تتوج بحرية فلسطين».
ووصفت فرحة الحرية بإنها: «فرح ممزوج بالألم وبالإيمان بالحرية وحتمية النصر».
وعن رسالة الأسيرات اللواتي بقين خلفها في السجن قالت: «لا يجب أن يتوقف مسار الحرية عليهم، يجب أن يمتد مسار الحرية إلى كل أسرى الأحكام العالية (المؤبدات) السجن ليس لنا، السجن صعب ولا يجب أن يعيش فلسطيني في السجون».
وحسب مؤسسة الضمير، فقد تعرضت عاصي وهي في «سجن هشارون» لظروف صعبة نتيجة لرداءة الطعام، والتأخر في الاستجابة لطلباتها الأساسية بإحضار الماء والطعام. كما أن الزنزانة التي قبعت فيها سيئة لا يوجد بها تهوية أو مروحة، وبخصوص الخروج لساحة «الفورة»، فإنه سمح لها بالخروج لمدة ساعة إلى ساعة ونصف فقط، وهي ساحة صغيرة وسقفها مغلق.

تهمة العضوية في جمعية محظورة

بعد ما يقارب العام من اعتقالها، وبعد تأجيل جلسات المحاكمة لعدّة مرات، حكمت محكمة عوفر العسكرية على عاصي بالسجن الفعلي لمدة 21 شهرًا، إضافة إلى 14 شهرًا سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة العضوية في جمعية محظورة، و5 أشهر سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة حضور اجتماع لجمعية محظورة، و12 شهرًا سجن مع وقف التنفيذ لمدة 5 سنوات على تهمة ضرب الحجارة، بالإضافة إلى غرامة مالية بقيمة 3000 شيكل.
أما الأسيرة لمى خاطر، والتي كانت من اللواتي اعتقلن بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وسجنت في سجن الدامون فأكدت أن وضع الأسيرات كما هو وضع الأسرى، مأساوي للغاية.
وتقول: «الأسرى عادوا إلى نقطة الصفر في مسألة الانجازات، حيث أن إدارة السجون تقوم باستغلال الانشغال بالحرب على قطاع غزة بسحب المنجزات التي حققها الأسرى، إنهم يعيشون بعزلة تامة عن العالم الخارجي، لا يخرج الأسير إلا ربع ساعة يوميا من أجل الحمام، وطوال اليوم كانت الأسيرات يبقين معزولات في الزنازين والغرف».
وتعرضت خاطر إلى تهديد من نوع خاص، حيث تقول: «في بداية الاعتقال كان التعامل معي بوحشية وقسوة مفرطة. كان يتم التحقيق معي من ضابط المخابرات وأنا مقيدة ومغطاة العينين، ولم أكن أعرف من يتكلم معي، وجه لي تهديد بالاغتصاب، حاولوا الاعتداء علي وقالوا إن ذلك ردا على ما فعله المقاومون في غزة».
وتابعت حديثها: «هددوني بالاغتصاب، قال لي المحقق إن لديه 20 جنديا حوله لهذا الغرض، كان الهدف هو مزيد من الترهيب النفسي والتخويف».

تهديد الأسيرات بكل شيء

وتضيف: «كان التهديد صعبا وربما كان مجرد تهديد، لكن كان من المهم أن يدرك العالم الحر والعالم العربي والفلسطينيين مدى وحشية الاحتلال، حيث يتم تهديد الأسيرات بكل شيء، في ظل أن المجال مفتوح لممارسة كل ما يريد».
وتتابع حول تجربتها: «أدركت ذلك منذ اللحظة الأولى، ففي معسكر «كريات أربع» كنت مغمضة العينيين، وعندما نزعوا غطاء العينيين رأيت المحقق ملثما، وقام بتصويري، وكل ذلك كان في ظل أن التهمة التي كنت أحاكم عليها هي كتابة أو نشاط إعلامي أو سياسي».
وتتابع: «تم تهديدي بحرق أبنائي، قال المحقق أنه سيقتحم منزلي يغلق الباب ويقوم بحرق أطفالي الصغار، لقد قال لي: لن يشفي غليلي إلا ان أقتل 50 ألف طفل في غزة». وتصف أبو خاطر وحشية التعامل داخل سجون النساء قائلة: «هناك التفتيش العاري والضرب في مراكز الاعتقال، الكلمات البذيئة من ضباط الاحتلال، رش الغرف بالغاز، وسحب الأطعمة والملابس والأجهزة الكهربائية».
وتشير إلى أن المحقق قال لها: «اليوم أنت أسيرة حرب. لا قوانين وكل شيء مباح. كل شيء يمكن فعله في التعامل مع الأسرى».
وتتحدث خاطر بحرقة على الأسيرات العشر اللواتي اعتقلهن الاحتلال قبل الهدنة بأيام حيث تقول: «نعم هناك أسيرات من قطاع غزة، هناك 10 تم اختطافهن قبل الهدنة، وتم انتقاء الأسيرات بشكل عشوائي. ركزوا على اعتقال الأمهات، وهناك واحدة منهن اضطرت لترك أبنائها في عهدة شخص لا تعرفه. وهي لا تعرف أين أولادها حتى اللحظة».
وتضيف: «كان مشهد دخولهن للسجن صعبا للغاية، رأينا طريقة ادخالهن، تم نزع الحجاب عنهن، وعزلن عن بقية الأسيرات وسحبن وهن مقيدات. لقد عشن ويعشن أياما قاسية».
وكشفت الأسيرة المحررة لمى خاطر أسماء 10 نساء معتقلات من غزة وهن نعمة أبو الخير سعد الله، نيفين النجار، سائدة صلاح الشرافي، إيمان محفوظ، أسيل أبو زايدة، لينا طبيل، أفنان نصر الله، ياسمين مرشود
اثنتان أخريتان معروف اسميهما الأول، نهال، ظريفة.
يذكر أن قوات الاحتلال تعمدت خلال عمليات الإفراج عن الأسرى والأسيرات التنكيل بالمعتقلين وأهاليهم، حيث أخرت الإفراج عن الأسرى والأسيرات لوقت متأخر من الليل، كما وعملت على إخراج الأسرى الأشبال من السجن بملابس غير ملائمة لأحجامهم، إضافة إلى كونها لا تقيهم برودة الجو، وقامت باستخدام قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي والحي في محيط سجن عوفر أثناء احتشاد المواطنين وانتظار خروج الأسرى والأسيرات.
إضافة إلى ذلك، قامت قوات الاحتلال بمداهمة منازل الأسرى والأسيرات قبل الإفراج عنهم في مدينة القدس المحتلة، ومنعهم من أية مظاهر احتفال أثناء استقبالهم لأبنائهم وبناتهم، وجرى استدعاء أفراد عائلاتهم إلى مركز تحقيق المسكوبية وفرض شروط تعسفية تمثلت في منعهم من التجمهر أثناء الاستقبال ومنع المسيرات والمفرقعات إضافة إلى منع ترديد الهتافات، واعتدت قوات الاحتلال أيضًا على الصحافيين والصحافيات الذين تواجدوا في منازل الأسرى والأسيرات في مدينة القدس بالضرب وقاموا بطردهم ومنعهم من التغطية الصحافية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية