إسرائيل على صفيح ساخن: تفاقم الأزمة بين معسكري الحكومة والمعارضة واقتراب قطاريهما من الاصطدام

وديع عواودة
حجم الخط
3

الناصرة- “القدس العربي”: تبدأ الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، اليوم الإثنين، بالمصادقة في القراءة الأولى على القسم الأول من خطة “الإصلاحات القضائية”، التي تعتبرها المعارضة “انقلاباً على الديمقراطية”، فيما تشهد البلاد اليوم إغلاق شوارع، مظاهرات احتجاجية واسعة بمشاركة أطباء وطلاب وإضرابات، ما يعني فشل مساعي الوساطة والتسوية، وتعميق الأزمة الداخلية وحالة الانقسام بين الإسرائيليين. ويجري ذلك رغم الضغوط الخارجية والداخلية المستمرة على حكومة الاحتلال لوقف أو إبطاء عملية التشريعات الإشكالية، بل بادر عدد من المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو نفسه، لتوجيه انتقادات مباشرة أو غير مباشرة للسفير الأمريكي في القدس المحتلة توم نايتز، الذي دعا قبل يومين نتنياهو لفرملة التشريع. أمام الانتقادات والاتهامات الإسرائيلية له بالتدخل بشؤون داخلية عاد نايتز وقال إنه لم يدع للدوس على دواسة الكبح والفرملة، إنما دعا لإبطاء السرعة في مركبة التشريع. ومع ذلك واصلت جهات إسرائيلية رسمية توجيه الانتقادات للسفير. وفي هذا المضمار، كان رئيس المعارضة يائير لبيد قد قال إنه يتحدث مع مسؤولين أمريكيين كثر، وهم منزعجون ومرعوبون من قوة وعمق وسرعة التشريعات التي تقودها حكومة إسرائيل، وتحوّلها لدولة مختلفة، وتمسّ بمنظومة القيم المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة.

تعكس السجالات تغيرات عميقة في صفوف الإسرائيليين واختلافات مستترة في السياسة والمجتمع ومجمل التوجهات، بين شرقيين وغربيين، بين متدينين وعلمانيين…

السيطرة على المحكمة العليا

ويشمل القسم الأول من هذه الخطة، التي سيصادق عليها اليوم بالقراءة الأولى، ويقودها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير القضاء المقّرب منه ياريف لافين، مشروع قانون لتغيير هيكلة اللجنة الخاصة بتعيين قضاة المحكمة العليا، بحيث تصبح الحكومة مسيطرة تماماً عليها، من خلال ضمان خمسة مندوبين لها من بين تسعة أعضاء. وهناك أيضاً مشروع قانون يحظر على المحكمة العليا التدّخل وإلغاء قوانين أساس، وهذا عملياً مشروع قانون يهدف لتمكين عودة رئيس حزب “شاس” (حزب المتّدينين الأورثوذوكس الشرقيين) الوزير المقال آرييه درعي، حليف نتنياهو المركزي، من العودة لصفوف الحكومة، بعدما كانت المحكمة العليا قد قرّرت، في الشهر الماضي، ضرورة إقالة درعي كونه قد أدين بتهم فساد “مع وصمة”.

حسابات واعتبارات متنوعة ومستترة

وفي ظاهرها تبدو السجالات الإسرائيلية الداخلية تدور حول استقلالية الجهاز القضائي، وحماية السلطات الثلاث، والدفاع عن مكانة المحكمة العليا، وحماية المنظومة الديمقراطية، لكنها في الجوهر أعمق وأكبر من هذا النقاش حول الجهاز القضائي.

تعكس هذه السجالات تغيرات عميقة في صفوف الإسرائيليين واختلافات مستترة في السياسة والمجتمع ومجمل التوجهات، بين شرقيين وبين غربيين، بين متدينين وبين علمانيين.

كذلك ترتبط هذه السجالات بالاختلافات بين المستوطنين وغلاة اليمين ممن يدفعون لضمّ الضفة الغربية المحتلة وبين من يعارضون ذلك لكونه يورّط إسرائيل في واقع ثنائي القومي يجعلها غير يهودية وغير ديموقراطية. ولذا يرى عدد من المعلقين الإسرائيليين اليوم أيضاً بأن هذا التصميم من قبل الائتلاف الحاكم لتقزيم المحكمة العليا هو تعبير عن رغبة المستوطنين بالانتقام من المحكمة العليا التي رفضت التماساتهم لوقف فك الارتباط عن غزة وتفكيك المستوطنات داخل القطاع عام 2005،  كما يؤكد المعلق السياسي في القناة العبرية 13 رفيف دروكر. مثلما أيضاً تتطلع أحزاب المتدينين الأورثوذوكس (الحريديم) لتقزيم المحكمة العليا كي تبقى حرّة في تمرير برامجها الاجتماعية دون إزعاج أو تشويش أو تدّخل من قبل المحكمة العليا في قضايا تتعلق بالفصل بين الدين والدولة أو قضايا المرأة أو قضية امتناعهم عن العمل والتفرّغ لتعّلم التوراة وغيره. على خلفية ذلك تتهم أوساط المعارضة الائتلاف الحاكم بأنه بواسطة “خطة الانقلاب” التشريعية يحوّل إسرائيل لدولة شريعة ودولة ظلامية تداس فيها حريات الفرد وحقوق المواطن والأقليات على أنواعها.

إلى أين تتجه الاحتجاجات؟

ومع انطلاق طاحونة التشريعات الإسرائيلية، اليوم الإثنين، وتصاعد الاحتجاجات وارتفاع حدة السجال الداخلي تكون محاولة رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ لإحراز تسوية وحل وسط، ومنع تعمق الأزمة والارتطام بين القطارين المتسارعين قد فشلت، بعدما عرض في “خطاب للأمة” في الأسبوع الفائت خطته للتسوية، ودعا فيها لوقف فوري للتشريع وللاحتجاجات. من جانبهم أعلن رؤساء الائتلاف الحاكم غداة مبادرة هرتسوغ أنهم مستعدون للتداول، ولكن دون شروط مسبقة، ودون وقف عملية التشريع في القراءات التمهيدية، وهذا ما اعتبرته المعارضة مناورة والتفافاً وخدعة، داعية لوقف فوري لـ “التشريعات الانقلابية”، ولمدة شهرين، لفتح فرصة حقيقية للحوار.

وفي ظل هذه المحاولات استمر تبادل التهم بين المعسكرين المتصارعين، بل شهد تصعيداً جديداً بتوجيه رئيس حزب “الصهيونية الدينية” وزير المالية باتسلئيل سموتريتش تهم “الدفع نحو حرب أهلية والتحريض على الاغتيال” لـ رئيس المعارضة يائير لبيد.

من جهته جدّد وزير الأمن السابق موشيه ياعلون حملته على حكومة نتنياهو واعتبر أن اليوم الإثنين هو “يوم أسود” في تاريخ إسرائيل، مؤكداً أن المعركة تدور على جوهر ومستقبل الدولة اليهودية، وليس صراعاً بين يمين وبين يسار. في حديث للإذاعة العبرية العامة أعرب ياعلون، اليوم، عن خيبة أمله من أداء هرتسوغ، وعلل ذلك بالقول إنه لا يوجد مكان لفكرة التسوية لأن مثل هذا الحوار المقترح بين مؤيدي “خطة الانقلاب” وبين مناهضيه هو حوار بين من يتعرض للشنق وبين من يخرج الإعدام لحيز التنفيذ حول طول حبل الشنق”. وفي محاولة للتدليل على صحة موقفه أشار ياعلون أيضاً لإعلان مدفوع الأجر وقّعه عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين السابقين، من بينهم رؤساء سابقون للمخابرات العامة (الشاباك) يدعون فيه هرتسوغ لمنع المصادقة على القوانين الجديدة، وبالتالي منع إخراجها لحيز التنفيذ، إذ تقضي تقاليد الحكم الإسرائيلية بأن يصادق رئيس إسرائيل على كل قانون جديد يشرع في الكنيست كي يصبح ساري المفعول رسمياً.

معلق سياسي: هذا التصميم من قبل الائتلاف الحاكم لتقزيم المحكمة العليا هو تعبير عن رغبة المستوطنين بالانتقام بسبب رفضها التماساتهم لوقف فك الارتباط عن غزة وتفكيك المستوطنات داخل القطاع عام 2005.

الاغتراب والهجرة

وفيما يواصل هرتسوغ الزعم بأن فكرة التسوية لا زالت ممكنة، دعته صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها، لتسجيل موقف حقيقي بدلاً من البحث عن تسويات. تحت عنوان “هذا يوم تاريخي” قالت “هآرتس” إنه لا توجد تسوية هنا ولا حل وسط بين ديمقراطية وبين دكتاتورية، ولا مكان للحياد في جهنم. وإلى جانب كلمتها نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية رسماً كاريكاتيرياً تحت عنوان “تسوية وحوار” يبدو فيه أقطاب الحكومة عابسين: من جهة وزير الأمن غالانت والوزير الإضافي في وزارة الأمن سموتريتش، ولجانبهما وزير الأمن القومي بن غفير، وبجواره المفتش العام للشرطة شبتاي، ويتوسط المجموعتين هرتسوغ، وفي رسالته المستترة يقول الرسم: أليس من الأجدر أن تتم تسوية داخل الحكومة المتخاصمة أولاً؟

وذهب بعض المعلقين الإسرائيليين البارزين، أمثال المعلقة السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيما كدمون، لدعوة هرتسوغ لتقديم استقالته، في خطوة تاريخية دراماتيكية للضغط على الحكومة، ودفعها لوقف التشريعات. وفي مجمل الصورة يبدو أن الهوة بين المعسكرين المتصارعين تتسع، وقطاراهما يسيران في اتجاهين متعاكسين يقتربان من الاصطدام، وسط استمرار تحذيرات إسرائيلية من أن هذا الانقسام ينطوي على تهديدات إستراتيجية ووجودية على إسرائيل لأن حالة الانقسام الداخلي تتأزم، وتنذر بصدع لن يكون ممكناً رأبه بشكل حقيقي، رغم التحدّيات والضغوط الخارجية التي تطال كل الإسرائيليين دون تمييز، وبات مصطلح “خراب الهيكل الثالث” شائعاً في أحاديث وتحذيرات الإسرائيليين، كما هو الحال من التحذير من مغبة وقوع اغتيالات سياسية وحالة احتراب وحصول حالة اغتراب لدى قطاعات إسرائيلية، أو هجرة أوساط إسرائيلية نوعية أخرى. ولا يمكن فهم السجالات الإسرائيلية الداخلية المتصاعدة دون ربطها أيضاً بتغيرّات وتيارات عميقة متفاعلة في إسرائيل تتفاقم في السنوات الأخيرة، وقوامها ازدياد عدد اليهود الشرقيين على حساب اليهود الغربيين، وارتفاع أعداد المستوطنين ومؤيدي اليمين المتدّين المتطّرف والمتدينين، خاصة الأورثوذوكس (الحريديم) ممن لا يعملون ولا يخدمون في الجيش ولا يأخذون في مدارسهم قسطاً وافيا من العلوم واللغات والرياضيات، وينصب تعليمهم بالأساس على تعلّم التوراة.

دور غير مباشر للربيع العربي والتطبيع

 وهذا الخلاف المتصاعد نتيجة الاختلاف الجوهري في التوجهات الاجتماعية بالأساس سبق وحذر منه رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، الذي قال في مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية عام 2015 إن التشظي الداخلي أخطر من قنبلة إيران على إسرائيل، ومن هنا تزداد الدعوات لوقف الاستقطاب والالتقاء في الوسط، كما تطالب أغلبية الإسرائيليين وقف استطلاعات الرأي. لكن نظرة ثاقبة لهذه الصراعات الداخلية التي ما كانت لتبلغ هذا الحد من الانقسام والخصومة لولا حالة الاستكانة وتراجع التهديدات الخارجية في السنوات الأخيرة جراء “الربيع العربي” والتطبيع العربي واستمرار ازدواجية المعايير الدولية والاستنكاف عن معاقبة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. هذا علاوة على التغيّرات والتفاعلات الداخلية في إسرائيل التي فقد فيها اليهود الغربيون (الإشكناز) الأغلبية العددية وخسروا مقاليد السلطة في معظم الجولات الانتخابية منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 (وهي فترة شكل فيها نتنياهو وحده ست حكومات) لكن هؤلاء الغربيين ما زالوا يمسكون بمفاتيح الدولة العميقة، ويترأسون المؤسسة الأمنية والقضائية والإعلامية والاقتصادية الخ، مما ينتج حالة تذمّر لدى الشرقيين والمتدينين وأتباع اليمين الصهيوني ممن يشعرون بأن “الموظفين هم السادة وهم الحكام لا منتخبي الشعب”.

ذهب بعض المعلقين الإسرائيليين البارزين لدعوة هرتسوغ لتقديم استقالته، في خطوة تاريخية دراماتيكية للضغط على الحكومة.

وقت للتمزيق ووقت للترقيع

 وقد عبّر عن ذلك بطريقته الفظّة الوزير المغربي الأصل دودو أمسالم (الليكود) في الكنيست، قبل أسبوع، بمهاجمته معسكر المحتجين بقوله: “تأتون للمظاهرات بمواكب المرسيدس، وفي أياديكم ساعات الروليكس باهظة الثمن، بينما نحن ننظف حدائق بيوتكم الفارهة”. ولذلك، وبسبب كون الصراع عميقاً وأصله الاختلاف الجوهري في فلسفة الحياة الاجتماعية والتوتر بين اليهود الغربيين ممن بنوا إسرائيل ويريدونها أن تبقى علمانية وليبرالية يشعرون أنها تسرق منهم الآن، وبين يهود شرقيين يشعرون بالرغبة بالانتقام للتمييز ضدهم والتعالي عليهم، إضافة للشقاق في التوجهات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بطبيعة النظام الديمقراطي أو الانقلاب عليه. بين هذا وذاك حتى لو انتهى السجال الساخن الداخلي، الذي تغيب عنه القضية الفلسطينية بين الإسرائيليين أنفسهم، بتسوية، فهذه لن توفّر الشفاء الكامل من الانقسام، وستبقى ندوبه تنزف بصمت، ورغم المخاطر الخارجية المتنوعة يبدو أنهم أقرب من أي وقت مضى لانكسار في الزجاج الذي لا يمكن لاحقاً استعادته سالماً كما كان.

 في روايته الشهيرة “الزهير” يقول باولو كويلو ما ينطبق على الحالة الإسرائيلية الراهنة: “هناك أوقات في الحياة للتمزيق وهناك أوقات للترقيع”. والتسوية هنا إن تحقّقت ستبقى “رقعة” وقابلة لأن تنفرط بعض خيوطها مستقبلاً عند الاصطدام بنقاشات حول قضايا اجتماعية وسياسية حياتية كثيرة تحملها الأيام، وهذا ما يراه مراقبون إسرائيليون ممن يرون أن إسرائيل تنزلق نحو حافة هاوية خطيرة جداً، وأبرزهم المؤرخ البارز دانئيل بارطال الذي اعتبر كآخرين أن “الانقلاب القضائي” ينتج إسرائيل مختلفة تماماً، لن تكون ديمقراطية ولا يهودية، وتدفع لضرر ذاتي فادح يهدد وجودها بشكل حقيقي ويدفعها نحو انهيار وتفكك داخلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد:

    اللهم عجل بهذا الاصطدام و اجعله قويا يدمر كيان الصهاينة و يشتت شملهم

    1. يقول قلم حر في زمن مر:

      اللهم آمين يارب العالمين ?

  2. يقول قلم حر في زمن مر:

    صفيح نتمنى أن يشوي جلود بني صهيون الذين عاثوا في الدم الفلسطيني الزكي الطاهر سفكا هذي عقود وعقود وعقود والله ينصر فلسطين و يهزم إسرائيل شر هزيمة يارب العالمين عاجلا غير آجل ????????

إشترك في قائمتنا البريدية