الفتن وأضرارها في عهد الاسلاميين

حجم الخط
7

أثناء زياراتي القصيرة الى لندن للمشاركة فى بعض أوجه النشاط الدعوي أو التعليمي، وزيارة بعض الأهل والاصدقاء، وخصوصا القدامى منهم، ممن تعاهدنا وعملنا معا في مواجهة ديكتاتورية وفساد وظلم النظام السابق، بل والانظمة العربية السابقة، فضلا عن التوريث – الذي لم يرفضه الا الوطنيون الصادقون- والخضوع للهيمنة الغربية وإسرائيل (ذلك الكيان الصهيوني المحتل لأرضنا وبلادنا)، اثناء تلك الزيارات تتاح الفرصة الكاملة للاطلاع على توجهات الاعلام الغربي، خصوصا الصحف البريطانية الشهيرة، ومنها ‘التايمز’ و’الغارديان’ و’الاندبيندنت’ و’الايكونومست’ وغيرها.
معظم الكتاب الغربيين المعنيين بالشأن المصري، يرون ان الدكتور مرسي يميل الى الديكتاتورية والتسلط مثل سابقه، وان خروقات القانون والنظام ملموسة، وان هناك ضغطا على التعبير الحر، وأن هناك زيادة في التوترات الطائفية، فضلا عن الانهيار الاقتصادي (هكذا التعبير الذي يستخدمونه). هذه هي معظم رؤى الكتاب الغربيين المعنيين وتخوفاتهم فيما يتعلق بالشأن المصري، وهي أوضح ما تكون في صحيفة ‘الغارديان’ التي تحصل على تقارير وبعض أسرار عن مصر قبل ان يعرفها الاعلاميون المصريون، وتزعم أنها تسربت عن الرئاسة. هذه المزاعم كلها هي حقائق في الواقع المصري بدرجات متفاوتة. وهي تعبر عن تحديات خطيرة تواجه المستقبل المصري، إلا أن التوترات الطائفية تدخل فيما أسميه (باب الفتن) التي قد يستفيد منها الغرب نفسه مستقبلا، في إطار ما تسميه دوائره الاستراتيجية، مقبَلات أو مقدمات.
(1)
وقوع الإرهاب أو الاتهام بالارهاب، وانتهاك حقوق الأقليات وتهميشهم بأي شكل. الغرب لديه الكثير مما يظهره وقت اللزوم مثل جراب الحاوي، وهذان بابان مهمان من أبواب التدخل الغربي في شؤون الدول الاخرى الداخلية، وهما ذريعة قوية في استراتيجية الغرب لتبرير هذا التدخل وتلك الهيمنة.
الفرق هائل بين التحديات التي تواجه اي وطن وبين الفتن، ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن كقطع الليل المظلم). وقد صدق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل البلاد التي شهدت شيئا من تلك الفتن، رأينا شيئا من تلك الفتن في افغانستان، حيث اقتتل الاخوة الحركيون الاسلاميون في ما بينهم، ثم في ما بينهم وبين الآخرين من الشيعة والعلمانيين حتى بعد النصر على الشيوعييين، فعاقبهم الله تعالى، وسلط عليهم من تدخل فى شؤونهم وفرض عليهم كرزاي فرضا، ولكن بطريقة ديمقراطية وبانتخابات حرة نزيهة، إلا من شراء الاصوات في بيئة اكثر ما فيها الفقر والجهل والقبلية والعصبية والقومية والسلاح الكثيف المستورد. ودخل طرف أفغاني جديد الى حلبة الصراع وأصبح الأفعل في تلك الفتنة، وهو طرف الطالبان، كجماعة منظمة وصلت الى الحكم عن طريق القوة والسلاح ومحاولة القضاء على المجاهدين الأفغان وبدعم عربي وعالمي. والتآمر على طالبان لازال مستمرا. نخالفهم في الرأي الفقهي ونقف بجانبهم كمواطنين افغان لا يحق لأحد أن يخرجهم من أوطانهم أو يحاربهم فيها.
ورأينا شيئا من تلك الفتن في العراق، بعد تفتت ونهاية الاتحاد السوفييتى وهذا التزامن ليس اعتباطا، وازداد العرب بسبب تلك الفتنة الجديدة انقساما. وكانت عناصر الفتنة تكمن في تمثيلية او فخ احتلال الكويت، والتدخل الامريكي والغربي لما سمي بتحرير الكويت، ومواقف الحركات الاسلامية التي تناقضت. وبرزت الفتنة أكبر بعد احتلال العراق وتدمير معظم البنية الاساسية، وتمثلت الفتنة أيضا في الصراع داخل أعضاء الجامعة العربية ذاتها، وخسرت قضية فلسطين وتراجعت سلبا في ضوء هذه الفتنة كبقية الفتن، وخسر الفلسطينيون ساحة مهمة خليجية كانت- على الاقل- تستوعب مئات الالاف من العاملين الفلسطينيين. وازداد بتلك الفتنة ايضا الصراع بين السنة والشيعة، وبين العرقيات المختلفة، خصوصا العرب والاكراد، حتى كاد ان ينقسم العراق عرقيا فضلا عن الانقسام المذهبي الشديد.
( 2 )
ورأينا شيئا من تلك الفتن في الصومال متمثلة في الصراع بين أبناء الحركات الاسلامية، حتى اتت على الاخضر واليابس في بلد معدم. رأينا سلاحا كثيفا ينتشر بين أفقر بلاد الامة الاسلامية، ولو استخدم ثمن هذا السلاح ـ مهما كان مصدره ـ في التنمية مع سواعد الشباب الذين حملوه سنين طويلة لاختلف الوضع في الصومال، ولكن الصراع مطاطي ومدمر وتزداد تقنيته بالاختراعات العسكرية في الغرب ومستمر أيضا، ويزداد وفق الأطماع الغربية أيضا والتخطيط الاستراتيجي للمنطقة.
ورأينا شيئا من تلك الفتن في السودان بين أبناء الحركة الاسلامية الواحدة، حتى انقسم السودان بين شمال وجنوب واصبح دولتين بدلا من دولة واحدة، وظلت طائفة ممن انتسبوا للحركة الاسلامية تحكم السودان، وظلت الاخرى في المعارضة تتهم من حين لآخر بمحاولة الانقلاب، رغم ان الجميع جاءوا للحكم بانقلاب عسكري باسم الانقاذ في 1989، وليس هناك سنة ولا شيعة ولا صراع بين علمانيين وإسلاميين ولا أقلية دينية، لأن الاسلاميين في الحكم تحكموا في كل شيء إلا مسار الدعوة الاسلامية ووحدة السودان.
وهناك فتنة أخرى تدور حاليا على أرض سورية العزيزة، اختلط فيها الحابل بالنابل والحق بالباطل، واختلطت فيها الأولويات، وخسرت فيها جميع الأطراف بما فيها النظام السابق الموروث، والمعارضة التي تباينت ارتباطاتها وفقا لمصادر تسليحها وتمويلها، وخسرت فيها القوى التي دعمت النظام القاتل في سورية بما في ذلك إيران وحزب الله.
خسرت سورية الوطن وسورية الدولة، وترقص إسرائيل طربا ً بما يدور على ارض سورية، وما ينتظر مستقبلها من تدمير كامل أو تقسيم متوقع من دون أي إسهام في قضية فلسطين مهما كان صغيرا او هامشيا. قلت من قبل في عدة لقاءات وكتابات ان هناك اكثر من كرزاي سوري الاسم والجنسية، غربي الهوى، ينتظر الوقت المناسب والترتيب الغربي والاقليمي المناسب، ليصل إلى سدة الحكم في سورية بعد نهاية الصراع القائم بين المجاهدين الحقيقيين أو المستخدمين وبين النظام الفاسد. أمريكا تخطط ونحن نتخبط. جبهة النصرة عصا سيستخدمها الامريكان وقت اللزوم رغم الإخلاص.
( 3 )
وهي فتنة تدور أمام أعيننا ولا نستطيع ان نعمل لها شيئا كالنار تسري في الهشيم من دون عربات إطفاء للحرائق حتى تأتي على الاخضر واليابس (وكل حزب بما لديهم فرحون) حتى تضيع الاوطان، كما ضاعت بعض الثوابت والمفاهيم التي تربت عليها الحركات الاسلامية.
أما في مصر ـ باعتبارها أهم بلدان الربيع العربي- فتظهر الفتن الاربع الخطيرة في المجتمع وبدرجات متباينة. تحدثنا من قبل عن فتن ثلاث منها فتنة التكفير للآخرين حتى تشمل المجتمع كله، وفتنة المذهبية الدينية أي السنة والشيعة، وهي ايضا تقوم على تكفير الشيعة وأيضا بدرجات متفاوتة، باعتبار او زعم سلفي او تسلفي أن الشيعة خالفوا في بعض الأصول ويسبون الصحابة والسيدة عائشة رضوان الله تعالى عليهم، رغم فتاوى خامنئي بتحريم سب الصحابة والسيدة عائشة. صحيح ما زال هناك من يقع في ذلك المرض ولكن العلاج ليس التكفير أو المقاطعة أو الحصار، مثلما تفعل أمريكا مع إيران. العلاج يكمن في الحوار المستمر والاقناع بالأدلة الصحيحة من الطرفين.
وهناك فتنة طائفية تظهر من حين لآخر في مصر وأيضا بدرجات متفاوتة. أما الفتنة الرابعة فهي فتنة الاسلامية والعلمانية، وإن تمثلت اليوم في قضايا فكرية وسياسية أحيانا أخرى. أربع فتن لو اجتمعت على أمريكا نفسها لدمرتها تدميراً، وأتت على بنيانها من القواعد. فهل هناك من أهل العقل والحكمة من يتعظ؟
هذه الفتن اخطر من التحديات مهما كانت صعوبتها، وهي في الاساس التحدي الاقتصادي، وتحدي التغريب والمادية القاتلة والهيمنة، وهو ما يسري في المجتمع من دون اهتمام كبير أو علاج ناجع، وتحدي الانحدار الخلقي، وتحدي التخلف الذي يجمع بين الفقر والمرض والجهل.
تعيش بعض الامم بتلك التحديات قرونا، ولكنها لا تعيش والفتن تنخر فيها عقودا. الفتن الأربع التي ذكرناها تنخر في المجتمع المصري، واهم بيئة تنتشر فيها تلك الفتن هي بيئة الصراع على السلطة.
( 4 )
مصر اهم دولة في العالم العربي والمنطقة، وتستطيع في ضوء المفاهيم والثوابت الاسلامية أن تلعب دورا مهما في الخروج من التحديات ومن الفتن أيضا، ولكنها تحتاج الى العقل والتعقل. والاستفادة من كل إمكانات المجتمع من دون تفرقة بسبب الانتماء الفكري أو الدين او الجنس أو العرق او اللون أو التنظيم. أكرر مرة أخرى أن هناك تجارب عظيمة في عصرنا الحاضر، وبرزت شخصيات عظيمة وقفت في وجه التحديات والفتن فأوقفتها عن الانتشار في مجتمعاتهم ثم بدأت مسيرة التنمية اعتمادا على الذات من دون أن تمد يدها لأن اليد العليا خير من اليد السفلى، وهو مبدأ إسلامي أدركه غيرنا بالفطرة وأهملناه مع اليقين. من هذه التجارب والشخصيات مرة أخرى لمن يتعظ ويريد الاستفادة، جنوب افريقيا – مانديلا- فنزويلا ـ تشافيز- والبرازيل ـ لولادي سيلفيا- وإيران ـ الخميني وخامنئي- ويكفى أنها جميعا بلاد وقيادات لم تخضع للهيمنة الغربية ولا الشرقية، وحاولت ولا تزال الخروج من التخلف لبناء مستقبل زاهر.

‘ كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سليم منتصر:

    نقرأ ما يكتبه الكتاب العربفلا نجد غير الهجوم الشرس على حركة الاخوان المسلمين واتهامهم باشنع التهم ونشر الاضاليل ومنها خيانة الاهداف والمبادئ بل والعمل مع اعداء الامة لتمزيق شمل الاوطان و استعباد الشعوب!!.تتهمونهم بالجهل والاستبداد والتعامل مع اعداء الامة وهم ابعد ما يكون عن ذلك. نتساءل هل تركتم لهم الفرصة كي تتبّن الشعوب صدق نواياهم التي لانشك فيها ابدا؟!! تسعة اشهر من الحكم بعد نصف قرن من الزمان الاسود لاتكفي حتى لاسرة صغيرة من تحويل واقعها البائس الى واقع افضل!! . الفتن تنتشر عندما لاتتمكن الدولة من نشر الامن والاستقرار ولا تتوحد جميع القوى السياسية من اجل الاهداف الكبرى . لاامكانية لوأد الفتن بمختلف الوانها غير التوافق مع السلطة المنتخبة . ولا يمكن ان نتقدم خطوة واحدة اذا ما استمرت جبهات المعارضة المصرية في مواقفها المعادية للجبهة الاسلامية .
    يشير الكاتب الى نجاح بعض الشعوب في ثوراتها ضد التخلف والاستبداد ومن بينها ايران الاسلاميه. فهل توفرت لقيادتنا الاسلامية ما توفر لهم من عوامل ومن قوه؟!!

  2. يقول يوسف ابن تاشفين:

    هو لا يرى الا ما يريد. هو يحنق على الاخوان لغرض في نفسه وليس من اجل مصر. نعيش في الغرب ونعرف ما هي الديمقراطية وانت تريدها على هواك. هل اوباما دكتاتور عندما يعين وزراء من حزبه. هل سمعت واحدا يقول عن اوباما بأنه يحاول دمقرطة المؤسسات. وعن اي دكتاتورية تتكلم اذا كان الدستور لا يسمح للرئيس بالحكم اكثر من ٨ سنوات. اي استحمار واستهبال هذا للشعوب. بالفعل النكبة النخبة هي سبب كل مآسينا. ما هو طبيعة الشخص الذي يحكم على رئيسه بعيون الغارديان والتايمز ووو..إلخ. ربي وضع لك عقلا في رأسك وأنت احللت هؤلاء محله – استعمار خياري.

  3. يقول فلسطيني من ال48:

    … ما يقوله الدتور الهلباوي هو عين العقل ولا يجافي الحقيقة في شيئ. تكلم عن الجميع ولم يقتصر حديثه عن مصر, وما الاتتقاد السابق من رقم 1 الا تعبير عن عدم تقبل اي نقد ولو كان سليما وهو نتيجة ثقافة حزبية بغيضة تربى عليها المواطن العربي في تفكيره وانتمائه لأي حزب كان.

    1. يقول فلسطيني من ال48:

      … ما يقوله الدتور الهلباوي هو عين العقل ولا يجافي الحقيقة في شيئ. تكلم عن الجميع ولم يقتصر حديثه عن مصر, وما الاتتقاد السابق من رقم 1 الا تعبير عن عدم تقبل اي نقد ولو كان سليما وهو نتيجة ثقافة حزبية بغيضة تربى عليها المواطن العربي في تفكيره وانتمائه لأي حزب كان.

  4. يقول العايش من الجزائر:

    كلاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام من ذهب……..يا ليت قومي يفهمون.

  5. يقول علي حسين / يا دكتور هلباوي !لا يوجد اسلاميون في الصومال !!!!:

    نعم لا يوجد اسلاميون في الصومال! لسبب بسيط لانه لايوجد في الصومال علمانيون أو مدنيون أو ليبراليون او أي من يلك التسميات التي صدّرها لنا الغرب واصبحنا في البداية نرددها كالببغاوات ثم اصبحنا نقتل بعضنا البعض بتهةالانتماء اليها. نعم لا يوجد اسلاميون في الصومال لان الصوماليين كلهم مسلمون من اهل السنة شافعيو المذهب في الفروع , او هكذا كانوا على الاقل قبل ان يصبح البترودولار جزءا من الفقه !!! واللبيب بالاشارة يفهم .
    ما يحزنني هو استخدام تقنية الماكروسوفت ( القص واللصق) في تحليل الاقطار العربية والاسلامية، فالحديث عن الصومال او افغانستان او العراق او اليمن هو نفس الحديث ونفس التحليل فقط عليك بتغيير الاسماء او كما يسميه استاذ فهمي هويدي ب ( الكسل العقلي).
    وبما انك يا دكتور تحدثت عن الدعوة في بداية مقالك، اعلمك باني مستعد ان اناقش رفضي لمصطلح الاسلاميين في الصومال ، فقط ارجوك قل لي اين ورد في القرآن او في سنة نبينا الكريم صلوات ربي عليه، اين ورد فيهما كونوا اسلاميين، أنا اعرف كونوا ربانيين ولكن كونوا اسلاميين!! ثم هل بعث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ليكون الناس اسلاميين ام ليكونوا مسلمين؟ هل كان صحابة نبينا مسلمين ام اسلاميين وقبلهم طبعا انبياء الله ؟
    يا دكتور اما آن الاوان لننتج المصطلحات الخاصة بنا؟؟ لعلها تكون بداية انتهاجنا لطريق الانتاج.

  6. يقول حازم:

    أضم تعليقي إلى الأسناذ علي حسن و أقول أنه لا يوجد في المنطق شئ يسمى إسلامي أي :
    لا وجود لدولة إسلامية و لا يمكن أن تكون، و واضع هذا القانون هو الرسول الكريم الذي أتى برسالة الإسلام وقال أنتم أدرى بشؤون دنياكم.
    و ليس هناك حركة إسلامية فإذا استطاع أي باحث في الشؤون الإجتماعية أن يأتي لنا بتعريف دقيق لهذا الكيان المجهول فليفعل.
    فلننظر معشر المسلمين في أي دركة وصلنا لقلة طلب العلم و الزهد في الإجتهاد و طلب الحكمة التي هي ضالتنا إن كنا حقا مسلمين؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية