‘الخروج من القاهرة’: سراب الحرية الذي ينتظر ‘الحب’ في نهاية النفق!

حجم الخط
0

القاهرة ‘القدس العربي’ من كمال القاضي: في ظل حياة عشوائية وفقر وجهل وبطالة لا يجد الشباب وسيلة أخرى غير الفرار، ومع أنه لا توجد قبلة آمنة يتوجه شطرها الشباب المحبط، إلا أن أحلام السفر تداعبهم وتطاردهم أخيلة وردية ليس لها وجود على أرض الواقع.
هذه القضية تخص معظم مدن ومحافظات مصر ولكنها في القاهرة لها وقع خاص وهذا ما نراه في فيلم ‘الخروج من القاهرة’ للسيناريست والمخرج هشام عيسوي، حيث إيقاع العاصمة السريع يمثل تجسيداً حقيقياً للأزمة، فليس من وقت ولا جهد للربت على أكتاف المأزومين فلكل إنسان أزمته ومحنته التي يراها أكبر من أي شيء آخر.
في حي عشوائي فقير من أحياء القاهرة يعيش طارق ‘محمد رمضان’ قصة حب مع جارته أمل ‘مريهان’، وكعادة الشباب في السن المبكرة لا يلقون بالا لما يحيط بهم من مشكلات فما يكمن بداخلهم من طاقة يبدد سُحب اليأس ويوحي لهم دائماً أن ‘بكره أضل من النهاردة’، وحين يضيق الطوق حول أعناقهم يبدأ الأمل يتسرب لحظة بعد لحظة، إلى أن يواجهوا الحقيقة العارية.
طارق خريج المدرسة المتوسطة يعمل في مطعم لإعداد الوجبات السريعة صباحاً وفي المساء يكون بائعاً في سوبر ماركت، وفي فترات الراحة القليلة يلتقي بصديقته القبطية التي تربطه بها علاقة حب قوية لا يصارحان بها الغير، وهذه النقطة على وجه التحديد تمثل عقبة في حياته تضاف إلى أزماته الأساسية، لذا يقرر السفر للخارج متوهماً أنه يستطيع رض حبه على المجتمع المتحرر.
وكذا أمل الحبيبة تسعى للحرية وتضيق بالحياة وسط عائلة فقيرة مكونة من أم مغلوب على أمرها ‘نادية فهمي’ وزوج أم ‘أحمد بدير’ شخص عاطل ومبتز ولاعب للقمار وشقيقه ‘صفاء جلال’ منفصلة عن زوجها وتعمل في الدعارة لزوم التحايل على العيشة الضنكة، من هنا تتضح الصورة القاتمة لوطأة الفقر وتأثيره السلبي على واقع الأسرة وحياتها، ولأن أمل هي العنصر المختلف تكون اكثر شقاء من غيرها فهي المتطلعة المحبطة المكسورة، العاجزة عن إحداث أي تغيير، لا مناص أمامها إلا التمسك بالشاب المسلم برغم يأسها من الزواج منه.
مشكلة مركبة تقودها الى هاوية الجموح بتسليم نفسها إلى الإنسان الوحيد الذي خفق له قلبها طواعية فتعيش معه حياته ومآسيه يوماً بيوم ويشاطرها هو أيضاً أحزانها.
لم تكن العلاقة بين طرفين مختلفين في الديانة مجرد فكرة طرأت على ذهن السيناريست هشام عيسوي، وإنما المعنى الدلالي لها هو الذي فرض نفسه فالهدف من ذلك ينطوي على التلويح بوحدة الهم العام بين كل الشرائح بغض لنظر عن الجنس والهوية الدينية، وهو المعنى الأرقى للوحدة الوطنية بعيدا عن إشكالية العواطف وما إذا كانت مجرمة أو غير مجرمة.
ولكي تتأكد الفكرة يذهب بنا السيناريست والمخرج الى شخصية أخرى تقع تحت نفس المؤثرات الاجتماعية الضاغطة فتفقد عذريتها جراء علاقة عاطفية متهورة وتلجأ إلى الزواج من ثري عربي يكبرها بعدة سنوات بعد إجراء عملية جراحية لترقيع غشاء البكارة، وتدلس على الزوج لأنها توقن ان المصارحة سيكون نتيجتها الرفض والفضيحة فتختصر على نفسها الطريق وتمضي في الخيانة، مع التركيز على مبدأ الاستغلال المادي كمكسب فوري للزواج غير المتكافيء من وجهة نظرها.
الخيط المأسوي يبدأ طرفه عند ‘طارق’ أو محمد رمضان ويتشعب الى خيوط كثيرة في اتجاهات مختلفة تشمل كل أبطال الفيلم الممثلين لنماذج حية تعيش في العديد من الأحياء الشعبية والعشوائية وتتخذ في معظم الأحيان من الدين غطاء لإخاء العورات والعيوب والجرائم، وهو ما تم التعبير عنه في مشهد صريح كان يوتلي فيه القرآن الكريم، بينما البطل الذي قام بتشغيل الراديو أو الكاسيت لسماع القرآن انصرف وبقي البطل الثاني مشغولاً بشيء آخر حتى انتبه فأوقف المذياع واستمر في اللهو منساقاً وراء طبيعته المتمردة الخارجة عن النسق الديني المتشدد.
هذه مجرد لمحة صغيرة أعطت مفهوماً عن عدم الجدية في الأخذ بأسباب التقوى والعمل بها على النحو الصادق، وأن الأمر لا يعدو عند هؤلاء كونه تمثيلية كبرى لخداع المجتمع والهروب من المحاسبة بلبس الأقنعة.
تطورت أحداث الفيلم وأخذت في التطور للكشف عن الغامض والمستتر إلى أن انتهت بجريمة قتل ارتكبها طفل صغير دفاعاً عن أمه، ومعها تبددت ملامح المستقبل ومضى الحبيبان كل في طريق وبقي الضياع عنوانا يشي باستحالة الحياة وسط الضباب الكثيف وركام الأنقاض التي يشكل البشر جزءاً منها.
تأوهات الموسيقى التصويرية لتامر كروان كانت هي الأوضح والأكثر إيلاماً في التعبير عن الصورة التراجيدية المحزنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية