السطر الأخير من الانتخابات الأمريكية ليس منعشاً لإسرائيل. المرشحان إشكاليان لنا: هي لأسبابها، وهو لأسبابه. إذا فازت هاريس فستحتاج لدعم الكتلة الديمقراطية في مجلسي النواب. الديمقراطيون منقسمون في قضيتنا: الجناح اليساري نقدي وفي أقصاه معادٍ تماماً. وقد يتدهور العداء إلى ضرر إذا ما استمر تولي حكومة اليمين برئاسة نتنياهو. للخير والشر، نتنياهو أيقونة في السياسة الأمريكية. يذكره اليسار على نفس واحد وضغينة واحدة، مع ترامب.
أما إذا انتخب ترامب، فسنعود لنلتقي غرائزه الانعزالية. قد لا نرى طائرات أمريكية في السماء، وكذلك منظومات مضادة للصواريخ على الأرض، وحاملات طائرات في البحر، وكلها كي تحمينا، في أثناء ولايته. مشكوك أن يقر اتفاقات المساعدات التي أقرها بايدن. إسرائيل تواقة لمحور عالمي بقيادة أمريكية يكون قوياً ومستقراً وملتزماً ومصمماً في اعتراضه على محور الشر. مشكوك أن تتلقى هذا تحت ترامب.
رغم هذا، يعمل نتنياهو كأنه واثق أن بوسعه كسب تأييد ترامب بالمال وبالتزلف. ربما يكون محقاً، لكن إذا ما انتخب ترامب، فإن رئيس وزراء إسرائيل والمليارات التي سيجندها ليسوا الوحيدين الذين يقفون في الطابور. ترامب قصير النفس، منشغل بذاته، عبد لنزواته. في أفضل الأحوال، هو نكتة.
أقترح ألا نولي أهمية كبيرة لما قاله الاثنان عن إسرائيل وغزة ولبنان وإيران في أثناء الحملة. فخطوات الرئيس/ة في الشرق الأوسط سيوليها الوضع في الميدان، والاضطرارات السياسية والحزبية، واقتراحات المستشارين وإحساسه أو إحساسها الداخلي. خيراً سيكون إذا ما وصل رئيس وزراء إسرائيل إلى البيت الأبيض الجديد مع رؤية واضحة، وسياسة يمكن تنفيذها، وصورة مصداقة. ترامب حساس جداً للمصداقية لدى الآخرين، وكذا هاريس.
لكن الانتخابات التي تجري اليوم لا تنشغل بنا. انخرطنا هناك لأن مجموعات أصلية معينة صغيرة جداً في وزنها بين عموم السكان، تتجمع بالصدفة في ثلاث ولايات متأرجحة: بنسلفانيا، وميشيغان، ووسكونسن. يهود، وفلسطينيون، ولبنانيون – كان لكل مجموعة منهم في الولايات الثلاث، مجد في أثناء الحملة، مجد سينتهي مع إغلاق صناديق الاقتراع.
ومع ذلك، ثمة قاسم مشترك مشوق للانتخابات في أمريكا وإسرائيل؛ فهي تجرى في دولة مستقطبة، بين معسكرين متبلورين، والقليل جداً قد يفر من كتلة ناخبين إلى أخرى، إذا حدث فرار. عيزرا كلاين، أحد كُتّاب المقالات البارزين في الإعلام الأمريكي، اقترح في مقال نشره أمس، بتنحية الخلاف بين اليمين واليسار، والبيض والسود، والرجال والنساء، والأغنياء والفقراء والطبقة الوسطى. الانقسام الأهم، كما كتب، هو بين أولئك الذين يسعون للدفاع عن المؤسسات القائمة، وأولئك الذين يسعون لاستبدالها. الديمقراطيون يريدون إصلاحاً؛ والجمهوريون يريدون انقلاباً نظامياً.
الشبه يشوش: ثمة تهجمات في الشبكات وقنوات الدعاية، وهناك تشبيه على نحو عجيب؛ فالتهجمات في الشبكات وقنوات الدعاية هنا: البيبيون من جهة، والكابلانيون من جهة أخرى.
الجمهوريون مقتنعون بأن مؤامرة يسارية سرية، مناهضة لأمريكا، سيطرت على حياتهم. وهي تتضمن الحكومة، وجهاز القضاء، وجهاز الصحة، والأكاديميا، والإعلام، والأعمال التجارية الكبرى، بل وحتى الـ اف.بي.اي والجيش. شيطنة المؤسسات تسيطر بسهولة على خطابات ترامب، التي تصف كل مؤسسات وشخص لا يؤيده بأنه عدو أمريكا وعدو الإنسانية. وهي تسيطر بسهولة أيضاً على التفاعلات عبر الشبكات.
يعترف الديمقراطيون بأن المعركة المؤسساتية ليست ناجعة، وتميز في صالح الأغنياء والأقوياء، وفاسدة في هوامشها، لكنهم مقتنعون بأن نواياها الأساسية طيبة. حسب الاستطلاعات، يهمهم الدفاع عن المؤسسات والقيم التي تمثلها أكثر من إحلال تغيير فيها.
الخطابات التي ألقاها المرشحان في المهرجانات الانتخابية وشعارات صناعة رسائلهما استعدت بما يتناسب مع ذلك. كانت هاريس متفائلة ومتصالحة؛ أما ترامب فكان متكدراً، متشائماً وعدوانياً، على شفا العنف. في أحد خطاباته الانتخابية الأخيرة، قال إنه لن يهتم إذا ما بدأ أحد ما بإطلاق النار على الصحافيين. الجمهور الذي سمعه رد بابتسامة عاطفة. وحسب أحد الاستطلاعات، فإن 54 في المئة من مصوتي الديمقراطيين يكنون ثقة بوسائل الإعلام؛ 12 في المئة فقط من مصوتي الجمهوريين يكنون له الثقة.
في مجتمع مستقطب، ما يحسم في الانتخابات هو معدل المصوتين في كل كتلة. وهذا سمح لترامب بالتصرف مثل ترامب: الخروج عن الصيغة المكتوبة والتباهي بذلك، بل تكريس خطاب من 12 دقيقة لحجم العضو الجنسي للاعب غولف متوفى. القاعدة تحبه عميقاً. المشكلة أن ما يسلي ويسحر ناخباً ما، ينفر ناخباً آخر أو ناخبة أخرى.
قبل بضعة أسابيع، في أثناء زيارة لواشنطن، التقيت صديقاً ترأس مؤسسة مهمة من الحزبين. شرح لماذا ستفوز هاريس برأيه، فقال: “قبل ثماني سنوات، كانت لترامب حركة، ثم هزلت جداً. أما هاريس فلها حركة داعمة. حركة تجلب الناخبين إلى صناديق الاقتراع”.
الحركة التي قامت بعد أن تخلى بايدن عن الترشيح، تقوم على أساس طيف واسع من الأفكار، من ديك تشيني وابنته ليز في أقصى اليمين الجمهوري، حتى بيرني ساندرس في أقصى اليسار الديمقراطي. القاعدة في الميدان هي النساء اللواتي أوضح لهن قرار المحكمة العليا ضد الإجهاض الجهة التي تهب الريح باتجاهها في الحزب الجمهوري.
لكن استيقاظ الروح النسوية أقامت حركة مضادة لرجال بيض وسود يشعرون بأن انتخاب امرأة للرئاسة بل وامرأة سوداء وتقدمية يهدد رجوليتهم. يتبين أن السؤال هو ليس فقط مع وضد ماذا أنت، بل أيضاً إلى أي من الجنسين تنتمي.
عندي جدال طويل السنين مع زميل أمريكي. هو يدعي ان أمريكا هي برودواي، وإسرائيل خارج برودواي: ما يحصل عندنا ينتقل بعد ذلك إلى المنصة المركزية، إلى أمريكا. أدعي أن المسيرة معاكسة. نحن نتفق على أمر واحد: كل طرف يميل للعدوى بأمراض الطرف الآخر. هاكم سبباً آخر لمتابعة الانتخابات في أمريكا.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 5/11/2024