يطرح عشرات الاسئلة بعد الفراغ من مشاهدته فيلم الجنة الآن : الموت في هدوء.. الموت في صخب!

حجم الخط
0

يطرح عشرات الاسئلة بعد الفراغ من مشاهدته فيلم الجنة الآن : الموت في هدوء.. الموت في صخب!

دينا وادييطرح عشرات الاسئلة بعد الفراغ من مشاهدته فيلم الجنة الآن : الموت في هدوء.. الموت في صخب!يضع المشهد الأخير في فيلم الجنة الآن لمخرجه هاني أبو أسعد المشاهد وسط عدة تساؤلات، فهذه عين سعيد أحد بطلي الفيلم وقد أصبحت هي البطل الوحيد في هذا المشهد حين سلط عليها المخرج الكاميرا في Close up قبل أن تختفي تماماً وسط شاشة بيضاء تشير إلي حالة العدمية التي وصل إليها أو كان يعيش فيها سعيد ، الشاب الفلسطيني ذو الملامح البريئة.الشاشة البيضاء، وتشبث المشاهد بمقعده في انتظار لحظة التفجير وتناثر الأشلاء، ولحظات الصمت التي يحياها سعيد كجزء من شخصيته، كل هذه أسئلة بلا أجوبة تصطحب المشاهد إلي خارج قاعة العرض، وربما إلي سرير نومه، مفكرا في سعيد وفي رحلة بحثه عن الإجابة وصولا إلي العدم الذي حاول مقاومته بالبحث عن فكرة الاستشهاد كبديل وحيد لهاجس العدمية، طارحا سؤالا جدليا في الوقت ذاته: هل أفلح؟.يناقش المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد في فيلمه الجنة الآن علي مدي 90 دقيقة وجهة نظر خاصة ومختلفة عن الإنسان الفلسطيني الذي يفكر في تنفيذ عملية استشهادية بهدف الوصول إلي الجنة التي يحلم بها في وطنه الذي سلبه الاحتلال إياه، وسلب معه حلم المواطن الفلسطيني الذي وصل إلي لا شيء، عدا شيء واحد هو أن يقدم جسده فداءً لفكره حتي يشعر أن له هدفا أو دعنا نقول حلما يسعي له ويعيش لحظات قليلة، هذه اللحظات التي عاشها بطلا الفيلم خالد وسعيد وشعرا أنهما يفعلان شيئاً هاماً لهدف محدد هو الوصول إلي الجنة.وبعيداً عن حياة الأبطال الذين تم تدريبهم منذ ولادتهم حتي الوصول إلي عمر معين يكون هو خط النهاية بالنسبة لهم في عملية استشهادية تصيب قلب العدو، وبعيداً عن مشاهد القصف والقتل والدمار والدماء والجثث المتناثرة في كل مكان وبدون أي مؤثرات موسيقية يعيش من خلالها المشاهد حالة وقتية أثناء مشاهدة الفيلم فقط أعاد أبو أسعد بناء دراما الحياة الواقعية التي يعيشها بعض الشباب الفلسطيني في الداخل بلغة سينمائية لا تخلو من الرمزية والكوميديا السوداء التي جعلت الجمهور يضحك من هم يراه، في ثنائية فنية ممتعة، يطرحها أبو أسعد عبر عدة مستويات، نراها جميعا متضافرة، البكاء والضحك في بوتقة واحدة، الفرح والترح، الهدوء والصخب، الحياة والموت، أسئلة فلسفية تلك التي يطرحها المؤلف، أم تراها عبثية أكثر؟.فالموت لم يعد متروكاً للقدر كما هو الحال لدي جميع البشر في الأرض، بل أصبح قرارا، بيد لشخص / الفلسطيني أن يتخذه،وهو هنا يكسر أحد التابوهات التي تقيد الحياة كلها بما يتبعها: الموت / الغيبيات /السمعيات / الخوف،وهو إذ يفعل هذا فإنه ينتصر علي نفسه، كمقدمة لنصره علي الآخر.ويتنفس الفلسطيني أنفاسه الأخيرة بإرادته هو هذه المرة، يري الموت علي بعد أمتار منه، لكنه هو من يتحكم في الأمر، أية حرية هذه، وهل يوجد أفضل من هذه حياة؟ يتنفس البطل أنفاسه الأخيرة، بطريقة عادية جدا، وكأنه لا ينتوي فعل شيء، لتحتبس في المقابل أنفاس المشاهد، يتنفس البطل أنفاسه التي تعقبها هاني أبو أسعد ليوصلها للمتلقي حتي يعرف كيف تتنفس الشخصية الاستشهادية في لحظاتها الحاسمة والأخيرة قبل إصابة العدو.فيلم الجنة الآن عبارة عن حياة شابين فلسطينيين من الطبقة العاملة الكادحة خلال 24 ساعة فقط قبل تنفيذهما عملية استشهادية مشتركة.يبدأ الفيلم بمشهد لبطلي الفيلم خالد وسعيد ـ اللذين أديا دوريهما ببراعة فنية قيس ناشف وعلي سليمان – واللذين يعملان في ورشة لتصليح السيارات تطل علي تلة في مدينة نابلس. ويصلحان صندوق سيارة ليصل صاحبها بعد انتهائهما من إصلاحه ليدخل معهما في مشادة كلامية وجدل يجافي الحقيقة البصرية التي يراها خالد وسعيد والمشاهد معهم بأن الصندوق الذي ركباه لسيارته في حالة اعوجاج لا يراها سواه ويصر صاحب السيارة علي وجهة نظره حتي يفقد الشاب خالد أعصابه ويأخذ مطرقة ثقيلة يهوي بها علي المكان حتي يصل لمرحلة الاعوجاج بالفعل، ويقول له الآن أصبح الصندوق سوياً وبينما المشادة الكلامية بين خالد الشخصية الصدامية الثورية التي تبحث عن ذاتها المفقودة أمام صاحب السيارة الذي يصر علي وجهة نظره التي يصيبها اعوجاج ظهر سعيد مستسلماً موضوعاً لكن وراء صمته غيظاً وأملاً مفقوداً يشكلان نهاية الفيلم.بهذا المشهد يؤسس أبو أسعد الفكرة الرئيسية للفيلم بصورة رمزية لما يدور داخل المجتمع الفلسطيني من صدام ناتج عن أن البعض لا زال يصر علي رؤية أشد الحقائق وضوحاً بالمقلوب فيصبح القاتل ضحية والمقتول هو المتهم.يحاول خالد وسعيد من خلال حوارهما البحث عن مشروع مشترك له هدف يعملان من أجله سوياً ويقرران الاشتراك في عملية استشهادية واحدة لتتحرك الكاميرا إلي مدينة نابلس من أعلي ليري المشاهد جمال الجنة التي يسعي إليها خالد وسعيد.تظهر سهي لبني الزبال ابنة أحد المناضلين الكبار علي أحد المعابر الإسرائيلية في لحظات صمت ونظرات متحدية للجندي الإسرائيلي الذي قام بتمريرها بسهولة ودون اعتراض أو ذلك عكس ما يحدث في الواقع لتدخل إلي وطنها قادمة من أحد بلاد المغرب التي عاشت بها طفولتها مما أثر علي لهجتها الفلسطينية حال معظم الفلسطينيين الذين يعيشون خارج الوطن. وتذهب سهي لورشة خالد وسعيد لتسأل عن سيارتها التي تركتها للإصلاح لعدة شهور وتسأل سعيد عنها ويتبادلان نظرات تظهر الإعجاب المتبادل بينهما ولكن يختلف لدي كل منهما لتكشف أحداث الفيلم أن سعيد ربما يكون سبب إعجابه بـ سهي أن والدها هو أحد أبطال المقاومة والنضال الفلسطيني بينما والده كان عميلاً للعدو وأعدمه نشطاء فلسطينيون.وتصل اللحظة الحاسمة عندما يظهر جمال القائد مجهول الفصيل إلا من بعض الدلالات مثل اللحية وطريقة ملبسه التي تشبه ظاهرياً قادة تنظيم حماس ليبلغهما بموافقة التنظيم عليهما كاستشهاديين في إحدي عمليات تل أبيب .ويصحب جمال سعيد إلي منزل عائلته بينما يصحب خالد شخص آخر من التنظيم ويبيتوا معهم الليلة لاصطحابهم في الصباح إلي مقر التنظيم ليتم تحضيرهم للعملية الاستشهادية بينما أفهم خالد وسعيد أسرتيهما أنهما بحثا عن فرص عمل داخل الأراضي المحتلة وأن جمال والشخص الآخر هما من وجدا لهم العمل.وحاول ابو أسعد الوصول لتفاصيل دقيقة في دقائق معدودة من خلال المشاهد التي جمعت خالد وسعيد بأسرة كل منهما ليلة العملية في كيفية محاولة الأسرة الفلسطينية تدبير معيشتها، والأم الفلسطينية ـ متجسدة في أم سعيدـ والتي تشعر بأن ولدها ليس ذاهباً إلي عمل بل إلي عملية ولكنها تجاري الأحداث ظاهرياً مصدقة حدسها الذي يظهر في نظرتها إلي ولدها بين لحظة وأخري وكأنها نظرة أخيرة عليه.أما والد خالد الذي فقد إحدي عينيه، فيسأل عضو التنظيم خالد عنها فيجيبه خالد ببساطة أن قوات الاحتلال وضعت والده في حالة اختيار بين فقد إحدي عينيه وبين أن يأخذوا ولده -خالد- فاختار أن يفقأوا إحدي عينيه وذلك أثناء إحدي مداهمات قوات الاحتلال لمنزلهم للبحث عن عائلة أحد الاستشهاديين في محاولة لفهم شخصية خالد الصدامية الثورية والرافضة للواقع الذي يعيشه.يصل خالد وسعيد ليبدآ عملية التحضير للعملية الاستشهادية ويقف خالد ممسكاً بسلاحه أمام الكاميرا ليلقي خطاباً سياسياً من الدرجة الأولي يتميز ببلاغة خطابية عالية وبعد أن ينتهي يكتشف أن الكاميرا لم تصوره بسبب عطل مفاجئ، وعند الإعادة تتجه كاميرا المخرج لأعضاء التنظيم وهم يشاهدون خالد وفي حركة آلية تمتد يدهم للساندويتشات التي أعدتها والدة خالد له ويأكلون وكأنهم مشاهدون لفيلم سينمائي داخل بيوتهم ويقف في الخلفية سعيد الذي لا تتخلي نظرته عن مسحة الحزن وحالة العدم.وربما يكون هذا البعض محزنا للبعض، ومثيرا لاستياء البعض الآخر ممن يرفضون أن ينظر إلي الفلسطينيين بهذه الصورة، بل قد يكون دافعا للبعض لاتهام المخرج بتبسيط العملية الاستشهادية والاستهتار بقادة وأعضاء فصائل المقاومة وأيضاً تبسيط شخصية الاستشهادي نفسه وإظهاره في صورة شخص ليس له هدف ولا يمتلك استراتيجية في تفكيره، مبررين ذلك بأن تمويل الفيلم غربي (فرنسي – ألماني – هولندي) وأن المخرج هاني أبو أسعد ضد العمليات الاستشهادية، لكن ما أراه هو أن هاني أبو أسعد فعل شيئا جميلا: هو أنه سعي إلي أنسنة العملية الاستشهادية، قال لكل أصحاب الدوجما، وأصحاب النظريات الكبري، والأفكار الزاعقة أن هؤلاء بشر، فقد الموت بالنسبة إليهم معناه، لم يعد ذلك المارد الذي يخيفكم، لقد انتصروا عليه، هو إذن لم يؤنسن العملية الاستشهادية وحدها، ولا الفلسطيني وحده، بل أنسن الموت ذاته. أبو أسعد أعلن بلغته السينمائية أنه من أقرب الشخصيات التي من الممكن أن تقوم بعمل عملية استشهادية بالرغم من أنه ضد هذه العمليات فكرياً نتيجة الظلم والقهر الذي يعيشه الفلسطيني داخل وطنه.من خلال صمت سعيد ونظرات خالد الحادة خلال وضع الأحزمة الناسفة علي جسديهما سبقتهما عملية تغسيلهم وحلاقة الشعر وكأنهما عريسان يعدان نفسيهما لليلة العرس ويظهران ببذلتيهما الأنيقتين علي مائدة الطعام ليعيد هاني أبو أسعد بناء لوحة العشاء الأخير في مشهد يتمتع بلغة سينمائية متقنة.ويذهب الصديقان لعبور الحدود عند الأسلاك الشائكة وبينما ينتظرهما أحد العملاء الإسرائيليين لدي التنظيم الفلسطيني ليصل بهما إلي تل أبيب مكان العملية تفاجئهما دورية عسكرية إسرائيلية ويهربان بسرعة ويفلح خالد للعودة مرة أخري بينما يتوه سعيد وتبدأ رحلة البحث عنه ويشك قادة الفصيل في مدي ولائه في حين يراهن خالد أن الخيانة ليست من أخلاق صديقه سعيد، ويلغي قائد الفصيل العملية والذي يظهر في شخصية ليس لمظهرها الخارجي علاقة بالتنظيمات والفصائل الإسلامية بل أقرب إلي فتح ليلغي هاني أبو أسعد مرة أخري هوية التنظيم فيما عدا أنه فصيل فلسطيني فقط دون الانتماء لأي اتجاهات بعينها. ويذهب خالد للبحث عن سعيد والذي يحاول الذهاب وحده إلي تل أبيب لتنفيذ العملية وبينما هو واقف في إحدي محطات انتظار الاتوبيس وهو يضع يده علي سلك حزام التفجير يجد طفلة إسرائيلية صغيرة تقف في مقدمة الاتوبيس فيتراجع عن الفكرة، ويشير إلي السائق بأن يذهب ويحاول العودة مرة أخري ليجد المكان الذي يجتمع فيه أعضاء الفصيل خاليا تماماً وفي نفس الوقت تتابع الكاميرا خالدا الذي يسأل عن سعيد في كل الأماكن التي من الممكن أن يذهب إليها ويقابل سهي التي تشعر بأن هناك شيئاً ما يحدث وتعلم بالأمر الذي رفضته ودخلت في معركة كلامية مع خالد حول مفهوم النضال ومحاربة المحتل وأنها معركة وجود وينتهي الجدل باقتناع خالد بوجهة نظر سهي .وفي هذه الأثناء يعثران علي سعيد ويحاول خالد اقناعه بأن وجودهم في الحياة هو المقاومة الحقيقية للمحتل وليس الموت مع العدو في إشارة المخرج إلي أن هذه الفكرة توراتية وليست من تراثنا أو مفاهيمنا، ويلتقي خالد وسعيد بقادة الفصيل مرة أخري ولكن هذه المرة تصحبهم سهي الرافضة للفكرة ويصلان إلي تل أبيب، وقبل أن ينزلا من السيارة التي صحبتهم للداخل يأمر خالد السائق بأن يعود مرة أخري وأن العملية ألغيت بكاملها ويخدع سعيد خالد ويفتح باب السيارة ويذهب بعيداً بينما يبقي خالد الذي كانت لحظة بكائه أكثر تأثيراً في المتلقي من أي مشهد دماء وتفجيرات.ينتهي الفيلم بالمشهد الأخير وسعيد داخل الحافلة وخلفه بعض الجنود الإسرائيليين في إشارة إلي أن العملية ليست في مدنيين بل عسكريين، وتقترب الكاميرا في مشهد النهاية من سعيد حتي تستقر علي عينيه التي لا تخلو من تلك النظرة الحزينة المتسائلة وتقطع الصورة علي بياض مفاجئ إشارة إلي الموت دون صوت أو صورة للانفجار، وتنزل الأسماء بتترات النهاية لتضع المشاهد في نفس حالة الحزن في عيني سعيد منتظراً لما سيحدث بعد ذلك.ما سيحدث بعد ذلك، هو خروج المتلقي من الفيلم،وبداخله عشرات الأسئلة التي تحتاج إلي أجوبة، وإذا كانت وظيفة الفن الأولي هي طرح الأسئلة، فإن هذا الفيلم نجح حقا في أن يثير أسئلة حول نقاط لم تعد مثيرة لأي استفهام، حول معني الموت والاستشهاد والنضال والحياة والوطن ذاته. ناقدة من فلسطين0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية