يديعوت أحرونوت: ليست قضية تسريبات فحسب.. بل تضليل وكذب والتسبب في قتل “المخطوفين”

حجم الخط
0

 يصعب على البيبيين (أنصاربي بي نتنياهو) أنفسهم فهمه أحياناً. خذوا القضية الأمنية التي عصفت بمكتب رئيس الوزراء في الأيام الأخيرة. قصة واحد، اسمه إيلي فيلدشتاين، بيبيّ فاخر، عمل كناطق في خدمة نتنياهو ومكتبه. إحدى المهام التي كلف بها ظاهراً، أن يدس معلومات أمنية تخدم سيده في هيئات الإعلان. هو مشبوه بالتآمر مع ضباط في الجيش، تلقى منهم وثائق سرية ووزعها بتفسير زائف. عندما نشرت الأنباء، في “بيلد” الألمانية وفي “جويش كرونيكل” البريطانية، سارع نتنياهو وعقيلته ليستخدماها لأغراضهما السياسية.

زميلنا رونين بيرغمان، كشف النقاب عن التلاعب والكذب. تم فتح تحقيق، وتدحرج من الجيش إلى “الشاباك”. عندما علمت الصلة بين المشبوه المركزي ورئيس الوزراء، سارع مكتبه لإصدار جملة بيانات. في البداية، كان النفي تاماً: لم يكن أي شيء، وإن كان فلم يكن. بعد ذلك، عندما تبين أنه كان بل وكان، نفيت الصلة: الرجل لم يعمل هناك، ولم نتنياهو بالوثائق إلا من وسائل الإعلان؛ في المرحلة الثالثة، حين أدركوا أن الجياد فرت من الإسطبل، انضموا إلى طلب وسائل الإعلان لإزالة الحصانة. وفي إطار ذلك، بلوروا خط الدفاع في حربهم على الرواية: يدور الحديث بالإجمال عن تسريب؛ الكل يسرب والكل يغض النظر؛ التركيز على المكتب وتسريباته هو ازدواجية أخلاقية وإنفاذ انتقائي.

هذه رواية كاذبة: جوهر القضية ليس التسريب، بل الاستخدام الكاذب لمادة سرية لتضليل الرأي العام في إسرائيل في الموضوع الأكثر شحناً على جدول الأعمال، قضية حياة وموت. ليس التسريب، بل الكذب؛ نزعة الشر؛ حرية التنكيل بأبناء شعبك، بمواطني دولتك، بضحايا قصورك. هكذا تتصرف أكثر الأنظمة ظلامية.

من السابق لأوانه أن نقرر إن كان هنا ضرر أمني ذو مغزى أو مخالفة في مجال الخيانة. العناوين الرئيسة المدينة هذه تميل إلى التقلص كلما تقدمت المسيرة القضائية. لكنه ثبت أن لآلة السم، مثلما لقبعة الساحر، آلية خاصة بها: هي لا تتوقف عند السياسيين والصحافيين والشهود في محاكمة الحاكم، بل تدوس كل من يقف في طريقها، بمن فيهم المخطوفون.

كان يمكن لنتنياهو اختيار خطوة أقل فاعلية بكثير. كان يمكنه القول: صحيح، فيلدشتاين، المشبوه المركزي، عمل لدي. قرار “الشاباك”، رفض إعطاءه تصنيفاً أمنياً، نبع برأيي من اعتبارات غريبة. من حقي ألا أراعيه. فعل ما فعله بإذن وبصلاحية: وجهته. قررت أن هذا حيوي لأمن الدولة. لا تسألوني لماذا – من حقي ألا أفصل. ولا تجلبوا اعتراضات قادة الجيش و”الشاباك”. لا فكرة لهم عما هو حيوي للأمن وعما هو ليس كذلك. لم أشركهم لأني لا أثق بهم. عندما يكونون رؤساء الوزراء يمكنهم أن يقرروا خلاف ذلك. أما الآن، فأنا الرئيس ومن يقرر.

لم أجد هذه الجمل: نتنياهو قالها، بكلماته، في شهادته أمام لجنة التحقيق في موضوع الغواصات والسفن. في القضية إياها أيضاً، هو والرجال المكلفون من جانبه جربوا صيغاً أخرى وابتكارات أخرى. أحد مساعديه حتى طالب، كآخر المجرمين، تمزيق وتدمير وثيقة محرجة خرجت من هيئة الأمن القومي. عندما نفدت هذه المعاذير، تمترس نتنياهو برواية “الدولة هي أنا”: أنا رئيس الوزراء وأنا قررت. وها هو، في قضية الغواصات لم يلحق به أي ضرر. يزداد قوة من قضية إلى أخرى.

نتنياهو، الذي يعشق كل ما يأتي من أمريكا، كان يمكنه أن يتعلم شيئاً ما من الرئيس ليندون جونسون. كان جونسون ذات مرة هاتف الصحافي المحقق جاك أندرسون، كاتب المقالات لـ “واشنطن بوست”، تسريب قصة له. “آسف”، قال أندرسون. أنشر قصصاً سرية فقط.

لا مشكلة، قال جونسون. أنا الرئيس. سأجعل هذه الوثيقة سرية. وهذا ما فعله.

الدول التي تجتاز مسيرة انقلاب نظامي، لا تعرف متى وصلت إلى نقلة اللاعودة. نحن الإسرائيليين، لا نزال نتمتع بحرية تعبير وحرية نقد، وأذرع الإنفاذ التي لا تزال بعضها رسمية أذرع أمن تؤمن بالقانون. كل هذا يعطي تفاؤلاً، لكن محظور أن يغشي عيوننا من رؤية ما يحصل في مكتب الحاكم، وروحه، ومحيطه القريب. ما يسمح لنفسه أن يفعل، من القوة الزائدة أو من الضعف. هذا ما يخيف في هذه القضية المقلقة.

ناحوم برنياع

 يديعوت أحرونوت 4/11/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية