أبحاث جديدة لتشخيص أسباب مرض التوحد

إسراء حميد
حجم الخط
0

مرض التوحد هو اضطراب يؤثر على النمو العصبي، ويكون مصحوباً ببعض الاشكالات السلوكية وخاصة في  ما يتعلق بالتواصل والعلاقات الاجتماعية وصولا إلى صعوبة القراءة أو الكتابة أو التعبير عن النفس وفهم الآخرين. وعادة ما تظهر أعراض المرض في سن ما بين الثانية والرابعة من العمر. وأواخر آب/اغسطس الماضي، أثمرت أبحاث علماء من جامعة كاليفورنيا الأمريكية، لمعرفة مسببات التوحد، عن تطوير أول فحص بيولوجي لتشخيص اضطرابات التوحد، فيما نجح باحثون صينيون في اكتشاف ان تراجع أداء الوظائف الخاصة بأحد الجينات المسؤولة عن تنظيم وظائف الدماغ، يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتوحد.

وينطوي انجاز العلماء الأمريكيين، على إجراء اختبار دم يسمح برصد السلوكيات المرضية لدى الأطفال قبل ظهور أعراضها، بالاعتماد على النتائج النهائية لمجموعة من التحليلات الأنزيمية لمستقلبات الدم “الأيض”. حيث وجدوا أنها ترصد كل الجينات والمساهمات البيئية في تغييرها وتأثيراتها لدى مرضى التوحد، ما يمكن هذا الاختبار من تشخيص كل المرضى، باكرًا، بما فيها الحالات التي فشلت أجهزة الفحص المعتمدة حاليا في تحديدها، مما سيساهم في بدء العلاج قبل ظهور الأعراض السلوكية لديهم.

ويتركز الإنجاز العلمي الصيني على اكتشاف ان تراجع أداء الوظائف الخاصة بالجين المعروف باسم “سيران تريوناين كيناس بي إيه كيه 2” المسؤول عن تنظيم وظائف الدماغ، يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحد، وذلك لأن هذا الجين يستطيع أن يلعب دوراً حيوياً في التعرف على الهيكل الخلوي، وفي إمكانه السيطرة على نمو الخلية وموتها بينما كانت وظيفته داخل النظام العصبي المركزي غير واضحة سابقاً. إذ تمكن الباحثون الصينيون من خلال إجراء تجارب على فئران معملية، من إزالة الجين “بي إيه كيه 2” في الخلايا، ليكتشفوا أن زواله قاد إلى حدوث وظائف غير عادية في السلوك المتعلق بمرض التوحد، كما نجحوا أيضاً في تحديد وتعريف الطفرات المتعددة لهذا الجين في مرضى التوحد من خلال التسلسل الجيني.

ورغم سعة البحوث العلمية في كل العالم حول التوحد، إلا انه يتم لحد الآن تحديد أسباب الإصابة بهذا المرض. لكن من المتفق عليه وجود عوامل وراثية جينية تساعد في زيادة فرص الإصابة به إلى جانب أسباب بيئية كثيرة مثل الولادة المبكرة أو مشاكل متعددة تصيب عنق رحم الأم أثناء فترة الحمل فضلا عن تناول الكحول من قبل الأم خلال الحمل. والمؤكد في المقابل هو عدم وجود علاقة للتوحد بالتلقيحات التي يأخذها المصاب خلال فترة طفولته. فمهما كثرت النظريات التي تحاول إيجاد تفسيرات عقلانية لأسباب هذا الاضطراب من الضروري تجنب قرار عدم أخذ الطفل للقاحات الضرورية لحماية صحته، إذ أن قراراً كهذا قد يعرضه إلى أمراض خطرة خلال حياته.

ويتطلب الكشف عن مرض التوحد عند الطفل معرفة ان التعامل معه يقتضي التركيز على ثلاث نقاط أساسية وهي:

 – تبسيط اللغة عند الحديث، نظرا إلى أن طفل التوحد لا يفهم الجمل الطويلة أو الأمثال أو النكات أو الاستعارات.

 – اعتماد الإعادة والتكرار أثناء الحديث أو الطلب.

– تسهيل تواصل المريض مع الآخرين أو تفاعله مع المحيط وتجنيبه الحساسية المفرطة تجاه الناس والمكان والرائحة وحتى درجة حرارة الغرفة ونوع الملابس التي يرتديها ولونها.

ان الإصابة بالتوحد لا تقتصر على فئة معينة دون أخرى. وليس للعمر أو الخلفية الثقافية أو الحالة البدنية دور في حصوله. ولكن ثبت أنه يصيب الذكور أكثر من الإناث. أما أنواع التوحد فهي:

*طيف اسبرغر: نسبة إلى العالم الاسترالي اسبرغر. ويصيب نحو واحد في المئة من مرضى التوحد في العالم. وهو أخف أنواع التوحد ولا يعاني المصاب به من أعراض المرض الأساسية كمشاكل التواصل أو اللغة أو ضعف العلاقات الاجتماعية أو سلوك الإعادة ويكون ذكائه بين المتوسط والذكي جدا في العادة.

*طيف التوحد اللانمطي: وهو أكثر انتشارا ويتمثل في اضطراب النمو السلوكي. وسمي بـ”الاضطراب غير المشخص” لأن المتأثر به لا يكون مصابا بكل أعراض التوحد المعروفة إنما ببعضها كأن يعاني من مشاكل في التواصل مثلا دون ان يصاب بسلوك الإعادة الذي هو من أعراض التوحد الأساسية لذلك يصعب تشخيصه.

*طيف اضطراب النمو في فترة الطفولة: وهو نوع نادر من التأثير ولكن حالته أصعب من باقي أطياف التوحد. إذ يبدأ في الظهور بين الثانية والعاشرة ويتميز بأن الطفل المصاب يبدأ بالتطور وتعلم بعض المهارات إلا ان هذه العملية تتوقف فجأة فينسى كل ما تعلمه وتعود الإصابة إلى نقطة ما قبل العلاج. ولذلك يحتاج التعامل مع هذه الحالة إلى صبر وأناة كبيرين. وعادة ما يكون الأبوان أكثر من يعرف مظاهر هذه المرحلة وقد يتوقعا حدوثها بدقة من بعض الأعراض.

يصيب التوحد حوالي 25 مليون شخص في العالم. ورغم كثرة المصابين إلا انه لا يعد منتشرا لا سيما وان ازدياد الوعي والمعرفة به أدى إلى جعل تشخيص حالاته أسهل من قبل فيما غدت المجتمعات أكثر تفهما لهذا النوع من الاضطراب العصبي ما يخدم في معالجة الكثير من مظاهره وتطوير البحوث بشأنها في إطار ما يعرف بـ “تحليل السلوك التطبيقي” الذي يركز على معالجة فردية للمرضى عبر تقييم إمكانيات وقدرات المتوحد لتحديد ما يناسبه من علاج خاص كمعالجة مشاكل التخاطب وصعوبة التكلم أو النطق وتحديد مفردات الكلام لديه من خلال تقديم المساعدة له أثناء التدريس والتدريب. وهي وسائل بسيطة يمكنها تحسين وتطوير طريقة عيش وسلوك طفل التوحد وزيادة معرفته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية