المصريون والجهاد الأكبر

حجم الخط
2

إذا استثنينا محبي مبارك ومرتزقته وفلوله وزبانيته ومدعي الإعلام ـ وهم كثر- وكارهي التدين عامة والإسلام خاصة، فإننا نقدر تلك الحشود السلمية التي خرجت للتمرد على الرئيس محمد مرسي ونظامه الذين لم يروا منه خيرا قط، ولكننا في ذات الوقت نقرر وكلنا أسف أننا كشعب لم نغير ما بأنفسنا، لذا فلم يتغير حالنا قيد أنملة، وإليكم هذه القصة الواقعية المؤسفة.
حكت لي زميلة صحافية كبيرة أنها كانت تسير بسيارتها أمام المعهد القومي للأورام بكورنيش النيل بالقاهرة، ولمحت رجلا كبيرا يريد أن يعبر الطريق بابنه المريض الذي يحمله على كتفيه، ولكنه عاجز عن العبور بسبب سرعة السيارات التي لم تعبأ به وبآلام ابنه، فما كان من الزميلة الفاضلة إلا أن توقفت فجأة ليتمكن الشيخ الكبير من العبور، فما كان من باقي أصحاب السيارات إلا أن رموها بأقذر الألفاظ التي يعف اللسان عن ذكرها.
هذه القصة الواقعية المؤسفة تحمل دلالات كثيرة عما يحدث في مصر المحروسة من صراع وتقاتل مخز، يحزن أحباءها بقدر ما يسعد أعداءها وكارهي ثورتها.
إذا كان الرئيس مرسي قد فشل في عامه الأول في تحقيق آمال المصريين والتخفيف عن آلامهم لأسباب لا نبرئه منها، ولأسباب لا قبل له بها، فإننا لا نبرئ الغالبية الساحقة من الشعب المصري، التي لم تتغير بعد أكثر من عامين ونصف العام من ثورة عظيمة رويت بدماء طاهرة، ولم تنق نفسها من الأنانية المقيتة، والأخلاق غير الحميدة التي تعمي عيوننا وتصم آذاننا آناء الليل وأطراف النهار.
المصريون الآن في حاجة ماسة إلى استحضار معنى الجهاد الأكبر، كما ورد في حديث النبي محمد صلوات الله عليه، وهو جهاد النفس بأهوائها ورغباتها وأحقادها.
يعز علينا كثيرا أن نرى مصر على ما هي عليه من صراع وانتقام، لأنه يرسخ لدى العالم الصورة الفوضوية النمطية الكريهة عن المجتمعات الإسلامية.
إذا كانت الثورة فعلا أخلاقيا يسعى إلى الأفضل والأكمل، فإن كل هذا الكم من البذاءات في الأقوال والأفعال التي يندى لها الجبين، لا يمت للثورة بصلة. الفعل الثورى إيثار وتضحية وفداء، وهو ما قدمه بأبهى صورة أكثر من ألف شهيد مصري سنبكيهم ما حيينا.
نسمع كثيرا الآن من يتغنى بحب مصر، ولكن الواقع يشهد بكذبهم ونفاقهم، وبأن ولاءهم الاول لمصالحهم وأنفسهم، وإلا فليقولوا لنا ماذا قدموا لمصر طيلة عامين ونصف العام؟ ما ينقص المصريين الآن هو أن يكونوا مهمومين حقا بتغيير ما بأنفسهم إلى الأفضل، وبأن تغلب عليهم روح الجد بدلا من روح اللهو. الانشغال بالآخر وتناسي الذات مرض خطير من أمراض مجتمعنا، ولن نتقدم ما لم نغلب المصلحة العامة على المصالح الفردية الضيقة.
نقولها بصراحة، إذا كان الرئيس مرسي فشل في عامه الأول ويتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك، فإننا فشلنا في عامين ونصف العام أضعناها في الصراع والتقاتل والغمز واللمز والإثارة والتحريض والسلبية واللامبالاة. لن يضير الرئيس الآن الدعوة إلى استفتاء على بقائه، من عدمه، وربما كان هذا هو الحل الافضل وسط هذا الموقف المتأزم فليفعلها.
في هذه اللحظة الحرجة آن للمصريين أن يستحضروا معنى الجهاد الأكبر (جهاد النفس بكل أحقادها وأهوائها ونزواتها) وأن يستبدلوا بروح الانتقام واللهو واللامبالاة روح التعاون والعزيمة والإصرار والحرص على الحياة التي تليق بهم، وبتاريخ أمتهم الأقدم في العالم، وما ذلك عليهم بعزيز، إذا حضرت الهمم، وخلصت النيات، نقولها وفي القلب انكسار وفي النفس مرارة.

‘ كاتب وصحافي مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رأفت النجار:

    كثيرة هي الاشياء التي لن ينصلح حال المصريين الا بالتخلص منها. وحتي نحدد هذه الصفات والخصال والعادات السيئة فعلي المصريين عمل كشف حساب صارم لانفسهم دون مجاملة لاحد من جيرانهم او لمرحة من تاريخهم.

  2. يقول على السيسي:

    كثرت البذاءات في مصر بشكل سيئ، وآن لهم أن يعودوا إلى دينهم، اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا

إشترك في قائمتنا البريدية