الأردن و«فوبيا» الحادث المفجع المقبل

عندما وقع حادث الأكسجين في مستشفى السلط الأردني وقف شيطان التفاصيل السياسية على قدميه وعلى نحو مفاجئ. قالها وقتها الوزير الصديق صخر دودين وهو يسترجع شريط الذكريات الأولى «كنا في مزاج تقديم استقالة جماعية للوزراء». ببساطة عندما توفي سبعة مواطنين في مدينة السلط جراء نقص مادة الأكسجين في عمق أزمة فيروس كورونا كان الجو مشحونا للغاية، فغالبية الضحايا من أبناء محافظة البلقاء، وشاهد الغاضبون ملكهم شخصيا بالزي العسكري يختلط معهم ويمسح جرحهم.
وخلال دقائق كان وزير الصحة آنذاك وهو العالم الأكاديمي الدكتور نذير عبيدات قد أعلن استقالته من باب المسؤولية الأدبية وبقرار ذاتي مقدر.
استوعب الجميع آنذاك تلك الصدمة وتوقف الأمر عند تكرار بند المسؤولية الأدبية والسياسية، ففي عهد الحكومة السابقة برئاسة الدكتور عمر الرزاز وقع حادث مفجع آخر حيث غرق 20 طفلا على الأقل في سيل مياه بالقرب من منطقه الأغوار والبحر الميت، وخلال الموجة الأولى من الصدمة الشعبية تقدم وزيران باستقالتيهما في ذلك الوقت.
جراء ذلك كسبت الدولة وعبرت عن تقديرها لمشاعر الناس و«لم تخرب مالطا» بأي صيغة.
حادثان مؤلمان توقفت عندهما أسئلة المسؤولية السياسية والأدبية والأخلاقية ثم أسئلة مظاهر القصور الإداري وبقسوة وبدأت تطرح تلك التساؤلات الغامضة عن مصير الإدارة العامة وغياب تأثير التكنوقراط وضعف المؤسسة البيروقراطية التي كان يفاخر فيها الأردنيون منذ عقود طوال الوقت وبرزت الحاجة الملحة للمزيد من العمل تحت بند الإصلاح الإداري.
أمل الرأي العام بأن تتوقف تلك الحوادث التي لا تقع في الواقع في مألوف الأردنيين الاجتماعي، وبعد أشهر استقرت فيها الوزارة الحالية دخل الاستحقاق المتمثل بانفجار الصهريج المحمل بمادة الكلور على أحد أرصفة ميناء العقبة، وسرعان ما تبين بأن الجنزير الذي استخدم في رفع العبوة لم يكن مناسبا وبأن الرصيف الذي استخدم أصلا في شحن مادة الغاز المسال الخطيرة كذلك.
وبهذه الوقائع والحقائق صدم الرأي العام الأردني للمرة الثالثة وحتى النيابة عندما أوقفت بعض الموظفين للتحقيق الذي لم يكتمل بعد بالمناسبة في الحادث بعدما أدى إلى وفاة 13 شخصا خمسة منهم عمال أجانب بدأت تطرق الأسئلة الأصعب في الإهمال والتقصير والتدوير.
هنا لم يتقدم أحد باستقالته طوعا وقررت الحكومة بأن إقالة أي مسؤول كبير في العقبة ستعني تكرار الإقالات القسرية إذا تكررت «حوادث عادية» يمكن أن تحصل دوما.

امتناع المؤسسات عن تفعيل خط المسؤولية الأدبية المتعارف عليه كونيا يؤشر على عدم وثوقها بأن المزيد من الحوادث قد لا تحصل مستقبلا… وجراء ما وصفه القضاء بـ«الترهل الإداري» المواطن أصبح ينتظر الحدث التالي لا سمح الله والأغرب أن الحكومة على الأرجح تشاركه نفس القناعة

