لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريراً قالت فيه إن العديد من المشاريع العمرانية التي توقفت بعد الأزمة المالية العالمية التي كادت تؤدي لانهيار دبي عادت للحياة من الجديد. والسبب، كما تقول، كامن بالروس، أموالهم، والأجور العالية للبيوت، والعودة إلى المشاريع التي كانت متوقفة.

وفي تقرير أعدّه جون غامبريل جاء أن الكثير من مشاريع البناء التي توقفت عام 2009 عادت إليها الحياة، وكجزء من الازدهار الاقتصادي للمدينة.

 وكما في الحالات السابقة مع دبي، تعتبر الحرب قوة دافعة في الانتعاش الاقتصادي، وهذه المرة من الروس الفارين من حرب موسكو في أوكرانيا، وليس نزاعات الشرق الأوسط.

وقال مدير مجموعة بيترهوم للعقارات، ريتشارد ويند: “هناك الكثير من مناطق العالم يواجه فيها الناس تحديات حقيقية، ويبحثون عن ملجأ آمن”. وأضاف: “هذا ملجأ آمن لرأس المال، وكذا لعائلاتهم”.

يرى المحللون أن الإقبال على استئجار الشقق والفيلات الراقية مرتبط بهروب الأثرياء من قيود الوباء.

ورغم عدم وجود أدلة عن تعرض الإمارة لظروف مشابهة لعام 2009 إلا أن بعض مظاهر القلق طفت على السطح، مثل زيادة أجور البيوت، والتي زادت من الضغوط على كلفة المعيشة للعمال الوافدين، الذين يمثلون القوة الدافعة للمدينة.

وفي الوقت نفسه عبّرت وزارة الخزانة الأمريكية عن قلق من المال الروسي المتدفق إلى سوق العقارات في المدينة الأكثر سكاناً في الإمارات. وقالت جودي فيتوري، الزميلة غير المقيمة في وقفية كارنيغي للسلام العالمي: “من الناحية النظرية، هناك مخاطر سمعة كبيرة على الإمارات، وكونها جسراً مهماً ومستعداً يساعد الأوليغارش الروس على استخدام الإمارات كمحطة بين النظام المالي الروسي والغربي”. و”لكن الواقع يؤشر لاتجاه آخر”، ولم ترد حكومة دبي ولا وزارة الخارجية على أسئلة الوكالة. وتقول إنه من الصعب تخيل الطريقة التي تغيرت فيها الإمارات على مدى القرن الماضي. فقد زاد عدد سكان المشيخات التي كانت تحت الحماية البريطانية من 180.000 نسمة عام 1968 إلى 9.2 مليون نسمة حالياً.  وتقدر الحكومة عدد سكان دبي بـ 3.5 مليون نسمة، منهم 1.1 مليون يعيشون فيها بشكل مؤقت، أو يسافرون إليها يومياً.

ولعب النفط، ومعظمه في أبو ظبي، دوراً في تغذية التحديث، وبعدما بدأت أبو ظبي تسمح بالملكية للأجانب عام 2002، ظهرت أطول بناية في العالم، ومراكز التسوق الراقية. ويمثل سوق العقارات حالياً نسبة 10% من الناتج الإجمالي لدبي. وبعد التراجع بسبب قيود كوفيد- 19 شهدت دبي بيع 86.849 عقاراً عام 2022، وهو أعلى من الرقم المسجل عام 2009، وهو 80.831 عقاراً. وملأ المشترون والمستأجرون المنطقة الراقية في “بالم جميرة” أو نخلة جميرة، وهو أرخبيل اصطناعي على شكل نخلة في الخليج. ويعتبر معدل إيجار الشقة في هذه المنطقة سنوياً هو 67.000 دولار، أما الفيلات فيصل إيجار الواحدة منها إلى  276.000 دولار في العام، حسب شركة العقارات سي بي أر إي.

ويرى المحللون أن الإقبال على استئجار الشقق والفيلات الراقية مرتبط بهروب الأثرياء من قيود الوباء. إلا أن الضغط على سوق العقارات زاد خارج عالم الأثرياء، فقد زاد معدل إيجار البيوت في دبي بنسبة 26.9%، ويتوقع من العائلات التي تعيش في فيلا أن تدفع إيجاراً سنوياً بـ 76.000 دولار. وأجبر غلاء الأجور غافين هيل (34 عاماً)، المتخصص في بيع السيارات، على الانتقال مع صديقته من فيلا في دبي هيلز إلى شقة صغيرة تبعد 20 كيلومتراً للجنوب. وقال: “من ناحية البحث عن مكان جديد، كان الوضع أسهل سابقاً” و”هذه المرة باتت ملغومة”.

 وساعد المال الروسي على زيادة الأسعار، كما ورد في التقرير.  ولاحظت شركة بيترهوم، التي تعمل منذ عام 1986، أن الروس، في العام الماضي، كانوا في مقدمة المشترين من غير المقيمين، ولأول مرة. واعترف العاملون في سوق العقارات، وإن بطريقة شفاهية، بأثر الروس على سوق البيوت. وقال ويند: “منذ بداية الأزمة في أوروبا الشرقية رأينا الكثير من الروس والكثير من الأوكرانيين أيضاً يبحثون عن طرق لنقل عائلاتهم وأموالهم أيضاً إلى هناك”.

 وطالما استفادت دبي من الأزمات، مثل الربيع العربي ووباء كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا. ففي أثناء الحرب العراقية- الإيرانية تم إصلاح السفن المعطوبة في جبل علي، والتي تضررت بالقصف في الحرب. وقادت الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان لوصول أثرياء جدد إلى دبي وبقية أنحاء الإمارات. وضمت الطفرة ما وصفه الغرب بالمال القذر، وحوالي مليار دولار اختلست عام 2011 من مصرف كابول المركزي في أفغانستان، والتي استخدمت في شراء عقارات راقية بمنطقة نخلة الجميرة.

اعترف العاملون في سوق العقارات، وإن بطريقة شفاهية، بأثر الروس على سوق البيوت.

ويملك ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد عقارات هناك. ولا يعرف كم عدد الروس الذين اشتروا عقارات في دبي، وإن كانوا أشخاصاً فروا من التجنيد أو مشتريات لها علاقة بغسيل الأموال.

 وخلافاً للولايات المتحدة فمبيعات العقارات معلنة ومنشورة، لكن دبي لا تنشر بيانات وأرقاماً عن مبيعات البيوت. ونقلت وكالة أنباء أسوشيتدبرس عن مسؤول أمريكي بارز قوله إن هناك قلقاً حول المال الروسي القادم لدبي والمستخدم في شراء العقارات. وأصدرت وزارة الخزانة تحذيراً وجه لشركات العقارات الأمريكية، حذرت فيه من استخدام الروس شبكة معقدة وغامضة لشراء بيوت عبر وسطاء. ولا يعرف ماذا يمكن للخزانة عمله لمواجهة نشاطات تجري في بلد حليف ومشتر للسلاح الأمريكي، ووضعت مجموعة تكافح المال غير المشروع الإمارات في المرتبة الرمادية لأنها لم تقم بعمل المزيد لمكافحة النشاطات غير المشروعة. وأشار التقرير إلى أن مشاريع مثل لؤلؤة دبي، وهو مشروع بقيمة 4 مليارات دولار، ويشمل عدة فنادق، وشققاً سكنية، وانهار بعد الأزمة المالية، ظهرت عليه معالم النشاط من جديد. وبدأت فرق الهدم بتدمير الكتل الإسمنتية مع أن الخطط القادمة غير معروفة. وأعيد العمل في توأم نخلة الجميرة ونخلة جبل علي أيضاً.