حكومة نتنياهو تحتفي بمعطيات الفقر

حجم الخط
0

ت19.4 في المئة من العائلات في اسرائيل صنفت ‘فقيرة’ في نهاية 2021. ويجعل معدل الفقر هذا اسرائيل الدولة الثالثة الافقر بين الدول المتطورة. تشيلي والمكسيك وحدهما افقر منا. عن هذا التصنيف غير المستطاب لا بد انكم سمعتم الكثير. وعن التصنيف الاخر للفوارق الاجتماعية حيث تأتي اسرائيل خامسة في الاعلى بين الدول المتطورة، حيث يسبقها فقط تشيلي، المكسيك، تركيا والولايات المتحدة من حيث انها اقل مساواة منها.
‘حتى هنا المعطيات الباعثة على الاكتئاب والمعروفة عن الفقر والفوارق في اسرائيل. وهاكم معطيات اخرى عرضتها الاسبوع الماضي وزارة المالية على مؤتمر الفقر برئاسة ايلي الالوف، يعيها الجمهور بقدر اقل على ما يبدو. مثلا، معدل فقر 19.4 في المئة هو الادنى الذي شهدته اسرائيل منذ 2003 بمعنى ان الفقر في اسرائيل لم ينمو منذ عشر سنوات. في مجال الفوارق الاجتماعية ايضا اسرائيل تتحسن جداول عدم المساواة في اسرائيل وصلت الذروة في 2002 ‘ 2006، وهي منذئذ توجد في ميل انخفاض. ومعاذ الله ان نخطيء فنعتقد ان الوضع جيد اليوم ايضا عدم المساواة في اسرائيل اعلى مما كانت قبل 25 سنة، في 1988، ولا يزال ميل التحسن في الفقر وفي عدم المساواة بارزا للعيان.
وهاكم معطيات اخرى اختارت وزارة المالية أن تعرضها على مؤتمر الفقر وان كانت ظاهرا لا صلة لها على الاطلاق بالموضوع وهذا هو جدول مستوى المعيشة النسبي لاسرائيل، مثلما يقاس بتعابير الناتج للفرد. فقد اختارت المالية ان تقارن الناتج للفرد في اسرائيل معه في الدول المتطورة كتلة اليورو والولايات المتحد في بداية العقد الماضي (2000 2002) وفي بداية العقد الحالي (2011 2013). هذه المقارنة هي الاخرى ستفاجيء الكثير من الناس إذ يتبين أنه رغم غلاء اسعار الشقق، اسعار الغذاء والتوقف الوطني للعيش في برلين فقد تحسنت المعيشة في اسرائيل في العقد الاخير بشكل واضح.
فاذا كان في بداية العقد الماضي مستوى المعيشة النسبي في اسرائيل 60 في المئة، مقابل 67 في المئة في دول كتلة اليورو و 100 في المئة في الولايات المتحدة، ففي بداية العقد الحالي أدركت اسرائيل تماما تقريبا تخلفها حيال دول كتلة اليورو مستوى المعيش النسبي 66 في المئة في اسرائيل مقابل 67 في المئة في دول كتلة اليورو. حيال الولايات المتحدة مستوى معيشتنا يواصل التخلف بشكل واضح، 66 في المئة مقابل 100 في المئة، ولكن لا يزال الحديث يدور عن سد جزء من الفجوة.
معظم الاسرائيليين، اذا ما قيل لهم ان مستوى معيشتهم يشبه مستوى المعيشة المتوسط في كتلة اليورو، فانهم اغلب الظن لن يعرفوا اذا كانوا سيضحكون ام سيبكون. فالفوارق في القوة الشرائية بسبب غلاء المعيشة اعلى في اسرائيل ولان قسما غير قليل من الناتج الاسرائيلي يوجه الى استخدامات لا تساهم في جودة الحياة (الامن) فان هذا يؤدي الى ان يكون مستوى معيشة مشابه لا يترجم الى جودة حياة مشابهة. ولا يزال، من الصعب الجدال مع الموقع الاساس النمو الزائد الذي تتمتع به اسرائيل في العقد الاخير، ولا سيما في ضوء الازمة العسيرة التي ألمت بالدول المتطورة وابطأت جدا وتيرة النمو لديها، قلص بشكل كبير فارق مستوى المعيشة بيننا وبين العالم.
كيف يرتبط هذا بالفقر؟ يبدو أنه يرتبط ارتباطا وثيقا. فالمعجزة الاقتصادية التي شهدتها اسرائيل في العقد السابق، مع معدل نمو اعلى بكثير مما هو في باقي الدول المتطورة، تفسر قبل كل شيء بالارتفاع الحاد في معدل المشاركة في قوة العمل في اسرائيل.
فمعدل المشاركة ارتفع من العام 2002 بنحو 8 في المئة وحول اسرائيل من دولة معدل المشاركة فيها منخفض جدا عنه في الدول المتطورة الى دولة معدل مشاركة مواطنيها في سوق العمل اعلى من المتوسط في دول الـتOECD. اساس الارتفاع في معدل المشاركة في سوق العمل نبع، على ما يبدو، من انضمام متزايد للنساء الى السوق وكذا انضمام متزايد للفئتين السكانيتين الاكثر فقرا ذ الرجال الاصوليين والنساء العربيات.
‘ حذار ان نعتقد ان لا سمح الله بان الوضع جيد ـ معدل مشاركة النساء العربيات ادنى من 30 في المئة، مقابل نحو 80 في المئة في اوساط النساء اليهوديات غير الاصوليات، ومعدل مشاركة الرجال الاصوليين هو اقل من 50 في المئة، مقابل 86 في المئة في اوساط الرجال اليهود غير الاصوليين. ولا يزال، حتى بالنسبة للخروج الى العمل بين السكان الفقراء في اسرائيل، فان ميل التحسن بادٍ للعيان.
‘حسنا، فهل جاءت وزارة المالية الى مؤتمر الفقر كي تحتفل بانتصارها على الفقر في اسرائيل؟ نعم ولا. نعم، لانه بالضبط بعد عشر سنوات من انتهاج وزارة المالية لسياسة اقتصادية متشددة، كانت ذروتها في تقليصات حادة في مخصصات التأمين الوطني وبسببها اتهمت بالوزارة بـ ‘الليبرالية الجديدة’ وبالوحشية تجاه الطبقات الضعيفة بين السكان ـ تعرض وزارة المالية بفخار النتائج الايجابية للسياسة اياها. ومع أنه توجد تفسيرات مختلفة للارتفاع الحاد في معدلات مشاركة الاصوليين والعرب في سوق العمل، ومع أنه واضح ان سياسة 2003 كانت وحشية بحيث انها لم تعرف الا التقليص فقط ـ في الوقت الذي جاءت الادوات التي تستهدف مساعدة السكان الضعفاء للانخراط في سوق العمل بتأخير سنتين على الاقل لا يمكن ان نأخذ من وزارة المالية هذا الانجاز ايضا. لا ريب ان التغيير في سياسة المخصصات كان بين العوامل، ان لم يكن الوحيد، التي ادت الى دفع الاصوليين والعرب الى سوق العمل بوتيرة مضاعفة.
‘ولكن الجواب هو ايضا لا لانهم في المالية يخشون من أن ما تم في 2003 لم يكن كافيا. فالعرض الذي تقدمت به امام مؤتمر الفقر جاء لنقل الرسالة في أنه اذا لم تتخذ السياسة السليمة من الان فصاعدا فان معدلات الفقر ومعدلات عدم المساواة سترتفع فقط.
وحسب تحليل المالية، الذي يستند الى معدلات الفقر الحالية لدى الاصوليين والعرب (58 في المئة منهم فقراء) والى معدل النمو الديمغرافي لهاتين الفئتين السكانيتين ـ فان معدلات الفقر في اسرائيل مآلها الارتفاع.
عمليا، اذا لم يتم عمل شيء فاننا سنتوق لمعدل عدم المساواة الحالي في اسرائيل ـ الخامس في ارتفاعه في العالم.
‘وبالمقابل، اذا ما نجحت الدولة في تقدم الاصوليين والعرب، ومع الزمن رفعهم ايضا الى معدلات مشاركة في سوق العمل مشابهة لتلك السكان اليهود العلمانيين وكذا الى مستوى انتاجية مشابهة فعندها ايضا من المتوقع لعدم المساواة ان يزداد في كل حال. هذا محتم. ولكن على الاقل معدل الارتفاع سيكون اكثر اعتدالا بكثير.
‘بتعبير آخر، فان وزارة المالية أقل مما تأتي لتحتفل جاءت لتعرض امام مؤتمر الفقر صورة متكدرة لدولة من شأن الفقر وعدم المساواة فيها أن يزدادا في كل حال، وانه اذا كانت هذه الدولة تريد أن تبقى على قيد الحياة، فانها ملزمة بان تلطف حدة الفقر في اوساط الفئتين السكانيتين الفقيرتين المتصدرتين. والسبيل الوحيد لعمل ذلك هو من خلال ذات السياسة التي انتهجت (بنجاح كبير) في العقد الماضي: عمل كل شيء، ولكن كل شيء حقا، لادراج الاصوليين والعرب في سوق العمل، مع انتاجية عمل عالية.
‘باختصار، العمل والتعليم، التعليم والعمل، ومرة اخرى العمل والتعليم. في العقد السابق نجح هذا بفضل عنصر العمل وحده.
في العقود التالية سيتطلب الامر دمج العمل مع انتاجية عالية، الامر الذي يستوجب التحسن الكبير في اجهزة التعليم في اوساط الاصوليين ايضا (تعليم المواضيع الاساس، أتذكرون؟) وكذا في اوساط العرب.
لا توجد صيغ سحرية، ولا توجد اختصارات للطريق. فقط الاستثمار الهائل في هاتين الفئتين السكانيتين، من اجل دمجهما جيدا في سوق العمل، سيؤدي الى ان نتمكن من أن نشرع في التصدي للفقر.

هآرتس 30/1/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية