إسرائيل… من جيش له دولة إلى دولة ميليشيات

حجم الخط
2

ليس السؤال هو: هل من الممكن أن تتطور الأمور في إسرائيل لتصل مرحلة نزول أفراد بأعداد قليلة من اليهود في إسرائيل إلى الشوارع في مظاهرات صغيرة، ثم تليها مرحلة نزول جماهير يهودية في إسرائيل في مظاهرات حاشدة، تعطل سير الحياة الطبيعية والأعمال، وتتطور، بطبيعة الحال، إلى بدايات لأعمال عنف فردية هنا وهناك، ثم تتصاعد؟
السؤال الصحيح المطروح الآن هو: متى يبدأ ذلك؟
في ضوء تسارع الاستقطابات والتوتر في الشارع اليهودي، منذ ما قبل مسلسل خمس معارك انتخابات مفعمة بالتوتر، في أقل من أربع سنوات، بشكل عام، وتزايد هذا التوتر منذ إعلان نتائج الانتخابات هناك في مطلع الشهر الماضي، بشكل خاص، ومع وصول التكتل الذي يقوده بنيامين نتنياهو، وما في هذا التكتل من أحزاب بالغة اليمينية والعنصرية والفاشية، إضافة إلى الحزبين الدينيين المتزمتين، أصبح من الواضح، منذ تكليف الرئيس الإسرائيلي، اسحق هيرتسوغ، لنتنياهو، زعيم حزب الليكود اليميني، لتشكيل الحكومة المقبلة، أن نتنياهو سيخضع لابتزاز شركائه في الائتلاف. وهذا ما تم فعلا، كما كشفت ذلك نصوص الاتفاقات مع هذه الأحزاب، وتولي قادتها مناصب وزراء لوزارات بالغة الحساسية، على أصعدة الجيش وأجهزة الأمن والشرطة وحرس الحدود، كما على صعيد الحياة المدنية، مثل التعليم وقضايا الالتزام بالشريعة اليهودية في مناحي الحياة المختلفة، وغير ذلك.
منح هيرتسوغ إلى نتنياهو (إثر تسلمه النتائج النهائية للانتخابات، واستمزاج آراء الكتل التي نجحت في تأمين عضويتها في البرلمان الإسرائيلي) المهلة القانونية الأولى لتشكيل الحكومة الجديدة، ومدتها أربعة أسابيع. وعندما لم يتمكن نتنياهو من الانتهاء من تشكيل الحكومة، طلب من هيرتسوغ تمديد فترة تشكيل الحكومة عشرة أيام إضافية، من أصل مهلة الأسبوعين المسموحة، حسب القانون الإسرائيلي. أعطى هيرتسوغ لنتنياهو ما طلبه، (علما أن من صلاحية الرئيس عدم إعطاء المهلة الإضافية). ولو أن هيرتسوغ امتنع عن ذلك، لنزلت إلى الشارع حشود يمينية عنصرية وفاشية، في مظاهرات يرجح أن تكون عنيفة منذ لحظة انطلاقها.
على أن انطلاق مظاهرات يهود يساريين وليبراليين، وأعضاء أحزاب أقل عنصرية من حزب نتنياهو، وأقل فاشية من أعضاء في حكومته قيد التشكيل، وخلال أيام أو أسابيع قليلة من تشكيلها وبدء ممارستها العمل وتطبيق سياساتها العنصرية والفاشية المعلنة، قد أصبحت مسألة وقت (قصير) لا أكثر.
لكن، وكما هو معروف، فإن العناصر اليمينية العنصرية في أي مجتمع، هي الأكثر حدة والأكثر ميلا واستعدادا لممارسة العنف فور انطلاق مظاهراتها، في حين أن مظاهرات المعتدلين والأقل عنصرية تميل إلى استبعاد العنف والتخريب في مظاهراتها، إلى أن تُجر إليه، مع تواصل استفزازها ومواجهتها بعنف مظاهرات مقابلة. وفي ضوء وجود عنصريين فاشيين في مواقع اتخاذ القرار في إسرائيل، ووجود عنصرية بين أفراد الشرطة وحرس الحدود والجيش الإسرائيلي، فإنه ليس من المستبعد أن تكون هذه العناصر هي مطلقة شرارة العنف والتخريب. ولعل أوضح دليل ملموس على احتمال تطور الأمور في إسرائيل، في هذا الاتجاه، هو ما شهدته شوارع مدينة الخليل المحتلة، قبل ثلاثة أسابيع، عندما أقدم جنود من جيش الإحتلال والاستعمار الإسرائيلي على الاعتداء بالضرب والتهديد، ليهود إسرائيليين، حضروا إلى الخليل للتضامن مع سكانها ضد اعتداءات المستوطنين على سكان المدينة، وتصرفاتهم الهمجية في شوارعها وأسواقها، بحماية الجيش الإسرائيلي.

شعبنا الفلسطيني بشكل خاص، وجميع شعوب أمتنا العربية بشكل عام، كنا ضحايا النظام العالمي الحالي، والسابق، والأسبق. وكل تغيير وتقدم نحو نظام عالمي بديل يحملان احتمال تطور الأمور لما فيه مصلحتنا

لا يحمل تشكيل حكومة نتنياهو، ونيلها المتوقع لثقة الأغلبية في الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، مطلع الأسبوع المقبل، أي بشائر خير لإسرائيل:
ـ حتى قبل تشكيلها، بدأت التخوفات في أمريكا، حامية إسرائيل، من تولي عنصري متطرف، وفاشي معلن، وزارة الدفاع في حكومة نتنياهو، وعجز الإدارة الأمريكية عن الدفاع عما يمكن أن يتخذه من قرارات. وحذرت هذه نتنياهو بأن ذلك سيؤثر على التعاون والتنسيق مع إسرائيل في كل «قضايا الأمن». عندها اضطر نتنياهو إلى التراجع (الجزئي) ومنح لهذا العنصري الفاشي تولي وزارة المالية، وتعيين وزير من حزبه العنصري الفاشي «وزيرا في وزارة الدفاع» يكون مسؤولا ومشرفا على قضايا مكتب التنسيق الحكومي لشؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وشؤون قطعان المستوطنين في الضفة الغربية.
ـ ما تم إعلانه من تخوفات في أمريكا، من تشكيل حكومة إسرائيلية مغرقة اليمينية والعنصرية، تردد مثله في دوائر الحكومات الغربية، في أوروبا خاصة.
ـ وجاء مونديال قطر 2022 ليكشف مدى التضامن العربي في الخليج وفي المغرب، مع كل ما هو معروف من تضامن شعبي ورسمي عربي في الدول العربية التي رفضت وترفض تفاهة «اتفاقات أبراهام»، إضافة لما ظهر من تعاطف غالبية مشجعي الفرق الرياضية في جميع القارات. ومعروف للجميع مدى ضيق الإسرائيليين من رفض التحدث إلى المراسلين الإسرائيليين الذين تواجدوا في قطر لتغطية المونديال. ووصل الأمر إلى درجة نشر إحدى الصحف الإسرائيلية كاركاتيرا يظهر «مرمى إسرائيل»، التي لم تشارك في المونديال، وقد امتلأ بالكرات التي تحمل علم فلسطين، إلى درجة أنه لم يظهر من «حامي مرمى إسرائيل» إلا قدميه وهو ملقى تحت تلك الكرات.
على مدى العقود السبعة من عمر إسرائيل انتشرت مقولة أن إسرائيل هي «جيش له دولة». أما الآن، وفي ضوء ما هو ظاهر من تحول في نظام الحكم في إسرائيل، وليس في السياسة الإسرائيلية فقط، فقد بدأت تتردد مقولة أن «إسرائيل دولة ميليشيات». وقد كان آخر من قال ذلك من الإسرائيليين، قائد عام الشرطة السابق، روني الشيخ، في مقابلة أجرتها معه القناة 12 الإسرائيلية، أمس الأول، الثلاثاء، حيث قال بالحرف: «إن شرطة لا تحظى بثقة الجمهور، لا قيمة لها…. حيث أن من يحصلون على خدمات شرطية مفرطة، سيفقدون الثقة بالشرطة نهائيا، وأما الذين يحصلون على خدمات شرطية غير كافية، فسوف يدركون أن الشرطة ليست لهم ولا تهتم بهم، وسوف يشكلون ميليشيا».
كل ميليشيا، هي عصابات مسلحة، تخوض «حرب عصابات» ضد خضوع وطنها لاستعمار أجنبي، أو ضد نظام حكم قائم لا ترضى به. وهي بهذا يمكن أن تنجح أو تفشل في تدمير دولة أو نظام حكم، أما أن تتولى ميليشيا بناء دولة، فذلك مستحيل وضرب من الخيال.
برغم أن هذه التطورات لا تبشر بخير لإسرائيل، إلا أن ما هو أخطر من ذلك على إسرائيل، هو ما تشهده هذه الأيام من تغيير للنظام العالمي الحالي الذي يلفظ أنفاسه، حيث علامات احتضار الهيمنة الأمريكية المنفردة على الوضع الدولي برمته. وتعرف إسرائيل والحركة الصهيونية العنصرية أنها المستفيد الأكبر من النظام العالمي الحالي الموشك على الانهيار، كما كانت هي المستفيد من النظام العالمي السابق، الذي مكنها من إعلان إقامة «دولة إسرائيل» مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، والنظام العالمي الأسبق الذي منح «وعد بلفور»، وقطع وحدة «بلاد الشام»، لتستفرد بفلسطين وشعبها.
شعبنا الفلسطيني، بشكل خاص، وجميع شعوب أمتنا العربية، بشكل عام، كنا ضحايا النظام العالمي الحالي، والسابق، والأسبق. وكل تغيير وتقدم نحو نظام عالمي بديل، يحملان احتمال تطور الأمور لما فيه مصلحتنا.
واضح، حتى الآن، أن في الجو بشائر خير. وما نشاهده هذه الأيام، من بدء الخروج الواضح من التبعية لأمريكا، وبدء التوافق والتعاون مع روسيا، وبدء نسج خيوط توافق وتنسيق وتعاون مع القوة الدولية الصاعدة، الصين، هو ما يجعلنا أكثر تفاؤلا.

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    لا أدري لماذا كلّ الكتّاب العرب يضعون الحلّ للقضايا العربيّة بيد القوى الكبرى؛ مرّة أمريكا ثمّ بريطانيا ثمّ فرنسا ثمّ روسيا ثمّ الصين.لماذا إشاعة روح التبعية للخارج حتى من باب التثقيف؟ أليس نحن أمّة؟ وإلا لماذا نردد ليل نهار : نحن عرب؟ لنصارح أنفسنا ونردد: نحن قبائل وكلّ قبيلة تتكفل بنفسها؛ وهي تصيح: أنجّ سعد فقد هلك سُعيد.وكفى الله النّاس شرّ بعضهم بعضًا.هناك فرق بين الواقعيّة السياسيّة والواقعيّة القوميّة.لندع الواقعيّة السياسيّة للحكام.وللشعب
    العربيّ الواقعيّة القوميّة؛ لحماية مرتكزات الأمّة في الخاصّ والعامّ.وهذا يستوجب خطابًا واعيًا من قبل كتّاب الأقلام.

  2. يقول منصور الكبير:

    و يبقى السؤال القديم الجديد المتجدد مطروحاً إلى أجل غير مسمى ، متى يقتنع الإحتلال مع تعاقب حكوماته و إختلاف مشارب صنّاع القرار في دوائر حكمه أن القضية الفلسطينية لا يمكن تبييضها و تجاوزها ، فهي قضية أمة إسلامية و عربية قبل أن تكون قضية شعب فلسطيني وحيد ؟ .

إشترك في قائمتنا البريدية