جمال عبد الناصر… الخال الذي لم أقابله.

حجم الخط
0

في بيت جدّتي كانت صور أخوالي معلّقة بترتيب مقصود في غرفة الجلوس. صور بالأبيض والأسود، كثيرة الشبه.
كنت أنظر إليها وأربط بين أصحابها، هذا خالي علي وذاك خالي خالد وهنا خالي صالح وهذه صورة لهم مجتمعين، يحيط بهم بذراعيه خالي محمّد أكبرهم، وهذه صورة لخالٍ لم أنجح مرّة أن أربط بينه وبين من أعرف من الأخوال. لم أسأل عنه، فالسؤال قد يثير الأشجان، ويوقظ الحزن على الغائبين وهم كثر، فمنهم من مات ومنهم من رحل ومنهم ما زال موجودا في مكان ما ولأسباب كنت أجهلها ولا يستوعبها ذهن ابنة الثمانية أعوام، لا يُذكر إلا بالدمعة والنظرة الشاردة.
لم أسأل، وأيقنتُ أنّ صاحب هذه الصورة هو أحد أخوالي، وحدّدت أيضا ملامح الشبه بينهم جميعا، رغم أنّه كان أكثرهم هيبة ووقارا. في أوّل زيارة لي لبيت صديقة جدّتي في حيفا فوجئت حدّ الارتباك بصورة خالي ‘المجهول’ معلّقة في غرفة الصالون ولكنّها كانت في إطار أكثر أناقة وفخامة تتناسب مع أناقة البيت. أقنعت نفسي بأنّ صديقة جدّتي مخلصة لها لدرجة أن تعلّق صورة أحبابها في بيتها. حينما أطلتُ النظر إلى الصورة قالت صديقة جدّتي بحزن وأسى: ‘الله يرحمو…هو عاد يصير مثلو؟ كان بطل أبو خالد، ما خسرو غير الفلسطينيّة المعتّرين..!’. شاركتها جدّتي في نظرة الحزن والأسى وهزّت رأسها وقالت: ‘أه والله..الله يرحمو..’
كانت هذه الجملة كافية كي تغلق باب أيّ سؤال، هذا خالي، وقد رحل عن الدنيا وقد كان بطلا!
تكرّرت المرّات التي كنت أرى فيها صورة خالي ‘المجهول’ على جدران بيوت كثيرة، وفي كلّ مرّة كان هناك من يقول: ‘الله يرحمك يا بطل..’ وكان هناك من يتنهّد.
مرّت الأعوام، وتفتّح الوعي وبدأنا نعرف معاني العروبة والقوميّة والحقّ والبطولة والثورة، واكتشفت أنّ خالي المجهول كان جمال عبد الناصر، جمال عبد الناصر بطل القوميّة العربيّة…وأدركت معنى الحسرة والنظرة الشاردة. ولم أتعجّب ولم أسخر من سذاجتي، بل تأكّدت أنّ أبا خالد كان خالا للجميع، الخال البطل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية