حرية الإعلام في المغرب: الصوت والسوط!

حجم الخط
0

تختلف طريقة تعاطي المجتمعات مع الإعلام، فبين الدول المتقدمة، والدول المتأخرة، وحتى تلك التي تدّعـي الحضارة نجد هوة شاسعة، كل حسب وعيه وإيمانه القويم بدور هذه السلطة الرابعة كأساس تبنى عليه الحضارة. هذه الأخيرة التي تقاس بمدى ثقافة الشعب ووعيه، فلا حضارة لأمّة تخلف شعبها.
عندما نتكلم عن الإعلام في المجتمع العربي، فإننا نتحدث عن مفهوم جديد ومحتشم لم نتجرع حقيقة معناه بعد، هذا المفهوم الدخيل على مجتمعاتنا والذي لم نعترف بأحقيته في أن يمارس بديمقراطية، وليس تحت المسطرة الآمرة الناهية.
مما يحتّم علينا استحضار وبقوة مفهوما آخر أي الحرية، الحرية في الإعلام والإعلام في حريته، هذه الثنائية التي جعلت إعلامنا العربي المستقل يسقط في دوامة الممـكن واللاممكن، أي مسألة حرية التعبير، ولا خلاف عن كون حرية التعبير أساس الديمقراطية وهذا ما يفسر تخلّف شعوبنا وعدم تشبعها بالديمقراطية، ولعل الحكام العرب أول الواعين بما سبق والدليل تسخيرهم كل الجهود لتكميم الأفواه وجعل الإعلام صوتا للسلطة. لإغماض جفون الحقيقة بتنويم مغناطيسي لحس الإدراك، يجعل من الشعب أجمع يرى بعين ضيقة ويردد ”العام زين والغلة كثيرة’ على حد تعبير المثل الشعبي المغربي.
فالمغرب مثلا، وإن كان قد صادق على أغلب الاتفاقيات الدولية التي تخص حرية التعبير، بل ويعمل ولو سطحيا على بلورتها والنهوض بها، فهو في الحقيقة لم يحقق ذلك الإنجاز العظيم على أرض الواقع والمتمثل في في التوازن بين النصوص والواقع، بل إن جل ما تحقق لا يعدو كونه محاولة يائسة لذر الرماد في العيون. حرية التعبير أو حرية الصحافة منصوص عليها في الدستور المغربي، هذه النصوص التي نحفظها عن ظهر قلب، لكن ومع ذلك كل تلك الحريات المنصوص عليها تبقى مجرد لغة خشبية لم تر النور لتحرك الأقلام الصامتة وضمير البكماء، كل تلك الحريات المنصوص ملغمة بقيود غير معلنة لكن نتداولها في صمت.
وأمام هذا الوضع الذي تتخبط فيه الصحافة المغربية، فإن الأمر أصبح بمثابة مغامرة للجسم الصحفي المغربي الذي يحسب ألف حساب لتحرير خبر أو تحقيق ما. وبالتالي لا يسع الإعلام الوطني أن يحظى بمكانة متقدمة في ظل وجود رقابة تحتم على الأقلام الصحفية أخذ الحيطة والحذر كي لا يسقطوا في مطب الخطوط الحمراء كما يحبون تسميتها والتي قزّمت حرية التعبير وإبداء الرأي وجعلتهم يصيغونها على مقاسهم ومزاجهم كثوب يرتدونه للظهور بصورة أنيقة ومجاهدة في سبيل الحق.. وحاشا لله أن تتعرى الحقيقة وتظهر مفاتنها.
صحيح أن الصحافة المغربية تنقسم لما هو حزبي (صحافة الأحزاب التي تمثل نفسها) وما هو مستقل (أقصد صحافة تمثل الحكومة ومن يدفع أكثر) ومع ذلك تخضع لقيود أدبيات اللعبة السياسية فلا وجود لصحافة مستقلة بذاتها تمثل الشعب وتعكس صورة الحقيقة ولا أقصد التعميم قدر ما أقصد حكم الأغلبية فلا وجود لصحافة مغامرة تنهج أخلاقيات المهنة بصورة حقيقية، هم لا يفهمون أننا بهذا لا نشوه صورة المجتمع قدر ما نصلح، نوصل الصورة دون فوتوشوب. كي يصححها من انتخبناهم وجعلناهم سند الإصلاح هذه مشكلة الصحافة المغربية لا تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها ولا تكل وتمل من النفاق. طبعا مع إحترامي لبعض الأسماء الصحفية التي تتحدى أصحاب البدل الرسمية والرافاطات وتسبب لهم القلق من خلال تحقيقاتها وعملها على ملفات حساسة وتحاول فضح خفافيش الظلام ولصوص المال العام وتكسر حاجز التابوهات بجرأة مما يؤدي احيانا كثيرة الى وأدها وتكميم أفواهها.
للأسف كل من يغرد خارج السرب فمصيره إما السجن أو المنع، كما هو الشأن بالنسبة لعلي لمرابط الذي طاله حكم يقضي بمنعه من الكتابة لمدة عشر سنوات، وأبو بكر الجامعي الذي حوصر اقتصاديا من طرف المتحكمين في صنبور الإشهار فاضطر مرغما لإعلان إفلاس مجلته لوجورنال… إلخ واللائحة طويلة.
وما كاد الجسم الصحفي يلتئم بعد إطلاق سراح صاحب عمود الرأي ”شوف تشوف” بجريدة ‘المساء’ المغربية رشيد نيني، إلا وعدنا مرة أخرى لموال ندب الحظ بعد إعتزال نون النسوة وواحدة من الأقلام الحرة، الإعلامية فاطمة الإفريقي التي لم تتردد في كتابة مقال نشرته في الصحف المغربية سمته المقال الأخير بعد أن ضاقت ذرعا بالرقابة والمضايقات الأمنية.
لا نريد نصوصا سطحية، نريد أن ترى حقوقنا في الدستور النور، لا نريد أن نكبّل ونكمّم! الحق كل الحق، أن تشمل حرياتنا نطاقا اكبر، أن نكون صوتا وليس سوطا للشعب، نريد التحرر.
اليوم فاطمة الإفريقي وغدا من؟؟ نريد وقفا للتهديد والتعسف…

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية