الأرضية التي يتأسس عليها نظام حكم صالح في السودان

روح التسامح التي نحتاج إليها في تأسيس نظام حكم ديمقراطي يقبله جميع أفراد المجتمع السوداني لم تعد سائده.
ويرجع ذلك كله إلى أنه لم تكن هناك أرضية صالحة يتأسس عليها نظام ديمقراطي.فقد وجدت البلاد نفسها تدور في إطار طائفي لم تستطع التخلص منه حتى الآن. فمن جانب كان هناك حزب الأمة الذي تأسس بقوة طائفة الأنصار وهو يدعو إلى استقلال السودان، ومن جانب آخر كان هناك الحزب الوطني الاتحادي الذي أصبح في ما بعد الحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد تأسس هذا الحزب قبل الاستقلال على فكرة الاتحاد مع مصر، لكن مجموعة من الأحداث كان من بينها إبعاد الرئيس «محمد نجيب» ذي الأصول السودانية من سدة الرئاسة، لعبت دورا مهما في جعل الحزب يغير استراتيجيته ويقبل بفكرة استقلال السودان، وهكذا فإن التوجهات الطائفية فتحت الباب عريضا أمام التوجهات العسكرية التي لم يسلم السودان منها حتى الآن، وهي توجهات لم تتأسس على أفكار واضحة بل كان هدفها الحكم من أجل الحكم فحسب.
غير أن نظام البشير اختلف نوعا ما عن نظامي الفريق ابراهيم عبود والمشير جعفر نميري ـ من حيث هو تأسس منذ البداية على أيديولوجية إسلامية وإن لم يستطع حتى الآن أن يحولها إلى واقع عملي.
وفي جميع الأحوال فإن الفترة الطويلة التي حكمها الرئيس البشير جعلت الكثيرين يتساءلون متى ينتهي هذا النظام، وكان الرئيس البشير نفسه فد دعا إلى حوار وطني يحدد مستقبل الحكم في البلاد، وفهم من ذلك أن الرئيس البشير لا ينوي ترشيح نفسه لدورة أخرى ،وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، وقد اعتقدوا أن البشير يريد أن يدخل في مرحلة تصالحية مع حاملي السلاح في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ويأتي قبل هذا وذاك اعتقاد الكثيرين أن الرئيس البشير لا يعتزم ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، وليس المقصود هنا موقفا ضد البشير شخصيا بل تغليب نظام الدولة على رغبة الأشخاص في الحكم.
غير أنه بدلا من أن يحقق الرئيس البشير رغبة الشعب نرى حزب المؤتمر الوطني الحاكم يعلن ترشيح البشير لفترة مقبلة. مدتها خمس سنوات، ويقول نائب رئيس الحزب الوطني «ابراهيم غندور» إن الحزب الوطني الذي تحضر دورته مشاركة دولية واسعة النطاق تبلغ ثماني وأربعين دولة، تؤكد بذلك مدى تأيده الدولي.
ولكن هل يؤكد الاتحاد الأوروبي هذا الادعاء؟
يقول بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي حول السودان ما يلي:
أولا: يبدي الاتحاد الأوروبي قلقه من النزاعات المستمرة في السودان خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
ثانيا: يذهب البيان إلى أن الاتحاد الأوروبي سيتعاون مع الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
ثالثا: يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون الحوار الوطني شاملا لكل العناصر في داخل البلاد وخارجها، وخاصة حاملي السلاح، وسيساعد الاتحاد الأوروبي في اتمام هذه العملية.
رابعا: سوف يدعم الاتحاد الأوروبي الجهود التي يقوم بها الرئيس «ثابو مبيكي «في السودان.
خامسا : يؤكد الاتحاد الأوروبي على أن السودان يقف في مفترق طرق وعليه أن يثبت للمجتمع الدولي أنه قادر على تجاوز مشكلاته السياسية والاجتماعية، ويتطلب ذلك أن يساعد السودان في التعاون مع المؤسسات الدولية التي تعمل في خدمته.
سادسا: يقول الاتحاد الأوروبي إنه سيكون دائما مستعدا لمساعدة السودان إذا وجد منه تجاوبا في عمليات التغيير .
ولعل من أهم الأمور التي تطرح في الوقت الحاضر هي مسألة الحوار الوطني الشامل، ذلك أن الاحصاءات تقول إن في السودان أكثر من ثمانين حزبا، ولا يعني ذلك اتساع الافق الديمقراطي في البلاد، لأن وجود ثمانين حزبا يعني أن البلاد تعيش في حالة من الفوضى الفكرية لا تساعد كثيرا في تأسيس نظام ديمقراطي، ذلك أنه إذا نظرنا إلى معظم الدول التي تأسست فيها نظم ديمقراطية قوية وجدنا أن النظام الديمقراطي لا يتأسس إلا على عدد محدود من الاحزاب لا يزيد عن ثلاثة او أربعة كما هو الشأن في بريطاينا والولايات المتحدة وفرنسا.
وهنا لا نريد أن نقول إن كل ما يحتاج إليه السودان في هذه المرحلة هو تقليل عدد الأحزاب بل الذي يريده السودان حقا هو التحرر من النظم الطائفية التي تريد أن تؤسس نظما سياسية يتحكم فيها قادة الطوائف الذين يعلنون شعارات في الأغلب دينية ولكنهم لا يستطيعون تحقيقها في الواقع العملي.
ولا يعني ذلك أن المسألة تتعلق فقط بهذه الطوائف بل لعل أهم ما يحتاج إليه السودان هو الطائفة الكبرى التي تأسست في ظروف غير عادية، والمقصود بتلك طائفة الحزب الوطني التي يقوم وجودها على الحماية والدعم اللذين تجدهما من النظام ،وبمجرد أن تزول هذه الحماية فلن يكون للحزب وجود .
ويجب ألا يفهم أن مثل هذه الأفكار هدفها المعارضة فقط لأن الهدف الأساسي هو تبصير المواطنين بالواقع الذي يعيشون فيه .
ولعل سؤالا بسيطا يمكن أن يفتح الطريق أمام التفكير السليم، وهو يتركز حول الأسباب التي تجعل واقع الشعوب العربية مختلفا عن واقع الشعوب الأوروبية على سبيل المثال، فهل السبب يتركز في أيديولوجية الغنى والفقر ؟
الإجابة بكل تأكيد لا، لأن كثيرا من الدول العربية تتمتع بالثراء وهي لا تقل في امكاناتها عن الدول الغربية، ومع ذلك لا تتبع أسلوبا في الحياة يقترب من اساليب الدول الغربية، وهنا يكمن السر لأن تأسيس نظم الحكم يحتاج إلى الرؤية الصافية التي قد لا تتوافر في كثير من الدول العربية في الوقت الحاضر.

٭ كاتب من السودان

د. يوسف نور عوض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو الشيماء:

    الثقافة الديمقراطية نفسها غير متوفرة في الأحزاب السياسية السودانية ، إذن كيف لهذه الأحزاب أن تقيم نظاماً ديمقراطياً؟ رئيس الحزب يظل رئيساً للحزب حتى الممات! لا يوجد في السودان رئيس الحزب الفلاني سابقاً.
    العشم في جيل “النفير” عساهم يحدثوا تغييراً إن شاء الله.

إشترك في قائمتنا البريدية