حتى اللحظة لا أحد يفهم لماذا طبق مبدأ المسؤولية الأدبية في البحر الميت والسلط ولم يطبق في حادثة بناية اللويبدة في عمان، فالمسألة أقرب إلى ألغاز.
الجواب لم يكن معقدا ولا صعبا الحوادث التي لم تشهد استقالات لم يتطوع أحد فيها للاستقالة بصورة لا تحترم أصلا بند المسؤولية الأدبية.
الأهم هو في التفصيل الأكثر إرهاقا، فامتناع المؤسسات عن تفعيل خط المسؤولية الأدبية المتعارف عليه كونيا يؤشر على عدم وثوقها بأن المزيد من الحوادث قد لا تحصل مستقبلا. وهنا تكمن المفارقة فالمواطن الأردني أساسا متشائم اليوم، وينتظر بالحدث التالي لا سمح الله جراء ما وصفه القضاء بـ«الترهل الإداري» والأغرب أن الحكومة على الأرجح تشاركه نفس القناعة للأسف الشديد.
يسأل أحدهم أمام كاتب هذه السطور: هل من المعقول لرئيس الوزراء أن يدخل في متتالية هندسية بعنوان الإقالات تلو الإقالات كلما حصلت حوادث لكبار المسؤولين وبهدف إرضاء الرأي العام. تلك تسوية صعبة ومعقدة بتقدير مطبخ السلطة ولا يمكن مع الإقرار بتراجع الإدارة العامة وبضعف مصداقية الخطاب الرسمي البقاء على تلك الشجرة التي تدعى عمليا بتحقيق بند المسؤولية الأدبية والسياسية.
لا أحد يعلم اليوم ما إذا كان الامتناع عن الصعود على شجرة المسؤولية الأدبية يمكن أن يستمر بعد حادثة مفجعة أخرى دفع ثمنها على الأقل 14 مواطنا فقدوا حياتهم بانهيار بناية كان صاحبها يجري في الطابق السفلي منها تعديلات بدون علم السلطات البلدية.
فتح الحادث ملف الأبنية القديمة وأغلب التقدير أن بعض الأبنية أصبحت آيلة للسقوط وأن المسألة تحتاج متابعتها الآن لإمكانات وظيفية وفنية والأخطر مالية كبيرة، وعندما يتعلق الأمر بالمال لا بد من الوقوف على المحطة المفجعة بيروقراطيا وهي إقرار بعض الوزراء الكبار بأن إصلاح الأمور الإدارية اليوم بعد ترديها يحتاج لمال هو غير متوفر.
تلك مصيبة بالمعنى البيروقراطي والسياسي قد يخفف منها تكرار بعض خطوات المسؤولية السياسية والأدبية هنا وهناك إلا أن طعم ولون وتداعيات ونتائج حادثة انهيار عمارة أوجع الشعب الأردني.
قد لا يكفي القول بترف صعوبة الصعود على شجرة المسؤولية الأدبية لأن الطرفين اليوم يخشيان الحلقة القادمة من مسلسل الأحداث.
الشعب الأردني قلق على بقية البنايات ومشكلات ما بعد تهاوي الإدارة. والحكومة أيضا مع الدوائر الرسمية يعيشان نفس الفوبيا ما هو الحل؟

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح //الأردن:

    *الله يصلح الحال والأحوال في الاردن وسائر بلاد
    العرب والمسلمين.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد.

  2. يقول د . محمد الجراح المزاري:

    الترهل الاداري وعدم الاحساس بالمسؤولية سمات طاغية بكل دوائرنا الحكومية ، والمؤسف حقا ان هذا اصبح نمط سائد بكل جوانب الحياة، كنا قبل جيلين او ثلاثة نحس بالالتزام الصارم بكل مؤسساتنا ودوائرنا وموظفيها، اما الان فانك لاتجد الا مزاج عدم الاكتراث وعدم الاهتمام وقد حدث ان زرت دوائر رسمية لاجد الموظفين يتناولون طعاما جماعيا وان علي الانتظار حتى يكملوا طعامهم بوقت هو ذروة العمل، لقد عرف عنا نحن الاردنيين جديتنا المنقطعة النظير بالعمل وبكل اخلاص فما هو سبب تردينا الى الحضيض؟ اللهم غير الحال الى احسن منه.

  3. يقول سالم:

    احد اسباب الكوارث هو الواسطة في التعيينات…لا الكفاءة…
    بعثت مرة ايميل اسأل وزارة التربية عن دراسة المنهاج الانجليزي….جاءني جواب بعيد جدا عن السؤال….فلم اجبه بكلمة….لكنه بعد ايام اعتذر وقال أخطأت سارسل لك الجواب الصحيح بعد يومين….والان مرت سنوات طوال لم يأتيني التصحيح الموعود.
    الاصلاح يبدأ
    بالتعيين على الكفاءة فقط.
    من يعلق الجرس

  4. يقول ابو باسل:

    عندمآ تتجاهل الحكومة الأسباب الرئيسيه للمشكلة. ولا تصرح بها وتضع استنتاجات ها لسبب المشكله فتلك المصيبه.. لقد أكد اكثر من مصدر. إن سبب انهيار العمارة. هو محاولة للنقيب عن دفائن. والتي تنشط الان بسبب الازمة الاقتصاديه. خاصة في بعض المناطق القريبة من تواجد مناطق أثرية. حيث تم اعماو وبناء تلك المناطق قبل إيجاد قوانونين واشترا طات البناء الأمن.. فهل اسباب انهيار العمارة هو أعمال الحفر والتنقيب والتي كان لها تأثير للاخلال باساسات العمارة إذ لا يغقل ان تنهار عمارة لم يتعدى عمرها خمسين عاما الا اذا كانت مقاومة بدون أساسات تحميها. وبنفي حدوث ذلك هو أن بعض المباني القديمة لا زالت قائمة رغم مرور مئات من السنوات عليها في بعض مدونا وقرانا. ولا تزال صالحة للسكن. .

إشترك في قائمتنا البريدية