أربعة أطباء عادوا من غزة في زيارة للأمم المتحدة: لا يمكن وصف ما يحدث في غزة إلا بالإبادة الجماعية – (فيديو)

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

نيويورك: بدعوة من رابطة الصحافيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة، عقد أربعة أطباء عادوا من مستشفيات غزة مؤتمرا صحافيا الثلاثاء في قاعة مؤتمرات الرابطة بعد أن عملوا لفترات مختلفة وقرروا أن يطوفوا عددا من العواصم والمقرات الدولية ليرووا مشاهداتهم. وقد قدموا شهادات صادمة حول ما شاهدوه بأعينهم من فظائع لا يستطيع الإنسان تحملها لدرجة أنهم أصبحوا بحاجة إلى علاج نفسي بعد الفظائع التي تعاملوا معها بشكل متواصل.
الأطباء الأربعة هم: نِكْ ماينارد، جراح من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وهو أستاذ وطبيب يتردد على مستشفيات غزة لإجراء عمليات جراحية تتعلق بالسرطان منذ 15 سنة، والطبيب زاهر سحلول من أصل سوري، ومؤسس مشارك ورئيس جمعية (Medglobal) والطبيب الفلسطيني ثائر أحمد من منطقة شيكاغو وينتمي لنفس جمعية زاهر سحلول، وطبيبة الأطفال، أمبر العيان، من منظمة “أطباء بلا حدود” (MSF) والمسؤولة عن برامج المنظمة للأطفال في غزة وهايتي وأفغانستان.

قدم البروفيسو نك ماينارد صورة رهيبة عن الوضع في مستشفى “ناصر” الذي قضى فيه أسبوعين قائلاً إنه يتردد على غزة منذ سنوات عديدة لتدريب الأطباء وإجراء عمليات جراحية وتطوير البنى التحتية في غزة في ميدان العمليات الجراحية لمرضى السرطان، لكنه لم ير شبيها للأوضاع الحالية في غزة. “عندما ذهبت لغزة في فترة أعياد الميلاد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لم أكن أتوقع أن أشاهد ما شاهدت. إنه شيء مختلف تماما عن أي وضع صحي في أي مكان. أريد هنا أن أضم صوتي بسبب الحاجة الملحة لمنادين بوقف إطلاق نار فوري لمنع حدوث كارثة صحية.

ماينارد: هناك نيّة مبيتة لتدمير البنى التحتية الصحية لمنع المستشفيات أن تقدم أي خدمات صحية عادية لسكان غزة. ولا يمكن درء كارثة محققة إلا بوقف فوري لإطلاق النار

وقال :”وأريد أن أرد على بعض الادعاءات أن ما تقوم به إسرائيل هي عمليات تستهدف المسلحين وأنها تتجنب استهداف المدنيين. إني أشهد، أنا وزملائي وأي طبيب يعمل في غزة، أن القصف الذي يحدث في غزة هو قصف عشوائي يؤدي إلى قتل المدنيين بأعداد كبيرة. وأن الاستهداف هو للمؤسسات الصحية والعاملين في مجال الصحة والرعاية الصحية وأن هناك نيّة مبيتة لتدمير البنى التحتية الصحية لمنع المستشفيات أن تقدم أي خدمات صحية عادية لسكان غزة. ولا يمكن درء كارثة محققة إلا بوقف فوري لإطلاق النار. لقد كنت في غزة في شهر أيار/ مايو قبل الأحداث الأخيرة وكان هناك قصف لغزة لمدة أربعة أيام شاهدنا عمليات الاستهداف الدقيق لبعض قيادات الجهاد الإسلامي بحيث تم قتله في طابق معين وغرفة محددة. نعرف أنهم قادرون على ذلك. ويدعون الآن أنهم يستهدفون مسلحي حماس. ومن تجربتي الشخصية هذا الادعاء ليس له أي مصداقية على الإطلاق”.
الطبيب زاهر سحلول قال إن الوفد الطبي هذا التقى بعدد من ممثلي الدول والدبلوماسيين وأعضاء مجلس الأمن العشرة غير الدائمين وسيلتقون ببعض أعضاء الكونغرس الأمريكي أثناء زيارة لواشنطن في الأيام القادمة وكل ذلك بهدف حثهم على التحرك الفوري لأن الأوضاع في غزة كارثية ولا تحتمل المزيد من الانتظار.
وقدم الدكتور سحلول في مداخلته عددا من الأمثلة عن الحالات التي عالجها خلال زيارته الأخيرة للقطاع مشفوعة بالصور. وقد عرض صورة الطفلة هيام أبو خضر (سبع سنوات) التي توفيت وهي تنتظر لأسابيع، بعد إصابتها بحروق في كل جسدها، ولم تتمكن من الحصول على تصريح لنقلها للعلاج في مصر، مشيراً إلى أن هناك ثمانية آلاف شخص على الأقل ينتظرون أن يتم السماح لهم بتلقي العلاج خارج غزة لكن لا يحصل إلا عشرة في المئة منهم على تصاريح.

 الطفلة هيام أبو خضر

وتابع الدكتور سحلول ملاحظاته عن تجربته وما شاهده من استهداف المستشفيات مستذكرا خبرته في مستشفيات سوريا لافتاً إلى أن الوضع في غزة أسوأ بكثير، حيث لا مكان آمن ولا حتى المستشفيات. إضافة إلى ضيق المساحة التي يمكن للمدنيين اللجوء إليها في القطاع المحاصر أصلاً و المكتظ، وقال “إن السكان المدنيين في غزة يعانون من كارثة إنسانية: فهم نازحون أو يتضورون جوعاً أو على وشك المجاعة، ولا يحصلون إلا على الحد الأدنى من الرعاية الطبية. إن هذه الظروف مروعة وغير مستدامة”. وقال لقد قضى نحو 13 ألف طفل في غزة أي طفل من كل 100، وهو ما يعادل نصف مليون طفل في الولايات المتحدة. الآن 4 في المئة من الشعب في غزة إما قتل أو جرح ونحو 85 في المئة هجروا من ديارهم. وقال إن الانهيار الصحي يؤدي إلى مزيد من الموت، وكذلك المجاعة وانتشار الأمراض وإذا ما قامت عملية في رفح فإن الضحايا سيكونون بنسب خيالية.

أحمد: إسرائيل منعت الأطباء من الحصول على الأدوية والمعدات الطبية اللازمة للقيام بأساسيات عملهم في غزة، ومنعت إدخال حفاظات الأطفال والمواد المخدرة

الطبيب الفلسطيني ثائر أحمد تحدث عن زيارته في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي إلى مستشفى ناصر، ثاني أكبر مستشفيات غزة، حيث عاش تجربة حصار المستشفى وإجبار الطواقم الطبية على إخلائه واجتياحه والقبض على الطواقم التي بقيت. وقال “كنت واحداً من الذين قرروا الإخلاء، ومن المهم أن نسرد قصص الذين بقوا والذين فضلوا البقاء مع مرضاهم على الرغم من وجود تهديد وجودي على أمنهم وحياتهم”. ولفت النظر إلى أنه وبالإضافة إلى مقتل 400 من الطواقم الطبية على الأقل منذ بداية الحرب، وحبس آخرين، فإن التحدي الإضافي هو منع الأطباء من الحصول على الأدوية والمعدات الطبية اللازمة للقيام بأساسيات عملهم. وأشار إلى منع إسرائيل إدخال حفاظات الأطفال والمواد المخدرة، مثلاً، بحيث يضطر الكثير من الأطباء للقيام بالعمليات بما فيها بتر الأطراف دون تخدير، وكل ذلك على الرغم من اصطفاف الشاحنات المليئة بالمعدات الطبية والغذائية خارج القطاع، ولكن لا يسمح لأغلبيتها الساحقة بالدخول. “لقد شاهدنا مئات الحالات من ضحايا صدمات نفسية وهلع عندما كانت خان يونس ميدانا للعمليات العسكرية كما رأينا آلافا من الفارين اتخذوا المستشفى مركز إيواء لهم. وكنا نعالج الأطفال على أغطية على الأرض”. وناشد الدكتور أحمد المجتمع الدولي “لوقف العمليات العسكرية ووقف انهيار القنابل على رؤوس الناس ووقف إطلاق النار فورا والعمل على إيصال المساعدات الطبية الضرورية لمساعدة المصابين”.
طبيبة الأطفال أمبر العيان من منظمة أطباء بلا حدود، تحدثت عن انهيار النظام الصحي في غزة، وأشارت إلى الخدمات التي تقدمها المنظمة قبل وبعد الحرب الأخيرة والتحديات المستحيلة التي تواجه الطواقم الطبية. وقالت إن منظمة أطباء بلا حدود تعمل في قطاع غزة منذ 15 سنة في كل الميادين الطبية. وقالت إنها عملت في مستشفى الشفاء ومستشفى ناصر ومستشفى ثالث صغير في رفح. وقالت إن نقص المواد الطبية من أهم التحديات التي نواجهها وأحيانا نضطر لاتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بحياة الناس.

العيان: لا يوجد أي مستشفى في العالم يمكنه التعامل مع هذا الكم من الإصابات والمرضى في غزة

وشددت على أنه حتى عندما تدخل بعض المساعدات الطبية فإن هناك تحديات يفرضها الواقع على الأرض بما فيها كيفية إيصالها إلى داخل غزة، كما أشارت إلى “الخيارات الصعبة التي يجبر الأطباء على اتخاذها بما فيها نقص الأدوية والقيام بعمليات دون تخدير، ناهيك عن وجود آلاف النازحين داخل المستشفيات مما يعني أن المرضى لا يمكنهم تلقي العلاج بعد العمليات تحت ظروف ملائمة للتعافي، حيث يصل الوضع إلى تعفن الجروح”. وقالت إن هناك آلاف القصص التي تستحق أن تروى وخاصة تلك العائلات التي تتكون من عدد كبير من الأفراد ويتعرضون للقصف فيموت منهم قسم ويصاب قسم بجراح خطيرة ثم يصاب الباقون بالصدمات النفسية وحالات الاكتئاب.
وأكدت أنه لا يوجد مستشفى في العالم، حتى في الدول الغنية، يمكنه التعامل مع هذا الكم من الإصابات والمرضى. وأشارت إلى استهداف المستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف وغيرها. وأكدت أن أولوياتها النساء الحوامل والمرضعات بشكل خاص لما يعني ذلك من أثر على المواليد.

هذه حرب إبادة

فتح الأطباء مجالا للأسئلة وقد انهالت عليهم العديد من الأسئلة من قاعة المؤتمرات التي اكتظت بالصحافيين. وردا على سؤال “القدس العربي” للطبيب نِك مانيارد، حول ما يمكن تصنيف ما يجري في غزة وما إذا كان ذلك يشير إلى وقوع “إبادة جماعية” قال: “لقد قضيت وقتا أبحث في تعريف مصطلح الإبادة الجماعية عبر عدد من القواميس وما إذا كانت تلك التعريفات تنطبق على ما يجري في غزة، وفي الأخير تأكدت فوجدت أن ما يجري في غزة يطابق جميع تعريفات “الإبادة الجماعية” التي قرأتها ولا شك عندي على الإطلاق أن هذا هو الذي يجري في غزة. ويبدو أن الهدف النهائي مما يجري في غزة، وما سمعته من الناس هناك، وأن هدف الحكومة الإسرائيلية هو إجبار السكان على الهجرة من غزة بشكل كامل وتفريغ تلك الأرض من سكانها. وقد أثرنا هذه المسألة مع الحكومة البريطانية التي تتجنب استخدام هذا المصطلح. لكننا نشير إلى الشكوى التي قدمتها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية حول انتهاك معاهدة منع الإبادة الجماعية”.

مانيارد: لم أرَ على الإطلاق أي دليل على أن هناك أنشطة عسكرية في المستشفيات. أعرف مستشفى الشفاء شبرا شبرا ولم يتم منع تحركي فيه على الإطلاق. لم أر أبدا هناك أي مظهر من مظاهر النشاط العسكري ولم أر أي أثر للأنفاق تحت المستشفيات

وردا على سؤال ثانٍ لـ”القدس العربي” حول انطباعات الناس في غزة عن موقف المجتمع الدولي وخذلان الأمم المتحدة لهم وتصريحات بعض المسؤولين الكبار في تحميل الفلسطينيين المسؤولية، قال البروفيسور مانيارد، “إن الناس هناك يرحبون ببعض تصريحات مسؤولي الإغاثة الإنسانية، لكنهم يشعرون بأن العالم تخلى عنهم، ويسألون بشكل جماعي: لماذا يتعرضون لكل هذا؟ لماذا تخلى الغرب عنا؟ ما الذي عملناه لنستحق كل هذا؟ لماذا لا نعامل كغيرنا؟ ولماذا تتغير القيم عندما تصل الأمور إلى غزة؟ ألا يستحق 13 ألف طفل أن يعيشوا حياتهم كغيرهم من الأطفال؟”.
وأضاف الطبيب سحلول أن أهل غزة يشعرون بازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بسكان غزة مقارنة بالشعب الأوكراني. ويشعرون بالإحباط أكثر من تصرف الولايات المتحدة، وهي الدولة الأكثر قدرة على التأثير على مجريات الأحداث في غزة.
وردا على سؤال حول ما إذا شعر الأطباء أن المستشفيات استخدمت لأسباب عسكرية أو بناء أنفاق تحتها، قال الدكتور نك مانيارد، إنه عمل في غزة نحو 15 سنة وأنه هو وزملاؤه منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر من أكسفورد يعملون بشكل يومي مع زملائهم في غزة “إن إدعاء إسرائيل أن المستشفيات تستخدم لأغراض عسكرية أستطيع أن أقول بعد كل سنوات الخدمة في غزة في مستشفى الشفاء وغيره إنني لم أرَ على الإطلاق أي دليل على أن هناك أنشطة عسكرية في المستشفيات. أعرف مستشفى الشفاء شبرا شبرا ولم يتم منع تحركي فيه على الإطلاق. لم أر أبدا خلال الأسبوعين اللذين قضيتهما هناك أي مظهر من مظاهر النشاط العسكري ولم أر أي أثر للأنفاق تحت المستشفيات. وأنا على اتصال يومي بالأطباء هناك الذي عرفتهم لأكثر من عشر سنوات والذي أكدوا لي أنهم لم يشاهدوا أي أثر لنشاط عسكري في أي مستشفى، كما أن إسرائيل لم تقدم أي دليل ملموس وذي مصداقية حول ادعاءاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية