غزة: تحت وطأة نيران غير مسبوقة وتجويع متعمد، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية شمال قطاع غزة لليوم العاشر على التوالي، مما يثير مخاوف السكان من إجبارهم على النزوح قسرا إلى مناطق جنوب القطاع.
وفي ظل التطهير العرقي والإبادة، يصر الأهالي على البقاء بمنازلهم، وفي أسوأ الحالات، يلجؤون إلى النزوح إلى مناطق قريبة هربا من النيران الإسرائيلية التي تتوسع في المنطقة.
وازدادت الأوضاع سوءا مع توجيه جيش الاحتلال الإسرائيلي إنذارات جديدة لسكان مناطق جباليا النزلة والصفطاوي وأبو إسكندر بحي الشيخ رضوان، وهي مناطق قريبة جغرافيا من “العمليات العسكرية” التي أعلنها الجيش يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث أُمر السكان بالإخلاء نحو الجنوب.
ويقطن هذه المناطق عشرات الآلاف من الفلسطينيين إضافة إلى أن الآلاف نزحوا إليها من مخيم جباليا وبلدات جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون مع بداية اجتياح جيش الاحتلال لها قبل أسبوع.
وتفرض قوات الاحتلال الإسرائيلية حصارا شديدا على تلك المنطقة، يتركز في بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا، في محاولة لإفراغها من السكان، تمنع بموجبه دخول المساعدات الإغاثية وشاحنات المياه الصالحة للشرب للسكان.
والسبت، قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن الجيش الإسرائيلي يعزز ممارسة الإبادة الجماعية في محافظة شمال قطاع غزة بما فيها مخيم جباليا، من خلال ارتكاب المجازر والقتل العمد، مع تواصل هجومه البري على المنطقة منذ 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
والأربعاء، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أن الجيش الإسرائيلي يحاصر على الأقل 400 ألف فلسطيني شمال قطاع غزة.
في هذا السياق، أعرب رمزي المدهون، من سكان حي “الشيخ رضوان”، عن قلقه من نوايا إسرائيل تهجيرهم لجنوب القطاع، مؤكدا أنهم لا يستجيبون لأوامر الإخلاء رغم توسيع عملياته.
وأضاف المدهون، الذي يعيل أسرة من 6 أفراد، أن “سبب عدم استجابة الأهالي لأوامر الإخلاء هو مشاهدتهم لمعاناة النازحين جنوب غزة، حيث يستمر القصف الإسرائيلي على المناطق الآمنة والخيام هناك”.
وتابع: “نزحنا من شمال القطاع إلى غرب مدينة غزة الأقرب لنا، لكننا لن ننزح إلى جنوب القطاع حتى لو كلفه ذلك حياتنا”.
وقال إن “أصوات التفجيرات ونسف البيوت من داخل منطقة العمليات العسكرية لا تكاد تخمد لساعة واحدة، مما يعد دليلا على نوايا الاحتلال التدميرية والتطهيرية، في ظل عجز المجتمع الدولي عن ردعه”.
أما سعاد الجبالي، الأم لثلاثة أطفال، فقد صدمت عند تلقي “منشورات إخلاء” من الجيش الإسرائيلي تطالبهم بالنزوح.
ورغم حالة الهلع التي سادت، قررت العائلة عدم المغادرة، مشيرة إلى عدم وجود مناطق آمنة في غزة، حيث يستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي كل مكان دون أي اعتبارات، بحسب قولها.
وقالت الجبالي: “بعض الأهالي تركت المنطقة فور إنذار الإخلاء إلى أماكن بعيدة عن نطاق الخطر وليس لجنوب القطاع”.
وتخشى الجبالي، استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلها، موضحة أن أصوات التفجيرات لا تتوقف، وأن الهدف من هذه العمليات هو تهجيرهم من شمال القطاع.
وأضافت: “صمودنا في منزلنا هو أبلغ رد على محاولات التهجير والتطهير العرقي، ولن نسمح بنكبة جديدة رغم توسيع عملياته البرية وشح الطعام والماء”.
وتابعت: “حركة الآليات الإسرائيلية التي تجري أعمال تجريف يسمعونها بوضوح، خصوصا ساعات الليل، ويشعرون أنها تقترب منهم شيئا فشيئا”.
وطالبت الجبالي المجتمع الدولي بـ”التدخل الفوري لوقف ما يحدث شمال قطاع غزة، وتحمل مسؤوليته تجاه نحو نصف مليون إنسان صمدوا هناك ويرفضون مغادرة أرضهم حتى لا يتم سرقتها”.
من جهة أخرى، إبراهيم أبو وردة، المحاصر في منزله بالقرب من “دوار أبو شرخ” غربي مخيم جباليا، قال إن “القوات الإسرائيلية تقوم بتشييد سواتر ترابية لقطع الطرق على النازحين لمدينة غزة القريبة.
وأضاف: “الجيش الإسرائيلي يحاصر منطقته وما حولها بكثافة نارية غير معهودة، وينسف البيوت بشكل كبير جدا باستخدام آليات غير مأهولة على مدار الساعة”.
وأشار إلى أن “معظم منازل غرب المخيم تعرضت للتدمير، وقتل العديد من السكان داخلها، بينما يعاني آخرون من إصابات، بما في ذلك ابنه محمد الذي أصيب بشظية، ولم تتمكن فرق الإسعاف من الوصول إليه بسبب رفض الاحتلال للتنسيق”.
ولفت إلى أنه “حاول السيطرة على النزيف في يد نجله بطرق بدائية، آملا أن يتمكن من نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج”.
وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر 2023.
ويعيش القطاع الصحي في شمال قطاع غزة منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية حالة صعبة للغاية.
وتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي إطلاق النار صوب طواقم الإسعاف والطواقم الطبية، لا سيما في مستشفى “كمال عدوان” الواقع في بلدة بيت لاهيا.
وهدّد جيش الاحتلال الإسرائيلي، المستشفيات الثلاثة العاملة في شمال قطاع غزة (كمال عدوان والعودة والإندونيسي)، منذ أيام بالإخلاء الفوري للمرضى والطواقم الطبية، وإلا سيكون مصيرهم التدمير، بحسب ما قال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية.
ومنذ بدء عمليته العسكرية الحالية على شمال القطاع حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي إطباق الحصار على منطقة جباليا ومنع الأهالي من النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، وأمرهم بالنزوح فقط عبر شارع “صلاح الدين” الممتد على طول شرقي القطاع من شماله إلى جنوبه.
وفي 7 أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع مرور عام على اندلاع حرب الإبادة في غزة، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي تهجير سكان بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا إلى جنوبه، ما عدّته وسائل إعلام تطبيق غير معلن لـ”خطة الجنرالات“.
و”خطة الجنرالات” كشف عنها موقع “واي نت” العبري، في 4 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتهدف إلى “تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة”.
الخطة أعدها عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ”إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في 22 سبتمبر الماضي.
وخلفت الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في غزة بدعم أمريكي منذ أكثر من عام، ما يزيد عن 140 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وأكثر من 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
(الأناضول)