يجب علي الغرب واسرائيل أن يعطوا السلطة بقيادة حماس المساعدات المطلوبة لدفع التنمية الاقتصادية والابقاء علي الامل
لدي الادارة الامريكية ذريعة ممتازة: من المحظور عليها بصورة رسمية ان تساعد حكومة يوجد فيها اعضاء من تنظيم ارهابي ولذلك لن يكون بامكان الحكومة التي يشارك فيها اتباع حماس ان تتمتع بالدعم الامريكي. نقول ذريعة لان من الممكن مساعدة مثل هذه الحكومة بطرق ملتوية اخري شريطة ان تتوفر الرغبة.من الممكن تحويل الاموال للمنظمات غير الحكومية مثلا او دفع ديون السلطة لاسرائيل مباشرة كديون شركة الكهرباء المستحقة. باختصار مثلما قرر الرئيس بوش في عام 2003 تجميد القانون الذي يحظر تحويل الاموال للسلطة مباشرة، بامكانه الان ايضا ان يفعل نفس الشيء ولكننا نعرف ان الذريعة السياسية والتهديد بوقف المساعدات للسلطة يهدف الي كبح انتصار حماس. ما العمل الان عندما اصبحت حماس في الداخل؟الجواب علي ذلك موجود في التقرير الذي نشره البنك الدولي في كانون الاول (ديسمبر) الماضي حول وضع السلطة الفلسطينية اقتصاديا. علي سبيل المثال يتحدثون عن ان السلطة في حالة عجز شهري بقيمة 57 مليون دولار ومع العمليات الحسابية المطلوبة تصل الي عجز قيمته 900 مليون دولار في 2006. المداخيل الواردة تغطي بشق الانفس اجور العاملين وبعدها لا يتبقي شيء للتنمية والبني التحتية. معدل البطالة يبلغ 24 في المئة الا ان هذه النسبة تصل الي 44 في المئة عند الفئة الشابة (20 ـ 24 سنة). وهذه شرعية سكانية موجودة تحت خط الفقر. هذه المعطيات والارقام الجافة ترجمت سياسيا وكانت احد الاسباب الاساسية التي اسهمت في صعود حماس. اليكم في هذه الحالة دائرة شيطانية قادمة: من دون المساعدات الامريكية وغير الامريكية ستواصل حماس زيادة قوتها، والامل بحياة افضل في ظل النظام الذي انتخب ديمقراطيا سيضعف والاستثمارات التي انفقتها الادارة الامريكية (40 مليون دولار) حتي تدفع مشاريع مشجعة علي الديمقراطية ـ ستذهب سدي بصورة بديهية. مع المساعدة الامريكية والي جانبها الاوروبية التي تصل اليوم الي (250 مليون) يورو وربما تضاعف نفسها في السنة القادمة يمكن للسلطة الجديدة ان تستعيد ثقة الجمهور بها وباجهزتها وان تعمق الشعور بأن العملية الديمقراطية قادرة علي احداث التغيير في مستوي الحياة وجودته. التهديد الاقتصادي الذي يخيم فوق الساحة السياسية يجب ان لا يرتبط بمن يوجد علي قمة السلطة، اذ ان الادارة الامريكية قد فوتت فرصة احداث تغيير سياسي في فلسطين بواسطة المساعدة الاقتصادية. العقوبات الاقتصادية الان تعني عقوبة جديدة وليست سياسة. حتي ان سعت الادارة الامريكية لاتخاذ خطوات عقابية من هذا القبيل فمن الصعب فهم سبب تهديدها باستخدام هذه العقوبات ضد السلطة الجديدة وليس ضد الحكومة اللبنانية التي يوجد فيها اعضاء من حزب الله الذي يعتبر تنظيما ارهابيا. والامر المثير هو هل ستطلب واشنطن من الاتحاد الاوروبي ايضا ان يمنع المساعدة السنوية المقدمة للسلطة؟ هل ستضغط علي الدول العربية (التي تصل المساعدة الامريكية لها الي 18 في المئة من مجمل المساعدة المقدمة للفلسطينيين) حتي تتوقف عن مساعدة السلطة تحديدا عندما اصبحت علي رأسها قيادة منتخبة ديمقراطيا؟الان عندما اصبح واضحا ان حماس هي التي ستشكل الحكومة القادمة هناك في اسرائيل من يفكرون بالعقوبات ايضا. ليس فقط منع المساعدة المباشرة وانما عدم تحويل الاموال التي تحق للسلطة من جباية الجمارك والضرائب. فما الذي يبدو اكثر منطقية من منع مثل هذه المساعدة لتنظيم ارهابي؟ معاقبة المنتصرين ومعهم ملايين الفلسطينيين الذين انتخبوهم. مثل هذه الخطوة ستوفر لاصحابها قدرا كبيرا من متعة الانتقام: انتم اخترتم حماس وعليه لن تأكلوا . هذا هو الرد الغربي الملائم لمن يتمسك بالايديولوجيا الاسلامية المتطرفة. الا ان هذا التنظيم سيصبح من الان الحكومة الفلسطينية الملزمة بالحرص علي مصالح مواطنيها وتوفير العمل لهم وترميم مدارسهم وتجسيد ما كان سببا لفشل السلطة وادي الي انتصار حماس. من السهل جدا ان ننسب الايديولوجيا المتطرفة لحماس وان نعمم ذلك بصورة شمولية. لدي حماس الان دولة وصراع يجب عليها ان تديرهما. ومن دون مساعدة اقتصادية لن يبقي لها الا الصراع. وهذه كما برهنت حماس في السابق مهمة سهلة بالنسبة لها.تسفي بارئيلمراسل الصحيفة للشؤون العربية(هآرتس) 29/1/2006