رئاسة أحمدي نجاد بين الجدل والاضطراب

حجم الخط
0

ارتبطت تجربة أحمدي نجاد الرئاسية بالجدل والاضطراب منذ بدايتها، وكشفت حصيلتها بوضوح حجم المعضلة الهيكلية التي يعاني منها النظام السياسي الإيراني.
قدَم نجاد نفسه للإيرانيين باعتباره طريقا ثالثا بين الإصلاحيين والمحافظين، مكسرا التقاليد المتعارف عليها في شخصية رئيس الجمهورية، وتميزت رئاسته بأكثر من محطة صدامية، كان معظمها ضد التيار اليميني المحافظ، بمن فيهم المراجع الدينية وأنصار المرشد خامنئي، وقيادات الحرس الثوري، أما أسباب الصدام فكانت في الغالب ثقافية، أوسياسية، أو قانونية.

عقيدة وفكر نجاد
عرف نجاد بكونه صاحب عقيدةٍ وأفكارٍ لا يتردد في التعبير عنها، ابتعد عن التلفيق بين النظريات الإسلامية والغربية، لكنه لم ينجح في تقديم قناعاتِه ضمن منهج فكري منسجمٍ يحظى بالحد الأدنى من القبول، مما جلب عليه الكثير من الانتقادات والمتاعب.
تُمثل المهدوية أهم عنوانٍ عقدي في خطاب نجاد، فمنذ بداية رئاسته وهو يتحدث عن دور المهدي المنتظر في رئاسته وتدبير حكومته، ولم يتردد في التبشير أكثر من مرة بقدوم المهدي من على منبر الأمم المتحدة.
لقي هذا التوجه انتقاداتٍ شديدة من المرجعيات الدينية في قُم، ومن كل الأطياف السياسية الإيرانية، بل وأثار أيضا حفيظة المرشد علي خامنئي الذي رأى فيه تراميا على صلاحياته الدينية.
لم يسبق لأي رئيسٍ إيراني أن وظف عقيدة المهدوية في خطابه السياسي، كما فعل أحمدي نجاد، الأمر الذي جعل خصومه السياسيين ينظرون إلى ذلك التوظيف كمنافسة غير شريفة، وتغطية على فشله في إدارة البلاد.
وإلى جانب المهدوية، روج أحمدي نجاد خلال رئاسته أيضا لمفهوم ‘الإسلام الإيراني’، وهو مفهوم يسعى إلى المزج بين عناصر التشيع الإثني عشري ومقومات الثقافة الفارسية القديمة، إلا أن الفقهاء اعتبروا هذه النظرية محاولة لهدم إسلامية الدولة، واستهدافا لعقيدة النظام. ويبدو أن حديث نجاد عن ‘الإسلام الإيراني’ ليس سوى استمالة للتيار القومي الإيراني، وبحثا عن هُوية إيرانية متفردة وبعيدة عن المجال العربي الإسلامي.
ويشكل موقف أحمدي نجاد من المرأة تعبيرا ثقافيا متميزا، إذ عبر عن رفضه للحملات التي تشنها الشرطة لملاحقة النساء في الشوارع بتهمة ‘عدم الالتزام بالحجاب’، كما سبق له أن عبر عن تأييده لحضور النساء لمشاهدة مباريات كرة القدم.
خطاب نجاد
اعتمد نجاد خطابا غير مسبوق في تاريخ الرئاسة الإيرانية، حيث استخدم لغة الشارع في مخاطبته للشعب أو نخبه، أو مجلس الشورى الإسلامي، أو الصحافة، وهي لغة تكاد تخلو من الأدبيات والأساليب السياسية، ويكثر فيها استخدام المستملحات والفذلكات اللغوية والأمثال والحكايات، وقد سبق لأعضاءٍ في مجلس الشورى أن قدموا احتجاجا للرئيس دعوه فيه إلى رفع مستوى لغة خطابه، وتجنب ابتذال منصب رئيس الجمهورية.

نجاد بين الاضطراب والاصطدام:
يُعد أحمدي نجاد من أكثر الرؤساء الإيرانيين إقالة لفريقه الحكومي، فقد أقال 13 وزيرا، كان آخرهم وزير المخابرات حيدر مصلحي الذي عاد إلى منصبه بقرار من المرشد علي خامنئي في 19 نيسان/أبريل 2011، وقبله أقال وزير الخارجية السابق منوشهر متكي في 13 كلنون الاول/ديسمبر 2010، وهو في مهمة رسمية خارج البلاد، بينما بلغ عدد المستشارين الذين أقالهم نجاد نحو 14 مستشارا.
ولم يسبق لأي رئيس إيراني أيضا أن اصطدم بالمرجعية الدينية كما حدث مع أحمدي نجاد، وتعود أسباب هذا الاصطدام بالأساس إلى إصرار نجاد على موضوع ‘المهدوية’، الذي اعتبره آيات الله استفزازا لهم، لأنه جرأة من غير المتخصص، وتقويض للمؤسسة الدينية، وفي نظر أنصار خامنئي تطاول على صلاحيات الولي الفقيه.
هناك أيضا قناعة متأصلة عند نجاد بفساد الكثير من الشخصيات الدينية، لتورطهم في قضايا اختلاس ورشى، وامتيازاتٍ ضريبية واقتصادية غير مشروعة، وقد فشل نجاد في محاصرة هؤلاء، وذلك بعد فشل خطة تسريبات عرفت في الصحافة الإيرانية
بـ’تسريبات باليزارد’، وهي تسريبات قام به عباس باليزارد الرئيس السابق لمكتب دراسات البنية التحتية في مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي، ومراجع الحسابات في المحكمة العليا بشأن ملفات الفساد، وتتضمن اتهاماتٍ صريحة بالفساد المالي والاقتصادي لنحو 44 شخصية مؤثرة في النظام، من بينها 9 شخصيات دينية معروفة.
اتُهم باليزارد بالمساس بالأمن القومي، وعند التحقيق معه اعترف بأن أحمدي نجاد كان وراء تلك التسريبات بهدف النيل من خصومه السياسيين.
وفي المقابل يرفع الفقهاء المقربون من خامنئي مجموعة من العناوين يبررون بها سخطهم على نجاد، وهي: مواقفه بخصوص المرأة، وحديثه عن الإسلام الإيراني، وقربه من اسفنديار رحيم مشائي المتهم بالانحراف العقدي.
أما مجلس الشورى الذي يسيطر عليه التيار المقرب من خامنئي، فلم يكن يوما موافقا على توجهات نجاد وسياساته، إذ ظل المجلس طوال السنوات الماضية معاكسا للرجل، وظل الطرفان إلى اليوم يتبادلان الاتهامات في ما بينهما.
تعمق الاصطدام بين الطرفين بخصوص مجموعة من القوانين التي اعتبرها المجلس مخالفة للدستور، وبلغ الصراع بينهما أوجه عندما استدعى المجلس أحمدي نجاد للمساءلة في مارس 2012، وهي المرة الأولى التي تتم فيها مساءلة الرئيس في مجلس الشورى الإسلامي، وكاد هذا الأمر أن يتكرر في تشرين الاول/ أكتوبر 2012 تحت عنوان عدم كفاءة الرئيس في إدارة أزمة انهيار العملة الإيرانية، لكن تدخل خامنئي أوقف هذا المسار في لحظاته الأخيرة، لكن ذلك لم يمنع المجلس من مساءلة وزير العمل مطلع شباط/فبراير 2013، وقد عرفت هذه المساءلة صداما مباشرا وصل إلى تبادل التهم بالفساد بين نجاد ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني.
ويعتبر قرار السلطة القضائية بمنع أحمدي نجاد من زيارة سجن (إفين) بطهران في أكتوبر 2012 من أهم محطات الاصطدام بين الطرفين، ذلك أن الدستور يعتبر السلطة القضائية هي المتكفل الوحيد في الدولة بإدارة السجون، وقد برز نجاد في هذا الموقف كموظف حكومي فقط، ولم تنفعه صفته الرئاسية في انتزاع زيارة إلى سجن العاصمة.
دخلت علاقة خامنئي بنجاد في مسلسل من الاضطراب والاصطدام، وذلك منذ أصر نجاد على استخدام المهدوية ضمن خطابه السياسي، كان هذا الأمر مزعجا لخامنئي باعتباره الشخص الوحيد في النظام الذي يملك مفتاح هذا الموضوع، فهو النائب الشرعي للإمام المهدي، وأي جهة تسعى للتبشير بقرب عودته هي في الحقيقة لا تبشر سوى بنهاية سلطة الولي الفقيه.
أما إقالة نجاد لمنوشهر متكي وزير الخارجية المحسوب على خامنئي، فقد كانت إعلانا للخلاف بين الرجلين في إدارة القضايا الخارجية. وعندما حاول نجاد أن يكرر ذات الموقف مع حيدر مصلحي وزير المخابرات المحسوب أيضا على خامنئي، تدخل هذا الأخير، وأعاد الرجل إلى منصبه، فكان الموقف سببا في تفجر أزمة غير مسبوقة في تاريخ صراع الرئاسة والمرشد.
بينما بدأت العلاقة بين نجاد والحرس الثوري بالتوتر منذ شرعت الحكومة في ممارسة الرقابة على أنشطة الحرس الاقتصادية والتجارية. وسعيا منه لإبعاد الحرس الثوري عن مواقع حساسة في حكومته، أقال نجاد في فبراير 2010 وزير النفط مير كاظمي، وحاول إقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي في نيسان/أبريل 2011، والرجلان من الشخصيات التابعة للحرس الثوري في حكومته، وفي المقابل كان رد فعل الحرس الثوري سريعا، إذ تعرضت مجموعة من الشخصيات الحكومية والاقتصادية الموالية لنجاد للإقالة أو الاعتقال والمحاكمة بتهم الانحراف العقدي والفساد المالي والإداري.
اصطدم أحمدي نجاد مع رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وذلك أثناء حملته الانتخابية سنة 2009، حيث اتهم نجاد أسرة رفسنجاني في مناظرة تلفزيونية بالفساد المالي والاقتصادي، وقد تسببت هذه الاتهامات في توتير العلاقة بين رفسنجاني والمرشد خامنئي الذي كان حينها داعما لأحمدي نجاد.
اصطدم نجاد أيضا مع قيادات وأنصار التيار الإصلاحي، وكان متحمسا للاعتقالات والمحاكمات التي تعرض لها وزراء ومثقفون وديبلوماسيون من الإصلاحيين بعد أحداث انتخابات 2009.
كانت مواجهة أحمدي نجاد لقضايا الفساد بدورها سببا صداميا مع جهات نافذة في النظام، حيث هدد الرجل بكشف ملفاتٍ ووثائق تفضح تورط أسماء مؤثرة وكبيرة في النظام بقضايا فساد مالي واقتصادي، وتعتبر تسريبات ‘باليزارد’ خطوة في هذا الاتجاه، لكن المفاجأة التي حدثت عند الجميع هي الاتهامات والاعتقالات في صفوف مقربين من أحمدي نجاد في قضايا فسادٍ مالي غير مسبوقة، وكان أهمها قضية الملياردير الإيراني أمير منصور خسروي التي هزت إيران سنة 2011، وصفها رئيس وحدة التحقيق القضائي بأنها من أكبر قضايا الفساد المالي في تاريخ إيران، فقد تم فيها الاستيلاء على ما يقارب ثلاثة مليارات دولار، وتهريبها على ما يبدو خارج البلاد، والمتهم الرئيس في القضية هو الملياردير أمير منصور خسروي الذي احتال على بنوك إيرانية عدة منذ عام 2007 بناء على سلسلة من القروض المصرفية، تم سحبها من مصارف عدة، كان أبرزها ‘بنك صادرات ايران’، وهي قروض مالية كانت تستخدم لشراء الشركات المخصخصة من قبل الدولة، لتستخدم هذه الشركات كضمان للحصول على قروض أكبر.
استنكر نجاد الاتهامات التي طالت مقربيه في هذا الملف، واعتبرها تصفية سياسية لفريقه الذي وقف أمام المفسدين المتحكمين في السلطة والثروة في إيران.
حاول أحمدي نجاد أن يُعيد لمنصب الرئاسة وهجه الثوري، إلا أن تقديره المبسط للأزمة في الجمهورية الإسلامية أدخله في مسار من الاضطراب والصدام مع جهاتٍ وشخصياتٍ يعتبر بعضها من ركائز النظام.
وقد كان منهج نجاد مفيدا للمرشد علي خامنئي من حيث فاعليته في تحييد التيار الإصلاحي، لكنه لم يكن مفيدا لهذا الأخير من جهة كونه يطرح ازدواجية التمثيل السياسي والديني للثورة وشرعيتها.
ويبدو مما يجري حاليا في إيران من استعدادات سياسية وقانونية، وما يصاحبها من عزل سياسي لتيار أحمدي نجاد، أن رئاسيات الصيف المقبل لن تحمل معها حلا لمعضلة الرئيس/المرشد، التي ستبقى ملازمة للنظام السياسي الإيراني، حتى يقوم بمراجعات في نظرية الولي الفقيه، والتي ستقود نتائجها بلا شك إلى إصلاحات دستورية جذرية تعيد الاعتبار لمؤسسة الرئاسة في بنية النظام الإيراني.
باحث مختص في الدراسات الإيرانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية