أحكام بالسجن ضد مهاجرين أفارقة في تونس… وتظاهرات تطالب السلطات بإعادتهم لبلدانهم

حجم الخط
0

تونس – «القدس العربي»: أصدر القضاء التونسي أحكاماً بالسجن ضد مهاجرين أفارقة غير نظاميين من دول جنوب الصحراء بعد القيام بأعمال عنف خلال إزالة خيامهم في العاصمة، في وقت تظاهر عشرات التونسيين للمطالبة بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، فيما حذر عدد من السياسيين من استغلال هذه الظاهرة المثيرة للجدل كـ”خطر داهم” في تمديد العهدة الرئاسية للرئيس قيس سعيد وتأجيل الانتخابات المنتظرة في الخريف المقبل.
وكانت المحكمة الابتدائية في العاصمة أصدرت الجمعة بطاقات إيداع بالسجن في حق أكثر من ثمانين شاباً من دول جنوب الصحراء من الذين تم إيقافهم على خلفية إزالة الخيام التي وضعوها في حديقة عامة وفي محيط المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين في منطقة البحيرة الراقية في العاصمة.
وكانت السلطات التونسية قامت الجمعة بإزالة جميع الخيام التي نصبها المهاجرون الأفارقة غير النظاميين في العاصمة، وتم ترحيلهم إلى مناطق أخرى بعيدة عن العاصمة.
وخلال إبعادهم لولاية باجة (شمال غرب)، قام المهاجرون الأفارقة بتهشيم زجاج الحافلة التي تقلهم، كما قام بعضهم بإلقاء أنفسهم منها ليتم نقلهم لاحقاً إلى مستشفيات مجاورة.
فيما أكد صابر البنبلي، المعتمد الأول (مدير منطقة) المكلف بتسيير ولاية باجة لوكالة الأنباء التونسية، أنه “لا نية ولا برامج لتوطين عدد من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بأي منطقة من ولاية باجة. ونسخر كل إمكانياتها لإحكام المراقبة (على المهاجرين)”.
وتظاهر مئات التونسيين، السبت، في ولاية صفاقس (جنوب شرق) للمطالبة بالإجلاء السريع لآلاف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الموجودين في المنطقة.
ورفع المتظاهرون في مدينة العامرة التابعة للولاية شعارات من قبيل “الترحيل فوراً.. لا حلول ترقيعية” و”لا للتوطين” و”هذه أرضك وأرض أجدادك.. لا تبيع ولا تخون بلادك”.
وكتب رئيس حزب المجد، عبد الوهاب الهاني، على موقع فيسبوك: “حذارِ من التَّلاعب بملف المهاجرين وإلباسه لَبُوس “الخطر الدَّاهم” من جديد لخدمة شهوات ونزوات التَّمديد بعد الفشل الجاثم في بناء الرَّصيد. فما يجري من تجييشٍ “زَقَّفُونِيّْ” في ملف المهاجرين غير الحاملين لوثائق سفر أو هويَّة وبدون تأشيرات دخول وتصاريح إقامة من دول جنوب صحرائنا الإفريقيَّة الكُبرى، يوحي بتهيئة المناخ لتكرار الإيهام باقتراب الدَّولة من “الخطر الدَّاهم الجاثم”، والتَّفعيل التَّوسُّعي من جديد للتَّدابير الاستثنائيَّة المُدسترة”. وتساءل بقوله: “هل تكون غاية التَّجييش إرضاء رغبات المُحيط الفوضوي للرَّئيس المنتهية ولايته في تأجيل الانتخابات الرِّئاسيَّة، وفي التَّمديد في العُهدة الرِّئاسيَّة والولاية الزَّمنيَّة الزَّائلة المنتهية للرَّئيس قيس سعيِّد، وفي تمطيط سُلطان التَّدابير الاستثنائيَّة التَّوسُّعيَّة المُزمنة الجاثمة إلى ما لا نهاية؟ في حين أنَّ احترام الموعد الانتخابي (تنظيم الانتخابات الرِّئاسيَّة “خلال الأشهر الثَّلاثة الأخيرة من المُدَّة الرِّئاسيَّة”، حسب دستور الرَّئيس نفسه، هو الضَّامن الرَّئيسي لدولة القانون وللدِّيمقراطيَّة لاحترام السِّيادة الشَّعبيَّة والعودة للشَّعب الكريم صاحب السِّيادة وهو صمَّام الأمان لمواجهة الحروب والمخاطر والمصاعب والتَّحدِّيات”.
وكتب الباحث والحقوقي ناصر الهاني: “حتى تكون حراسة أوروبا بسواعدنا وأموالنا ويبدو الأمر وكأنه مطلب شعبي، يجب تخويف الناس وبث الرعب من ظاهرة الأفارقة، ويجب تجميعهم في أماكن وولايات بعينها ليكثر العدد، وإغلاق منافذ البحر حتى يتكدسوا، وتسهيل عبورهم عبر الجزائر في قوافل منظمة، ثم التضييق عليهم حتى يضطروا للقيام بتجاوزات للحصول على الغذاء، وتصويرهم والإيعاز لبعض الصفحات بالنشر، وأحياناً نشر صور أخرى من بلدان أخرى، وتوجيه الرأي العام عبر تعليقات على الصور والفيديوهات”.
وأضاف: “النتيجة هي بث الرعب في قلوب الناس وتوجيه مشاعر الكراهية وتغيير الأولويات، فعوض طلب الشغل والغذاء والدواء والرفاهة، يصبح الطلب الأول هو ترحيل الأفارقة، وبعد ذلك يقوم النظام بحراسة القلعة الأوروبية، ويبدو ذلك طلباً شعبياً. والنتيجة هي صورة تونس السيئة في العالم، وأوروبا بدون مهاجرين. وننسى أن لدينا مليون ونصف مهاجر تونسي منهم ربع مليون دون وثائق في أوروبا”.
وكتب المؤرخ عدنان منصر: “توتر السلطة تجاه قضية المهاجرين طبيعي بالنسبة لمن لا يملك لهذه المسألة أي رؤية، ولمن يفضل دائماً الهلوسات على حسابات المنطق السليم. لقد رضيت السلطة بتحويل البلاد إلى محتشد لهؤلاء المساكين في مقابل بقشيش إيطالي بخس. فتونس أكدت للأوروبيين أنها يمكن أن تقوم بما يريدونه بأثمان منخفضة جداً، وأوصلت البلاد لنقطة جعلتها الحلقة الأضعف في المنطقة”.
وأضاف: “الأضعف هو الذي يدفع الثمن الأكبر، وليس الباقي سوى هلوسات قيلولة ما بعد العصر. ها قد انغلقت المصيدة اليوم عليك، ولا مخرج لك منها سوى بممارسة فعلية للسيادة، وليس مواصلة نفس الجعجعة اللفظية البائسة. استعمال البوليس لن يحل المشكلة، وكذلك التحريض على المنظمات المدنية ولا على الحقوقيين ولا تهييج الشارع وإحياء الغرائز والنفخ في نار العنصرية. لا رؤية لك ولا فهم لك يعتد به لهذه المسألة، لذلك فإن سلوكك منتظر، وهو سلوك العاجزين. أنت سلطة لا تدري ما تفعل، وعوض البحث عن مخارج حقيقية، فإنك تقوم بنقل المشكلة من منطقة لأخرى، تماماً كما يفعل الماسك بالجمر. هذا يؤبد المشكلة ويزيدها عمقاً، وكلما تحركت في الاتجاه الخاطئ أطبق عليك شرَك المصيدة أكثر. ممارسة السيادة تتم تجاه الدول التي تحكم عليك المصيدة، وليس تجاه مساكين تقطعت بهم السبل”.
فيما اعتبر رئيس لجنة الدفاع والأمن والقوات الحاملة للسلاح في البرلمان، عادل الضياف، أن مشكلة الهجرة غير النظامية للأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس، “تستوجب التنسيق بين الوظيفتين التنفيذية والتشريعية لإيجاد حل. والحل الأساسي هو إقليمي ودولي بالأساس”.
وأضاف، في تصريح إعلامي: “بلدان الجوار والضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، مدعوة لأن تتعاون مع تونس لإيجاد حل لمقاومة زحف المهاجرين غير النظاميين من جنوب الصحراء، فأمن تونس هو أمن كل البلدان المجاورة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية