فيسك: الجيش السوري يحاول الامساك بزمام المبادرة وتقييد سلطة المخابرات

حجم الخط
1

لندن ـ ‘القدس العربي’: كتب الصحافي روبرت فيسك، مراسل صحيفة ‘اندبندنت’ البريطانية من دمشق عن تراجع دور الامن والمؤسسة الاستخباراتية في سورية حيث ظلت هذه الاجهزة البعبع الذي يتحكم بحياة المواطنين السوريين، ويرى ان الحرب الاهلية التي تدور منذ عامين ادت الى ظهور لاعبين جدد داخل النظام الحاكم الذي يقاتل من اجل البقاء في السلطة.
ويصف فيسك لقاء تم بين الرئيس الاسد وقادة عشائر كانت بينهم امرأة واحدة في فندق دماس روز في العاصمة دمشق، حيث نقلوا للرئيس مظاهر القلق والمشاكل التي يواجهونها والكيفية التي يتحدثون فيها مع الشباب الذين حضروا الى قراهم واقناعهم بعدم تدمير الارض والسيطرة على القرى.
ونقل عن شيخ قبيلة قوله: ‘نحاول التحدث مع المخربين واقناعهم بالعودة لبناء البلاد’، مضيفا: ‘نحاول اقناعهم بتسليم اسلحتهم والتوقف عن العنف، فقد كان بلدا آمنا’.
ويقول الكاتب ان الرجال معظهم في منتصف العمر يعتبرون خط الدفاع الاول للرئيس الاسد، فهم من ملاك الاراضي واصحاب الاملاك والفلاحين ممن انتفعوا من الثورة البعثية الاصلية وممن تتعرض مصالحهم للتهديد من الانتفاضة الحالية. وقال ان الممثلين عن العشائر والقرى والارياف جاءوا من كل مكان من درعا وطرطوس وريف دمشق ومن حماة واللاذقية وكلهم يتحدثون بنفس لغة الرئيس الاسد ولكن الى حد معين، حيث يقولون ان سورية بلد متنوع على خلاف الدول الاخرى، ويقول سلمان الحمدان احد الحضور ان ‘الخلاف الطائفي ليس موجودا في بلدنا، المسلمون والمسيحيون هم سواء، والحديث عن انقسام هو مؤامرة، وهناك البعض ممن اختار الاخلاص لوطنه واخرون ليسوا كذلك ولكن لاسباب شخصية’.

نرفض الاضطهاد

ويقول فيسك ان المرأة الوحيدة التي كانت جالسة اعطته ورقة فيها قائمة من المطالب جاء فيها: ‘ جئنا من كافة قطاعات الحياة السياسية’ وتمضي بالقول: ‘نرفض العنف والاضطهاد والمذابح الطائفية وتدمير التراث الثقافي السوري’. مشيرا الى ان كلمة القمع يعرف الجميع انها كانت وراء النار التي تشتعل في سورية. وينقل ما قاله احد الحاضرين ‘كل حكومة ترتكب اخطاء’، معلقا انه يقصد في ذلك المخابرات التي ادت تصرفاتها المتغطرسة ضد اطفال وصبيان درعا الى اندلاع الانتفاضة. ويتساءل الكاتب هنا عن السبب الذي يجعل هؤلاء الموالين للرئيس يقولون له ان مخابراته هي التي جلبت الكارثة على البلاد؟ لان هذه الاجهزة لم تلوث فقط حزب البعث والرئيس بل و’الجيش العربي السوري’ الذي يحاول التصدي للمشاكل التي سببها العنف المشرعن الذي قام به رجال بالزي المدني اي المخابرات. ونقل عن كاتب في ‘محكمة الارهاب’ قوله ان هناك الف ملف يأتي للمحكمة يوميا وهو عدد كبير يعطي فكرة عن اعداد المعتقلين داخل سجون النظام، ولكن العدد، حسب مصدر سوري مطلع، هو مثل حساب في البنك، ويعبر فيسك عن الخوف الذي يرتفع وينخفض بناء على المرات التي يقوم فيها الامن بالتفتيش والاعتقال. فان تم اعتقال الف شخص كل يوم فهناك الف اخر يتم الافراج عنهم غدا. ويشير الى ان اجهزة الامن في الدولة تقوم بعملية ضبط النفس وتقييد عمليات الاعتقال للاشخاص الذين يعتقدون انهم يمثلون خطرا مباشرا عليهم وعلى الاسد وعلى النظام، فلم يعد لدى الاجهزة هذه الوقت الكافي او المصادر لملاحقة المتظاهرين، ولا تقع المناطق الريفية الواسعة تحت سيطرتهم التي كانوا يتجولون فيها بحرية.

محاكمة رجال المخابرات

ويضاف الى هذا ان الجيش كما تشير بعض الادلة يقوم بدفع رجال الخوف الى الوراء للتأكيد على اهمية دوره باعتباره حجر الاستقرار الذي تقوم عليه الدولة. ويضيف ان الاستخبارات العسكرية التي تقوم ولاول مرة بالتعامل مع المدنيين تقوم باصدار اوامر متجاوزة قيادات الاجهزة الامنية، فالجيش اليوم هو الذي يقود العملية الامنية، خلافا للسابق حيث كانت الاجهزة العسكرية الامنية تعطي الاوامر للجيش، فالجيش الآن هو في مقعد القيادة، حيث يقوم القادة الميدانيون وليس الشرطة باصدار الاوامر. وينقل عن اشخاص لهم علاقة بالموضوع قولهم ان هناك الكثير من الحالات التي تم فيها اعتقال مخابرات بالزي المدني شهدوا عمليات ترويع للمدنيين وتم تقديمهم لمحاكم عسكرية.
وقال فيسك إن’هذا يعني ان الجنرالات والعقداء ليس لديهم اي استعداد للعب دور الممثل الغبي امام بلطجية النظام. وعلى الرغم من كل هذا فالجيش هو مؤسسة شرسة والاسد لا يزال القائد العام له ولا احد يشك في ولاء الجيش له. مشيرا الى ان الامم المتحدة لديها عدد هائل من الملفات عن جرائم تقول ان جنودا نظاميين ارتكبوها. ومن هنا ففكرة تخلي الرئاسة عن الاجهزة الامنية تظل اسطورة، لان الدولة العسكرية تحتاج دائما الى حراس من البوليس السري، يضاف الى هذا ان اعداء الاسد داخل الاجهزة الامنية لن يقبلوا بسيطرة الجيش عليهم وعلى قرارهم، لان الجيش يمثل خطرا عليهم اكبر من الاسد نفسه، فالمخابرات تذهب وتعود ولكن الجيش باق.

راقبوا الجيش

وبناء عليه يقول فيسك ان شائعات او قصصا تدور في دمشق تتحدث عن ابعاد الجيش نفسه عن الاستخبارات الجوية وعن الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الاسد ماهر. فعندما قتل 45 جنديا على حواجز التفتيش حول منطقة للمعارضة في دمشق قبل ثلاثة اشهر، اتخذ القادة العسكريون قرارهم. وفي الوقت الذي خسرت فيه الحكومة السيطرة على معظم الارياف زاد’ دور الجيش في المدن. ويتحدث الكاتب هنا عن شيء لافت وهو ان تاريخ سورية الحديث اظهر ان الخطر دائما ينبع من المدن، مشيرا الى تهديد الاخوان المسلمين للنظام في القرن الماضي في كل من دمشق وحماة، ولكن الخطر او الانتفاضة تزحف من الريف الى المدن، وما حصل هو ان ابناء الريف الذين هاجروا للمدن انضموا للمقاتلين وهذا يفسر سقوط مدينة الرقة بشكل سريع في يد المعارضة في 4 من شهر اذار (مارس) الماضي. ويختم بالقول ان النظام الذي ولد من حضن الفلاحين يكتشف الان ان اعداءه من داخلهم وهي لحظة رهيبة في تاريخ البعث، وان دولة دستورها غير طائفي تأكلها الطائفية هي لحظة اخرى رهيبة. وفي النهاية يقول فيسك ان على الجميع مراقبة شيء واحد في سورية في قابل الايام، ليس المخابرات ولا الاسد ولا الجيش الحر بل ‘الجيش العربي السوري’.

حرب الهواتف النقالة

وكتب فيسك يوم السبت عن حرب الهواتف النقالة قائلا ان رجلا اوقفه الجنود على حاجز على الطريق السريع في درعا، وصادروا منه الهاتف. ووجد الجندي عليه رسالة تقول ‘انا في المستشفى، بدأ اطلاق النار’، واعتقد الجندي ان هذا الرجل مقاتل يرسل رسالة مشفرة لزملائه فقام باعتقاله.
‘وفي حالة اخرى اوقف شخص هذه المرة على حاجز للمعارضة ـ ووجد المقاتلون صورة لوالد السائق على هاتفه، ولسوء حظه كان والده في كامل زيه العسكري بصفته ضابط، واختفى السائق والحالة هذه. ويشير الى ان الحرب هذه ليست جديدة فقد استخدمت في العراق وافغانستان فطالبان كانت تعدم اي شخص تجد ان هاتفه استخدم للاتصال مع منظمات غربية، ونفس الوضع الان يحدث في سورية.
فمن خلال الهاتف يتم الاتصال مع عائلة المخطوف وتطلب الفدية منهم، مشيرا الى خطف ابن اخ مسؤول سوري اتصل قائلا ان الخاطفين يضربون طالبا توقف عمه عن الظهور في التلفزيون. ويرى فيسك ان الحرب في سورية تتغير، حيث يعمد كل طرف على تغيير اساليبه لاعتقاده انها طويلة ولن تتوقف في القريب العاجل. ويقول ان كتابا سوريين مقربين من الجيش ولكنهم يلتقون ايضا قادة المعارضة هم مصدر هذا التغير. ويقول فيسك ان الجيش السوري لا يتحمل الآن فقدان اي جندي لان مقتله يترك فراغا من الصعب ملؤه. وحتى لو وجد الجنود فان التحايل والتهرب من الجندية اصبحت معلما في حد ذاته، كما ان مجندا جديدا غير مدرب لا يعادل من قضى اوقاتا طويلة في الميدان. ومن هنا بدأ قادة الجيش يعتمدون على الوحدات القتالية الخاصة المكونة من 60 شخصا، خلافا للتكتيك السابق حيث كان يعتمد على كتائب بكاملها. فالجيش السوري لا يواجه فقط قوات من المعارضة العلمانية المفضلة للغرب بل مقاتلين اسلاميين من جبهة النصرة المسلحين بعتاد جيد.

مثلث ادلب

ويواجه الجيش السوري نفس المشكلة التي واجهت الامريكيين في العراق سابقا، اي السيطرة على نفس المنطقة التي اخرجوا منها المقاتلين في السابق، فمثلا استعاد الجيش دوما قرب دمشق من المقاتلين ثلاث مرات في خلال 18 شهرا الماضية وعاد المقاتلون اليها خلال شهر حسب جندي سابق في القوات الخاصة، حيث قال ‘في الماضي كان الجيش الحر يقول انه انسحب تكتيكيا، ولم يعد الوضع كهذا فالجهاديون جاءوا ليموتوا’.
ويشير الى مشاكل الجيش الذي رضي بوضع نقاط تفتيش وحواجز حول المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الذين سايروا الجيش على خطته، ثم قام المقاتلون في حرستا وقبل ثلاثة اشهر بهجوم قتلوا فيه كل الجنود على نقاط التفتيش هذه مما شكل ضربة قوية للجيش واستراتيجيته. ويشير الى انه منذ ان تبنى الجيش استراتيجية ‘الشجرة’ للدفاع وهي الحفاظ على المدن والشوارع الرئيسية والانسحاب من الارياف، فانه يواجه نفس المشكلة التي واجهها الجيش السوفييتي في افغانستان الذي اكتشف ان الارياف واسعة وفوق قدرتهس للحفاظ على الشوارع الرئيسية مفتوحة.
ويختم بالقول ان الحكومة السورية عملت في السابق مع الاسلاميين الذين تمركزوا في ادلب، حيث كانت سي اي ايه تشير عام 2005 الى ‘مثلث القاعدة’ في ادلب من اكثر المناطق قوة لنقل المقاتلين لداخل العراق.
والساخر في الامر ان مثلث ادلب يقع تحت سيطرة المقاتلين. ويشير الى نكتة في النهاية حيث يقول ان قوات الحكومة كانت تقاتل المعارضة في حرستا من غرفة لغرفة حيث صرخ احد المقاتلين ‘ان كنتم سنة من ادلب تعالوا وانضموا الينا’ فتلقى شتيمة من جندي عن امه، فرد الاخر لم اشتم امك اترك امي لوحدها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الحمايده من الاردن:

    الغريب لماذا تم وضع صوره للجيش العربي الاردني الذي لم تتلطغ يداه في دماء اي عربي والخبر عن جيش النظام السوري الملطخ يداه بدماء الشعب السوري الذي من الواجب علية ان يحميه ارجو حذف الصورة ووضع صوره قريبه من الخبر وشكراً

إشترك في قائمتنا البريدية