صور قبيحة للنظام العربي: من الوفد الوزاري إلى قانون العزل السياسي

جدفت في الأسبوع الماضي بين كثير من المواقع الشبكية والمحطات الفضائية والصحف الورقية، على قلتها هذه الأيام، علّي أعثر على خبر يرفع المعنويات ويرد للنفس شيئا من أمل مبعثر، أو ألتقط قبسا يثير شيئا من الدفء لأعلل النفس بأن هذا هو الرذاذ الذي ينهمر بعده المطر، فلم أجد إلا رزمة من الأحزان والمصائب والهزائم يتحمل مسؤوليتها أساسا النظام العربي الواحد أو شبه الواحد. هذه الأنظمة العربية التي لم تتعلم من دروس التاريخ شيئا ما زالت تتصرف كأنها المالك الحصري للبلاد، من دون إعطاء أي وزن للشعوب أو همومها أو مشاعرها أو خياراتها. وأود أن أشارك القراء الأعزاء في الاطلاع على صور أربع قبيحة صادرة عن النظام العربي الرسمي، الذي تعود الهوان والمذلة إذا تعلق الأمر بأعداء الأمة التاريخيين، بينما يستنمر ويتعملق إذا تعلق الأمر بالشعوب ومطالبها البسيطة في شيء من الحرية والكرامة والعيش الكريم.
الصورة الأكثر إذلالا: قام وفد عربي برئاسة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بزيارة رسمية لواشنطن يوم 30 نيسان/أبريل الماضي، للقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وقد ضم الوفد كلا من وزراء خارجية قطر والبحرين وفلسطين ومصر، بينما مـثلت دولتان على مستوى السفير في واشنطن، وهما المملكة العربية السعودية ولبنان. وانضم نائب الرئيس جو بايدن للاجتماع عندما علم أن الوفد جاء ليقدم تنازلا مهما يتعلق بتعديل مبادرة السلام العربية لعام 2002.
الغريب في الأمر أن الوفد قدم هذا التنازل التاريخي المتعلق بقبول فكرة تبادل الأراضي، بدون سبب وبدون ثمن وبدون ضغط وبدون تفويض من أحد. فمن يفتح باب التنازل عن أرض ليست ملكه لا يتورع غدا أن يتنازل عن الوطن جميعه. وهي الخطوة التالية التي طالب بها كيري وأوباما من قبله وهو الاعتراف بيهودية الدولة. فمن فوض هذا الوفد أن يتنازل عن أراضي أهل فلسطين؟ هل استشرتم يا سادة سكان البلدان المحيطة بالقدس، حيث أقيمت تلك المستوطنات؟ هل فوضكم أهالي شعفاط وبيت حنينا وعناتا والرام وكفر عقب والسواحرة وأبو ديس وبيت إكسا والعيزرية والطور والدوايمة وراس العامود وسلوان، للتنازل عن أراضيهم لقطعان المستوطنين، أم أنكم لم تسمعوا بهذه البلدات من قبل التي أقيم على أراضيها سلسلة من المستوطنات تلتف حول القدس كحبل المشنقة؟ لماذا تغطى الوفد العربي بغطاء فلسطيني باهت؟ ألم يكن أشرف وأفضل أن يعلن الوزير الفلسطيني أنه لا يملك مثل هذا الحق حتى يمنحه لغيره؟
أم أن الحقيقة أن هذا هو الموقف الفلسطيني الرسمي الأوسلوي الذي فرط في كل الثوابت وتجاوز كل الخطوط الحمر، وجاء هذه المرة يتلحف بغطاء عربي كي يقال هذا هو الموقف العربي، وهل يستطيع الفلسطينيون أن يقفوا في مواجهة إسرائيل وحدهم؟ وكما رد شارون على مبادرة السلام العربي عام 2002 بالرفض والتهكم، لم يعر نتنياهو التنازل الجديد أي اهتمام وعاد وطالب بالاعتراف الصريح بيهودية الدولة، وهو أخطر بكثير من هذا التنازل المجاني كما وضحنا في مقال مستقل.
الصورة الأكثر قهرا: للمرة الثانية في أقل من أربعة أشهر يعود سلاح الجو الإسرائيلي ويخترق المجال الجوي اللبناني، ويقصف مواقع إستراتيجية في مناطق الهامة وقاسيون وجمرايا قرب دمشق يوم الأحد 5 أيار/مايو، فيدمرها على من فيها ويعود سالما بدون أن تطلق عليه ولو طلقة واحدة. والغريب أن موقع جمرايا هذا قد تم استهدافه في 30 كانون الثاني/يناير الماضي. فلم لم يتم أخذ الحيطة والتيقظ من تكرار الضربة؟ أم أن قدر النظام العربي أن يأكل مئة كف سهواً؟ رد النظام على هذه الصفعة التي استغلت الأوضاع الداخلية المتفجرة كان شبيها بالردود السابقة بالاحتفاظ بحق الرد في المستقبل. لكن هذه المرة، قال النظام إنه سيسمح للفصائل الفلسطينية بالقيام بعمليات مقاومة انطلاقا من الجولان المحتل، وهذا يعني أولا أنه كان يمنعها من ذلك، وثانيا أنه يريد الرد بالدم الفلسطيني، وثالثا يوحي هذا الموقف بأن المقاومة الفلسطينية عبارة عن مجموعة أزرار يضغط عليها النظام متى يشاء. بعض الفصائل الفلسطينية قبلت أن تلعب دور الأزرار، كما حدث في ذكرى النكبة عام 2011 عندما حاول شبان فلسطينيون اختراق حدود الجولان فتمت تصفيتهم دونما سبب إلا تسجيل موقف يجير سياسيا لصالح النظام المأزوم.
وكما أننا ندين هذا العمل العدواني الجبان، نشعر بالحنق الشديد على كافة الدول والقوى والفصائل والمنظمات التي لم تدن هذا العدوان الإجرامي وتعلن موقفا واضحا من الاعتداءات الإسرائيلية على أرض عربية ومقدرات عربية كانت قبل النظام السوري وستبقى بعده. إن إدانة هذا العدوان لا علاقة لها بالموقف من النظام، فسورية الوطن والتاريخ والحضارة والمقدرات أبقى وأثمن وأغلى من أي نظام. إن الصمت على هذا العدوان السافر يعتبر شراكة غير معلنة مع العدو الصهيوني.
الصورة الأكثر ظلما صوت البرلمان الليبي يوم الأحد 5 مايو، تحت تهديد الجماعات المسلحة على قانون العزل السياسي لكل من عمل مع النظام السابق. وظلت عشر سيارات مسلحة تحاصر وزارتي العدل والخارجية حتى تم تمرير القانون. وقد صوت 160 من أصل 163 من أعضاء البرلمان الحاضرين لصالح القرار.
ولو طبق هذا القانون حرفيا لشمل أكثر من 500 الف ليبي، من بينهم رئيس الوزراء علي زيدان نفسه، الذي عمل دبلوماسيا لغاية انشقاقه عن النظام عام 1980، من موقعه في السفارة الليبية في الهند. وماذا عن الدبلوماسيين الذين قادوا حملة الانشقاقات عن العقيد وعزلوه دوليا؟ أتمنى ألا يأتي يوم ويندمون على ما قاموا به. لفت انتباهي تصريح مهم للمحامي سالم قواطين في مدونة ليـبـيا المستقبل: ‘إن قانــــون العــزل السياسي بصيغته الحالية، يصـدر أحكاماً عـامة بالعزل السياسي ضد كثــير مـن الليبـيـين، ليــس بسبب أفعـال مجـرمة ارتكبوها، ولكن بسبب وظائف شغلوها في زمن لم يكن لهم خيار في العيش فيه، ولم يكن لهم بديل عن العمل. إن هذا القانون إذا ما اعتمد فسيحفر شرخا عميقا في المجتمع الليبي، ويخلق فجوة في العلاقات الاجتماعية، تمتــد إلى الأجيال القادمة، ويحمل وزرها وأثقالها أبناء وأحفاد المعزولين سياسيا بدون حكم قضائي عادل ونزيه.’
هذا القانون يذكرنا بقرار بول بريمر، حاكم العراق الأول زمن الاحتلال الأمريكي عندما أصدر فرمانا لـ’اجتثاث البعث’ يوم 16 مايو 2003، الذي أدى إلى تسريح مئات الألوف من الموظفين العاديين ومتوسطي المراتب الذين كانوا يدخلون حزب البعث وسيلة للترزق وتسهيلا للمعاملات لا عن قناعة. وقد شكل هؤلاء بالإضاقة إلى الجيش الذي سرحه بريمر، العمود الفقري للمقاومة الشرسة التي خاضها الشعب العراقي ضد المحتل وأجبره على لحس كرامته والانسحاب المهين. المشهد يتكرر مع حكام ليبيا الجدد. فكم من الشرفاء والمهنيين وصغار الموظفين ومديري الإدارات اضطروا للعمل مع أجهزة الدولة، تأمينا لرزق أو اتقاء لشر العقيد المهوس، ثم لماذا يعاقب الناس على القيام بعمل داخل بلادهم حتى لو كان جهازا أمنيا ما دام لم يمارس القتل والظلم والاغتصاب واللصوصية. نتفهم تماما أن تجتث من السلطة الجديدة تلك الزبانية الفوقية المافيوية التي كانت تشارك العقيد في اضطهاد الشعب الليبي وسرقة أمواله وبعثرتها، لكن مجال العفو والإصلاح والتغيير يجب أن يظل مفتوحا إن لم يكن من أجل هؤلاء الموظفين فمن أجل عائلاتهم.
الصورة الأكثر عنجهية: رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بخبطة واحدة أغلق يوم الأحد 30 نيسان/أبريل الماضي عشر قنوات فضائية بتهمة التحريض الطائفي، من بينها قناة الجزيرة وثماني قنوات تابعة للسنة وقناة تابعة للشيعة.
برافو سيد مالكي، نهنئك على هذا الانتصار العظيم الذي سيؤرخ لفترة جديدة خالية من التجاذب الطائفي، ينعم بعدها أهل العراق جميعا بالماء والكهرباء والأمن والأمان وتقاسم خيرات العراق فلا يبقى جائع ولا عاطل ولا أميّ ولا مشرد ولا سجين رأي. وسيفض الغاضبون اعتصاماتهم السلمية عن قناعة لأن عصر ‘دولة القانون’ قد بدأ وعصر الطائفية قد ولّى. سيبدأ السيد المالكي منذ الآن باجتثاث كل أثر إيراني في بلاده، على طريقة قانون اجتثثاث البعث عن طريق المخبر السري، وسيتوقف عن إرسال متطوعين طائفيين للدفاع عن مواقع في سورية تصنف طائفيا. أما شهداء مدينة الحويجة يوم 23 من نفس الشهر فسيرقدون أكثر راحة بعد أن اجتث المالكي الأسباب التي حرضتهم على التظاهر السلمي الحضاري المكرس لأهداف مطلبية، حيث على علمنا لم يهتف أحد منهم ‘الشعب يريد إسقاط النظام’ فما كان من شبيحة المالكي وكتائبه المدججين إلا أن فتحوا النار وخلفوا وراءهم ما يزيد عن 200 بين قتيل وجريح.
وأخيرا نذكر أن الشاعر أحمد فؤاد نجم عندما سئل لماذا يهجو الأنظمة العربية دائما فقال: ‘دلوني على واحد يستحق المديح وسأمدحه’.

‘ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    يا جماعة انا فلسطيني – اعلموني من هو وزير خارجية فلسطين؟؟ هل توجد في فلسطين وظيفه كهذه – والله ليس من باب الاستهزاء وانما اول مرة اسمع بهذا اللقب .

  2. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    تعرفوا كيف استقبل نتانياهو جو بايدن في جامعة تل ابيب ؟؟
    قدم له هدية بصورة برواز زجاجي مكسور. ادعى نتانياهو انه تكسر بالخطأ وكانت مناسبة للتودد بينهما. بينما ماذا قدم العرب لليفني وشارون من هدايا وقد بيعت بالمزاد العلني لكي ينفضح ملوك العرب لان القاون الاسرائيلي لا يجيز للنؤولين تلقي الهدايا- ساعات ذهبيه وسيوف مرصغة باللؤلؤ وملك يجاور اسرائيل الان في ذمة الله اراد ارسال فرس اصيل لشارون ولكن شارون اعتذر لانه لا يستطيع اخذه.واخر مرة زار اوباما اسرائيل وضعوا له السولار بدل البنزين في سيارته.
    تخيلوا لو حدث ذلك بدزلة عربية لطارت رؤوس . وبالنسبة للهدايا اليس اعظم ان تستر ابن بلدك من الجوع والذل بدلا من اهداءه للغرب.ولكن ….

  3. يقول عبدالله الفقير ليبي حر وليس من ثوار الناتو:

    ليس لدى مااقوله لكم عن حكام العرب وعن مايسمى بالجامعة العربية الا كلمة واحده الى السيد كاتب المقال ان حكام العرب العملاء قد باعوا حتى كرامتهم فكيف نلومهم على بيع الوطن وهم لاكرامة لهم يتسابقون الى اسيادهم للتنازل عن كل شئ بما فيها الشرف فلا تتعب نفسك يااخى لقد اصبحبنا اضحوكة للعام بقرارات هؤلاء العملاء سوف يكونوا فى مزبلة التاريخ

إشترك في قائمتنا البريدية