إندبندنت: شباب سوريون قاتلوا من أجل الكرامة فابتلعتهم المنافي وصار بعضهم مرتزقة

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: انضم شباب مثل تهاني وأحمد إلى الثورة السورية بحثا عن مستقبل أفضل، وبعد 10 أعوام وجدوا أنفسهم خارج بلدهم. وتشير بيل ترو، مراسلة صحيفة “إندبندنت” إلى الكيفية التي تلاقت فيها طرق الناشطين الذين لم يلتقوا في بعض الأحيان، وكيف شاهدوا الانتفاضة السلمية وهي تنزلق إلى الحرب الأهلية ومعها أخذت أحلامهم بغدٍ مشرق.

ووجدت ترو في قصة تهاني، طالبة علم النفس الجامعية في دمشق، وأحمد من مضايا، الذي أجبر على ترك المدرسة والعمل في دكان جده وكان يأمل بإنشاء شركة بناء يعرف أنها لن تتحقق، صورةً عن تلاقي المصير الواحد.

وتقول إن والدة تهاني ترجّتها بعدما وجدت عبر فيسبوك دعوة نادرة للاحتجاج في وسط دمشق، بعدم الذهاب والعودة للمدرسة حالا بعد نهاية محاضراتها الجامعية. ولكنها كانت مصممة على المشاركة والبحث عن مكان اللقاء.

رغم انتقاده التدخل التركي في سوريا، إلا أن أحمد قضى عام 2020 كمرتزق في ليبيا وبراتب تدفعه تركيا.

وعلى بعد 40 كيلومترا، شعر الشاب أحمد (16 عاما) بالفرح عندما سمع عن التظاهرة في دمشق. ومع وصول تهاني إلى منطقة اللقاء كانت الشرطة قد فرقت المتظاهرين ونقلت عددا منهم في الشاحنات، وتواصل البحث عن متظاهرين هربوا في الطرقات.

وتمثل قصة أحمد وتهاني الثورة السورية التي انطلقت بداية شهر آذار/ مارس عام 2011، وتحولت إلى أكبر حرب أهلية دموية في القرن الحادي والعشرين.  وعلى مدى العشرة أعوام الماضية، أصبحت الحرب معقدة وبالوكالة بين القوى الدولية العظمى. لكن القمع الذي مارسته قوات الأمن لم يمنع أحمد من المشاركة في الثورة: “علقنا جميعا وشعر حتى أنصار الرئيس الأسد بالظلم الذي حل بالسوريين لكنهم كانوا خائفين من النظام”.  وتحدث أحمد للصحيفة من إدلب في شمال- غرب سوريا حيث يعيش الآن، وقال: “كان الانضمام للحركة مجازفة وكلنا علم أن هذه هي الفرصة الوحيدة للتغيير”.

 ويبلغ عمر أحمد الآن 26 عاما، أما تهاني فهي في سن 32 عاما، وتعيش لاجئة في ألمانيا. ومثل غيرها من الناشطين، سُجنت وعُذبت ثم فرّت من سوريا وانضمت إلى قوافل المهاجرين الذي عبروا إلى أوروبا. واختفت والدتها التي رجتها ألا تشارك في التظاهرات عام 2014 ولا تزال في عداد المفقودين.

وانضم أحمد في سن الـ16 عاما للانتفاضة المسلحة ضد الأسد. وبعد 10 أعوام من حرب خاسرة لا يمكن الانتصار فيها، لم يبق لدى أحمد الذي لا يحمل مؤهلات من أي نوع، سوى تجربته القتالية، ولهذا قضى السنوات الماضية يعمل مع جماعات تدعمها تركيا وتخوض حروبها.

ورغم انتقاده التدخل التركي في سوريا، إلا أنه قضى عام 2020 كمرتزق في ليبيا وبراتب تدفعه تركيا. واستخدم النظام منذ بداية الثورة المحكوم عليها بالفشل أقسى أنواع العنف ضد المتظاهرين. وركّز الأسد لاحقا نيرانه الجوية والبرية على من حملوا السلاح ضده، وشملت الغارات الجوية والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية التي أمطرت على المدن والبلدات في كل أنحاء البلاد.

وتصاعد القتال عندما دخلت روسيا الحرب عام 2015، وبعد عام تدخلت تركيا لخدمة مصالحها. ومن هنا ابتلعت الحرب السكان وسط خطوط من القتال المتشابكة من القوى السورية والأجنبية وقوات النظام والجماعات الجهادية والميليشيات المتعددة. ولا أحد يعرف عدد قتلى الحرب، حيث توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء الجثث عام 2014 عندما وصل عدد القتلى إلى 400 ألف قتيل.

وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن نصف سكان سوريا الشباب تحدثوا عن مقتل قريب أو صديق في الحرب. لكن الموت لا يعتبر المؤشر الوحيد عن المصيبة. وتقول وكالة الطفولة العالمية، إنه تم تجنيد حوالي 6 آلاف طفل سوري في الحرب كما حدث مع أحمد في البداية، وبعض هؤلاء كان في سن السابعة من العمر.

أما تهاني، فقد كانت واحدة من 6 ملايين لاجئ سوري فروا من بلادهم، وهناك سبعة ملايين باتوا نازحين في بلادهم. وتقول تهاني: “لا أعرف من أين أبدا وكيف أنتهي” للحديث عن الثورة السورية. و”ماذا ستطلقين عليه سوى القتل المنظم للحالمين الذين طالبوا بالحرية؟”. وظلت تهاني تتحرك على مدى 3 أعوام في السر وتنتقل من بيت لآخر حتى لا يتم القبض عليها. وبعد أيام من تأخرها على مسيرة دمشق، بدأت بتنظيم احتجاجات في بلدة الزبداني التي لا تبعد كثيرا عن مضايا وتقع قرب الحدود اللبنانية.

وانتشرت الفيديوهات عن الاحتجاجات في موقع يوتيوب، وبدأت تهاني بتنسيق شبكة من الصحافيين المواطنين. ولهذا أصبحت هدفا لقوات النظام. وهاجم جيش النظام السوري الزبداني في شباط/ فبراير 2012، وفرّت تهاني مع عائلتها تحت جنح الليل إلى بلدة قريبة آمنة. وألقت قوات الأمن في النهاية القبض على تهاني عندما كانت وعائلتها تحاول المرور عبر حاجز عسكري في تموز/ يوليو 2012، ونُقلت من فرع أمني إلى آخر قبل أن تودع في السجن المركزي.

في السجن كانت تهاني محتجزة مع 15 امرأة في زنزانة صغيرة وقذرة، وحُرمت وزميلاتها من الماء. وكان صوت التعذيب من الزنازين القريبة يطغى على كل شيء

وفي السجن كانت تهاني محتجزة مع 15 امرأة في زنزانة صغيرة وقذرة، وحُرمت وزميلاتها من الماء. وكان صوت التعذيب من الزنازين القريبة يطغى على كل شيء، ولم يسمح لأحد بالحديث وتواصلن عبر الهمس. وقالت إنها تعرضت للتعذيب المبرح لدرجة أن آثار التعذيب ظلت على جسدها لأشهر. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، استطاعت والدتها زيارتها وأحضرت لها بعض الإمدادات، لكن تم اعتقالها مباشرة بعد ذلك، ولم يُسمع عنها منذ ذلك الوقت. ولا تعرف العائلة سبب اعتقال الوالدة وأين اعتقلت وإن كانت لا تزال على قيد الحياة. و”اختفت” كما تقول تهاني رغم محاولات البحث عنها.

وبالنسبة لأحمد وأقاربه، فقد كانوا يعرفون أن الانضمام إلى الجيش السوري الحر بعد إنشائه بقليل، مقامرة. ولكن أهل مضايا كان لديهم الكثير ليخسروه. فقبل الحرب كانت مضايا مقصد السياح في نهاية الأسبوع، وبنى فيها أثرياء سوريا الفلل والبيوت الراقية. وعُرفت البلدة بعنبها اللذيذ. وأصبح سوقها معروفا بتوفر الماركات العالمية التي لا تتوفر في أي مكان في سوريا، والتي تصل عبر طرق التهريب النشطة.

ولكن أهل مضايا كانوا راغبين بالحرية السياسية وليس تقديم الخدمات للنخبة الغنية. وقال أحمد: “لقد أجبرنا النظام على حمل السلاح. كانت الطريقة الوحيدة للنجاة”. وقُتل ستة من أقاربه الذين انضموا إلى الثورة، وأسوأ من هذا الجوع الذي عانى منه سكان البلدة. وبعد سحب النظام قواته الأمنية من المنطقة، أصبحت مضايا ملجأ للناشطين ومسلحي الجيش السوري الحر. وفي 2015 حاصر النظام البلدة وسكانها الـ4000 نسمة لتجويعهم. وتكررت القصة في كل البلدات، بما فيها بلدة تهاني، حيث فرغت الرفوف سريعا من البضائع وارتفعت أسعار المواد إلى مستويات ضخمة، وبلغ سعر كيلو السكر والأرز 400 دولار. واستخدمت العائلات الحشائش لصناعة الحساء مع البهارات لإطعام الأطفال، وأكل البعض الكلاب والقطط الضالة والقنافذ، فيما حاول آخرون الانتحار.

وجاءت نقطة التحول عندما حاصر المقاتلون بلدتين تابعتين مؤيدتين للأسد، حيث اضطر النظام للتفاوض، وسمح للمواد الإنسانية من الأمم المتحدة بدخول البلدة بعد ستة أشهر من الحصار. واتفق في 2017 على ما عرف بـ”اتفاق البلدات الأربع” حيث تم نقل سكان من الزبداني ومضايا إلى إدلب، مقابل فك الحصار عن بلدتي فوعة وكفريا.

وكان أحمد في واحدة من الحافلات التي نقلت السكان إلى إدلب حيث اكتشف عند هذه النقطة أن مواجهة النظام باتت عبثية و”لم تعد المعارضة قادرة على هزيمة النظام الذي تدعمه إيران وروسيا”. و”عند تلك النقطة فقدت كل أصدقائي”.

وعندما أفرج عن تهاني في خريف 2014 لم يكن هناك من يستقبلها، فقد اعتُقلت أمها وأقاربها، وتُوفي والدها متأثرا بالسرطان ورفض مغادرة مزرعته التي تعرضت للقصف الشديد من النظام، وقتلت بقية عائلتها باستثناء شقيقة لها هربت من البلدة. وقررت تهاني الخروج من سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015 حيث لم يعد لديها ما تفعله، وهربت عبر حافلة محروقات إلى لبنان ومن هناك طارت إلى تركيا حيث دفعت 1000 دولار لمهرب كي تركب قاربا مع 50 شخصا إلى اليونان.

وقالت إن الرحلة أخذت أربع ساعات، وكانت خطيرة لأن أحدا لم يعرف كيف يوجه القارب. وبدأت تجمع معلومات حول السفر إلى ألمانيا التي قيل إنها ترحب بالمهاجرين. وبالصدفة التقت مع قريب بعيد كان يخطط للقيام نفس الرحلة من اليونان عبر البلقان. وفي مرة، تظاهرت بأن مجموعة من الأطفال هم أبناؤها حتى لا يتم اعتقالهم. وناموا في العراء قرب الحدود بانتظار إذن الدخول، ولا تتذكر تهاني أسماء الدول التي مروا بها إلا بصعوبة. و”كان عليّ اليقظة الدائمة وعدم الثقة بأحد حتى أنجو”. و”أسوأ ما في الأمر كان كلاب الشرطة التي ترعب الأطفال”.

في 2015 حاصر النظام بلدة مضايا وسكانها الـ4000 نسمة لتجويعهم، واستخدمت العائلات الحشائش لصناعة الحساء مع البهارات لإطعام الأطفال، وأكل البعض الكلاب والقطط الضالة والقنافذ، فيما حاول آخرون الانتحار.

قبِل أحمد العمل كمرتزق على أمل توفير مبلغ من المال يستطيع من خلاله الهجرة إلى أوروبا. وبعد عامين من العيش في إدلب، انضم للجيش السوري الوطني، المدعوم من تركيا. ثم جاء التدخل التركي في ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني الليبي التي حاصرها خليفة حفتر. وتلقى أحمد وعدا بالحصول على ألفي دولار لو شارك في الحرب الليبية، وهو أعلى من 500 ليرة تركية (70 دولار) كان يحصل عليها في سوريا.

وبالنسبة لأحمد فإن الفائدة الأهم هي قرب ليبيا إلى أوروبا. وقال: “علمت أن هناك العديد من السوريين وصلوا إلى إيطاليا عبر القوارب من ليبيا”. وقال: “لم نهتم بالحرب في ليبيا، ومعظم السوريين الذين ذهبوا إلى هناك لم يعرفوا من يقاتلون وقرروا المشاركة من أجل المال ولأن الناس جوعى في سوريا”.

وأثارت تصرفات السوريين من إطلاق النار وسرقة السلاح قلق الكتائب الليبية. وفي الوقت نفسه بدأ النظام السوري يجند مرتزقة سوريين للقتال مع حفتر. ويقول أحمد: ” كان الوضع صعبا في الأيام الأولى، وكان حفتر يتقدم، وخفت من إلقاء قواته القبض علي”. واكتشف أن الوصول إلى أوروبا من ليبيا غير ممكن، وبدأ يشعر بالخيبة من الدور التركي في سوريا واتهم أنقرة بأنها تحاول إنقاذ النظام.

وانتهت رحلة تهاني في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حيث وصلت إلى ألمانيا وقدمت طلب لجوء. وتعلمت الألمانية سريعا وتزوجت وأنجبت طفلين وتعمل مترجمة. وهي ليست نادمة على القتال من أجل الكرامة وكذا أحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية