أثر حرب لبنان في المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية

حجم الخط
0

أثر حرب لبنان في المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية

معقل زهور عديأثر حرب لبنان في المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية لنعترف في البداية بوجود تيارين رئيسيين داخل المعارضة الوطنية ـ الديمقراطية، أصبح ضروريا تلخيص وجهة نظر كل منهما للانتقال من مرحلة الغموض والاتهامات الي مرحلة الوضوح والحوار، ويمكن ان يخدم ذلك في وضع تصور لكيفية تأثرهما بالحرب في لبنان.أولا: تيار اليسار الليبرالي أهم ما يميز هذا التيار تركيزه المفرط علي الوضع الداخلي السوري، ومحاولة تفكيك العوامل الخارجية في خطابه السياسي، بالتالي وضعها في مرتبة ثانوية، وحصر الرؤية السياسية بمسألة الديمقراطية وترحيل ما عداها الي حقبة تاريخية لاحقة.لكن ذلك لا ينفي وجود رؤية للسياسة الخارجية، فالمسألة هنا تكمن فقط في فصل اجرائي بغرض تخفيض الاضاءة فوق عناوين السياسة الخارجية وتركها كحديقة خلفية متاحة للمناورة.تستند السياسة الخارجية للتيار السابق الي القناعة بوجود تقاطع بين المطلب الديمقراطي الداخلي وما هو متصور من وجود مطلب ديمقراطي للولايات المتحدة الأمريكية (ظهر بعد ايلول ـ سبتمبر 2001) تعمل علي تحقيقه في المنطقة العربية، دون ان يعني ذلك بالضرورة تأييد السياسة الأمريكية كما هي عليه في العراق والمنطقة العربية. المسألة هنا تعرض كاستفادة من تقاطع موضوعي والسعي لاستثماره من أجل انجاز المهمة الديمقراطية.يعطي تيار اليسار الليبرالي أهمية لوجود (مجتمع دولي) يدفع باتجاه نشر الديمقراطية، ودورا ايجابيا للاتحاد الأوروبي يمكن الاستناد اليه حين يتعثر الدور الأمريكي وتتفاقم ردود الأفعال الشعبية ضده. يجد الخطاب السياسي لتيار اليسار الليبرالي سهولة في ترحيل أي مقاربة لمسألة الصراع العربي ـ الصهيوني الي ما بعد انجاز المرحلة الديمقراطية، وكذا الحال بالنسبة للمسألة الاجتماعية.هنا ثمة محاولة لفصل المسألة الديمقراطية وتعظيمها ووضعها في تراتب زمني تسلسلي، بحيث يصبح التعاطي مع المسائل الأخري خلفها وليس معها في وقت واحد.ينكر تيار اليسار الليبرالي وجود مشروع للهيمنة الأمريكية علي المنطقة العربية، وفي أفضل الحالات يعتبر وجود مشروع كهذا جزءا من المعطيات الجيو ـ سياسية التي لا يمكن مواجهتها في هذه المرحلة الموصوفة بمرحلة الانجاز الديمقراطي.(القول بمقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي يضعنا في مواجهة خصمين في وقت واحد الاستبداد والخارج هكذا تستحيل المسألة وتصبح ضربا من الرومانسية السياسية، الحل: مهادنة الخارج ومواجهة الاستبداد في الداخل) ذلك هو منطق اليسار الليبرالي.في السياسة العربية يحاول اليسار الليبرالي شق طريق صعب بين تقييم ايجابي لنهج محمود عباس ومراعاة الابتعاد عن مواجهة علنية مع تيار المقاومة متمثلا في حماس، اما في لبنان فهو أقل حذرا في اظهار تعاطفه مع قوي 14 آذار التي ذهبت شوطا بعيدا في التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبخصوص العراق لا يخفي التنكر للمقاومة العراقية واثارة الشكوك حول طبيعتها ومشروعيتها.يطرح تيار اليسار الليبرالي سقفا خطابيا أعلي في معارضة النظام، بغض النظر عن نتائج ذلك وجدواه وهل استفادت منه المعارضة في التقدم نحو الأمام أم أنه أسهم في تراجعها نحو الخلف.أخيرا يتصور تيار اليسار الليبرالي أنه المعبر الشرعي عن المعارضة الوطنية الديمقراطية، فهو لا يري هامشا بين المعارضة متمثلة بخطه الفكري السياسي وبين معسكر النظام.ثانيا: التيار الوطني ـ الديمقراطي يستند التيار الوطني الديمقراطي الي فكرة اندماج المهمات الثلاث الوطنية ـ القومية، الديمقراطية، الاجتماعية، ونفي أية امكانية للفصل بينها في تسلسل تاريخي مزعوم.وتأتي في مرتبة بارزة فكرة الانحياز لخط مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي ـ الصهيوني علي المنطقة العربية وبناء علاقة استراتيجية مع قوي المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان.الديمقراطية كما يفهمها هذا التيار هي ديمقراطية المشاركة الشعبية الواسعة التي لا تنحصر بالتمثيل البرلماني وهي ديمقراطية وطنية مناقضة للديمقراطية الطائفية وفق النموذجين العراقي واللبناني.الديمقراطية هنا ليست مهمة تاريخية مقطوعة الروابط بالمهمات الأخري الوطنية ـ القومية والاجتماعية، ولكن مندمجة مع تلك المهمات في سياق تاريخي واحد.لا يري التيار الوطني ـ الديمقراطي أي تقاطع مع الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة علي المنطقة العربية بل صراع متصل معها، صراع ذو أشكال متعددة، بعضها عنيف وبعضها سياسي وبعضها ثقافي ـ فكري، بالتالي فانجاز المهمة الديمقراطية لا يمكن ان يتم خارج هذا الصراع بل داخله، وليس بالتقاطع مع استراتيجية الولايات المتحدة بل ضدها بالضبط.ينظر التيار الوطني الديمقراطي الي عملية التحول الديمقراطي باعتبارها مسألة تحول مجتمع وليس مسألة تغيير سياسي فقط، لذا فالتركيز الرئيسي لديه هو علي مطالب ديمقراطية تسهم في بناء قوي اجتماعية داخلية تحمل مسؤولية التغيير دون أي تقاطع مع أجندات خارجية، ويري هذا التيار أن العمل في ضوء التقاطع مع أجندات خارجية منزلق خطر يدفع نحو رهانات سياسية ضارة. فالخارج الفاعل سياسيا في المنطقة هو سياسة الولايات المتحدة وحلفائها والسياسة الأوروبية التي تزداد تبعية لها، أما الخارج الوحيد الذي يمكن التقاطع معه فهو خارج الحركات التحررية والشعبية، خارج المنظمات المدنية المستقلة غير الخاضعة لتمويل الدول والاحتكارات العالمية، وبالتالي فهو الخارج الذي يعمل بوضوح ضد سياسة الهيمنة الأمريكية ومشروعها الشرق الأوسطي.ينظر التيار الوطني ـ الديمقراطي الي العلاقة مع التيارات الأخري داخل المعارضة بوصفها خاضعة للنقد، فوعي الفرق بين الخطوط السياسية وتميز الخط الفكري ـ السياسي للتيار الوطني ـ الديمقراطي هي أمور لا يمكن المساومة عليها.مسألة التحالف هي في جوهرها مسألة تكتيكية هدفها حشد الجهود من أجل انتزاع المطالب الديمقراطية وترسيخها، لكن ذلك لا يمكن ان يوجد علي حساب المسائل المبدئية وعبر طمسها وتمييعها.الموقف من الحرب في لبنان:منذ البداية أظهر تيار اليسار الليبرالي تحفظا علي الوقوف مع المقاومة اللبنانية وميلا حذرا لللأخذ بوجهة نظر قوي 14 آذار في تحميل حزب الله مسؤولية (توريط) لبنان في حرب شاملة، وقدمت التحليلات السياسية التي تفسر ما جري بوصفه صراعا بين محاور اقليمية ودولية، وبسبب موجة التعاطف الشعبي الواسع في سورية مع المقاومة فقد تراجع اليسار الليبرالي قليلا دون ان يغير في جوهر موقفه.في المقابل وقف التيار الوطني الديمقراطي منذ بداية الحرب بوضوح ودون تحفظ مع المقاومة اللبنانية معتبرا أنها تخوض معركته ضد مشروع الهيمنة الأمريكي ـ الاسرائيلي في لبنان.ما بعد الحرب علي لبنان:من المبكر وضع تصور لانعكاس الحرب في لبنان علي الساحة السورية، والمسألة في أحد جوانبها مرتبطة بالنتيجة التي ستنتهي اليها تلك الحرب مما لا يبدو واضحا في الأفق الآن.مهما بلغ حجم التدمير الذي تتعرض له البنية التحتية في لبنان، والخسائر البشرية، فان وقف اطلاق النار دون ان تتمكن اسرائيل من فرض شروطها المعلنة للحرب سيشكل انتصارا سياسيا ومعنويا للمقاومة، ويضع تيار قوي 14 آذار في موقف الطرف الأضعف، وسيستتبع ذلك انحسار النفوذ الأمريكي والفرنسي عن لبنان، وهو أمر لا يمكن لتلك الدول التسليم به بسهولة، من أجل ذلك فالمرجح ان يستمر الصراع بأشكاله المختلفة السياسية والديبلوماسية والعنيفة، وسيؤدي استمراره لتغييرات في البيئة السياسية اللبنانية يصعب التنبؤ بها.لا يمكن ان يستمر الصراع في لبنان فترة طويلة دون ان يمتد خارجه وبالتحديد باتجاه سورية.لنلخص: الفرز السياسي داخل المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية يتعمق في ضوء الموقف من المقاومة اللبنانية والحرب الدائرة في لبنان، واليسار الليبرالي ما زال بعيدا عن الوقوف الي جانب المقاومة اللبنانية، متقاطعا بذلك مع الموقف العربي الرسمي، وما لم تتم مراجعة ذلك الموقف فسيكون من الصعب جسر الفجوة بينه وبين التيار الوطني ـ الديمقراطي حين تضع الحرب أوزارها في لبنان. ہ كاتب من سورية8

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية