المعركة على الصحراء

حجم الخط
0

لاعب هام واحد شريك سواء في الصراع الاخير في العراق أم في القتال الجاري في سوريا، المنظمة المعروفة باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام فرع القاعدة في العراق وفي سوريا، والمعروفة ايضا باسم داعش. لقد جمعت داعش في السنوات الاخيرة قوة في العراق وفي سوريا وأصبحت لاعبا مركزيا. في الايام الاخيرة سجلت في صالحها انجازا هاما، حين سيطرت على مدينتين مركزيتين في محافظة الانبار في العراق.
‘في نهاية صراع استغرق بضعة ايام سيطر أول أمس مقاتلو القاعدة على معظم اجزاء مدينة الفالوجا في المحافظة. واعلنت قوات الشرطة المحلية عن اعادة انتشار قواتها في أطراف المدينة، وتركت مركزها تماما. في الرمادي، مدينة مركزية اخرى، لا تزال قوات الحكومة تقاتل على السيطرة في عدة احياء.
‘محافظة الانبار في غربي العراق هي منطقة صحراوية واسعة الارجاء تحد سوريا، الاردن والسعودية. وهي تشكل ثلث مساحة العراق، ويكاد يكون كل سكانها سُنة. وتعد المحافظة هي البوابة للعبور بين سوريا والعراق، وبالفعل فان مقاتلين ومخربين سنة متطرفين شقوا طريقهم بين الدولتين في السنوات الأخيرة.
‘في اذار 2011، مع بداية الثورة في سوريا ضد نظام البعث ورئيسه، الرئيس بشار الأسد، كان معارضو الحكم يعرفون ضمن الاسم العمومي ‘الثوار في سوريا’. ولكن في السنوات الثلاثة التي مرت منذئذ، تغير الكثير. فبعد نحو نصف سنة، اخلت الانتفاضة الشعبية مكانها لمقاومة منظمة، وبدأت الميليشيات التي تقاتل ضد الحكم بالسلاح الناري بالظهور.
‘أولى هذه القوى كان ‘الجيش السوري الحر’، الذي كان يستند ا ساسا الى الفارين من الجيش النظامي. وأملت المعارضة السورية في أن يشكل الجيش الجديد ملجأ لمزيد من الجنود الفارين، فيجمع حوله فصائل المعارضة ويشكل بديلا عن جيش النظام. ولكن الخلافات الداخلية والنقص في المساعدات اللوجستية من خارج حدود سوريا أدت بالدولة الى سيناريو الرعب الحالي: المعارضة العلمانية فقدت السيطرة، الجيش الوطني يتفكك وعلى الأرض ظهرت ميليشيات مسلحة تكافح تحت العلم الأسود للقاعدة.
‘على رأس المنظمات المتطرفة السورية المتماثلة مع منظمة الارهاب الدولية تقف جبهة النصرة التي تشكلت في نهاية 2011 وتعتبر إحدى الميليشيات الأقوى والأكثر وحشية التي تقاتل على الأراضي السورية. وتتهم المعارضة السورية بان رجال داعش يخدمون النظام في دمشق، وليس الثورة السورية. والأمر يعبر عن نفسه اليوم في معارك شديدة بين داعش وبين ميليشيات الجيش السوري الحر والجبهة الإسلامية التي تجمع منظمات سلفية اقل تطرفا.
‘لقد أبدى تعاظم المنظمة الى إعادة النظر في الدول المجاورة لسوريا، ولا سيما في العراق وفي الأردن، في الدعم للمعارضة السورية. وفي الغرب ايضا لم يعودوا يتحمسون لإسقاط الأسد، وذلك لان البديل الذي يلوح في الأفق يبدو أسوأ بكثير، حين ستصبح سوريا قاعدة كبرى للإسلام المتطرف.
‘وحرص النظام السوري والمنظمات المعارضة لداعش على ترسيخ هذا الخوف ونشروا في الشبكة أفلاما باعثة على الصدمة يبدو فيها مقاتلو المنظمة يقطعون الرؤوس، ينكلون بالجثث ويعدمون الناس وهم مقبلين، بمن فيهم رجال دين مسيحيون. وكان لهذه الصور تأثير عميق على الرأي العام، وفي المعارضة السورية وجدوا صعوبة في شرح النية لإدخال جبهة النصرة في الحل المستقبلي، في الدولة العلمانية والديمقراطية التي تطلع الثوار إلى إقامتها.
‘قامت نواة داعش في 2004، بداية باسم ‘الدولة الإسلامية في العراق’، بقيادة ابو مصعب الزرقاوي، الذي أعلن عن تأييده لاسامة بن لادن. وحسب مصادر عربية، فان المنظمة في صيغتها الحالية تأسست في تشرين الأول 2006 في العراق بعد تصفية الزرقاوي. وانتخب ابو عمر البغدادي قائدا لها.
‘وتبنت المنظمة المسؤولية عن أعمال عديدة ضد الجيش الأمريكي وقوات الأمن العراقية، إضافة إلى عمليات تخريب في العاصمة بغداد وفي محافظات الشيعة في العراق. واتهمت الولايات المتحدة والحكومة العراقية بان المنظمة تتمتع بدعم غير مباشر من النظام في دمشق، وان الكثير من المقاتلين يجدون مخبأ في الاراضي السورية.
‘تمثل الفوضى في المحافظة الهامة في الاسبوع الاخير التدهور القائم في الوضع الامني في العراق في السنتين منذ مغادرة القوات الامريكية في الدولة. واستغلت قوات القاعدة الفراغ الذي خلفه الامريكيون، وفي حملة من العمليات والعنف مصدرها في الجانب السوري من الحدود، نحو 30 أو 40 مخرب انتحاري في الشهر، ادت الى ان وصل عدد القتلى في الاعمال العدائية في الدولة العربية ان يرتفع الى اكثر من 8 الاف، وكأن العراق عاد الى العام 2008.
‘في نيسان 2010 صفي البغدادي في حملة كبيرة للجيش الامريكي وقوات الامن العراقية في محافظة الانبار. بين 2006 و 2010 تعرض المنظمة ايضا لضربات شديدة من جانب الجيشين الامريكي والعراقي. ولكن اساس النشاط ضدها كان في كسب ثقة القبائل السنية في محافظة الانبار، والتي وفرت في الماضي المأوى لمقاتلي داعش.
‘النظام في الاردن هو الاخر رأى في محافظة الانبار دفيئة خطيرة لاعشاش الارهاب، وساعد في الاعمال ضد المنظمة. وذلك بعد هجمة الارهاب في عمان في تشرين الثاني 2005 الحملة التي أخرجها الزرقاوي الى حيز التنفيذ. وساعد الارتباط بالقبائل السنية في المحافظة الولايات المتحدة وحلفائها في الحصول على معلومات استخبارية كثيرة عبرت عن نفسها ضمن امور اخرى في تصفية قادة المنظمة.
‘بعد اغتيال ابو عمر البغدادي عين ابو بكر البغدادي قائدا للمنظمة، فواصل الاعمال ضد النظام في العراق. وبدأت الانعطافة في نهاية 2011، بعد الاعلان عن قيام جبهة النصرة في سوريا. في نيسان 2012 اعلن البغدادي عن ان المنظمة هي فرع لداعش.
‘قادة الجبهة، وعلى رأسهم محمد الجولاني، رفضوا في البداية البيان واعلنوا ولاءهم للقاعدة في افغانستان، ولكن حسب السلوك على الارض يبدو أن داعش والجبهة تتعاونان اليوم، وخلافا لمنظمات معارضة كثيرة اخرى لا توجد بينهما صراعات سيطرة.
‘وساعد تعاظم المنظمة والتقرير عن قوتها الصاعدة في تجنيد الاف المقاتلين لها داخل سوريا وفي العراق ايضا، ومتطوعين’ من دول عديدة كالاردن، تركيا، تونس، ليبيا، اليمن والسعودية. وحتى مواطنين من الدول الاوروبية والشيشان انضموا الى صفوفها في الحرب في سوريا. وحسب التقديرات، فان المنظمة تعد اليوم بين 50 و 70 الف مقاتل. ويعزى للمنظمة عدة عمليات تفجير وقعت في دمشق وفي عدة مناطق تتماثل مع النظام. وتدير داعش اليوم معارك في عدة جبهات ضد الجيش’ العراقي، جيش النظام في دمشق، وكذا ضد ميليشيات اخرى تتماثل مع المعارضة السورية. ولكن احدى الجبهات الصعبة هي المعركة التي تديرها المنظمة مع حزب الله على الاراضي السورية ومؤخرا داخل لبنان ايضا.
‘في تشرين الثاني الماضي تبنت المنظمة المسؤولية عن العملية ضد السفارة الايرانية في بيروت، وفي نهاية الاسبوع الماضي تبنت المسؤولية عن العملية الانتحارية في الشارع المركزي في الضاحية على مسافة بضع عشرات الامتار من المكتب السياسي لحزب الله. وهناك من يرى في هذه العمليات صعودا في درجة الصراع بين السنة والشيعة في الشرق الاوسط.
‘وقد برز الاستقطاب أكثر فأكثر في المعارك الجارية في محافظة الانبار في الايام الاخيرة. فقد دعا الناطق بلسان رئيس الوزراء الشيعي، نوري المالكي، الدول العربية والاسرة الدولية هذا الاسبوع الى تأييد الحكومة العراقية في كفاحها ضد داعش. وعلى حد قوله، فانه’ اذا لم تجري معالجة داعش بشكل فوري، فانها ستهدد الشرق الاوسط بأسره، وتنتشر من العراق ومن سوريا الى لبنان، الاردن، السعودية وشبه جزيرة سيناء.
‘في بيان خاص به افاد امس وزير الخارجية الامريكي جون كيري بان الولايات المتحدة ستدعم حرب العراق ضد الميليشيات المسلحة المرتبطة بالقاعدة، ولكن ليس في نيتها ارسال قوات امريكية. وقال كيري ان المسلحين يحاولون ضعضعة الاستقرار في المنطقة وتخريب المسيرة الديمقراطية في العراق، وان الولايات المتحدة توجد على اتصال مع زعماء قبليين في محافظة الانبار، ممن يقفون في مواجهة الارهابيين.
‘ومع ذلك، فقد اضاف كيري: ‘هذا الصراع هو صراع عراقي. هذا بالضبط ما قرره الرئيس والعالم قبل وقت ما حين خرجنا من العراق، وعليه فواضح تماما بان ليس لنا أي نية للعودة اليه، لا نعتزم انزال مقاتلين هناك. فهذه حربهم… نحن سنساعدهم في حربهم، ولكن هذه حربهم وعليهم أن ينتصروا فيها، وانا واثق بانهم سينجحون في ذلك’. وصرح’ السناتوران جون ماكين وليندسي غراهم، المنتقدان لقرار ادارة اوباما سحب القوات الامريكية من العراق ان ‘الكثيرين منا توقعوا ان يملأ اعداء امريكا الفراغ وينشأ تهديد على المصالح الامنية القومية للولايات المتحدة’.

هآرتس 7/1/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية