‘.. وفِر من التلفزيون المصري فرارك من الأسد’.. هذه هي نصيحتي للناس كافة، حفاظاً على لياقتهم النفسية، وحتى لا يكون جلوسهم أمام هذا التلفزيون سبباً في إصابتهم بالبلاهة المنغولية، ولي قول آخر مأثور: ‘إن مشاهدة التلفزيون المصري يكفر الله بها الخطايا!
لم يكن لدي من الخطايا، ما يحرضني على أن أجلس أمام التلفزيون سالف الذكر، وأن من قبلكم من كانوا يجلسون تحت الشمس الحارقة تكفيراً عن ذنوبهم، ولهذا كانت أمهاتنا تقول لنا إذا وجدت منا حرصاً على الجلوس في الشمس: ‘هل عليك ذنب’؟!
كنت مجبراً، فالقوم بشرونا بأن محاكمة الرئيس محمد مرسي ستكون على الهواء مباشرة، وأن المسموح له بالنقل هو هذا التلفزيون، ليمكنه من التحكم في المشهد، وبتقديم الرئيس مهاناً، وفي الجلسة الأولى قاموا باختيار اللقطات، التي تسهل عليهم المهمة، فإذا بالرئيس يتحول إلى حديث الناس لشموخه، وكيف أنه بدا كما لو كان في جولة رئاسية لتفقد معهد أمناء الشرطة، التي تنعقد فيه جلسات محاكمته.
في الجلسة الثانية حيل بينه وبين المحاكمة، وقال القوم إن سوء الأحوال الجوية في محافظة الإسكندرية، حيث سجن ومطار برج العرب، حال دون نقله بالطائرة، ولم تكد تمر دقائق على هذا الإعلان، حتى وقف العالم كله على كذبهم، فسكان الإسكندرية قالوا إن الجو صحو في هذا اليوم، كما أن رحلات الطيران من والى مطار برج العرب منضبطة!
في هذه المرة، كان تفكيرهم المحدود قد هداهم، إلى وضع الرئيس ومن معه في قفص عازل للصوت، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المحاكم المصرية، والحال كذلك فقد أعلنوا أن المحاكمة ستكون على الهواء مباشرة، فلن نسمع سوى صوت القاضي!
انتظرت طويلاً أمام التلفزيون المصري، حتى زاغ البصر، وأنا استمع إلى كائنات بدت لي أنها سقطت على كوكبنا من عوالم أخرى، كلام يبدو كالكلام، وفي حضرة مذيعين، لا يقاطعون، ولا يعترضون، ولا يبدون دهشة في مواجهة غرائب القول، ويبدو أننا أمام مدرسة إعلامية جديدة، يجلس فيها المذيع كالتلميذ في الفصل، لا يجوز له أن يتحدث في حضرة الأستاذ، إلا إذا فرغ من كلامه، وقد شاهدت عبد الحليم قنديل وهو يقدم حيثياته لأهلية عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر، وعلى الرغم من أنه ساق أسباباً يُرد عليها، إلا أن مذيع قناة ‘التحرير’ الخاصة، ظل صامتاً، فلم يقاطعه حتى وهو يقول: ‘إن السيسي ملك قلوب المصريين خاصة النساء’!.
ويبدو أن الحديث عن السيسي مالك قلوب العذارى والأرامل، يمثل منهجاً جديداً في العملية السياسية، التي تشهدها مصر، فمن شابه فريقه فما ظلم!
جاذب النساء
في واحدة من التسريبات ظهر الفريق عبد الفتاح السيسي، وهو يعلن للحاضرين أن من أسباب استمرار العقيد محمد احمد علي، المتحدث العسكري في منصبه، أنه ‘جاذب للنساء’!.
وهو فتح جديد في تولي المناصب الكبرى في مصر الآن في عهد الانقلاب، وفخامة القمص بولس عويضة، وحفاظاً منه على الوحدة الوطنية، أعلن في حشد جماهيري أنه يذوب عشقاً في السيسي، والنساء معذورات في حبه.
فلم يشأ القمص عويضة أن يجعل الحديث عن الحب، الذي ملك القلوب شأنا خاصاً بالمسلمين، فهو وعلى الرغم من مكانته الدينية، يذوب عشقاً في السيسي.
الدكتور حازم الببلاوي، الرجل المسن، تبين أنه يفهم في الحب، مع أنه من جيل المصريين القدماء، الذين كانوا ينظرون للحب على أنه عيب، لكن الببلاوي تطور، وعاش زمانه، إلى درجة أن يقول في دافوس، وأمام الفرنجة، كدليل على أهلية السيسي للفوز بمنصب الرئيس، ومفسراً السبب في أن ترشيحه صار مطلباً وطنياً بأنه معشوق النساء، والسبب في هذا أنه وسيم؟!
الفريق أول عبد الفتاح السيسي وسيم؟! هذا ما لم أكن أتخيله!
وبحسب هذه التأوهات النازحة من بين ضلوع ‘بكارى’ السياسة المصرية، يصير السيسي وسيماً كالفنان رشدي أباظة؟
أن يرسي العطاء في ‘مقاولة الوسامة’ على الفريق السيسي، يفسر لي شخصياً كيف أن مقاييس الجمال اختلفت، ونظرة الى الفائزات بلقب ملكة جمال العالم في كل عام وفي السنوات العشر الأخيرة، سوف تقف على هذه الحقيقة المرة، فملكات الجمال ليس فيهن من ملامح الجمال القديمة شيء.
لا بأس، فالأسطورة القديمة للسيسي سقطت، من أنه ديغول، وايزنهاور، وجمال عبد الناصر، وكان لا بد من بناء أسطورة جديدة، تقوم على قيم ‘الفتى الطائر’، بالحديث عن الوسامة، ومعشوق النساء.
عن نفسي فأنا المستفيد من اختلال الموازين، فظهور أول مذيعة سمراء فتح باب الأمل لدى كثيرات، ولم يكن لهن ان يحلمن بذلك في زمن سهير شلبي، وفريدة الزمر، ونجوى إبراهيم. وتحول لميس الحديدي إلى مذيعة في زمن التحولات الكبرى، أغرى ربات البيوت بالعمل كمذيعات، والتوقف عن صناعة المحشي بأنواعه!
وزمان، ولأن حرفاً من الحروف عندي سقط في ظروف غامضة، فلم أفكر يوماً أن اعمل مذيعاً، لكن بظهور عبد الرحيم علي، على الشاشة الصغيرة، أنعش الأمل بداخلي!
قلت لابنتي، التي التحقت بكلية الإعلام على غير رغبة مني لكي تعمل مذيعة، إن إتقان اللغة العربية شرط للعمل في هذا المجال، وكان هدفي أن تصرف النظر عن هذه الأمنية، فردت علي: ‘وهل لميس الحديدي تتقن اللغة العربية’؟! وصمت ولم أعقب، فعلى كل قول لي يوجد رد.
اختفت المقاييس التقليدية للوسامة، ولست بأسف على ذلك، ويمكنني من الآن فصاعداً أن أقول إنني وسيم، بعد اختلال منظومة القيم القديمة، ويكفي أن شعري فوق رأسي، وأنه ما زال، رغم تقدم السن يحتفظ باللون الأسود اللميع، لا أظن أن السيسي يتمتع بهذه الميزة!
‘ راحت’ على حسين فهمي، الذي كان يظن أنه تربع على عرش الوسامة، بعد رحيل رشدي أباظة، وهذا الذي جعله يقدم على الزواج بعد أن تقدم به العمر، أنا والسيسي سنزيحه من فوق عرش الوسامة، لنجلس سوياً.
الطبيخ البايت
ما علينا.. فالحديث عن شخصي وشخص السيسي، بعد مرحلة الوسامة يطول، فما زلت أمام التلفزيون المصري في انتظار المحاكمة، وقدر لي أن أشاهد برنامج ‘صباح الخير يا مصر’، ولا ادري لماذا تملكني شعور جارف بأنني أمام وجبة من ‘الطبيخ البايت’، الذي يفقد شهيته وطعمه، وعبارة ‘الطبيخ البايت’، تطلق في مسقط رأسي على الكلام الذي يفتقد للجاذبية وللحماس.
كان أحد الأشخاص يتحدث، وينظر اليه المذيع مفتعلاً الدهشة، باعتباره يستمع إلى فتوحات في علم الكلام والتأسيس.
يختلق المتحدث أسئلة في عقله الباطن، ولا يجهر بها، ثم يرد عليها، فيبدو الرد مفككاً.
بدت إجابته على سؤال كيف يحاكمون الرئيس، وقد رسم القانون طريق محاكمته بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب وأمام دائرة من دوائر محكمة النقض؟!
فكان كلامه يدور حول أن محمد مرسي، كان متهماً قبل ترشحه، ومن هنا يعد ترشيحه باطلاً، ومن ثم فليس رئيساً لتكون هناك إجراءات في محاكمة غير تلك التي اتخذت.
كلام رائع ولا شك، لكنه يفقد روعته لو طرح سؤالا: وكيف للوسيم أول عبد الفتاح السيسي أن يعمل مع رجل متهم بالتخابر، ويعمل ضد المصالح العليا للبلاد، ويقبل تعيينه له وزيراً للدفاع، ويحرص كل الفترة الماضية أن يبدي إخلاصاً عندما استمعت له متواتراً، دهشت لأن يكون هناك إنسان على ظهر البسيطة يمكن أن ينافق رئيسه ومن حوله بهذا الشكل، وعلى مر التاريخ.. سواء كان صادقاً أم مخادعاً؟!
عندما خشيت على لياقتي العقلية، من تأثير تلفزيون القوم، تذكرت أنه عندما ينقل المحاكمة، قطعاً فان فضائيات أخرى ستنقل منه، وغادرت. وقد علمت مؤخراً أن صفاء حجازي، هي رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المذكور، ‘صبرت ونالت’، لكن لا يمكن لأحد أن يغير من طبيعة الوضع في تلفزيون الريادة الإعلامية، في ظل الاستبداد، لاسيما ومن وسد إليها الوضع في حالة استمتاع فطري بهذا المستبد، الذي جاء على قدر ليعيدنا إلى زمن مبارك، دون وجود المنغصات، التي حالت دون الترقي الوظيفي للمذكورة في العهد البائد.
تأخرت المحاكمة يا قراء، بالرغم من الإعلان عن وصول هيئة المحكمة وجميع المتهمين..
قيل إن الرئيس رفض دخول القفص الزجاجي، ثم بدا هناك تراجع عن قرار النقل المباشر للمحاكمة، وأذاع التلفزيون المصري، ونقلت عنه الفضائيات الأخرى، جانباً من المحاكمة وإذا كانوا قد أصروا على إحضاره بالملابس البيضاء، الخاصة بالحبس الاحتياطي، فان ما أحدثه غطى على هذه الخطوة، التي كان الإنقلابيون يريدون بها أن يقدموا الرئيس مهاناً.
اللقطات المذاعة جاء فيها الرئيس وهو يسأل القاضي من أنت؟ فيجيبه القاضي: أنا رئيس محكمة جنايات مصر.
كان الرئيس يتحدث بأعلى صوته ليصل صوته للقاضي، وليقدم للعالم صورة للمسخرة التي تحدث.
لقد قرروا إهانة الرئيس محمد مرسي فأهانهم، وجعلهم مسخرة أمام العام. وعموماً احفظوا هذا الاسم جيدا: ‘ عمرو الدرديري’ فقد يقتلونه ليكتموا شهادته وقد أعلنها مع يسري فودة، وفي حضور قيادات أمنية كانت في الأستوديو.
* صحافي من مصر
[email protected]
رجل وكاتب محترم وموضوعي.
يا اخي انت كاتب رائع، متميز، بارك الله فيك، وشكرا لك ولمواقفك النبيلة
قال وسبم ومعشوق النساء فال
أستاذ عزوز، موضوعيتك وعمق تحليلك وجاذبية أسلوبك وسلاسة لغتك تجعلك منافسا لأبي تريكة على إمارة القلوب .
مقال جميل استاذ سليم
ساءت الأوضاع في مصر إلى الحد الدي يمكن القول معه : أن من الأخلاق أن تكون بلا أخلاق وأن من القانون أن تكون بلا قانون وأن من الدين أن تكون بلا دين.
نحبك
ونحب كلماتك
ونتطلع الى لقياك في الاردن يا صاحب اجمل الكلمات
تحليل رائع جدا جدا و بارك الله فيك يا اخ سليم عزوز
لا فض فوك يا استاذ عزوز لم تنقلب موازين السياسة والجمال فحسب بل انقلبت موازين الاستخفاف بالعقول حيث ان الحجج الغبية التي يسوقونها لتبرير مواقفهم واعمالهم لم تعد تقنع حتى الاطفال فالظاهر ان خوف الانقلابيون من الحرية والديموقراطية قد افقدهم صوابهم وصاروا يتخبطوا ويشوفوا ان الاخوان هم من فكك الاتحاد السوفيتي وشاهدوا الاسرى والشهداء يصولون ويجولون ويخرجون المساجين !!! على فكرة قد تكون هذه كرامة وفعلا راؤوهم!!!!!!.
أحييك يا أستاذ عزوز.
على جرأتك وتعبيرك بثقة وجراءة وخاصة فى مداخلاتك التليفزيونية…حيث أتابعك على قناتى..الجزيرة ، والجزيرة مباشر مصر..
دائما جسور أمام مؤيدى الإنقلاب..وأنت الذى كنت تنتقد الرئيس مرسى أيام كان فى السلطة !..الآن وقد ظهرت حقيقة الإنقلاب وبشاعته…فها هو المواطن إبن البلد..وذو المعدن الأصيل من أمثالك..يصدح بالحق..ولا يخاف لومة لائم..