الأردن وعقدة «مخاتير أريحا»

الاعتباط والفوضى والعشوائية عناصر يستفيد منها الكارتيل الإسرائيلي الإجرامي، خصوصا إذا ما وسمت حالة الحراك والانتفاض الشعبية في خاصرة مهمة جدا وحساسة هي الخاصرة الأردنية بالارتجال.
في جدل الأردنيين هذه الأيام محطات صريحة في الخطاب الوطني وأخرى يمكن الاستغناء عنها وثالثة مؤلمة وموجعة، لكنها مهمة بالمعنى التاريخي والسياسي على قاعدة أن التألم الآن بجرعة معقولة أفضل بكثير من جرعات الألم الأكبر مستقبلا.
سجالات ونقاشات الأردنيين إثر التفاعل مع معركة طوفان الأقصى فيها الكثير، مما هو دسم وعميق ومهم شعبيا ورسميا، لكن فيها أيضا الغث والذي لا يعني شيئا.
نفهم بأن الرأي العام لا يبدو مقتنعا بما تقوله السلطات بخصوص تجنب التظاهر والاحتجاج على أكتاف الحدود مع فلسطين المحتلة وفي منطقة الأغوار وعلى أساس أن الموقف الشعبي بقضه وقضيضه هو ورقة رابحة يمكن أن تستثمر من جهة الموقف الرسمي السياسي.
ذلك صحيح إلى حد بعيد وطوال الوقت كنا نشعر كمراقبين بأن حجم الاطمئنان لإسرائيل في عمق المعادلة البيروقراطية الأردنية كان العنصر المحفز لضبط إيقاع الاعتراضات الشعبية، فيما تحولت وتغيرت المعادلة الآن لأن الورقة الرابحة الأكثر في ظل ميزان القوى هي موقف الشارع والتفافه حول مؤسساته الدستورية والسياسية لتحقيق نفس الهدف.
الأردن في خطر… لا يوجد شكوك بذلك.
لكن السؤال هو كيف يصوغ الأردنيون معا مقاربة وطنية منتجة تتعامل مع هذا الخطر لا بل تستعد له.
سمعنا القيادة تتحدث عن استراتيجية دعم صمود المواطن الفلسطيني على أرضه باعتبار ذلك أحد المنتجات المباشرة لدموية إسرائيل وانقلابها على المجتمع، وهو بالتأكيد من الفواتير المباشرة أيضا لذلك الغطاء الأمريكي والأوروبي غير المفهوم الذي تم توفيره للإسرائيليين في حرب الإبادة على قطاع غزة.
طبعا هنا تحديدا ثمة مفصل تاريخي أردني بامتياز.
وليس سرا أن التاريخ لن يرحم أحدا وأن التوجيه بدعم الصمود الفلسطيني على أرضه حتى لا يدفع الأردن لاحقا ثمن التهجير القسري وجنون القوة الإسرائيلي ينبغي أن يغادر منطقة التوجيه والحديث في العموميات لصالح منطقة استراتيجية العمل وخطط التنفيذ.

التوجيه بدعم الصمود الفلسطيني على أرضه حتى لا يدفع الأردن لاحقا ثمن التهجير القسري وجنون القوة الإسرائيلي ينبغي أن يغادر منطقة التوجيه والحديث في العموميات لصالح منطقة استراتيجية العمل وخطط التنفيذ

النجاح التنفيذي هنا لا يتطلب أوراقا وأقلاما وكتابة استراتيجيات فقط، بل يتطلب تجاوز تلك العقيدة المستقرة بيروقراطيا بعنوان الشريك الإسرائيلي قبل أي اعتبار آخر.
نقولها بصراحة: حجم التحدي كبير وتعزيز صمود الفلسطيني على أرضه حتى لا يهجرها إلى الأردن أو مصر أو لبنان أو حتى قبرص بسبب الوحش الإسرائيلي الإجرامي يتطلب تضحية ومجازفات لا تقف عند الامتثال للتوجيه المرجعي والحديث في الإطار الدبلوماسي فقط.
إنجاز تلك المهمة الوطنية النبيلة اليوم يتطلب بصراحة أيضا تضحيات وقفزات ليس في المنطق البيروقراطي فقط، ولكن بالمستوى السيادي أصلا.
على المنظومة الرسمية البيروقراطية الأمنية أن تسير بنفس الاتجاه مع التوجيه السياسي وتبدأ بتغيير الأنماط في خطوات قبل الجميع، قد تتطلب ليس فقط وقف التطبيع ولا التنسيق مع الإسرائيليين بل العودة لخطاب ومنطق الحذر والمواجهة والمماحكة، وأحيانا الممانعة حتى لا يخترق ولا يتسلل الإسرائيلي من أي ثغرات.
طبعا يتطلب دعم صمود الفلسطيني على أرضه ليس فقط تغييرا مهما وجذريا في سياق مفهوم ومنطق العمليات بل مبادرات موازية في اتجاه الاستعداد للصدام المقبل الحتمي بالضرورة لكن بالتأكيد بذكاء ورشاقة وعمق وبدون التورط في مغامرات تؤدي إلى صدامات عسكرية أو حدودية أو تزيد التعقيد في المشهد الاقتصادي الأردني والمعيشي.
الحذر واجب لأن المهمة ملغومة فيما المعطيات والإعدادات تغيرت تماما الآن.
لكن المبالغة في الحذر قد تعني عدم التقدم وبالنتيجة عدم القيام بالواجب ولم يعد سرا أن الانفتاح على المشهد الفلسطيني الداخلي في الضفة الغربية بحقيقة المكونات المتحركة وصاحبة القرار الميداني أصبح خطوة لازمة بدلا من الاسترسال في التفاعل فقط مع طبقة المخاتير ورجال التجارة والوجهاء.
الأردن الرسمي مطلوب منه نظرة جديدة لمدينة مثل أريحا تتطلب تجاوز عقدة مخاتيرها في مقاربة مرتبطة ببقية المدن.
ومطلوب منه بالمقابل مقاربة مختلفة في التواصل عملياتيا وليس سياسيا مع فصائل المقاومة الفلسطينية ووقف قطع الاتصال عن الخط الوطني الكفاحي المناضل ثم مطلوب منه الانفتاح على إدارة الأقطاب في الفصائل.
والعمل على إحياء منظمة التحرير ووقف الرهانات على السلطة فقط وفتح الأبواب وليس النوافذ على من قرر الاشتباك والصمود والمواجهة مع العدو من أبناء الشعب الفلسطيني.
البقاء في دائرة المخاتير والوجهاء وأبناء السلطة والامتيازات فقط يعني حرمان الأردن من ورقة رابحة في الدفاع عن مصالحه وفكرة دعم فلسطيني على أرضه تتطلب وصول منطق العمليات إلى تلك الأرض حتى يطلع صانع القرار على احتياجات الصمود ميدانيا ويحاول حماية نفسه بإنجاز ما يستطيعه منها.
نأمل بأن لا تبقى المسألة مجرد هتاف وشعار مرتبط بالراهن في جرائم غزة.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية