آلان رينيه: مهرجان كان يودع أيقونة الموجة الجديدة

حجم الخط
0

قرر مهرجان كان السينمائي، بدورته السابعة والستين، إقامة حفل تأبين لأحد أهم كوادره ورواده، آلان رينيه، الذي رحل عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاما. شارك في مهرجان كان 11 مرة، بدءاً من سنة 1947 بفيلم ‘باريس 1900’، حتى سنة 2013 بفيلم ‘هيروشيما حبّي’. توفي يوم الأول من آذار/مارس الماضي، بعد أن أنجز فيلمه الأخير’حب وشراب وغناء’، ولم يستطع الاحتفال باصدار الفيلم فقد عرض بعد وفاته بخمسة وعشرين يوما. يُعتبر رينيه من أهم مخرجي ومنظري السينما الفرنسية ومن مؤسسي ‘الموجة الجديدة’، كما يعتبر من ثوابت السينما الفرنسية، فهي ترتكز على عبقريين، آلان رينيه وجان لوك غودار. ولد في فانيس مدينة صغيرة غرب فرنسا وهو وحيد لأسرته، طفولته خالية من الالعاب فقد وجد شغفه في السينما. عند بلوغه الثانية عشرة من العمر أهداه والده الصيدلي كاميرا كوداك 8MM ، ليصنع أفلامه القصيرة ويجسد أحلامه السينمائية ويحلّق في فضاءاتها، يبحث ويبدع، ولا يصنع ذات الفيلم مرتين.
أعماله تحاكي الواقع وقريبة من نبض الشارع، ممزوجة بمعاناته وتطلعاته ولا تخلو من الفكاهة، وتناقش اشكاليات الزمن والوعي واللا وعي وارتباطه بالذاكرة والطبيعة البشرية النفسية، بالإضافة للآلية السردية الفريدة وروح المخرج المثقف الحاضرة دوما في أعماله. بدأ الوعي السياسي عنده مع صديقه المخرج والكاتب الفرنسي كريس ماركر، في فترة الحرب العالمية وأحداث هيروشيما التي علقت في ذاكرته وصاغها في فيلمين.
بدأ مشواره الفني في المونتاج، وفي عام 1936صنع أول فيلم قصير’حكاية شاذ’، ثم اتجه نحو الأفلام الوثائقية مترجما اتجاهاته السياسية عبر فيلم ‘المعسكر النازي’، ثم بدأ بصنع أفلام روائية معززا سمعته الفنية وكان أهمها ‘هيروشيما حبيبتي’، سنة 1959، فحصل الفيلم على الكثير من الجوائز، ورشح لجائزة الأوسكار والسعفة الذهبية. توجهاته الفكرية تقاطعت مع مجموعة من الكتّاب والمخرجين الذين أسسوا لجماعة فكرية حداثية تعرف بـ ‘الضفة اليسرى’ ذات خط يساري ملتزم، كانوا بمثابة عرابين له، مثل الشاعر الفرنسي جايين كايرول، حيث تم بينهم الكثير من التعاون في مجال الكتابة السينمائية أفرز ذلك التعاون أهم أفلام رينيه مثل فيلم ‘ليل و ضباب’، كما تعرف على المخرجة والكاتبة مارغوريت دوراس والمخرج آلان غيريت والسياسي الاسباني جورجي سمبران والكاتب جاك سينيبرغ الذي تعاون مع رينيه على فيلمين: ‘بعيدا عن فيتنام’، 1967 و’أحبك، أحبك’ سنة 1968، حيث شاركه في الاخراج زميله جان لوك غودار.
انتقل مساره الفني لاحقا وابتعد عن طرح المواضيع والقضايا السياسية ليندمج أكثر في الفنون الاخرى كالمسرح والموسيقى والكتب المصورة، واقترابه من كتّاب المسرح ورواده جعله يغير طريقة تعاطيه ويطور من أدواته وخطابه السينمائي. اقترب من المسرحي هنري برنشتاين الذي كتب له فيلم ‘ميلو’، 1986، كما تعرف على المسرحي والكاتب السينمائي البريطاني آلان اكيبورن، ورغم صداقتهما المبكرة إلا أن النتاج الفني أتى متأخرا، فقد تعاونا على ثلاثة أفلام كانت أهم أعمال رينيه: ‘تدخين لا تدخين’، 1993، و’قلوب’، 2006، وفيلمه الأخير ‘حب وشراب وغناء’. كذلك اقترب من المسرحي الفرنسي جان أنويه، الذي أعجب به كثيرا، لكن رينيه لم يستطع أن يحتفي بصداقته معه عن طريق تجسيد مسرحيته كفيلم سينمائي، حيث مات أنويه قبل أن يُصنع الفيلم سنة 1987، فكرّم رينيه روح صديقه من خلال ‘كنت لا أرى أي شيء’، عام 2012.
واحد وتسعون عاما من الفن والابداع، كل من عمل معه دهش بروحه الشابة، كشعلة لا تهدأ، استطاع رينيه صنع تحف سينمائية حقيقية جعلت منه أحد أهم علامات السينما الأوروبية. حصل على ثلاث جوائز من مهرجان كان، جائزتين عن فيلم ‘عمي الأمريكي’ سنة 1980، وجائزة عن فيلم ‘الأعشاب’ سنة 2000، بالاضافة الى أكثر من 51 جائزة دولية عن مجمل أعماله.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية