إديث سودرغران… الصوت الغريب للبلد غير الموجود

اتسم مصير الشاعرة الفنلندية إيديث سودرجران بالمرض والوحدة وتهديد شبح الموت. اختارت الكتابة، خاصة الشعر، للتعبير عن زخم من المشاعر المتضاربة، هي التي مرت مثل المذنب بعيدا عن هذا «البلد الذي ليس موجودا».
يتضمن الإنتاج الأدبي الهزيل لإديث سودرجران خمس مجموعات شعرية، تتمحور حول موضوعات الحب، وتبجيل الطبيعة الشمالية، ومأساة التاريخ. ومع ذلك ستكون كافية لضمان سلالتها. تم التعبير وتشخيص هذه الأفكار المهيمنة في مجموعتها الشعرية الأولى «قصائد» 1916، و»قيثارة سبتمبر» الصادرة عام 1918، و»مذبح الورود» 1919، و»ظل المستقبل» 1920، و»بلد غير موجود» 1925. تشعر إيديث سودرجران بأن النهاية المتوقعة تقترب بلا هوادة، ويبدو أنها تنتظر النتيجة المصيرية عندما تؤكد في القصيدة التي تحمل الاسم نفسه: «حياتي، موتي ومصيري، أحييكم». وختاما: «عندما تنكسر إرادتي سأموت».

حياتي، موتي، مصيري، أحييكم.

أحس دفء يدي، ليدي دم الربيع نفسه (النهار يتلاشى)
لقد حان الوقت، ، لأخبركم عن إيديث سودرغران، صوت من مكان آخر في غابات فنلندا، صوت الثلج نفسه. ستكون قد عاشت في القصيدة، مثل شمعة متلألئة، مثل نافذة مفتوحة على مكان آخر. قام ريجيس بوير، الناقل العظيم للعوالم الإسكندنافية، بترجمتها وكشفها للجمهور الناطق بالفرنسية.. ثم ظهرت أيضا ترجمة جميلة لكتاب «بلد غير موجود» ضمن منشورات La Différence. ولم يصدر لها شيء على الإطلاق منذ ذلك الحين. عندما نقرأ قصائدها القليلة التي لا تزال مترجمة إلى الفرنسية، نتساءل: من هناك؟ سيدة بيضاء، شبح، طائر يغرد؟ لقد ماتت عن عمر يناهز 31 عاما، مساء الاحتفال بالقديس يوحنا، في اليوم الأكثر تشوشا، في أطول ليلة بيضاء من ليالي الشمال، في 24 يونيو/حزيران 1923، في مدينتها رايفولا في كاريليا البرية والمفقودة.
شاعرة من فنلندا، تكتب بالسويدية، لم تكن معروفة خلال حياتها. كتبت لمدة تقل عن سبع سنوات فقط، وهي فترة قصيرة من الزمن، ونشرت على حسابها خمسة كتب صغيرة. الآن هي في قلب كل الدول الإسكندنافية. نتذكر هذه الصورة لها وهي فتاة مستلقية على سريرها تتألم في السنوات الأخيرة من حياتها، مريضة، لم تكن مكتئبة ولا ضعيفة. وأعلنت: «أنا نفسي النار». وكانت تخاطب الموت قبالتها بغير كلفة.
لكنني سأغلق أبواب الموت
أنا زهرة الخريف الأخيرة (زهرة الخريف الأخيرة)
حياتي وموتي ومصيري
حياتي وموتي ومصيري
أنا لست سوى إرادة هائلة، إرادة هائلة
– من ماذا؟
كل شيء حولي ظلام، لا أستطيع أن أرفع قشة، إرادتي تريد شيئا واحدا فقط، أما هذا الشيء فلا أعرفه.
عندما تنكسر إرادتي، سأموت:
أحييكم حياتي وموتي ومصيري، (ترجمة كارل غوستاف بيورستروم ولوسي ألبرتيني، منشورات Orphée La Différence). تخبرنا هذه القصيدة التي كتبتها إيديث سودرغران بالكثير عنها، حيث قالت في نهاية حياتها: «كانت حياتي مجرد وهم مشتعل». لكن هذا الوهم سمح لها بتجاوز عزلتها المطلقة، ووحدتها الكثيفة، والحرب من حولها، حيث رمت بنفسها المتعالية والصوفية بلا شك، في عالم من الانسجام والحماسة البرية، حيث تتقاطع أشجار البتولا والتنوب والقمر والحبيب المتخيل.
كتب ريجيس بوير مترجمها: «ماذا جلبت الحياة لهذا العاشقة الولهانة وغير المحبوبة، بصرف النظر عن الخلاف، وسلب الذات، والحرمان من الميراث؟ إديث سودرجران، المعوزة…». إنها طائر بلا ضوء، يعود دائما إلى الطفولة، لقد رفضت دائما السماح لمرضها بأن يهيمن عليها، وأن يقيدها. لم ترغب أبدا في أن تكون أسيرة الحياة، أو الرجل، أو الموت الذي كان يسيطر عليها. حيث كان «مستقبلها في صدرها» مرض السل، تمر بالحزن والحنين، مناضلة صغيرة شجاعة، مليئة بالأمل. إن جرأتها الحمراء والفخورة ستسندها حتى النهاية. هي، التي ستعيش نهاية حياتها مستلقية على السرير، أرسلت كلماتها كطيور النورس رسلا للحياة. لقد مرت بها «أيام مريضة» في حياتها القصيرة جدا، لكنها ظلت منتصبة وحيوية ومناضلة. لقد شيدت لنفسها برجا شاهقا من الإرادة والعزلة. لتطالع خريف حياتها في وقت مبكر جدا.
«سرعان ما أصبح الموت «أختها» السيامية» (لوسي ألبرتيني).
ولدت إيديث سودرغران في 4 أبريل/نيسان 1892 في سانت بطرسبرغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية الهائلة في ذلك الوقت. استقرت عائلتها في كاريليا، الروسية الآن. كانت تتطلع إلى مدينة رايفولا القريبة من سانت بطرسبرغ. عادت إلى هناك عام 1914 حتى وفاتها. يعمل والدها ماتس السويدي مهندسا في منشرة، ووالدتها هيلينا، الفنلندية، تنحدر من عائلة كبيرة. كانت علاقتها بوالدتها قوية جدا، بينما ولّدت علاقتها بوالدها عدم ثقتها في الرجال وكفاحها من أجل الحركة النسائية. أقامت عشر سنوات في قريتها، بالقرب من والدتها، وكان والدها غالبا ما يغيب لأنه يسافر في جميع أنحاء أوروبا من أجل عمله. تحدثت باللغة السويدية حتى وقت متأخر من حياتها، وتعلمت من عام 1902 إلى عام 1909 في المدرسة الثانوية الألمانية للفتيات اللغة الألمانية، وكتبت أيضا بهذه اللغة. كانت تعرف أيضا القصائد الروسية والإنكليزية والفرنسية، حيث التهمت الكثير من القصائد بجميع اللغات. عاشت في فقر وفجيعة: حدادات شخصية، الحرب العالمية الأولى، وأحداث عام 1905 في سانت بطرسبرغ، الحرب الأهلية 1917-1918 والتفجيرات. بعيدا عن المدن وعن الآخرين، ستعيش منغلقة على نفسها ومنعزلة. قضت حياتها، منذ أن كانت في السادسة عشرة من عمرها، تحت التهديد المميت بمرض السل الذي تم تشخيصه في نوفمبر/تشرين الثاني 1908، بعد فحص الرئة. توفي والدها عام 1907 بالمرض نفسه. قضت معظم حياتها في المصحات (نوميلا، دافوس..) لأخذ قسط من الراحة. لن يكون جبلها السحري (مصحة دافوس) معجزة. بعد أن جردتها ثورة 1917 من ممتلكاتها، عاشت هي ووالدتها في فقر. فقيرة جدا، بالكاد تستطيع إطعام نفسها. وبين الموت الزاحف والبؤس، تموت تدريجيا. كانت أفراحها الوحيدة تجسدها صداقتها للكاتبة هاجر أولسون (1893-1978) التي جعلتها معروفة ومعترف بها في ما بعد، وقطتها التي أحبتها كثيرا.
توفيت إيديث سودرغران منهكة عن عمر يناهز الحادية والثلاثين، في 24 يونيو/حزيران 1923. وكانت قد توقفت عن الكتابة في عام 1920، وكانت تتأرجح بين الكاثوليكية المكتشفة حديثا وأفكار نيتشه. كتبت بعض القصائد النادرة في عام 1922. في السابق، كانت مجموعاتها النادرة المنشورة تلقى استحسانا شديدا. أضحت الآن شهرتها ضرورية لفنلندا. صورتها كمقاتلة شرسة ضد الموت وحياتها التي قضتها في فقر مدقع جعلت منها أسطورة في فنلندا.
أصنع من حياتي قصيدة، ومن القصيدة حياة، القصيدة هي طريقة الحياة، والطريقة الوحيدة للموت. (إيفا-ليزا مانر) يمكن أن يكون هذا الاقتباس من شاعرة فنلندية أخرى مرثية لإديث سودرغران.

كلمات إديث سودرغران

كان شعر إديث سودرغران مفاجئا في وقته، كانت تتمتع بالقوة الوجودية لموسيقى معاصرها جان سيبيليوس، لكن لم تكن تهتم بأساطير كاليفالا المعاد اكتشافها، ولا بإعادة تأسيس وطن، بل ما كان يشدها هو أناشيد عزلتها. سيتردد دائما صدى كلمات معينة ويتناغم في وعيها: القمر، البحيرة، الموت، الجزيرة، اللون الأحمر، الذي يطاردها، كان شِعرها مثل بحيرة في قاع الغابة، بحيرة مظلمة أحيانا، وغريبة دائما. كان يصعد من أعماقها تمجيد وحمى وتوتر هائل نحو عالم من الجمال والتوحد مع الطبيعة، وسيولد الواقع الآخر مأساوية قصائدها، ومع ذلك، لم تكن هناك مرارة في شعرها، كانت تقول إن «لديها نفس دم الربيع». تسري الرغبة أيضا في كلماتها، على الرغم من وجود شيء من عدم الثقة في الرجال. أنا لست امرأة. أنا محايدة. أنا طفل، صفحة، قرار جريء، أنا شعاع من أشعة الشمس القرمزية التي تضحك على موعظة جون كيتس: شيء من الجمال هو فرحة أبدية. (Endymion) تكتب أيضا: دون الجمال لا يعيش الإنسان ثانية واحدة. وهي أيضا ستشعر بالزهور تنمو عليها. بعيدا عن معاصريها، كانت منفية في مرضها وفي فضائها، ينبجس من أعماقها صوت بلوري مثل قطرات النقاء، قطرات صغيرة تنزلق. في بحثها عن الحب، ليس لديّ سوى اسم واحد لكل شيء وهو الحب. إن انتظار الروح، ومعرفتها اللطيفة وقربها من الطبيعة، فهي العروس الصغيرة لأشجار التنوب وأشجار الروان، يجعلها شخصا غريبا ومحبوبا. وستظل دائما حذرة من الحب الذي تمجده، مؤكدة أن «رفاقها الوحيدون هم الغابة والشاطئ والبحيرة». إنها قريبة من العشب والندى، تلك الطبقة الحمراء من الوهج التي تجعل الليالي القاتمة تنحسر. ظهرت في شعرها عدمية ، تميز بها نيتشه وفلسفة رودولف شتاينر، في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه وحدة الوجود الديونيزوسية والشعور المأساوي بالوجود:
لا تقلق يا طفلي، لا يوجد شيء
كل شيء كما ترون: الغابة، الدخان، الهروب من القضبان… في وقت متأخر من الحياة يتحول هذا التوفيق الغريب بين المعتقدات إلى الكاثوليكية. من الممكن أن يكون شعرها ملتقى لتيارات عديدة، لكنها تقترب أكثر من الشعراء الألمان مثل لو أندرياس سالومي، وريلكه، وإلسا لاسكر شولر. تظهر أيضا تأثيرات رامبو في القوة الشعرية، ووالت ويتمان في تمجيد القوى البدائية والذات، وربما تأثير ألكسندر بلوك العظيم. لكن مرضها أعادها إلى أصولها، فعادت إلى اللغة السويدية، تلتهم الكثير من القصائد وتكتب الآن «لغتها الأم». في البداية، يصبح شعرها الرثائي استعدادا للموت بسبب مرض السل الذي بدأ في نخرها. سوف تكافح لمدة 14 عاما، ممزقة بين الأمل في التعافي والتخلي عنه حتى الموت. ستكون مثل الشمعة الواعية التي تنطفئ. إنها تجسد الهشاشة والثبات المذهل أيضا. في الواقع، ستكون قد اكتشفت الشعر بمفردها، من خلال التنوير والسذاجة الجديدة. ثمرة كل قراءاتها الغزيرة، بجميع اللغات، خارج أي تأثير أو مدرسة حقيقية، أعادت اكتشاف فجر الشعر، في لفتة ريمبالديانية. كانت شهابا، تأثرت بنعمة أو هبة ما، كانت مليئة بـ»الغضب المطلق». كانت براءتها، وغياب الكلمات الطنانة، كلماتها الواقعية ، تجعل شعره مباشرا.
من المؤكد أن عالمها الشعري محدد، وضيق أحيانا، وغالبا ما يكون غامضا وساميا، لكن صوتها فريد ومتشنج وواضح ومؤثر. يتنازع صوتها الأمل واليأس، بين الانصهار بالطبيعة والحاجة إلى الحب. إنها تحول العنف إلى جمال، كانت كلماتها حديثة بشكل مدهش بالنسبة لزمنها.. كان لديها نفس رؤيوي ومسيحاني. تسمى مختارات ريجيس بوير للشعر الأيسلندي «الوقت والماء». لن يكون لدى إيديث سوديرغران الوقت، إذ سيتبقى لها الماء وأنفاس الوداع.
في مكان بعيد من هنا في أرض بعيدة
تقع سماء زرقاء وجدار مغطى بالورود
أو نخلة ورياح ألطف هذا كل شيء.
في أسفل حديقتي توجد بحيرة هادئة.
أنا من أحب الأرض لا أعرف شيئا أفضل من الماء، بعينيها المريضتين الكبيرتين رأت أغصان الحياة تتحرك بعيدا عنها. بكلمات بسيطة مستمدة من أعماق كيانها، تبني عملا شفافا ومرغوبا. رحلة النقاء إلى قمم الألغاز.
لا تقترب كثيرا من أحلامك: فهي دخان يمكن أن يتبدد – وهي خطيرة ويمكن أن تبقى.
هل نظرت في عيون أحلامك: إنهم مرضى ولا يفهمون شيئا – ليس لديهم سوى أفكارهم الخاصة. لا تقترب كثيرا من أحلامك: إنها أكاذيب، يجب أن ترحل – إنها جنون لمن يريد البقاء (إديث سودرغران)

قصائد مختارة
استنفذني في اتجاه هذا البلد غير الموجود
بسبب كل ما هو موجود أنا متعبة
أخبرني القمر بالرونية الفضية عن البلد غير الموجود
البلد الذي يجسد كل أمنياتنا
سيتم الرد بشكل رائع
البلد الذي ستسقط فيه قيودنا
الوطن الذي نبلل فيه جباهنا الجريحة
في ندى القمر الطازج.
لم تكن حياتي سوى وهم محترق.
لكنني وجدته وهو حقا جزء مني
الطريق إلى البلد الذي لا وجود له
البلد غير الموجود
هناك يذهب من أحبه محاطا بتاج متلألئ.
من هو حبي؟ الليل مظلم
والنجوم ترتعش للرد.
من هو حبي؟ ما اسمه؟
يرتفع قبو السماء أعلى فأعلى
غرق طفل في الضباب الذي لا نهاية له
وهو يجهل الجواب.
لكن الطفل ليس سوى ثقة،
يبسط ذراعيه فوق جميع السموات.
ثم يأتي الجواب: أنا هو
الذي يحبك وسيحبك دائما.

أيام مريضة
محصور قلبي في صدعٍ رقيقٍ،
يوجد قلبي بعيدا
في جزيرة مفقودة.
تذهب الطيور البيضاء وتعود
حاملة لي رسالة بأن قلبي حي.
أعرف كيف يعيش على الفحم والرمل
على الحجارة الحادة.
أستلقي على السرير طوال النهار وأنتظر الليل،
أستلقي على السرير طوال الليل وأنتظر ضوء النهار،
وأظل مريضة في حديقة الجنة.
أعلم أنني لن أشفى
لا تنتهي الرغبة والكسل.
لديّ حمى مثل زهرة المستنقع،
عرقي حلو مثل نبات لزج.
في الأسفل ، تغفو بحيرة في أعماق حديقتي.
أنا التي تحب الأرض
لا أعرف شيئا أفضل من الماء.
كل أفكاري تغسل في الماء
أفكاري التي لم يرها أحد، أفكاري التي لا أجرؤ على إظهارها لأي شخص.
يعج الماء بالأسرار!

رأيت شجرة
رأيت شجرة
أعظم من كل الأشجار،
والكثير من مخاريط الصنوبر التي يتعذر الوصول إليها؛
رأيت كنيسة كبيرة
بأبواب مفتوحة
كل من خرج منها كان شاحبا وقويا ومستعدا للموت.
رأيت امرأة تضع مكياجا وتبتسم
لقد كانت تراهن على سعادتها
رأيت أنها خسرت.
كانت هناك دائرة
لا يتجاوزها أحد.

أشجار طفولتي
تقف أشجار طفولتي شامخة في العشب،
تومئ برؤوسها، ماذا حدث لك؟
تقف مصطفة مثل اللوم
لا تستحقي أن تمري عند أقدامنا
أنت طفلة، يجب أن تكون قادرة على فعل كل شيء،
لماذا تتركين المرض يقيدك؟
لقد أصبحت امرأة، غريبة مكروهة.
عندما كنت طفلة، كنت تجرين أحاديث طويلة معنا،
كان مظهرك حكيما.
نود الآن أن نخبرك بسر حياتك
مفتاح كل الأسرار يكمن
في عشب التلة تحت شجيرات التوت.
نائمة، نريد أن نضربك على جبهتك،
ميتة، نريد أن نوقظك من نومك.

حياة
قاسية هي النجوم
نعرف ذلك، لكن ما جدوى ذلك!
ما زلت أبحث عن السعادة وسط الأمواج الزرقاء
وتحت كل حجر رمادي.
ماذا لو لم تكن السعادة موجودة؟ ما هي الحياة؟
يذبل زنبق الماء الصغير في الرمال.
ماذا لو كانت السعادة توقعا خاطئا؟
عندما تغرب الشمس، يأتي الموج ليموت على الشاطئ.
عما تبحث الذبابة؟
وقعت في شبكة العنكبوت والزوال
ماذا فعلت في يومها الأخير؟
الجواب الوحيد هو جناحان ميتان
على الصدر المنهار.
لن يصبح الأسود أبيض أبدا –
ومع ذلك لا يزال الجميع يريد القتال بسعادة
من الجحيم تأتي كل الأيام
حفنة من الزهور الطازجة.
ومع ذلك، في يوم من الأيام، سيصبح الجحيم فارغا، لذلك أغلقنا السماء
وبعد ذلك لا شيء يتحرك –
كل ما تبقى هو جثة الزائلة
في ثنايا الأوراق
لكن لا أحد يعرف ذلك.

أنا
أنا غريبة في هذا البلد،
الممتد عميقا تحت ثقل البحر،
نظرات الشمس هي أشعة تتسلل
والهواء يتدفق من خلال يدي.
يقولون إنني ولدت في الأسر –
هنا لا أعرف أحدا.
هل أنا حجر ألقي إلى القاع؟
هل كنت ثمرة ثقيلة على الغصن؟
وها أنا أنتظر، عند سفح الشجرة الهامسة،
كيف أقف على الجذور الزلقة؟
هناك في الأعالي تتأرجح القمم وتلتقي،
هنا أريد البقاء ومشاهدة
الدخان المنبعث من مداخن بلدي الأصلي..

لا شيء
لا تقلق يا طفلي لا يوجد شيء
كل شيء كما ترى: الغابة، الدخان، القضبان المتسربة.
في مكان ما، هناك، في أرض بعيدة،
هناك سماء زرقاء وجدار مغطى بالورود
أو نخلة وريح ألطف –
وهذا كل شيء.
لا يوجد شيء سوى الثلج على فرع التنوب،
ليس هناك ما يمكن تقبيله بشفتيها الساخنة،
كل الشفاه تصبح باردة مع مرور الوقت.
لكنك تقول يا طفلي إن قلبك قوي
وإن العيش من أجل لا شيء أسوأ من الموت.
ماذا أردت منه عندما مات؟
ألا تشعر بالاشمئزاز المنبعث من ملابسه الرثة؟
ليس هناك ما هو أكثر تقززا من أن تموت بيدك.
مثل هذه اللحظات القصيرة عندما تزهر الصحراء،
يجب أن نحب الساعات الطويلة لمرض الحياة
والسنوات المقيدة حيث تتكثف الرغبة.

ليلة مرصعة بالنجوم
معاناة لا فائدة منها
انتظار لا فائدة منه
فارغ هو العالم مثل ضحكتك.
تسقط النجوم –
ليلة جميلة وباردة.
يبتسم الحب في نومك،
يحلم الحب بالأبدية…
خوف لا فائدة منه، وألم لا داعي له،
العالم أقل من لا شيء
ومن إصبعه يهرب
خاتم الخلود.

آخر زهرة في الخريف
أنا زهرة الخريف الأخيرة
هدهدت في حضن الصيف
في مواجهة ريح الشمال تم نشري.
على خدودي البيضاء
تولد النيران الحمراء.
أنا زهرة الخريف الأخيرة.
أنا أصغر بذرة من الربيع الميت،
سهل أن أكون آخر من يموت:
رأيت أسطورة البحيرة الزرقاء
في الصيف الميت سمعت القلب،
وليس في كأسي بذرة أخرى غير الموت.
أنا زهرة الخريف الأخيرة.
عوالم مليئة بنجوم الخريف رأيت شساعتها،
مواقد مشتعلة وبعيدة جدا رأيت نيرانها،
آه، اتبع دائما المسار نفسه، فهو سهل جدا!
لكني سأغلق أبواب الموت.
أنا زهرة الخريف الأخيرة.

كاتبة ومترجمة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية