احتجاجات على اعتقال الإعلاميين وتقييد حرية الصحافة في العراق

مصطفى العبيدي
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: لم تجد وعود الحكومة العراقية باتاحة الحرية للإعلام وعدم التضييق على الصحافيين والإعلاميين، أثرا على أرض الواقع، حيث تم مؤخرا رفع العديد من الدعاوى القضائية وإصدار أحكام السجن على إعلاميين بسبب آراءهم وانتقاداتهم، إضافة إلى منع طواقم إعلامية من تغطية الفعاليات والتظاهرات الجماهيرية، ما أوجد موجة احتجاجات من الأوساط الإعلامية.

ملاحقة الإعلاميين قضائيا

وشهدت في الآونة الأخيرة، المحاكم العراقية رفع المزيد من الدعاوى القضائية ضد صحافيين وإعلاميين وصدرت أحكام بالسجن على عدد منهم على خلفية آراءهم وانتقاداتهم للحكومة.
فقد قررت محكمة التمييز ببغداد في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، تشديد العقوبة بحق الإعلامي الدكتور محمد نعناع، الذي سبق وصدر ضده حكم بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ، لقيامه بانتقاد رئيس الوزراء محمد السوداني في برامج على قنوات محلية، حيث عدلت المحكمة قرارها السابق وقررت عدم إيقاف التنفيذ وذلك إثر اعتراض المشتكي (السوداني) على قرار حكم نعناع بالحبس لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ.
وكان مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، رفع دعوى قضائية ضد المحلل السياسي محمد نعناع هي الثانية من نوعها خلال أشهر قليلة، بتهمة جريمة القذف وفق أحكام المادة 433 وقررت المحكمة حينها إطلاق سراحه بكفالة مالية.
وكتب الباحث في الشؤون السياسية، محمد نعناع، على منصة “إكس” تدوينة جاء فيها: “أنا اعيش آخر أيامي معكم، سيسجنوني ويقتلوني داخل السجن، هذا أمر محتوم وبالتعاون مع القضاء الذي حكم علي مسبقا بأوامر من محمد شياع السوداني الذي لم يكتفِ بعقوبة السجن ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ والغرامة وطعن بقرار المحكمة ويسعى لإيذائي بكل الطرق”.
وأثارت قضية الإعلامي محمد نعناع موجة من الاستنكار في الأوساط الإعلامية التي عدت إيداعه السجن ضمن محاولات تكميم أفواه الإعلاميين وتقييد حرية الرأي عن انتقاد سلبيات الحكومة وتراجع عن وعودها باتاحة حرية الرأي للصحافيين.
مركز “النخيل” للحقوق والحريات الصحافية (منظمة مستقلة) أبدى استغرابه من إصرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني على الملاحقات القضائية للمحلل السياسي الدكتور محمد نعناع رغم صدور حكم قضائي بسجنه ستة أشهر مع وقف التنفيذ. وأكد بيان المركز في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن “حق التقاضي المكفول للجميع والتشجيع على لجوء أي متضرر للقضاء، فإنه كان الأجدر برئيس مجلس الوزراء وبوصفه القائد العام للقوات المسلحة تحريك مثل هذه الدعاوى والإجراءات بحق الجهات والأفراد الذين يهددون الأمن القومي العراقي بالصميم ويحاولون زعزعة الاستقرار الأمني ويتعمدون باستمرار الإساءة لمؤسسات الدولة بدل اتخاذ موقف الصمت منهم”. وأضاف أن “مركز النخيل للحقوق والحريات الصحافية يأمل من القضاء العراقي ان يكون منتصرا لحرية الرأي والتعبير كما هو عهدنا به وبرئيسه القاضي الدكتور فائق زيدان، مع تأكيدنا على رفض استغلال حرية الرأي بالإساءة للأشخاص والمؤسسات”.
وحول نفس القرار، انتقد مقدم البرامج في قناة “العراقية” الرسمية، حيدر زويّر، قرار سجن نعناع، قائلا: “هل رأيتم ديمقراطية تلاحق صاحب رأي، مستغلة سلطتها وقدرتها؟”. وقال زويّر في تدوينة على منصة “إكس”: “ماذا صنع دكتور محمد!؟ هل نسيتم انكم في نظام تزعمون انه ديمقراطي، هل رأيتم ديمقراطية تلاحق صاحب رأي، مستغلة سلطتها وقدرتها؟”. وشدد “أنا مع محمد نعناع مع حرية التعبير والنقد، الذي دفع آباءنا من أجله دماء غزيرة”.
ولم يكن محمد نعناع الإعلامي الوحيد الذي لاحقته الحكومة مؤخرا، حيث سبق لمكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، رفع دعوى قضائية أخرى ضد السياسي العراقي المعارض ليث شبر، بعد إعلانه تشكيل معارضة مدنية وانتقاداته للعملية السياسية.
وردا على الدعوى القضائية الموجهة ضده حذر المعارض ليث شبر من أن السلطة ستتحول إلى “قمعية” عبر سياسة “الترهيب والترغيب واستغلال القضاء في قضايا سياسية” فيما أكد ذهابه للقضاء ودفاعه عن قضيته ضد “الاستهداف السياسي” لتبنيه مشروع المعارضة البناءة.
وكانت عدة منظمات معنية بحرية الصحافة، انتقدت رفع الدعاوى بحق شبر، وأعرب مركز “النخيل” للحقوق والحريات الصحافية عن “قلقه” من صدور أمر اعتقال بحق السياسي ليث شبّر بعد شكوى رئيس الحكومة ضده في حالة مماثلة لاعتقال محلل سياسي قبل أيام، فيما وصف تزايد هذه الشكاوى والدعاوى القضائية بأنها “رسالة سلبية” في وقت تعاني المؤسسات الإعلامية من هجمات “ممنهجة”.
ولم يكن بعيدا عن هذا السياق اعتقال مقدم البرامج في قناة “البغدادية” علي الخيال، بعد اتهامه بتمجيد حزب البعث. ورغم أن محكمة الرصافة في بغداد أفرجت عنه بكفالة مالية، إلا أن أتباع التيار الصدري، قاموا بمحاصرة القناة وتهديد المنتسبين فيها بسبب ما اعتبروه تمجيدا لحزب البعث في أحد البرامج، وقد كتب الخيال على منصة إكس: “قسما لو لا الأمن الوطني لما خرج أحد من كوادرنا حيا، ماذا فعلنا؟ قتلنا الشعب في عاشوراء أم كنا سارقين لقوت الشعب وأمواله؟! أين حق التقاضي والركون للقانون؟! ماذا لو كنتم تديرون الدولة؟”.
وفي اعتداء آخر على قناة “البغدادية” المعارضة، قامت مجموعة مسلحة بخطف الإعلامي علي الذبحاوي من بيته في بغداد وعمدت إلى الاعتداء عليه وتهديده. وكان الذبحاوي قد انتقد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وتسبب هذا الانتقاد في خروج تظاهرات لأنصار الصدر مطالبين بإغلاق قناة “البغدادية”.
وحسب الموقع الرسمي للقناة، فإن “مجموعة مكونة من 20 مسلحاً، قامت في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، باختطاف مقدم برنامج استوديو التاسعة، الدكتور علي الذبحاوي، من داره، واقتادته إلى مكان مجهول”.
وحمّلت القناة ميليشيا “سرايا السلام” التابعة للصدر، مسؤولية اختطاف الذبحاوي وسلامته.
وفي الحلقة التلفزيونية التي تسببت في الأزمة، انتقد الذبحاوي مقتدى الصدر وعدم جدوى حملات الإصلاح التي يطلقها، وأنها لم يظهر منها شيء على أرض الواقع.
وقد ذكر مركز “المستقبل للسياسات” في بيان: “تابعنا بقلق مجريات خطف الصحافي علي الذبحاوي من قبل جماعات خارجة عن القانون. ندين بشدة هذا الإرهاب الرخيص المتقصد للصحافيين والإعلاميين”.
وفي السياق ذاته، رفض مركز “النخيل” للحقوق والحريات الصحافية، أسلوب التشهير والإساءة التي قام بها حساب “وزير عراقي” المقرب من التيار الصدري، على موقع اكس بحق عدد من الإعلاميين والإعلاميات وأصحاب والرأي والمدونين. وأكد المركز في بيان على موقعه بتاريخ 12/12/2023 “أن هذه الممارسات هي استهداف وتحريض واضح وهي تندرج ضمن حملات إلكترونية منظمة تقف خلفها بعض الجهات بهدف الإساءة والتحريض وتعريض حياة الصحافيين وذويهم للخطر”. وطالب المركز، الجهات الحكومية المعنية، بضرورة متابعة هذه الحسابات والصفحات والعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها، بدلا من قيامها بملاحقة وغلق صفحات ناشطين وإعلاميين.
وفي كركوك شمال العراق، أعلن منسق مركز “ميترو” للحريات الصحافية، رحمن غريب، عن اعتقال 4 صحافيين، في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، بناء على شكوى تقدم بها محافظ كركوك وكالة، بمبرر ممارسة العمل الصحافي دون الحصول على إجازة رسمية.
وأعلن رحمن غريب، أن “قوة أمنية اقتحمت مكتب موقع كركوك نيوز في حي الإسكان واعتقلت 4 صحافيين” مؤكدا أنه “لا يمكن اعتقال الصحافيين بهذه الحجة” وان الصحافيين كانوا يعملون على إصدار إجازة رسمية، وأبلغتهم الجهة المعنية بإمكانية ممارستهم العمل لحين صدورها، مبيّناً أن مكان اعتقالهم “مجهول حتى الآن”. منسق مركز “ميترو” أدان اعتقال الصحافيين قائلاً إن “السبب الرئيسي لاعتقالهم هو نشر تقرير حول الأوضاع السياسية والحياة في كركوك”.
وبهذا الخصوص، أصدرت مجموعة من الصحافيين في كركوك بياناً أشار إلى أن “هكذا إجراءات بحق المؤسسات الإعلامية مهما كانت ذرائعها، مدانة، ونعتقد بأنها تسيء إلى سمعة مؤسساتنا الأمنية والثقة المتبادلة بين الإعلاميين وبينهم”. وطالب الصحافيون بالإفراج عن زملائهم، منوهين إلى أنه كان “الأجدر استدعائهم أمام القضاء وتوجيه التهم إليهم إن وجدت وفق السياقات القانونية”. وحذروا من أن “التضييق على الإعلاميين وعملهم في هذه المحافظة يسيء إلى إدارتها وأجهزتها الأمنية قبل الإساءة إلى أية جهة أخرى ولا يمكن قطعا التعامل مع الصحافي كمتهم وفقا لقانون حماية الصحافيين العراقي”.

ملاحقة طواقم التصوير
من جهة أخرى تكرر مؤخرا تعرض طواقم التصوير الإعلامي لبعض القنوات الفضائية، إلى تقييد ومضايقات، لمنعها من القيام بتغطية التظاهرات والفعاليات والاعتصامات في مدن العراق.
ومن أجل ذلك نظم الصحافيون والإعلاميون تظاهرة أمام مبنى محافظة البصرة، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، للإعراب عن الاستنكار لقمع الشرطة في المحافظة للإعلاميين وتعطيل عملهم رغم وعود رئيس الحكومة محمد السوداني بفسح المجال للعمل الإعلامي.
وكانت نقابة الصحافيين العراقيين فرع البصرة أعلنت عن قيام قوة من شرطة النفط بالاعتداء على عدد من الصحافيين أثناء تغطيتهم لتظاهرة نظمها عدد من المهندسين الخريجين أمام شركة نفط البصرة.
وذكرت النقابة في بيانها “أن الاعتداءات المتواصلة على الصحافيين والإعلاميين تعد تحديا سافرا لحرية الإعلام، وتعمد لتقييد حرية التعبير، ونعتبر هذا التصرف منحى خطيرا وسابقة يجب أن لا تتكرر في انتهاك حرية العمل الصحافي في المحافظة”. وطالبت النقابة “وزير الداخلية عبد الأمير الشمري والجهات المسؤولة بمحاسبة من يتجاوز على حرية العمل الصحافي، مؤكدا أن ما حصل من انتهاك صارخ يناقض كل تصريحات القيادات الأمنية في توفير التسهيلات لعمل الصحافيين”. وتابعت “نتمسك في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق هذه التصرفات التي لا تعي أهمية العمل الصحافي ودور الصحافيين الضروري في الحفاظ على أمن وأمان البصرة”.
وفي انتهاك آخر، احتجزت عناصر من قوات حفظ القانون في البصرة أيضا، مصور قناة “وطن” كرار المحمداوي واستولت على معداته الصحافية أثناء قيامه بتغطية تظاهرة أمام مبنى المحافظة.
وقال المحمداوي في اتصال هاتفي مع جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق إن العناصر الأمنية احتجزته لأكثر من نصف ساعة داخل مبنى المحافظة، لمنعه من تغطية تظاهرة، نظمها عدد من المحاضرين، للمطالبة بتعينهم على ملاك وزارة التربية، مضيفا أن العناصر استولت على كاميرا القناة، وأعادتها للمصور بعد إطلاق سراحه، وأرغمته على توقيع تعهد خطي بعدم العودة وتصوير التظاهرة. وعبر المحمداوي عن غضبه من المعاملة السيئة التي تعرض لها من قبل القوات الأمنية.
“جمعية الدفاع عن حرية الصحافة” في العراق أدانت احتجاز الصحافي أثناء أداء مهامه، كونه “انتهاكا لحرية العمل الصحافي والإعلامي في البلاد المكفولة دستوريا، وعدت ما يتعرض له الصحافيين من إهانات وتنكيل يبين المنهج الدكتاتوري المتبع في النظام السياسي بالعراق” حسب قولها.
وفي السياق ذاته وفي العاصمة بغداد، منعت عناصر أمنية في شارع المتنبي، بتاريخ 24/11/2023 كادر قناة “البغدادية” من أداء مهامهم في تغطية فعاليات الشارع الثقافي الأبرز في بغداد.
وأبلغ مراسل ومقدم برنامج “البغدادية والناس” رامي الحمداني، جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أن العناصر الأمنية أبلغوه بوجود أوامر صادرة من قيادة الشرطة في بغداد، وهيئة الإعلام والاتصالات، بمنع قناة “البغدادية” من الدخول إلى شارع المتنبي، والتصوير هناك. وأضاف الحمداني للجمعية ان الشرطة طالبت الكادر بمغادرة المكان على الفور، وعدم العودة للتصوير في شارع المتنبي.
وردا على ذلك، أدانت “جمعية الدفاع عن حرية الصحافة” في العراق منع الزملاء من أداء واجباتهم المكلفين بها، وعدته انتهاكا واضحا لما نص عليه الدستور، تقوم به الأجهزة الأمنية بالاشتراك مع هيئة الإعلام والاتصالات. وذكرت الجمعية ان مهمة القوات الأمنية حماية المواطنين، لا مضايقة الصحافيين، فضلا عن ان الهيئة جهة تنظيمية وليست رقابية، وان القرارات التي اتخذتها في الآونة الأخيرة هي قفز على صلاحياتها، باعتبارها جهة مستقلة، إذ تشكل هذه المخالفات سابقة خطيرة ضد وسائل الإعلام والعاملين فيها. وطالبت الجمعية، الأجهزة الأمنية وهيئة الإعلام والاتصالات “بالامتثال للدستور والكف عن اتخاذ قرارات تخضع لمزاج السلطة والمتنفذين، والحفاظ على استقلاليتها، وابعادها عن التأثيرات السياسية والسلطوية”.
وسبق أن تعرضت مؤسسات إعلامية عديدة وصحافيون في العراق إلى تهديدات من قبل الميليشيات والفصائل المسلحة التي تحمي أحزابا سياسية معينة، من بينها التيار الصدري، بهدف منع انتقادات الإعلام لسلوك الحكومة وبعض الفصائل. وقامت بعض الجماعات المسلحة بمهاجمة قنوات مثل قناة UTV وإحراق مبنى قناة “دجلة” في بغداد، حيث تمت الهجمات بوجود القوات الأمنية التي لم تمنع المهاجمين.
ويبدو ان واقع المخاطر والتقييد وعرقلة عمل الصحافيين في العراق منذ عام 2003 لم يتغير كثيرا في الوقت الحاضر، وان برنامج تصفية الصحافيين الذي سجل قتل ما لا يقل عن 282 منهم خلال السنوات الـ20 الماضية، والذين سقط غالبيتهم على أيدي مسلحين مجهولين ما يزال مستمرا وبوسائل وآليات مختلفة، وذلك لكون الفاعلين مطمئنين لإفلاتهم من العقاب، حيث يحتل العراق المرتبة الخامسة في مؤشر الإفلات من العقاب العالمي الصادر عن لجنة حماية الصحافيين الدولية، بعد الصومال وسوريا وجنوب السودان وأفغانستان. وقد اضيف مؤخرا أسلوب الملاحقة القضائية للصحافيين كوسيلة ردع فاعلة لتقييد وقمع رأي وحركة الصحافيين ووسائل الإعلام، بالرغم من كل الادعاءات الحكومية المغايرة لذلك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية