ألمانيا «لا تتطوع ولا تتبرع» لكنها «مهتمة جداً» بالأردن وتناكف على منصته الأتراك والإيرانيين معاً

بسام‭ ‬البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي» : ساعات قليلة جداً فصلت بين مقابلة صريحة لصالح قناة «فرانس 24» سجلها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وتحدث فيها بوضوح عن أزمة العلاقة بين بلاده وإسرائيل، وبين المباحثات التي أجراها في عمان هايكوماس وزير الخارجية الألماني، منطلقاً في تصريحه العلني مما سماه بدور وسيط مهم للغاية للأردن في دعم الاستقرار للمنطقة، طبعاً لم يوضح الوزير الألماني عن ماذا يتحدث بشكل خاص.
لكن ألمانيا بدأت تهتم أكثر بالأردن بعدما أصبحت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في قائمة الدول المانحة. ويعرف ماس ومضيفه الأردني أيمن الصفدي، مسبقاً، بأن ألمانيا لا تتطوع ولا تتبرع ولا تتسلط أضواؤها فجأة على الأردن مجاناً، فالعيون تتجه نحو ما يقترحه الأمان على الأردنيين وعلى شركائهم في أوروبا والعالم تحت عنوان الاستفادة من الأردن كقاعدة مساندة لعمليات حلف الناتو العسكرية.
يمكن هنا ببساطة ملاحظة أن الحوار الألماني الخاص بنقل قوات عسكرية من تركيا إلى الأردن يتفاعل خلف الستارة في الوقت الذي يتحدث فيه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن ضرورة تكليف قوات حلف الناتو بتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق بدلاً من قوات التحالف الأمريكية وغيرها. وبما أن عمان مقتنعة تماماً بأن الطرف الألماني يمثل دوماً الحديقة الخلفية للبوصلة الأمريكية، خصوصاً في زاوية النظرة لمسرح الشرق الأوسط، يمكن القول بأن الإدراك يتزايد لخفايا أجندة التقارب بين الأردن وألمانيا في حلقة واضح أنها اكتملت بأجندة زيارة الملك عبدالله الثاني إلى بروكسل ثم باريس، حيث نقاشات مع مجلس حلف الناتو. ويبدو أن ألمانيا هنا تحديداً من العناصر التي بدأت تضغط بالتوازي للحيلولة دون علاقات استراتيجية بين الأردن والرئاسة التركية ممثلة بالرئيس رجب طيب اردوغان.

الحفرة الأوروبية في الطريق ومعها «علاقات أكبر مع حلف الناتو»

الوزير الألماني ماس ناكف الأتراك والإيرانيين معاً على منصة الوزير الصفدي في عمان عندما قال بأن بلاده تتابع المجريات في إيران وتدعم حق الشعب الإيراني في التعبير، مؤكداً في الوقت نفسه بأن أجندة برنامج برلين تستهدف نزع السلاح في ليبيا. ويعرف الأردنيون أيضاً بأن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل هي التي ضغطت على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لكي يجري انتخابات تشريعية، واقترحت أن تشارك حركة حماس بها.
تلك مسألة لا تغفل عنها ماكينة الرصد الأردنية وهي تلاحظ بوضوح ارتفاعاً في منسوب الاهتمام الألماني ليس بالقضية الفلسطينية فحسب، بل بالأردن ودوره الإقليمي. وثمة مساحة هنا يعتقد، على الأقل بالنسبة للطاقم الاستشاري في القصر الملكي الأردني، أنها فتحت للنافذة الألمانية حصرياً بغطاء أمريكي، حتى يتولى الألمان إبقاء الأردن في المجال الحيوي لأي تسوية شاملة لملفات وقضايا المنطقة ما دام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته قد قررا إغلاق بعض نوافذ الاتصال التي كانت دوماً مهمة بين واشنطن وعمان.
وعليه، يرى سياسيون بأن النافذة الألمانية الصغيرة هي التي يقصدها صناع القرار الأردني عندما يتحدثون عن هامش في جدار أزمتهم الاقتصادية فتح للبلاد وبإسناد أمريكي عن بعد وبصيغة تؤكد عملياً بأن برلين تتولى اليوم بعض المهام بالتواصل والتنسيق مع عمان، الأمر الذي يبرر عدد وحجم الزيارات المتبادلة لمسؤولين من مختلف الأوزان بين المدينتين.
في كل حال، ثمة أمل أردني أيضاً بالوكالة الألمانية له علاقة بتغطية الوزن النوعي المفقود لمسألة اللجوء السوري.
وثمة أمل في أن تساعد برلين عمان في تأطير مفهوم يبقي صيغة حل الدولتين على قيد الحياة وضمن قواعد لعبة الانسحاب أو الخروج دون احتكاك، وفقاً لعبارة شهيرة رددتها المستشارة ميركل مرتين على الأقل.
ما يعرفه الخبراء في الظل أيضاً يشير إلى أن ميركل تساعد الأردن في مسألة بقاء الوصاية الهاشمية ليس على القدس فقط، ولكن بصفقة مكثفة أكثر على الجانب المسيحي من أوقافها ومرافقها.
لكن خطوات الحفرة الألمانية العميقة دوماً بدأت تستقطب الأردني الحائر أكثر، خصوصاً في ظل ما يطرح عن كذبة تعويضات اللاجئين وعن تخلي المجتمع الدولي عن دور الأردن ومصر في سياق القضية الفلسطينية.
وهي خطوات يرى العميقون من المحللين والملاحظين بأن لديها طموحاً أكبر في وقت قريب عنوانه بقاء حلف الناتو في منطقة الشرق الأوسط، بدعم من ألمانيا وفرنسا تحديداً، ثم الاتحاد الأوروبي، عبر توفير ملاذ بديل لها بدلاً من القواعد العسكرية التركية، حيث العلاقات بين الثنائي الفرنسي الألماني من جهة، والرئيس اردوغان في أسوأ أحوالها، وترهقها سلسلة طويلة من المناكفات والمنازعات. وواضح أن الأردن في طريقه للاقتراب على مضض من المجال الحيوي لحلف الناتو.
واضح أيضاً في المقابل أن فرنسا وألمانيا على الأقل مهتمتان وتبادران. والأوضح أن العاهل الأردني يعبر عن ثوابته وقلقه في حديث لمحطة تلفزيون فرنسية قبل 48 ساعة من زيارة مقررة لبروكسل ثم لباريس، وقبل نحو ساعات قليلة فقط من حديث الوزير الألماني ماس عن المملكة الأردنية الهاشمية بصفتها «وسيطاً مهماً» يدعم استقرار المنطقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية