إرث تشافي… جواهر بنكهة الجيل الذهبي لبرشلونة!

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: على الرغم من الانتقادات الحادة التي يتعرض مدرب برشلونة تشافي هيرنانديز، لابتعاد مستوى ملوك «التيكي تاكا» عن أغلب فرق النخبة في أوروبا وإنكلترا، إلا أنه من مباراة لأخرى يبدع في إثارة إعجاب المشاهد المحايد بوجه عام ومشجع البلوغرانا على وجه التحديد، بفتح باب المجد على مصراعيه أمام مواهب وجواهر مدرسة «لا ماسيا»، آخرهم الدفعة التي خطفت الأنظار في ليلة الفوز على نابولي بنتيجة 3-1 في إياب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، وعلى إثرها ضرب البارسا موعدا ثأريا مع باريس سان جيرمان في موقعة ربع النهائي، كأول مرة يتواجد خلالها عملاق الليغا بين الثمانية الكبار منذ 3 سنوات، رافعا شعار «ليس لدي ما أخسره»، في ظل اعتماد المايسترو على الاحتياطي الاستراتيجي لأكاديمية «لا ماسيا»، منها لتخفيف وطأة الإصابات التي تطارد العناصر الأساسية بطريقة غير مسبوقة منذ بداية الموسم، ومنها أيضا وهو الأهم، لتعزيز إرثه الذي سيتركه لخليفته المنتظر، متمثلا في هذا الكم الهائل من المراهقين والشباب، الذين تباروا في تقديم يد العون لمدربهم في أصعب اللحظات وأكثرها تعقيدا في منتصف الموسم، وذلك بدون استنزاف خزينة النادي المتعثرة، ما ساهم بشكل أو آخر في تقليل وتيرة الهجوم الضاري على المدرب، بل تحولت مؤخرا الانتقادات إلى قصائد شعر وغزل في جرأة تشافي وموهبته الخاصة في التقاط ألمع المواهب والأسماء القابلة للتوهج والانفجار الكروي على المدى القصير والمتوسط، وفي هذا التقرير سنلقي نظرة على أبرز اكتشافات تشافي في موسم الوداع.

ميسي الجيل

بعد بيدري وغافي، جاء الدور على المراهق الإسباني لامين يامال، ليكون العلامة الفارقة في هجوم برشلونة في الأسابيع الماضية، بتوقيعه على ستة أهداف وصناعة سبعة، كأفضل بداية لأي لاعب يطمح في تثبيت أقدامه مع كبار البلوغرانا، متسلحا بموهبته الفطرية وجسده النحيف، الذي يساعده على الدوران وتغيير حركة اتجاه جسده بكل سهولة وأريحية، أو ما يعرف بصعوبة القدرة على التنبؤ بمهاراته وحيله في المراوغة والمرور من المدافعين في المواجهات المباشرة، لكن إذا إراد تشافي، الحفاظ على جوهرته البالغة 16 عاما، سيتعين عليه تنظيم دقائق لعبه في ما تبقى من الموسم، لتجنب تكرار مأساة لاعب الوسط غافي، الذي دفع ضريبة باهظة الثمن، بعد المبالغة في الاعتماد عليه قبل أن يكسر ربيعه الـ17 على هذا الكوكب، بتعرضه لأسوأ إصابة بالنسبة للاعبي كرة القدم، بقطع في الرباط الصليبي، على إثرها سيبقى خارج الخدمة حتى بداية الموسم الجديد، وبدرجة أقل زميل رحلة الكفاح بيدري، الذي تطارده الإصابات هو الآخر كظله، ثمنا للتضحية بمخزونه البدني، بالاعتماد عليه في بعض الفترات مع فريق برشلونة الأول ومنتخب شباب إسبانيا والكبار، فهل سيحافظ البارسا على أحدث جواهره اللامعة، أو ما يقال عنه بالنجم الحقيقي الصاعد إلى سماء النجومية بسرعة الصاروخ بعد توقيعه على عقد رعاية مع شركة «أديداس»؟ أم سيتحول إلى واحد من ضحايا تلاحم المباريات في سن مبكرة كما حدث مع العديد من أسلافه، أشهرهم على الإطلاق انسو فاتي.

الجلاد
والوحش

أيضا على مستوى خط الهجوم، بدأ فيرمن لوبيز، يكشر عن أنيابه كما ينبغي، كنوع من أنواع رد الجميل للمدرب تشافي، الذي فاجأ الجميع بضمه مهاجمه إلى معسكر الاستعداد للموسم الجديد، تاركا بصمته الأولى في الكلاسيكو الصيفي بهدف لا يُنسى من مسافة كبيرة، ورغم خروجه من حسابات المايسترو في بداية الموسم، إلا أنه استطاع ملامسة أفضل مستوياته على الإطلاق أمام نابولي، بما وصفت بليلة الملك فيرمن لوبيز، التي قص شريط أهدافها في أول ربع ساعة، وكان من الممكن أن يخرج منها بـ«هاتريك» على أقل تقدير، رغم أنه لعب لمدة 60 دقيقة لم يتوقف خلالها عن الركض. ولأن الحظ لا يبتسم أبدا إلا للمجتهدين، حالفه التوفيق في قمة عطلة نهاية الأسبوع الماضي أمام أتلتيكو مدريد، بإطلاق رصاصة الرحمة الثالثة على أصحاب «الواندا متروبوليتانو» في منتصف الشوط الثاني، مقدما أوراق اعتماده، كمنافس بطموحات مشروعة إما للحفاظ على مكانه في التشكيلة الأساسية، أو على أقل تقدير كبديل إستراتيجي لواحد من الثنائي فرينكي دي يونغ وبيدري بعد عودتهما من الإصابة، بينما في الدفاع، هنالك ذاك الوحش المتخفي في جسده النحيل باو كوبارسي، الذي لم يكن يحظى بالتقدير الكافي حتى وقت قريب، تحديدا حتى تفجرت «الكيمياء» الخاصة بينه وبين اللاتيني رونالد أراوخو في محور قلب الدفاع، معوضا الأخير بخفة الحركة والبراعة في التمرير بالجودة المسجلة باسم «لا ماسيا»، وصلت نسبة دقتها تحت الضغط الكبير أمام نابولي لـ90%، والأكثر دهشة أنه فاز بـ100% من حواراته الفضائية، أغلبها مبارزات جوية مباشرة مع ضحيته في هذه السهرة فيكتور أوسيمين، دليلا على أنه مشروع مدافع من الطراز العالمي، وشريك مستقبلي لا غبار عليه برفقة أراوخو في قلب الدفاع، باعتراف الأخير الذي قال الأسبوع الماضي: «كوبارسي لاعب مذهل. نحن نكمل بعضنا بعضا بشكل جيد للغاية، ونأمل بأن يستمر ذلك لسنوات عديدة. إنه مستقبل النادي».
قائمة الشرف

تشمل قائمة المواهب التي ساهمت في بقاء برشلونة في موقف مقبول في حملة الدفاع عن لقب الليغا والتواجد في ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، ذاك المهاجم اليافع مارك جيو، الذي تعرف عليه الجمهور للمرة الأولى في أكتوبر/ تشرين الماضي، كواحد من الأسماء المغمورة التي كان يلجأ إليها المدرب لتعويض صدمة غياب الهداف روبرت ليفاندوسكي، وحسنا فعل صاحب الـ17 عاما، بتوقيعه على هدف الفوز وتأمين النقاط الثلاث أمام الضيف الثقيل أتلتيك بلباو في الجولة العاشرة لليغا، وحدث ذلك بعد ثوان معدودة من دخوله كبديل في آخر 10 دقائق من المباراة، وفي مركز الظهير الأيمن، هناك صاحب الطاقة المتفجرة والموهبة الفريدة من نوعها، سواء في الامتياز في القيام بأدواره الدفاعية أو لمسته الأنيقة وقدرته الخاصة في الاحتفاظ بالكرة والركض بها، والحديث عن المدافع الأيمن الأساسي لمنتخب إسبانيا للناشئين والشباب هيكتور فورت، الذي يتمتع بالمواصفات النموذجية لمصطلح «الظهير العصري»، من قوة في الالتحام وذكاء في التغطية العكسية في المواقف الدفاعية، وفي الهجوم، حدث ولا حرج وكأنك تشاهد مدافع ليفربول الأيمن ألكسندر أرنولد بعمر 17 أو 18 عاما، ولهذا السبب قرر الرئيس جوان لابورتا، تمديد عقده الذي كان سينتهي العام المقبل، بعد ظهوره اللافت في ليلة افتراس الهنود الحمر بثلاثية اقتصادية بأقل مجهود.
وهي نفس المباراة التي شهدت الظهور الأول لجوهرة الوسط العشريني مارك كاسادو، صاحب اللمسة «المقتبسة» من إبداعات مدربه تشافي هيرنانديز، في أوج سنوات المجد والنجومية في بداية العقد الماضي، وبالأخص أسلوبه الأنيق في إرسال الكرة بشكل عمودي من فوق رؤوس اللاعبين لأكثر من 10 أمتار، فيما كان يقول عنها المعلق التونسي الشهير رؤوف خليف «بالملي متر يا حبيبي بالملي متر»، هذا ولم نتحدث عن فيكتور روكي، الملقب برونالدو البرازيلي الجديد، هو الآخر تأكد استمراره مع الفريق الموسم المقبل، بعدما كانت الإدارة تميل إلى فكرة إرساله إلى ناد آخر على سبيل الإعارة في الموسم الجديد، ريثما يكتسب الخبرة والاحتكاك اللازمين للتواجد والمنافسة على مكان في تشكيل برشلونة الأساسي، وقائمة أخرى عريضة ما زالت تنتظر فرصتها، بخلاف شباب الأمس الذين أصبحوا نجوم اليوم أمثال بيدري وغافي وأراوخو وبالدي وغيرهم، دليلا على أن تشافي قدم هدية العمر لخليفته، ببناء فريق مستقبلي بامتياز، وبعقلية عشاق النادي وضع حجر أساس مشروع طويل الأجل بروح ونكهة «لا ماسيا»، على أمل أن يكون امتدادا لجيل ميسي وإنييستا وتشافي الذهبي، ولو أن هذا لا يقلل من عمل تشافي منذ توليه المهمة خلفا لرونالد كومان، باعتباره الرجل الذي قلب حظوظ برشلونة وأخرجه من النفق المظلم، وربما لو سارت الأمور بالمنحنى التصاعدي الحالي، فقد ينجح في تقديم ما يشبه هدية الفراق المثالية للجماهير، بمواصلة الضغط على ريال مدريد حتى الأمتار الأخيرة وإزاحة العملاق الباريسي من الدور القادم في الكأس ذات الأذنين، وانتظار ما سيحدث في نصف النهائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية