إسرائيل تتعفف عن الحل السلمي وعينها على اقتحام رفح والوسيط القطري يتحرك لإنهاء أزمة غزة رغماً عن إحباطه

سليمان الحاج ابراهيم
حجم الخط
0

الدوحة ـ «القدس العربي»: كل المؤشرات توحي أن حكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا تبحث عن حل سياسي وصفقة تنهي العدوان الذي تشنه على القطاع المحاصر، وتصر على اجتياح رفح بالرغم من كلفة العملية المزمعة إنسانياً، في ظل التدمير الذي تعرض له القطاع، ولجوء سكان غزة جنوباً. ومع التشديد الإسرائيلي في استكمال المسار العسكري بدون الاهتمام بالجهد الدبلوماسي الذي ترعاه قطر، تتضاءل فرص التوصل لحل ينهي الحرب التي تشنها تل أبيب على القطاع المدمر والمحاصر.

ووجدت قطر نفسها في وضع يدفعها لتقييم جهدها الدبلوماسي، أمام محاولات ساسة تل أبيب المناورة وكيل تهم للوسيط الذي يرعى المحاورات لإنهاء الحرب التي يشنها جيش الاحتلال وتكلف المزيد من الضحايا. وأكدت قطر صراحة إحباطها من نتائج الوساطة التي تقودها لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، مع التأكيد على مراجعة جهودها في هذا السياق، من دون التخلي حالياً عن الالتزام بدعم أي جهد لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ووقف العمل لثني ساسة تل أبيب على شن هجوم على رفح.
وكشفت السلطات القطرية عند سؤالها إن كانت الوفود ما تزال موجودة في الدوحة، أن الفرق الفنية غادرت الدولة الخليجية التي تعمل على إنهاء الحرب، وربما تعود في أي وقت متى ما كانت الرغبة لدى إسرائيل لتفعيل الحوار.
وتحدث بحر الأسبوع الماضي ماجد الأنصاري الناطق الرسمي للخارجية القطرية، عن التطورات التي تشهدها الساحة الفلسطينية وموقف قطر، تحديداً بعد إعلان الدوحة على لسان الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري تقييم قطر موقفها من جهود الوساطة التي تقوم بها.
وأجاب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية في مناسبات مختلفة «القدس العربي» حول سياقات تقييم المشاركة في تلك الوساطة، مشيراً إلى حالة الإحباط حيال عدم التوصل لاتفاق خلال رمضان، حيث كانت قطر ملتزمة بجهودها للتوصل لنهاية لتلك المفاوضات، والتي سبق أن تكللت في وقت سابق بالنجاح وتمخض عنها تبادل المحتجزين وإطلاق سراح العشرات من الجانبين ووقف مؤقت لإطلاق النار.

خيار الحرب يسيطر على حكومة نتنياهو

تسعى سلطات الاحتلال بعد فشل خططها لتحقيق نصر عسكري ضد حماس لتعميق أزمة سكان قطاع غزة، عقاباً لهم وثأراً من العزل، لعدم تحقيق أي نتائج حاسمة بالرغم من مرور أزيد من مئتي يوم من تدمير ممنهج يمارس في «أكبر سجن بشري في العالم» على حد وصف المنظمات الأممية.
ولا يجد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومة حربه، أي حرج في تعميق أزمة غزة، ولا يكترث للانتقادات الدولية التي توسعت رقعتها، ويمضي في تنفيذ خطته في إلحاق أكبر ضرر بالقطاع، واهماً أنه بذلك يؤثر على قدرات المقاومة الفلسطينية، أو يقلب مواطني غزة على الفصائل.
وتعكس التصريحات الآتية من تل أبيب عزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي المضي في خيار اجتياح رفح رغماً عن كل الانتقادات التي تطال حكومة الحرب.
وتتجاوز حكومة الحرب الإسرائيلية انتقادات عواصم العالم الرافضة لاجتياح رفح بعد ارتفاع تكلفة الحرب على غزة وما تخلفه من مآس أصبحت محل استهجان الجميع في كل مكان.
وتعكس احتجاجات طلبة الجامعات الغربية المشهورة ورفضها «الإبادة» الشاملة لقطاع محاصر، حجم الرفض العالمي لما يجري في غزة من تدمير ممنهج وفق كل التصريحات المحايدة. ورغم كل تلك الأمواج البشرية الرافضة لاستمرار حرب إسرائيل على غزة، ما يزال بنيامين نتنياهو يحظى بدعم أمريكي وغربي، يمنحه بطاقة خضراء ليستمر في نهجه التدميري، دون الاكتراث بتبعات هذه الجرائم التي ستظل عالقة في أذهان أجيال أصبحت واعية بحقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وضع كارثي ومجاعة تفتك في غزة

تسببت آلة الحرب الإسرائيلية التي ادعت استعادة المحتجزين لدى حركة حماس وتدمير قدراتها، بعد أشهر من الفتك بالمدنيين، بالمزيد من الكوارث بدون تحقيق أي هدف معلن، سوى تعميق المأساة الإنسانية. ومؤخراً صرح مسؤول أممي لـ«القدس العربي» أن ما يحدث في غزة، هي حرب تدميرية أوصلت 70 في المئة من سكان غزة إلى حافة الجوع، ودمرت أكثر من 70 في المئة من جميع مساكن غزة، وأعادت الاقتصاد الغزاوي عقدين إلى الوراء، على الأقل، ودمرت 25 في المئة من الناتج المحلي الفلسطيني، وليس فقط الغزاوي. واعتبر عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، أن ما يجري هو عملية تدمير ممنهج، ومجلس الأمن الدولي أصدر قراراً يطالب فيه بوقف إطلاق النار، والجمعية العامة للأمم المتحدة عملت على ذلك، وأصدرت ما يكفي من القرارات، كما أن معظم دول العالم تدعو إلى وقف إطلاق النار. واعتبر المسؤول الأممي أن هذا الأمر يتجاوز صلاحيات برنامج الأمم المتحدة، أو برنامج الغذاء العالمي أو المنظمات الإنسانية، وغيرها. وحسب تقديرات أممية فإنه إذا توقفت الحرب اليوم، فإن تكلفة إعادة الإعمار لن تقل عن 40 مليار دولار.

أمل قطري لتجديد نجاح الوساطة السابقة

وأمام الوضع الكارثي ورغم إحباطها ما تزال قطر متمسكة بأمل وقف الحرب لإنقاذ سكان غزة من «حرب الإبادة» التي تتعرض لها، وفق تقديرات معظم الهيئمات والمؤسسات الدولية والأممية.
وحسب الدوحة فإن ما يجعلها متمسكة بخيط الأمل، نجاحها العام الماضي في التوصل لوساطة ناجحة، أدت إلى «إطلاق سراح أكثر من مئة رهينة، حيث انخرطت قطر في حوار مستمر مع كافة الأطراف بما في ذلك الطرف الإسرائيلي، في محاولة لوضع إطار لاتفاق جديد للرهائن وضمان دخول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى قطاع غزة».
وقبل فترة صرح ماجد الأنصاري المتحدث الرسمي للخارجية القطرية لـ«القدس العربي» أن الدوحة تحدوها الرغبة الصادقة للتوصل لاتفاق مرض، ولهذا تقوم حالياً بتقييم ودراسة جدية الأطراف المشاركة في الوساطة. وأضاف الأنصاري أن قطر «ملتزمة بدورها في الوساطة الدولية بشأن غزة وتقييم هذا الدور يتضمن النظر إلى مراجعة جدية الأطراف تجاه الوصول لوقف إطلاق النار».
وتؤكد قطر أن تقييم دور الوساطة لن يمس التزامها الإنساني تجاه غزة، حيث تستمر المساعدات الإغاثية لدعم القطاع في الوصول عبر العريش المصرية. ويؤكد العديد من المسؤولين في قطر، وعلى رأسهم الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والناطق الرسمي للوزارة ماجد الأنصاري، أن قطر وضعت نصب عينيها في الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها دعم الفلسطينيين، بسبب شراسة الحرب التي يشهدها القطاع. كما تسعى قطر لإنهاء الحرب، وما يترتب عنها من تداعيات وتبعات، وأيضاً من ناحية إنسانية وهي المظلة التي تشمل الجميع، وهذا يعكس فلسفة الجهد الدبلوماسي القطري. وتشارك الدوحة برصيدها التاريخي وإرثها في مجال دعم الوساطات. ومؤخراً أكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وهو يعلن مراجعة قطر دورها أن الدوحة كان دافعها الأساسي في رعاية جهود الوساطة إنسانياً أولاً، وثانياً دعماً لصمود أشقائهم الفلسطينيين، وثالثاً للمساهمة في أي دور يحلل السلام أينما كان، مثلما فعلت في العديد من المناسبات وفي مواقع مختلفة.
ورغم جهود الوسطاء للتوصل لحل سياسي للحرب الإسرائيلية على غزة، يلاحظ استماتت دوائر سياسية تحديداً في تل أبيب، على إطالة أمد الحرب التي تشنها سلطات الاحتلال، وهي تسعى جاهدة لتوسيع نطاقها. كما يتضح أيضاً أن تحرير المحتجزين لم يكن هدفاً تسعى إليه فعلياً، مثلما تدعي تلك الأطراف.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية