نوري المالكي وداعش… سلاح ذو حدين لتقسيم العراق

■ أخيرا انتهى مسلسل نتائج مسرحية الانتخابات العراقية، بترتيب مقبول وقريب من تمنيات السلطة الحاكمة ومحيطها الاقليمي على حد سواء. وبقدر ما أظهرت هذه النتائج حجم وخطورة العلاقة ما بين المشهد السياسي القادم ومستقبل وحدة العراق،  شكل فشل نوري المالكي في حكم البلاد وحربه الطائفية على أهلنا في الانبار، محور الجدل الدائر حاليا حول هذه النتائج والمساعي الجادة لإبعاده عن هذا المنصب، من جانب أطراف مختلفة، تفاديا لانزلاق البلد نهائيا في حرب أهلية سوف تؤدي لا محالة إلى تفتيته، بعد ان مهدت عملية احتلال العراق إلى تقسيم العراقيين شكليا إلى شيعة وسنة وكرد وأقليات.
من هذا المنطلق، قد يؤدي بقاؤه في السلطة، واعتماده، كما كان في السابق، على الخطاب الطائفي المُفرق وتحشيد العراقيين ضد ثورة العشائر المنتفضة في الأنبار والفلوجة، ناهيك عن علاقته المتوترة مع حكومة كردستان العراق، إلى خدمة فكرة التقسيم إلى دويلات عرقية وطائفية التي كان أول فصولها احتلال العراق، انسجاما مع المعطيات الحالية للمشهد السياسي والاجتماعي العراقي. وتناغماً مع مسلسل هذه الاستراتيجية الخطيرة التي تُنفذها «حكومة المنطقة الخضراء»، كثر الحديث في المدة الأخيرة من قبل الاعلام الأمريكي وقنواته الموجودة في الشرق والغرب عن فكرة تقسيم العراق، حيث تـُردد الكثير من هذه الأبواق في أن «الشيعة والسنة» فشلوا في حكم البلد معا، لأن «العراق بلد خيالي مُصطنع، وكما ان مصطلح الشرق الأوسط وجغرافيته السياسية الحالية كان نتيجة لحلول واتفاقات سياسية للدول العظمى من خلال اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، التي نتجت عنها بالتالي دول مصطنعة باتت اليوم أمام خطر انهيار حقيقي».
وعلى الرغم من بؤس هذه التصريحات المغرضة وانعدامها لأدنى درجات العقلانية والمصداقية التاريخية، التي فرضتها حضارة وادي الرافدين، وعلى الرغم من رفضها الكامل من قبل العراقيين شيعة وسنة، بيد ان توقيت بث ونشر هذه الخراصات في الاعلام الدولي، توحي بحصول تقدم واضح في مسلسل المؤامرة، وتؤكد على ما يبدو عن وجود صيغة إعلامية نوعية هدفها إكمال جريمة احتلال وتدمير العراق، ومن ثم تقسيمه. في الوقت الذي لم تتوقف الجارة إيران عن ترسيخ نفوذها وتطبيق استراتيجيتها القومية الاستعمارية عبر سلطة الحكم في بغـداد والمليشيات التابعة لها من جهة، والاستفادة من متاخمة حدودها مع مدن الوسط والجنوب من جهة أخرى، مقارنة بمحافظة الأنبار التي تفصلها مسافات شاسعة عن حدود إيران لشن حرب طائفية بكل معنى الكلمة عن طريق الجيش والميلشيات لتفتيت بلاد الرافدين وعزل محافظات البلد الغربية ومكوناتها.
ومع كل هذا، يحظى النظام العراقي»الشيعي التابع لإيران» بتأييد من الإدارة الأمريكية، حيث تساهم الولايات المتحدة الأمريكية بمده بالسلاح والخبرات، وتتعامل مع حكومة المالكي ومؤسساتها العسكرية بأسلوب الدولة المُنظم، وكما تلزم المؤسسات المدنية والقانونية الدولية الدائرة في الفلك الأمريكي الصمت تجاه موضوع حقوق الانسان والشكلية المتخلفة الجديدة للمجتمع العراقي الجديد وعاداته المذهبية، التي أرجعت البلاد إلى فترات القرون الوسطى عن طريق نظام ثيوقراطي وبنخبة متخلفة لا هم لها سوى جمع المال والقبول بالأمر الواقع، طالما كان الثمن المدفوع هو البقاء على كرسي السلطة.
 وعلى الرغم من ضمان إيران وأمريكا «لحد ما» لحالة من الهدوء النسبي في مناطق الفرات الأوسط والجنوب العراقي، عن طريق إنجاز نظام مذهبي واجتماعي خاص، شبيه بنظام الدولة عن طريق جعل الانتماء المذهبي الواحد شرطا أساسيا للانخراط في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، لم تستطع حكومة نوري المالكي ضمان سيطرتها على عاصمة العراق بغـداد وأهلها الاصليين، واكتفت بحدود ما يسمى «بالمنطقة الخضراء» على الرغم من المحاولات الكثيرة لتغيير ديمغرافيتها السكانية التي بدأت في 2006، وتتواصل لحد الآن في إطار حزام بغـداد، حيث لا زالت الأحزاب التابعة لإيران غير واثقة من قدرتها على السيطرة على بغـداد لكي تكون عاصمة للدويلة «الشيعية إيرانيا» والغنية «بالنفط أمريكياً» التي يحلم بقيادتها الفاسدون وسراق ثروات الشعب من عملاء واشنطن وطهران، وبحدود جديدة لدويلة مذهبية ذات مقاسات طائفية والقبول بحدود جديدة تبدأ من «بغداد وتنتهي بالفاو». من هذه المعطيات تأتي أسباب العمليات العسكرية المليشياوية التي طالت مدن العراق الغربية القريبة من بغـداد، والتي تتخذ ذريعة خطورة تزايد «داعش» ضمن منطق مخطط أجنبي إقليمي تنفذه سلطة نوري المالكي في المنطقة الخضراء لعزل وتطهير المناطق السنية القريبة من عاصمة الرشيد.
بمعنى آخر ساهمت الإدارات الأمريكية المتتابعة، شئنا أم أبينا» منذ 2003 على إدامة وترسيخ أُسس»دويلة شيعية» طائفية بامتياز، سواء كان هذا بوجود سلطة المالكي أم بوجود شخصيات أخرى، تكون قادرة على إكمال مسيرة الحكومة الحالية بالشكل الاثني الجديد، تحت ذرائع مختلفة ومتعددة بدأت «بالمظلومية» التي اُتهم بها النظام السابق، مرورا بخلط نوري المالكي المتعمد عن طريق تشبيه العشائر العربية الثائرة «بتنظيم القاعدة وداعش». على الرغم من تمسك المكون السني في المحافظات الغربية بوحدة تراب الوطن ورفضه لهذه الثقافة الغريبة عن مجتمعنا العراقي المتآخي، وانعدام الصلة الفعلية والعقائدية، وتباين أهداف ثوار العشائر العراقية الوطنية المتمثلة في عراق واحد، عن أهداف الانفصال الخطيرة التي يحملها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي يسعى  لتوسيع حدود «الدولة الاسلامية السنية « المراد اقامتها من محافظة الرقة شمالاً وصولاً الى العراق. بعد ان فقد نظام بشار الأسد السيطرة على المناطق القريبة من دير الزور، التي تمثل البوابة الرئيسية لهذه التنظيمات الإسلامية لتوسيع «دويلتهم الإسلامية في العراق والشام «، باتجاه الحدود العراقية، والدخول في محافظتي الانبار ونينوى. ومن ثم دفع العشائر العراقية الى اعلان الولاء لها والابتعاد عن الوطن الأم، حفاظا على أرواحهم وكرامتهم من بطش السلطة، وبالتالي الاحتماء والاتحاد بالعشائر السنية الموجودة في الجانب السوري، وهنا بيت القصيد. من هذا المنطق يضرب دعاة التقسيم «عصفورين بحجر» عن طريق دعم النظام العراقي الطائفي الجديد وتسليحه كدولة، على الرغم من رفض العراقيين لوجوده وتبعيته لإيران. في الوقت الذي يتم إبعاد المنطقة الغربية من دائرة النفوذ الحكومي وخروج المدن الكبيرة المهمة في الفلوجة والرمادي والموصل من خط السيطرة الأمني والعسكري لدويلة المنطقة الخضراء في بغـداد.
 من هذه المعطيات جاءت العمليات العسكرية الأخيرة التي طالت مدن العراق الغربية التي تتخذ من وجود (داعش) لعزل المناطق السنية القريبة من بغداد ومن ثم إبعادها وربطها قسراً بالواقع السوري الجديد وإجبارها آجلاً أم عاجلاً للقبول بواقع حقبة جديدة من الدويلات المذهبية التي رُسمت لتقسيم العراق وسورية والشرق الأوسط.
 وهكذا وبتحصيل حاصل أصبح العراق الجديد الذي تسيطر عليه أحزاب إيران ويحكمه نوري المالكي نواة (الدويلة الشيعية) القادمة، وسلاحها لإجبار المكون السني على الانفتاح مع القسم الغربي من سوريا التي انفجرت هي بدورها. مما سيدفعها لتكون القسم المكمل لمشروع صياغة معادلة جديدة بولادة دويلة جديدة في المساحة الممتدة على ضفتي نهر الفرات بين حلب في سوريا والأنبار في العراق، بعد ان اصبحت أرضا خصبة لقيام «دويلة طائفية سنية» نتيجة لاختفاء الحدود وظهور الانظمة والتنظيمات المتطرفة التي أفرزها الدين السياسي «السني والشيعي».
من هذه المحصلة، أذكت ثقافة التنظيمات السنية المتطرفة في الغرب السوري، وبوجود نظام طائفي في العراق شئنا أم أبينا نوايا وأفكار البعض في إعادة  صراعات الخلافة المظلمة التي أكل الزمان عليها وشرب. وبلورت بالتالي المشروع الطائفي بشقيه «السني والشيعي»، وتقسيم دول المنطقة بصورة عامة والعراق بصورة خاصة ضمن مخطط التفتيت، انطلاقا من مبدأ التقارب المذهبي الجغرافي للمناطق السكانية الذي يجمع المكون السني في المنطقة الشاسعة في جنوب شرق سورية وغرب العراق من جهة، وبين الجنوب العراقي من جهة أخرى. وما للأخوة الكرد سوى التريث لإعلان دولتهم القومية التي حلموا بها، بعد ان قررت أمريكا بتفجير منطقة الشرق الأوسط، وبمشاركة إيران وبعض الدول الإقليمية، تهميش العراق والتأثير على استقلالية الدولة والنظام السياسي المراد بناؤه في المستقبل، تماشيا مع نظرية إعادة ترتيب أوراق المنطقة التي جاءت بها مؤامرة تدمير بلاد الرافدين وإخراجها من خارطة الجغرافية السياسية المؤثرة، وحسبما جاءت به بنود خارطة «الشرق الأوسط الكبير».
فهل بقى من يسمع أصوات استغاثة الوطن وشعبه الممتد من «زاخو لحد الفاو» ليكون لهم الحامي والنصير؟
 
٭كاتب من تيار المواطنة العراقي

أمير المفرجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شامل الطبقجلي . العراق:

    لا فض فوك . ممتاز

  2. يقول Iraqiy:

    التقسيم وارد وفق معطيات اﻻرض و اعلان اﻻقليم السني قد يكون الدواء ﻻزمة العراق التي صنعها اعداء اﻻمة العربية منذ سنين و هم ينتظرون اﻻنقضاض على العراق

  3. يقول talal.holland:

    الشعب العراقي البطل, يتحدى الموت وداعش وايتامها, وينتخب المالكي. لأنه شوكة باعيين داعش ايتامها من المنافقين.

  4. يقول ف. اللامي (كندا):

    رحم الله، الهواشم، ملوك العراق، بالحق والبيعه، وأعاد ذو العزة، للعراق بعزهم، عزه.

إشترك في قائمتنا البريدية