الأردن: عودة «شبح التهجير» بسرعة وقلق من «ارتخاء مصري» غير مفهوم إزاء معبر «فيلادلفيا»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: «يجب أن يواجه نتنياهو عواقب حقيقية». هذه العبارة لا تعكس فقط مستوى التوتر والتأزم الذي وصل بين عمان وتل أبيب إلى ذروته عندما تصدر بعد ظهر الثلاثاء عبر تغريدة على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي، بقدر ما تعكس أيضاً مستوى القلق المرجعي الأردني بعد أسابيع من الاسترخاء بدأ رموز مسار التكيف يروجون خلالها مقولة أن مخاطر التهجير انتهت.
الوزير الصفدي في حالة نشاط استثنائية واشتباك مباشر مع نتنياهو شخصياً ولأول مرة بعد الإعلان عن احتلال إسرائيل لمعبر رفح، موجهاً بصيغة نادرة دبلوماسياً، خطاباً مباشراً يخص رئيس وزراء إسرائيل الذي يسعى لمذبحة جديدة ـ في رأي الصفدي ـ ويرد على التوصل الفعلي لصفقة مفاوضات وتبادل بقصف رفح واحتلال معبرها.
العنصر الذي لا يقوله الساسة الأردنيون علناً على الأقل في التطور الدراماتيكي الذي حصل على ملف رفح اعتباراً من مساء الاثنين، هو شعورهم الباطني بأن عملية أمنية إسرائيلية مباغتة يطرد فيها الطاقم الفلسطيني من معبر رفح ويسيطر عليه الإسرائيليون لا يمكنها أن تحصل في الواقع دون حالة غامضة من جانب السلطات المصرية، حيث لا بيانات من القاهرة – كما يلاحظ طاقم الدبلوماسية الأردنية – خلف الستائر تندد بالمخالفة العسكرية الصريحة لما يسمى باتفاقية فيلادلفيا مقابل استرخاء مصري غير مفهوم. وحيث نتنياهو وطاقمه الموتور يوجهان رسائل متطرفة ـ في رأي السياسي الأردني طاهر المصري ـ ضد كل مؤشرات الاعتدال والتوازن العربية والأردنية.
وما لا تقوله السلطات الأردنية أيضاً وتحتفظ به خلف الكواليس هو الانطباع بأن الهجوم الإسرائيلي على رفح يفتح مجدداً الباب على مصراعيه أمام أخطار الترانسفير والتهجير، التي كانت عمان للتو تقول إنها تمكنت بالتوافق مع المصريين من عزلها وإنهائها.

وسط جحيم رفح… مهاجمة نتنياهو: يجب أن يُعاقب

قبل ساعات فقط من احتلال إسرائيل لمعبر رفح، كان خبير الإسرائيليات والأمريكيات الأبرز في النخبة الأردنية الدكتور مروان المعشر، يحذر في مؤتمر بحثي مهم نظمه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ظهر الإثنين، ساخراً من سردية الادعاء بأن أخطار الترانسفير والتهجير تم تجاوزها، ثم سأل المعشر عن واقعية من يقول بذلك. في الأثناء أيضاً وعلى هامش مداخلة له في قناة الجزيرة، تعرض خبير الموانئ والمياه والمفاوضات الأردني البارز الدكتور دريد محاسنة إلى جزئية مثيرة، وهو يشكك في الرواية الأمريكية لأهداف الرصيف العائم على سواحل غزة، قائلاً انطلاقاً من خبرته في الموانئ ليس فقط بعدم وجود مبرر منتج لإقامة رصيف بحري لضخ المساعدات فيما المعابر البرية موجودة مع مصر والأردن، ولكن لأن هذا الرصيف يمكن ببساطة أن يستخدم لنقل ركاب؛ بمعنى مخاطر التهجير.
تُجمع النخب الخبيرة بإسرائيل حصراً في عمان بتراتب زمني مكثف وخلال ساعات، على أن معركة رفح التي حاول الجميع تجنبها وغادر من أجل وقفها العاهل الملك عبد الله الثاني إلى إيطاليا والولايات المتحدة مجدداً، لم تسدل الستار لا عن العدوان ولا عن التهجير.
لذلك حصراً، على الأرجح يتقدم وزير الخارجية بصفته الممثل للمرجعية الدبلوماسية الأردنية بعبارات خشنة للغاية، تظهر حجم ومنسوب انزعاج الأردن، وبرسائل تركز حصراً على ما يفعله الموتور نتنياهو، لا بل تطالب مجلس الأمن بالتصرف فوراً لوضع حد لخطة نتنياهو بارتكاب مجزرة أو مذبحة جديدة.
ويحصل ذلك فيما تظهر الملكة رانيا العبد الله شخصياً مرتين عبر وسائل الإعلام الغربية لتسرد سلسلة المخاوف الأردنية، حيث يرى سياسيون بينهم مروان الفاعوري في عمان، أن كل النشاط في دول الاعتدال العربية تحت عنوان التطوع لإخراج حركة «حماس» والمقاومة من معادلة مستقبل غزة، يرد عليه نتنياهو بما يليق به من نوايا إذلال الدول العربية وإحباط حتى مساعيهم المعتدلة. الفاعوري تحدث مع «القدس العربي» مجدداً ليس فقط عن عودة شبح الترانسفير والتهجير الذي ظن بعض القوم أننا في الأردن غادرناه، ولكن عن سلسلة إهانات على الأرض يوجهها نتنياهو للجميع يومياً، وليس جديراً بها إلا العودة لمن يستطيع مواجهته في المقاومة الباسلة بدلاً من السهر على ملاحقتها وإضعافها وإقصائها.
غضبة وزير الخارجية الأردني خلال الساعات القليلة الماضية بعد اضطراره لإطلاق 3 تصريحات على الأقل دفعة واحدة إثر انكشاف مخططات نتنياهو وطاقمه، لم تأت من فراغ؛ لأن عمان وضعت ثقلها بخجل خلف تلك الصفقة التي أعلن عنها مؤخراً ويريد نتنياهو إحباطها؛ ولأن عمان لديها تقارير وتقييمات للمخاطر أيضاً لم يعد من الممكن الاستمرار في إخفائها.
لذلك، عموماً يمكن القول وبالمواصفة الأردنية على الأقل، إن وجود الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا وعلى معبر رفح وقصف تلك المدينة المتبقية، هي تطورات مؤذية جداً للمصالح الأردنية، وفي وقت عصيب للغاية؛ لأن القناعة راسخة بأن ما يجري يعيد الصراع والعدوان برمته إلى المربع الأول، ويضرب في اتجاه خطة نتنياهو لتوسيع نطاق الحرب، لأن قناعة الأردنيين أيضاً في المقابل راسخة سواء أعجبهم الأمر أم لم يفعل، بأن ما يسمى محور المقاومة سيدخل على خطوط الاشتباك بالضرورة تحت عنوان رفح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية